محمد بن رامس الرواس
برغم العقبات والتحديات المستمرة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إلّا أن المقاومة الفلسطينية أثبتت قدرتها على الصمود والتكيف مع الظروف المتغيرة بعودة القصف الإسرائيلي وبدء الدخول البري مرة أخرى سواء من الناحية العسكرية أو السياسية أو الاجتماعية، وذلك من خلال 7 عوامل رئيسية أولها وجود عقيدة إيمانية وإرادة قتالية.
المقاومة تستمد قوتها من إيمانها العميق بالله وبعدالة قضيتها، مما يمنحها دافعاً قوياً للاستمرار رغم الحصار والضغوط العسكرية عليها من كل جانب. ثاني هذه العوامل أنَّه خلال فترة الهدنة الفائتة طورت المقاومة استراتيجياتها العسكرية والتحق بها الكثير من الشباب، وإعادة تموضعها وتجهيزاتها مثل تهيئة الأنفاق والصواريخ محلية الصنع مما جعلها قادرة على مُفاجأة الاحتلال وإرباك حساباته العسكرية في الفترة المقبلة.
ثالث هذه العوامل وجود الدعم الشعبي الذي يُعتبر الحاضنة الأساسية للمقاومة؛ حيث يلتف الفلسطينيون حول المقاومة بكل فصائلها لإيمانهم بأنَّ وجودهم هو الضامن الوحيد للتحرير. رابع هذه العوامل القدرة على التكيف على الحصار برغم القيود المفروضة عليها. وخامس هذه العوامل استثمار المقاومة للحرب النفسية التي تبثها من خلال إعلامها العسكري؛ مما جعلها تستخدم الحرب النفسية بذكاء لتوصيل ونقل رسائلها إلى الشارع الإسرائيلي الذي تشتعل فيه المظاهرات المطالبة بوقف الحرب والعودة للصفقة لأجل إطلاق الأسرى.
سادس هذه العوامل وجود الانقسام الإسرائيلي الداخلي وظهور مزيد من الخلافات السياسية والعسكرية داخل دولة الاحتلال مما يمنح المقاومة مساحة أكبر للمناورة؛ حيث سيستغل قادة المقاومة هذا الارتباك الإسرائيلي لتحقيق مكاسب عسكرية أو سياسية على الأرض.
أما سابع هذه العوامل، فيتمثل في ظهور المظاهرات والاحتجاجات مرة أخرى بالعديد من المدن الأوروبية وبعض الجامعات الأمريكية.
ختامًا.. رغم كل التحديات التي تواجهها حماس وفصائل المقاومة، تبقى المقاومة الفلسطينية نموذجًا للصمود والتكيف، حيث تعتمد على نصر المولى- عزَّ وجلَّ- والإرادة القتالية والتطور التكتيكي والدعم الشعبي لضمان استمرارها في مواجهة الاحتلال.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
غزة.. ملحمة صمود في وجه الإبادة
لم يكن الرابع عشر من أيار يومًا عاديًا في تاريخ غزة، بل كان أشبه بنيزك هوى على قلب فلسطين، ولا يزال أثره غائرًا حتى يومنا هذا. فمنذ ما يقارب سبعة وسبعين عامًا، أقدمت عصابات من الصهاينة الغزاة على طرد شعب من أرضه وتهجيره قسرًا، تنفيذًا لوعد بلفور المشؤوم، الذي كان جزءًا من مخططاتهم الإجرامية القائمة على القمع والتهجير والتعسف، وإعطاء فلسطين لليهود، برعاية الإمبراطورية البريطانية آنذاك، ومع وطأة الظلم، ونير الاقتتال، وتجاوزات العدو، أقسم أبناء هذه الأرض ألا يحيدوا عن درب النضال، وأن يفنوا ما تبقى من عمرهم في سبيل كرامة الوطن.
في السابع من أكتوبر المجيد لعام 2023، انقدحت شرارة طوفان الأقصى معلنة فجرًا جديدًا من المقاومة وكاشفة زيف المواقف العربية المتوارية خلف قرارات مجلس الأمن والمجتمع الدولي الساعية لترسيخ دعائم المشروع الاستيطاني الصهيوني في غزة وطمس معالم القضية الفلسطينية إلى الأبد. كل ذلك يجري وفق خطط صهيونية خبيثة بدأها ترامب وأكملها بايدن مستغلين عوامل التطبيع والدعم المشبوه لتحقيق مصالح شخصية بثمن بخس.
مع غمرة طوفان السابع من أكتوبر، سطرت الكتائب في غزة ملاحم بطولية، ونفذت عمليات عسكرية محكمة، أرعبت قادة الكيان، وشلت قوى دفاعاتهم في مواقع عدة، واستولت على قواعدهم العسكرية، لتتوج ذلك بالسيطرة على بعض مستوطناتهم لفترة وجيزة، كان هذا المشهد زلزالًا مدويًا للكيان المتغطرس، الذي لم يتخيل يومًا أن يتحول الصياد إلى طريدة، وأن شجرة الزيتون المباركة قد أنجبت رجالاً من حديد، لا يعرفون الخضوع، ولا يرضون بالهوان.
لم تنته الحكاية هنا! إنما هي للتو بدأت. ففي الوقت الذي أعلن فيه الطوفان بدء انتفاضته، تحرك النظام الإسرائيلي تحت غطاء الدفاع عن النفس بأعتى الهجمات وأعنف الضربات، ممهدًا بذلك الخطوة الأولى لحرب الإبادة في غزة، مستهدفًا المدنيين العزل والبنى التحتية والمنشآت، وكل شيء في القطاع. علمًا بأن الضربات المدوية لم تكن عشوائية، بل كانت جزءًا من خطط مدروسة وسياسة واضحة تهدف إلى جعل القطاع غير صالح للعيش، فتتلاشى الحياة فيه شيئًا فشيئًا.
إنه النظام المارق الذي طغى وتجبر في هيمنته على القطاع المحاصر، وشن حرب إبادة جماعية بأبشع صور الوحشية والدموية على الإطلاق، مستغلًا خذلان العرب لغزة وموقفهم المتخاذل من القضية الفلسطينية، كذلك وهن مجلس الأمن الدولي الذي يكتفي ببيانات الشجب والإدانة منذ عقود دون أن يحرك ساكنًا. علمًا بأن الموازين ستختلف حتمًا لو تجرأت أرض الزيتون وحلفاؤها على المساس بأمن الكيان الإسرائيلي، حينها سيهب العالم بأسره لنجدته، وتطبيق قرارات حاسمة ترضي غرور الصهاينة.
إن واقع اليوم يعكس مدى الخسة والانحدار الذي أصاب العالم والأنظمة العربية خاصة، ويكشف عن مأساة تتجدد، وتاريخ يعيد نفسه، ودمار قادم تكتب فصوله بغباء الشعوب وتخاذل حكامهم، ولكن العاقبة للمتقين.