يُحسَب للمؤرخ الأديب سيف بن حمود البطاشي (ت:1420هـ) التفاتُه إلى الوثائق المنقولة في متون الكتب المخطوطة أو في زياداتها وطُرَرِها، وقد نقل جملة منها في كتابه (إتحاف الأعيان) الذي ترجم فيه للعلماء والفقهاء في ثلاثة مجلدات خَصَّص ثالثها لفقهاء عهد اليعاربة وبداية عهد الدولة البوسعيدية (ق11-12هـ)، ومن بين ما نقله بعض رسائل الإمام سيف بن سلطان بن سيف اليعربي (الأول) (1104-1123هـ) إلى أخيه الإمام بلعرب بن سلطان (1090-1104هـ) إحداها هذه الرسالة المؤرخة سنة 1104هـ، وهي السنة التي تمكّن فيها الإمام سيف بن سلطان من الحكم بعد خروجه على أخيه، وهذه الرسالة وغيرها -فيما يظهر- مما تناقله النُسّاخ وألحقوه بالكتب، ونصها:

«بسم الله الرحمن الرحيم، من إمام المسلمين سيف بن سلطان، إلى الشيخ الأخ بلعرب بن سلطان بن سيف.

كتابك وصل وفهمناه، ولم نعلم لك ولأصحابك حجة في دعواك العجز عن الوصول إلينا، فإن كنت غير باغٍ فأتنا بنفسك، وإن أتيتنا بجميع الرجال والأحرار بقرية يبرين ونواحيها فلعل الله ييسر عليك أمراً، وإن كنتم أيها الرجال الأحرار الذين بقرية يبرين أو نواحيها غير باغين فأتونا بأنفسكم مطيعين للهِ ولرسوله، ولنا في طاعة الله وإن لم يكن كما كتبنا كما أردناه إلى تمام يوم الخميس وثاني من شهر شعبان من سنتنا هذه، فليحيق بيبرين ومن فيها ما يقدره الله. وقد طال يا أخي بلعرب منك وعليك من المعالجة العظيمة ومخالفة أمرنا لما قدره الله عليك من التعب والنصب والعذاب العظيم، فمن رأيي عليك أن تطيع الله وجميع رأيي عليك في جميع ما يجوز لك، ولو ظننت ما ظننت فإني لك محب مشفق ناصح ودود صادق صفي محق قوي أمين، وستجد من ثمرة ذلك إن أجبتنا لما تريد -إن شاء الله- وأنت قد جربت ما جربت من آرائك ومعالجتك ونصيحتنا ومخالفتك لها، وقد ورأيت ما رأيت، وقد كلفني الدهر ما يسوؤني فيك، وقلبي حازن عليك، وخاصة إن تذكرت راحتك قبل مخالفتي. فالحذر يا أخي كل الحذر عن زيادة ما يسوؤك ومخالفة أمرنا ما أمكن، وحاذر ولو أنفت نفسك عن أخيك فالحذر عن السوء، ونسأل الله أن يريحك باتباع نصحنا لتبقى سالماً إن شاء الله. بلغ سلامنا من أردت من المشايخ والأولاد. تاريخ الكتاب نهار الثلاثاء الثلاثين من شهر رجب سنة 1104».

وفي الرسالة إيحاءات مختلطة بين ترغيب وترهيب، كما أن في بعض عباراتها شيئًا من المشاعر الأخوية الإنسانية رغم اشتداد الخلاف بينهما، فالمرسل الإمام سيف بن سلطان يظهر أنه أراد أن يستعطف أخاه إلى قبول نصحه بأن يرجع عن المواجهة ويدخل في طاعته ويُسَلِّم له الأمر، وفي المقابل حَذَّره من مغبّة البقاء على موقفه حتى ولو استعان برجاله القائمين معه في «يبرين»، وهذه البلدة تُرسم اليوم «جبرين» بجيم معجمة، وثمة من يرى أن مسمى «جبرين» خاص بالحصن، أما المصادر القديمة فقد رُسِمت فيها «يبرين» بالياء.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

ننشر نص خطبة الجمعة المقبلة بعنوان «إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا»

حددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة القادمة بعنوان: "إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا"، وقالت وزارة الأوقاف: إن الهدف من هذه الخطبة هو: توعية الجمهور بأهمية العلم ودوره في بناء الإنسان، علما بأن الخطبة الثانية تتناول مواجهة الأفكار والمعتقدات الخرافية.

نص خطبة الجمعة المقبلة 

الحمد لله رب العالمين، نحمدك اللهم بالمحامد اللائقة بكمال ألوهيتك، ونثني عليك بالثناءات اللائقة بعظمة ربوبيتك، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، أذن الحق التي استقبلت آخر نداء السماء لهدي الأرض، ولسان الصدق الذي بلغ عن الحق مراده من الخلق، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فإن العقل هو الجوهرة الربانية التي ميز الله جل جلاله بها الإنسان، وهو المنحة الإلهية التي تكشف لنا أسرار الكون، ولكن هذا العقل يبقى كامنا، ينتظر الشرارة التي توقده، والغذاء الذي ينميه ويزكيه، أيها الناس، إن هذه الشرارة وهذا الغذاء هو العلم، فإذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا، وإذا انطلق العقل نهما، شغوفا، باحثا، متسائلا؛ تفتحت له أبواب العلم؛ فينقشع الظلام، وتتبدد الغيوم، وتزهو العقول بالأفكار النيرة، ويرى الإنسان في الكون آيات باهرات، وفي التاريخ عبرا وحكما، قال الله جل جلاله: {وما يعقلها إلا العالمون}.
أيها الناس، اعلموا أن العلم نور العقل، ومداد الروح، أليست أول رسالة إلهية إلى الجناب المعظم صلوات ربي وسلامه عليه كانت (اقرأ)؟ أليس المقام الأكرم الذي منحه رسول الله صلى الله عليه وسلم للعلماء كان وارثة النبوة والأنبياء؟ ألا ترون أن أهل العلم هم أهل هذه الرتب السامقة {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات}، ثم إليكم هذا البيان النبوي الخالد الذي لا نظير له: «من سلك طريقا يبتغي فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاء لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض، حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب».
عباد الله، تأملوا كيف أضاء نور العلم عقولا غيرت مجرى التاريخ وصنعت حضارة خالدة، فبين أيديكم عقل الإمام أبي حنيفة وحلقاته التشاورية التي كانت مراكز أبحاث، وعقل الإمام مالك وفقهاء المدينة السبعة الذين علموا الدنيا كيف تكون الهوية العلمية للأمم والشعوب، وترون العجب في عقل الإمام الشافعي حالة إبداعية متفردة، وصولا إلى عقل الإمام الفذ أحمد بن حنبل رحمهم الله ورضي عنهم، تدبروا سيرهم ومسيرهم، واقدروا لنور العلم قدره، ورددوا قول الله جل جلاله: {إنما يخشى الله من عباده العلماء}، وقوله سبحانه: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون}.
أيها الكرام، اجعلوا من بيوتكم ومدارسكم ومجتمعاتكم منابر للعلم، محاضن للفكر، اغرسوا في نفوس أبنائكم حب الاطلاع والشغف بالمعرفة، أخبروهم أن مصر نموذج فريد في الدنيا تقوم ريادته وعظمته على العلم، وأن المصريين أبدعوا في مختلف العلوم، وأسسوا المدارس، وشيدوا المكتبات، وصنعوا مراصد الفلك، واجتذبوا العلماء والمبدعين من آفاق الدنيا؛ ليعلموا كيف بنى نور العلم الحضارة وصنع الإنسان!
أيها الناس، إن مفتاح حلول أزماتنا هو العلم، إن سبيل النصر هو العلم، إن محاربة التطرف الديني واللاديني بالعلم، إن مواجهة الفساد بالعلم، إن بناء الاقتصاد بالعلم، فالعلم أولا، والعلم ثانيا، والعلم ثالثا، ولله در الإمام الشافعي رحمه الله حيث قال:
تعلم فليس المرء يولد عالما * وليس أخو علم كمن هو جاهل
وإن كبير القوم لا علم عنده * صغير إذا التفت عليه الجحافل
 وإن صغير القوم إن كان عالما * كبير إذا ردت إليه المحافل.
***
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإنه لا يليق بمن أنار الله تعالى عقله بالعلم أن يستسلم لأفكار بالية وخرافات واهية، لا تستند إلى دليل، ولا يقبلها منطق سليم، كيف بعاقل أن يسمح للخرافة أن تتسلل إلى حياته فتفسدها، تعبث بعقله، وتضعف يقينه، وتزرع الوهم فيه!
عباد الله، إن العلم نور، والخرافة ظلام، ديننا يدعونا إلى العلم والبحث والتجربة، بينما الخرافة تستغل الجهل وتنشر الأوهام، الدين يبني مجتمعا قويا متماسكا على أسس الإيمان والعقل والعلم، بينما الخرافة تنثر بذور الفرقة والضعف والجهالة!
تأملوا أيها الكرام في عواقب الخرافات الوخيمة، فكم من طاقات عطلتها؟ وكم من عقول أسرتها وعطلتها؟ إن الخرافة ليست مجرد أفكار ساذجة، بل هي سم يتسرب إلى شرايين المجتمع، فيضعف مناعته، ويعيق تقدمه، فلنتساءل بصدق: هل ما زال فينا أسير لتلك الأفكار التي عفا عليها الزمن؟! هل ما زال بعضنا يؤمن بتأثير التمائم والأحجبة في جلب النفع ودفع الضر؟! إن الله جل جلاله قد أقام الإيمان فينا، فقال سبحانه: {وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير}.
ويا أيها الناس، اعلموا أن مواجهة الخرافات ليست مجرد واجب ديني، بل هي ضرورة عقلية وحضارية، إنها دعوة إلى تحرير العقول من أغلال الوهم، وإطلاق طاقات التفكير والإبداع، إنها استثمار في مستقبل مشرق لأجيالنا القادمة، مستقبل يقوم على العلم والمعرفة والإيمان الراسخ.
اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا، وزدنا علما
وابسط في بلادنا بساط الأمان والرزق والبركة.

مقالات مشابهة

  • دعاء بين السجدتين.. ردد 7 كلمات يفتحها الله عليك فتحا يتعجب منه أهل السموات والأرض
  • حكم صلاة الجمعة لمن أدرك الإمام في التشهد.. الإفتاء تجيب
  • ننشر نص خطبة الجمعة المقبلة بعنوان «إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا»
  • وقت صلاة الضحى وعدد ركعاتها وفضلها.. الإفتاء توضح
  • عبادة إذا فعلتها يديم الله عليك نعمه.. الإفتاء توضحها
  • حكم كتابة الأذكار على كفن الميت.. الإفتاء توضح
  • هل الصلاة خلف الإمام المدخن منقوصة الأجر؟ عالم بالأوقاف يجيب
  • انتبه لـ7 أفعال عند النوم حذر منها النبي.. تفتح عليك أبواب الجحيم
  • المسافة المسموح بها بين الصفوف في صلاة الجماعة.. الإفتاء توضح
  • فضل الصلاة في الصف الأول.. الإفتاء تكشف ثوابها