شبكة اخبار العراق:
2025-01-24@18:21:47 GMT

صداقة الأمكنة تودعنا إلى غير رجعة

تاريخ النشر: 24th, August 2023 GMT

صداقة الأمكنة تودعنا إلى غير رجعة

آخر تحديث: 24 غشت 2023 - 12:39 مغفران حداد

لم يكن المكان يوما مجرد تضاريس وحجارة وجغرافيا، بل هو أحد مكونات وأركان الوجود في هذا العالم، ويتشكّل وجوده بحضور الزمن والشخصيات، وفي أحيانٍ كثيرة يتعلق الإنسان بالمكان ارتباطاً وجودياً وفلسفياً يصعب تفسيره، وفاة معظم المكتبات في بيروت مثل مكتبة (واي ان) التي تحولت إلى متجر لبيع الأحذية، وقبلها أقفلت مكتبة (البرج) و(خياط) في وسط بيروت ومكتبه (راس بيروت)،وتحولت مكتبة (النهار) قرب مصرف لبنان في الحمرا إلى نوع من الذكرى تبيع ما تبقى من كتب في المستودعات، وأقفلت مكتبة (ناشرون) في مبنى ريبيز ومكتبة (النجمة) في شارع المقدسي، هكذا حال الأمكنة الثقافية في بيروت، سائرة نحو التأزم وباتت في طريق الانقراض، فمنذ الأزمة الاقتصادية في عام 2019 وأمكنة المثقفين وعشاق الكتب تحولت إلى محال تجارية ولم يعد باستطاعة الكثير من دور النشر عرض كتبها.

قبل أيام قليلة أعلن إغلاق مقهى زرياب في دمشق القديمة وخيّم الحزن على مرتاديه ومحبي المقهى بعد إعلان صاحب المقهى (برنار جمعة) في أسطر رثاء عبر صفحة المقهى الرسمية جاء فيه: ( بعد 13 سنة من الذكريات والمشاعر المختلفة التي حاول زرياب أن يحتضنها ويقدمها كمساحة حملت الكثير من النجاحات والخيبات ولأن لكل رحلة نقطة نهاية نحو بداية أفضل، نأسف بأن نبلغكم أن يوم الأحد 27 من عام 2023 سيكون اليوم الأخير لمقهى زرياب على أمل اللقاء في رحلة جديدة ووقت قادم) .من لم يدخل مقهى زرياب يظن أن مشاعر الحزن والفراق إزاء جدران صماء بكماء وطاولات قدمت عليها وجبات مطبوخة منزلية كل يوم، فيها شيء من المبالغة، ولكن التعلق بالمكان لا يأتي من فراغ، كل سائح زار دمشق لأول مرة، يحثه أصدقائه على ارتياد مقهى زرياب. بعد مشاوير كثيرة وعناء يوم طويل، تكون لديك رغبة جامحة بارتشاف أكثر من فنجان قهوة وتدخن بشراهة، يلفت حواسك ليس فقط طعم المأكولات الدمشقية، بل كيف أن الكتابة لدى المثقفين تنبثق من الكراسي وسقف الخشب والحجارة البيضاء الناتئة، رفوف هنا وهناك تلقي عليك التحية لتقترب منها، كاميرات قديمة، فوانيس ملونة وشرائط كاسيت لمطربين يعود صنعها للزمن الجميل الذي انتهى قبل عقود، وأعواد موسيقى قديمة تعزف لكَ ألحاناً طربية، وكتب قيّمة ضمن رف حجري داخل أحد الجدران تجذبك كالمغناطيس لتتصفحها، عشق المرء للمكان ليس ما يلمسه ويعيشه في الواقع، بل يتعلق حتى بالأمكنة التي يقرأها في رواية، فالروائي هو من يرسم ويصنع في كتاباته مدناً وأمكنة من خياله ليقدمها للقارئ في سطور بعيدة عن الواقع يتعلق بها ويشد الرحال معها.ماذا نفعل اليوم في صداقة الأمكنة التي تودعنا إلى غير رجعه، خبر إغلاق مقهى زرياب في دمشق، جعل  مشاعرنا خليطا بين الألم والغربة والحنين، هي ذاتها التي اجتاحتني عندما سمعت بخبر إغلاق مقهى (الويمبي)، إنها ليست أسماء عادية يا سادة، إنها جزء من ذاكرة دمشق وبيروت الثقافية السياحية السياسية، إنها جزء من كيانك، من ذكرياتك، لقاءاتك بصداقات تبقى في الوجدان، المسألة ليست فراق الحجر وليست نوستالجيا حالمة مفصولة عن الواقع الاقتصادي المنهار، دمشق وبيروت تتشاركان في الكثير من الهموم اليوم، فهل علينا نسيان ذكرياتنا في مقهى زرياب ونبدأ في نسج ذكريات جديدة مع مقهى جديد لو زرنا دمشق في المرة المقبلة، وربما ستتغير ملامح المكان ونفتش على جميع الأزقة المؤدية إليه ولا نجدها، مثل حال مكتبة (نوبل السورية) الواقعة مقابل فندق الشام وسط العاصمة دمشق، هذه المكتبة التي ولدت في سبعينيات القرن الماضي وكانت معلماً ثقافياً ولها فضل على ملايين الناس الذين اقتنوا من كتبها، التي زادت من جمالية بيوتهم ومن معرفتهم ومعرفة أولادهم بعدهم، لكن ملامح المكان تغيرت وأضيفت إلى سلسلة من المكتبات الشهيرة التي أغلقت في دمشق مثل مكتبة (ميسلون) المجاورة لمكتبه نوبل ومكتبة (اليقظة) عند مقهى الكمال التي تحولت إلى محل لبيع الأحذية أو مكتبة (الذهبي) التي تحولت لمحل شعبي لبيع سندويشات الفلافل، مكتباتنا العربية رويدا رويدا تتحول من قِبلة للكتّاب والناشرين إلى معقل للنراجيل، ومقاهينا العريقة التي كانت مكاناً أثرياً وتراثياً وملتقى للمغتربين العرب والأجانب تتحول إلى مكان مهجور مغلق لا حياة فيه.في أيام الحرب العالمية الثانية أصدرت الحكومة البريطانية تعليمات بضرورة إبقاء جميع المسارح والسينمات والمكتبات والمقاهي مفتوحة أمام الناس لكي يحافظ الشعب اللندني، على توازنه النفسي والفكري في ظل تساقط القنابل الألمانية اليومية عليهم، واليوم في ظل الحرب الاقتصادية والإقليمية والوضع الأمني الهش في بعض عواصمنا العربية، هل من أحد مهتم بالحفاظ على توازننا النفسي والفكري؟.

المصدر: شبكة اخبار العراق

إقرأ أيضاً:

من ملتقى المثقفين إلى رمز الثورة.. حكاية مكان شهد تحولات سوريا (صور)

سوريا – عندما تسير في شارع العابد، لا بد أن يستوقفك مقهى الروضة، مكان مغلق يطل بواجهة زجاجية على برلمان دمشق، أحد أهم المعالم البارزة الشاهدة على استقلال سوريا عام 1946.

فضاء مفتوح على الحكايات والتفاصيل، يستحضر رواده قصصا فرضت حضورها وارتبطت بحبل سري مع مسارات حياتهم وحواديثهم وحتى مآلاتهم. وهو في ذاكرة الكثيرين كان مجلسا يوميا لنخبة من الأدباء والشعراء، مثل ممدوح عدوان ومحمد الماغوط ومظفر النواب وسعدي يوسف، والأديب أدونيس الذي كان يعرّج إلى الروضة كلما زار دمشق. ولا ننسى مظفر النواب الذي واظب على ارتياد المقهى، إضافة إلى حضور الفنانين إليه، تتوزع فيه الكراسي والطاولات، وتتداخل الأصوات الممزوجة مع حركة الزبائن دخولا وخروجا.

التقاط اللحظة

في ركن بعيد، يجلس الكاتب الروائي يعرب العيسى محاولا التقاط اللحظات الخاصة بالمكان والشخوص. ويؤكد لـ”روسيا اليوم” أن سر المقهى هو اتساع فضائه ورحابته وسقفه المفتوح عمرانيًا، إضافة إلى حضوره في الحياة العامة وعدم ارتباطه بتيار سياسي معين أو شريحة محددة من الناس. ويضيف العيسى: “استطاع مقهى الروضة التقاط اللحظة، فقبل أسابيع من سقوط النظام بدأوا بإقامة ندوات وحوارات سياسية، إضافة إلى الندوات الأدبية والفنية وغيرها، ليصبح بعدها وجهة وقبلة لكل القادمين من الخارج، ويتحول إلى رمز خاص. وأنا أعتقد أن للأماكن أقدارا كالأشخاص، وهذا قدر مقهى الروضة أن يكون له هذه الدلالة”.

ويستكمل العيسى حديثه بأن لشجرة الدلب القابعة على باب المقهى خصوصية، فعمرها الممتد لأكثر من 100 عام يحمل الكثير من المفارقات، ولو شاهدناها عن قرب سنفهم المعنى العميق لها.

ليس مكانا للترفيه

وترى الكاتبة الصحفية سعاد جروس، إحدى زائرات المقهى الدائمات، أن المقهى اكتسب أهميته كفضاء عام من موقعه وتاريخه ورواده. فهو جزء لا يتجزأ من ذاكرة المدينة. وقد عرفت دمشق العديد من المقاهي ذات الخصوصية التي تتجاوز وظيفته كمكان للترفيه وتمضية الوقت مع الأصحاب، مثل مقهى النوفرة خلف الجامع الأموي، وأبو شفيق في الربوة، والهافانا ومقهى البرازيل عند جسر فكتوريا. وشكل الأخيران جزءا من الذاكرة السياسية السورية في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، لوقوعهما في قلب دمشق، إلى جوار النادي العربي والعديد من مكاتب الصحف والمطابع فيها.

وبرز مقهى الروضة مقابل مبنى مجلس الشعب كمكان للقاء المثقفين والمعارضين، ليكون ساحة للمعارك الثقافية الساخنة والباردة. ومع انطلاق الثورة عام 2011، أصبح مكانًا للقاء الثوار الشباب، الذين سرعان ما تحول المقهى إلى مصيدة لتعقبهم من قبل المخبرين الذين احتلوه وحولوه إلى مقهى بائس لاجترار الملل ونفث الدخان ولعب النرد، كجزء من المشهد العام الثقيل الذي كانت تعيشه البلاد قبل سقوط النظام.

ومع تحرر البلاد من القبضة الأمنية، استعاد السوريون مقهى الروضة كفضاء مفتوح لهم، فأقبلوا عليه من الداخل والخارج، وراحوا ينفضون غبار الدمار والخراب عن ذاكرتهم الموجعة، ويغسلون أحلامهم المؤجلة بدموع الفرح: “ارفع رأسك، فأنت سوري حر”.

تحول تاريخي

يقدم الشاعر والناقد الأكاديمي د. مازن أكثم سليمان قراءته لتحولات المشهد الثقافي، ويؤكد لـ”روسيا اليوم” أنه لا يمكن قراءة ما يحدث الآن من نشاطات وتجمعات في مقهى الروضة أو غيره، دون ربط ذلك بالتحول التاريخي المرتبط بسقوط النظام في سوريا. بمعنى أن عودة الحياة إلى مقهى الروضة لا تتصل بعودة الزبائن التقليديين بعدد أكبر فحسب، إنما تتصل بعودة المقهى إلى كونه صاحب موقع محوري في الفضاء العام للبلد.

ويضيف: “مارست المقاهي الدمشقية العريقة منذ أواخر القرن التاسع عشر، ومع مطلع القرن العشرين، وصولًا إلى حقبة الاستقلال وما بعدها، دورا كبيرا في لقاء النخب السياسية والفكرية والثقافية، وفي إدارة حواراتها العامة والمنظمة، وفي إطلاق الأفكار والبيانات والتجمعات المتعلقة بشؤون السياسة وصراعاتها وتوجهاتها”.

ولعل هذا الدور قد انحسر، إن لم نقل قد انعدم نهائيًا، في حقبة الأسدين، حيث أُلغي فضاء الحريات العامة ليس من المقاهي وحدها، بل من عموم البلاد، وحُذفت السياسة من التداول العام تحت سطوة أحادية الدولة الأمنية العسكرية وتنكيل قبضتها الصارمة. وهذا ما حوّل المقاهي إلى مجرد مكان تقليدي للقاء والترفيه والاستهلاك.

ويشير د. سليمان إلى أن سقوط النظام غيّر المعادلة في الأسابيع الماضية، وهذا ما أظهره النشاط السياسي والثقافي الذي يشهده مقهى الروضة حاليًا. وهو نشاط يكشف تعطش النخب المختلفة إلى العمل الوطني، والعودة إلى الفضاء العام، ومواجهة استحقاقات المرحلة الانتقالية وصعوباتها وأسئلتها ومخاطرها. ويتوازى أو يتكامل ذلك مع جهود القوى المدنية والأهلية في العمل على القضايا المباشرة على الأرض.

بمعنى أن الاشتغال السياسي والثقافي للنخب المختلفة، ومن بينها عدد من الناشطين المدنيين والإغاثيين والأهليين ممن يشاركون في لقاءات مقهى الروضة، لا يتناقض مع متطلبات الناس المباشرة والملحة جدًا من أمور معيشية وخدمية وصحية، ولا سيما في ضوء الحاجة إلى العمل في المسارات كافة.

وشدد د. سليمان على أن تحوُّل مقهى الروضة الآن إلى أحد منابر الحوار الوطني هو حالة وحاجة صحية، وهي لا تقتصر عليه، بل تمتد إلى منابر عدة. وتؤكد عودة الناس إلى العمل العام على أمل تحمل الجميع مسؤولياتهم في مواجهة الاستحقاقات الحالية والقادمة، وفي بناء سوريا كي تكون دولة مواطنة تعددية ديمقراطية وحرة.

المصدر: RT

مقالات مشابهة

  • من ملتقى المثقفين إلى رمز الثورة.. حكاية مكان شهد تحولات سوريا (صور)
  • بعد بيروت.. وزير الخارجية السعودي يزور دمشق للقاء مسؤولين كبار في الإدارة الجديدة
  • الخريّف: مدينة الجبيل الصناعية تحولت من أرض صحراوية إلى مركز عالمي
  • المدير العام للخطوط الجوية التركية بلال أكشي: يسعدنا أن نستأنف رحلاتنا بعد انقطاعٍ إلى دمشق التي يعود تاريخها إلى آلاف السنين وهذه العودة تسهم بخدمة سوريا وشعبها وشعوب المنطقة
  • هل التثاؤب الكثير والصداع من أعراض الحسد والسحر ؟
  • كيف تحولت الطبلية إلى أيقونة تجمع العائلة المصرية؟
  • المنظمات الأهلية الفلسطينية: الكثير من الأسر تمكنوا من العودة إلى شمال غزة
  • مقهى "النعناع البري" مساحة للزبائن والقطط لممارسة اليوغا والتأمل
  • إبراهيم عيسى: مصر تعاملت بقدرة كبيرة مع بايدن.. "تحصلنا على الكثير"
  • في "البام"، مسافة "أمان" مع "الأحرار" تحولت إلى قناعة تمهيدا لانتخابات 2026