رُب شرارة أحرقت سهلًا
تاريخ النشر: 25th, March 2025 GMT
مسعود أحمد بيت سعيد
masoudahmed58@gmail.com
ما زالت التداعيات تتوالى على إثر اعتقال رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو عضو حزب الشعب الجمهوري المُعارض والمنافس القوي للرئيس التركي رجب طيب أردوغان؛ حيث تصاعدت المظاهرات والاحتجاجات حتى عمَّت مُعظم المدن، رغم حظر التجمعات، إلّا أن الجماهير تحدت تلك الإجراءات؛ مما اضطر الحكومة لإغلاق الجسور والشوارع الرئيسية المؤدية للساحات العامة واستخدام الغاز المُسيِّل للدموع، وما رافقها من حملة اعتقالات واسعة بحق الناشطين السياسيين، كما تشير التقارير الإعلامية.
ولا ريب أن ما يجري، إضافة إلى العوامل الداخلية المتراكمة، ما هو إلّا وجه من وجوه الشرق الأوسط الجديد، ولا يمكن اعتباره مجرد حدث عابر أو رد فعل طبيعي في مجتمع مُحتقِن ويتمتع بقدر من الحريات السياسية. وفي هذا السياق لا بُد من التأكيد مُجددًا أن المنطقة يُعاد ترتيب خارطتها على قواعد جديدة، ولن يشفع لبعض الجماعات السياسية الإقليمية التي تعتقد أن ما يسمى بـ"الشرق الأوسط الجديد" تقتصر مفاعيله على الوطن العربي، أو على الأقل بعض دوله، التي تُعد من وجهة نظر الإمبريالية والصهيونية العالمية مارقة! وعلى ضوء هذا التقدير الخاطئ، تعاطت بخفة واستهتار مع أحداثه المؤلمة مدفوعة بأحقاد الماضي، أكثر من تطلعات المستقبل، وبما أن الملفات الإقليمية مُتداخِلة، فإنَّ ما يعنينا الآن هو محاولة الربط بين ما يجري حاليًا وبين الحدث الأهم والذي لا يمكن قراءة المشهد التركي وتحديد ملامحه المستقبلية دون التوقف أمام أبعاده الاستراتيجية.
هذا المُستجَد التاريخي عنوانه الجوهري القضية الكُردية، وليس بخافٍ أن معظم أطياف المعارضة التركية على صلة وثيقة بالنداء الأخير لزعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان المُعتَقَل في جزيرة إمرالي قرب بحر مرمرة منذ سنة 1999، والذي دعا فيه- أي الإعلان- إلى وقف الكفاح المُسلَّح وحلّ الحزب، والانخراط في المؤسسات التركية.
هذا البيان بالصيغة التي قُدِّم بها يُعد تحولًا جذريًا في موقف أوجلان السياسي، وأن ردود الأفعال المُرحِّبة بهذا التوجه؛ سواءً على صعيد حزب العمال وبقية المكونات الكردية، أو على الصعيدين الإقليمي والدولي، لن تكون مفهومة أو مبررة إلّا في إطار تسوية تاريخية. بَيْد أن تسوية من هذا النوع وفي ملف ضخم ومُعقَّد بحجم الملف الكردي، تتطلب علاوة على الضمانات الدولية، شرطين رئيسين؛ الأول: توافق إقليمي بين القوى ذات الصلة بهذا الملف، والثاني، وهو الأهم، بحاجة لقوى ديمقراطية تؤمن بالتعددية القومية والدينية وتعبيراتها السياسية. وهذا يتطلب بالضرورة تغييرات هيكلية داخلية تضمن إمكانية المُصالحة والانتقال للدولة الديمقراطية التي تستوعب كافة المكونات الاجتماعية؛ بما يحقق جزءًا من العدالة التاريخية للشعب الكردي، الذي تعرَّض عبر القرون الماضية للقمع والاضطهاد وطمس شخصيته القومية وحرمانه من حقه في تقرير مصيره، وتكوين دولته المُستقلة، أسوةً بجميع شعوب المنطقة.
كُل هذا بحاجةٍ الى ظرف تاريخي استثنائي، وقد بادر المُكَوِّن الكردي لتوفير أُسسه مُخطئًا الغاية التي شكَّلت محور نضاله التاريخي، ولم يعد هناك عائق جدي يمكن أن يُعطِّل مثل هذا الهدف، سوى النهج الأيديولوجي والسياسي الذي يُمثله الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والذي على ما يبدو استنفد كافة أدواره؛ الأمر الذي قد يؤدي للشطب من المعادلات القادمة.
هذا الاستنتاج قد يبدو بخلاف الصورة النمطية المرسومة في الأذهان، والتي تحاول الآلة الإعلامية المُؤدْلَجة تسويقها وترسيخها خلال العقدين الماضيين، استنادًا الى التصريحات المُتناقِضة التي تصل أحيانًا الى حد الهلوسة والهذيان، التي يصعب ضبطها. وبطبيعة الحال، فإنَّ هذا الدور لم يكن خارج الرؤية الأمريكية والصهيونية، وككل دور وظيفي- مهما بدا عظيمًا- فإنَّ نهايته دومًا تراجيدية. غير أن التشكيك بهذه الصورة الزاهية، وإن من قبيل التحليل السياسي، قد يُصيب الذين يُكوِّمون الحقائق والقناعات الذاتية من الإعلام الموجه بالدوار وفقدان التوازن وأحيانًا بالاكتئاب، بطبيعة الحال، فإن التغيير وفق حسابات المعارضة لن يتم إلّا عبر الآليات الديمقراطية والاحتكام للإرادة الشعبية. ومن المعروف أن المعارضة قد دعت في الفترات الماضية الى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، غير أن الرئيس أردوغان أعلن مرارًا أنه لا يرى حاجة لمثل هذا الإجراء، وهو بالطبع رأي النُظم الشرق أوسطية، التي لا ترى حاجة مُلحّة لأي نداء يصدر عن القطاعات الشعبية، مُكتفيين بالدعم الإمبريالي والصهيوني للإفلات من مُوجِبات التاريخ.
غير أنَّ الشعب التركي الذي قطع أشواطًا مُتقدِّمة في تطوره السياسي والديمقراطي، سيفرض خيار الانتخابات المُبكرة، بحيث تفتح نتائجها المتوقعة الطريق أمام مُعالجة جدية لمجمل الملفات الإقليمية الساخنة، وفي مقدمتها القضية الكردية، وذلك على أساس توفير مناخات إيجابية للتعايش السلمي الديمقراطي، الذي يحفظ الهويات الثقافية لجميع المكونات، ويفتح أفق الاستقرار السياسي.
ويبدو أنَّ الشرارة التي أحرقت سهل الشرق الأوسط، بدأت نيرانها تلتهم البُستان التركي الوارف الظلال.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
السلطات السودانية تقرر رفع التجميد عن عمل قناة الشرق في السودان
(سونا) -التقى وفد من قناة الشرق، خلال زيارته لوزارة الثقافة والإعلام، بالأستاذ مجاهد محمد ساتي، مدير الإدارة العامة للإعلام الخارجي بالوزارة، وتناول اللقاء سبل رفع التجميد المؤقت لنشاط القناة في السودان، حيث قدم الأستاذ مجاهد محمد ساتي شرحا وافيا وتفصيليا حول المخالفات والحيثيات التي أدت إلى اتخاذ قرار التجميد، مشددا على ضرورة توخي الدقة مستقبلا في نشر الأخبار من المصادر الرسمية بالدولة، والإبتعاد عن نشر الأخبار - غير الصحيحة - التي يمكن أن تهدد الأمن القومي.
من جانبه، أكد الأستاذ خالد عويس، مدير مكتب قناة الشرق في السودان، التزام القناة باللوائح المنظمة للعمل الإعلامي المهني.
وبعد النقاش، تقرر رفع التجميد عن عمل القناة في السودان.
وأكد مدير الإعلام الخارجي بوزارة الثقافة والإعلام أن مبدأ الحريات الصحفية يُعد ركيزة أساسية في سياسة ومنهج الوزارة، مع التشديد على عدم اللجوء إلى العقوبات إلا في حال مخالفة القواعد المهنية أو نشر أخبار غير صحيحة قد تؤثر على الأمن والاستقرار في البلاد.
يُذكر أن قناة الشرق جُمد نشاطها مؤقتا في 20 فبراير 2025، بسبب تجاوزها القواعد المهنية المنظمة لعمل وسائل الإعلام الخارجية المصرح لها بالعمل في السودان، والتي تضع صحة الأخبار المنشورة على رأس أولوياتها وعدم نشر أخبار غير دقيقة.