جريدة الرؤية العمانية:
2025-05-02@15:41:24 GMT

رُب شرارة أحرقت سهلًا

تاريخ النشر: 25th, March 2025 GMT

رُب شرارة أحرقت سهلًا

 

 

مسعود أحمد بيت سعيد

masoudahmed58@gmail.com

ما زالت التداعيات تتوالى على إثر اعتقال رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو عضو حزب الشعب الجمهوري المُعارض والمنافس القوي للرئيس التركي رجب طيب أردوغان؛ حيث تصاعدت المظاهرات والاحتجاجات حتى عمَّت مُعظم المدن، رغم حظر التجمعات، إلّا أن الجماهير تحدت تلك الإجراءات؛ مما اضطر الحكومة لإغلاق الجسور والشوارع الرئيسية المؤدية للساحات العامة واستخدام الغاز المُسيِّل للدموع، وما رافقها من حملة اعتقالات واسعة بحق الناشطين السياسيين، كما تشير التقارير الإعلامية.

ولا ريب أن ما يجري، إضافة إلى العوامل الداخلية المتراكمة، ما هو إلّا وجه من وجوه الشرق الأوسط الجديد، ولا يمكن اعتباره مجرد حدث عابر أو رد فعل طبيعي في مجتمع مُحتقِن ويتمتع بقدر من الحريات السياسية. وفي هذا السياق لا بُد من التأكيد مُجددًا أن المنطقة يُعاد ترتيب خارطتها على قواعد جديدة، ولن يشفع لبعض الجماعات السياسية الإقليمية التي تعتقد أن ما يسمى بـ"الشرق الأوسط الجديد" تقتصر مفاعيله على الوطن العربي، أو على الأقل بعض دوله، التي تُعد من وجهة نظر الإمبريالية والصهيونية العالمية مارقة! وعلى ضوء هذا التقدير الخاطئ، تعاطت بخفة واستهتار مع أحداثه المؤلمة مدفوعة بأحقاد الماضي، أكثر من تطلعات المستقبل، وبما أن الملفات الإقليمية مُتداخِلة، فإنَّ ما يعنينا الآن هو محاولة الربط بين ما يجري حاليًا وبين الحدث الأهم والذي لا يمكن قراءة المشهد التركي وتحديد ملامحه المستقبلية دون التوقف أمام أبعاده الاستراتيجية.

هذا المُستجَد التاريخي عنوانه الجوهري القضية الكُردية، وليس بخافٍ أن معظم أطياف المعارضة التركية على صلة وثيقة بالنداء الأخير لزعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان المُعتَقَل في جزيرة إمرالي قرب بحر مرمرة منذ سنة 1999، والذي دعا فيه- أي الإعلان- إلى وقف الكفاح المُسلَّح وحلّ الحزب، والانخراط في المؤسسات التركية.

هذا البيان بالصيغة التي قُدِّم بها يُعد تحولًا جذريًا في موقف أوجلان السياسي، وأن ردود الأفعال المُرحِّبة بهذا التوجه؛ سواءً على صعيد حزب العمال وبقية المكونات الكردية، أو على الصعيدين الإقليمي والدولي، لن تكون مفهومة أو مبررة إلّا في إطار تسوية تاريخية. بَيْد أن تسوية من هذا النوع وفي ملف ضخم ومُعقَّد بحجم الملف الكردي، تتطلب علاوة على الضمانات الدولية، شرطين رئيسين؛ الأول: توافق إقليمي بين القوى ذات الصلة بهذا الملف، والثاني، وهو الأهم، بحاجة لقوى ديمقراطية تؤمن بالتعددية القومية والدينية وتعبيراتها السياسية. وهذا يتطلب بالضرورة تغييرات هيكلية داخلية تضمن إمكانية المُصالحة والانتقال للدولة الديمقراطية التي تستوعب كافة المكونات الاجتماعية؛ بما يحقق جزءًا من العدالة التاريخية للشعب الكردي، الذي تعرَّض عبر القرون الماضية للقمع والاضطهاد وطمس شخصيته القومية وحرمانه من حقه في تقرير مصيره، وتكوين دولته المُستقلة، أسوةً بجميع شعوب المنطقة.

كُل هذا بحاجةٍ الى ظرف تاريخي استثنائي، وقد بادر المُكَوِّن الكردي لتوفير أُسسه مُخطئًا الغاية التي شكَّلت محور نضاله التاريخي، ولم يعد هناك عائق جدي يمكن أن يُعطِّل مثل هذا الهدف، سوى النهج الأيديولوجي والسياسي الذي يُمثله الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والذي على ما يبدو استنفد كافة أدواره؛ الأمر الذي قد يؤدي للشطب من المعادلات القادمة.

هذا الاستنتاج قد يبدو بخلاف الصورة النمطية المرسومة في الأذهان، والتي تحاول الآلة الإعلامية المُؤدْلَجة تسويقها وترسيخها خلال العقدين الماضيين، استنادًا الى التصريحات المُتناقِضة التي تصل أحيانًا الى حد الهلوسة والهذيان، التي يصعب ضبطها. وبطبيعة الحال، فإنَّ هذا الدور لم يكن خارج الرؤية الأمريكية والصهيونية، وككل دور وظيفي- مهما بدا عظيمًا- فإنَّ نهايته دومًا تراجيدية. غير أن التشكيك بهذه الصورة الزاهية، وإن من قبيل التحليل السياسي، قد يُصيب الذين يُكوِّمون الحقائق والقناعات الذاتية من الإعلام الموجه بالدوار وفقدان التوازن وأحيانًا بالاكتئاب، بطبيعة الحال، فإن التغيير وفق حسابات المعارضة لن يتم إلّا عبر الآليات الديمقراطية والاحتكام للإرادة الشعبية. ومن المعروف أن المعارضة قد دعت في الفترات الماضية الى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، غير أن الرئيس أردوغان أعلن مرارًا أنه لا يرى حاجة لمثل هذا الإجراء، وهو بالطبع رأي النُظم الشرق أوسطية، التي لا ترى حاجة مُلحّة لأي نداء يصدر عن القطاعات الشعبية، مُكتفيين بالدعم الإمبريالي والصهيوني للإفلات من مُوجِبات التاريخ.

غير أنَّ الشعب التركي الذي قطع أشواطًا مُتقدِّمة في تطوره السياسي والديمقراطي، سيفرض خيار الانتخابات المُبكرة، بحيث تفتح نتائجها المتوقعة الطريق أمام مُعالجة جدية لمجمل الملفات الإقليمية الساخنة، وفي مقدمتها القضية الكردية، وذلك على أساس توفير مناخات إيجابية للتعايش السلمي الديمقراطي، الذي يحفظ الهويات الثقافية لجميع المكونات، ويفتح أفق الاستقرار السياسي.

ويبدو أنَّ الشرارة التي أحرقت سهل الشرق الأوسط، بدأت نيرانها تلتهم البُستان التركي الوارف الظلال.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

نحو جيل واع ومثقف سياسيا..الهيئة الوطنية للانتخابات تنظم ندوة لتعزيز الوعي السياسي

نظمت الهيئة الوطنية للانتخابات، اليوم الثلاثاء، ندوة تثقيفية توعوية لأعضاء الكيانات الشبابية التابعة لوزارة الشباب والرياضة بمقر الهيئة بالقاهرة، وذلك ضمن فعاليات بروتوكول التعاون المُبرم مع وزارة الشباب والرياضة، بهدف نشر الوعي السياسي وتعميق ثقافة المشاركة الانتخابية بين المواطنين، وخاصة فئة الشباب التي تُعد ركيزة أساسية للوطن عبر مختلف الاستحقاقات الانتخابية.جاءت مشاركة الهيئة الوطنية للانتخابات بحضور القاضي حازم بدوي رئيس الهيئة وكل من المستشار الدكتور عبد الحميد النجاشي والمستشار  محمود عبد الواحد الأعضاء بمجلس إدارة الهيئة، وبحضور القاضي أحمد بنداري، مدير الجهاز التنفيذي للهيئة الوطنية للانتخابات، والقاضي شادي رياض، والقاضي شريف صديق، والدكتور أحمد إبراهيم نواب مدير الجهاز التنفيذي، إلى جانب أعضاء الجهاز التنفيذي للهيئة.

كما شارك في الندوة من قبل وزارة الشباب والرياضة كل من العميد وسام صبري مساعد وزير الشباب والرياضة للكيانات الشبابية، والدكتور محمد حسن، معاون وزير الشباب والرياضة، إلى جانب نحو ٤٢٩ شاب وشابة من الكيانات الشبابية التابعة لوزارة الشباب والرياضة يمثلون نحو ٢١ كيان شبابي من جميع محافظات الجمهورية.

  وفى الكلمة الافتتاحية بالندوة، رحب القاضي حازم بدوي، رئيس الهيئة الوطنية للانتخابات بالحضور وأكد على أهمية تنظيم مثل هذه الندوات التي تهدف إلى بناء جيل واعٍ ومثقف سياسيًا، وقادر على المساهمة الفعالة في الحياة العامة، من خلال المشاركة في الاستحقاقات الدستورية المختلفة.

 وقدم القاضي احمد بنداري المدير التنفيذي للهيئة الوطنية للانتخابات، الذي قدم عرضًا تقديميًا تفصيليًا تناول نشأة الهيئة وتشكيلها واختصاصاتها، وطبيعة وآليات عملها في تنظيم وإدارة الانتخابات والاستفتاءات سواء داخل مصر أو خارجها، مستعرضًا أبرز الاستحقاقات الدستورية التي قامت الهيئة بتنظيمها منذ تأسيسها.
  
   وعرض القاضي شادي رياض، نائب مدير الجهاز التنفيذي للهيئة الوطنية للانتخابات، آلية تحديث قاعدة بيانات الناخبين، وكيفية عملها، مشيرًا إلى أن الهيئة تمكنت من استخدام الوسائل الحديثة لضمان دقة العملية الانتخابية دون أخطاء تتعلق بتشابه الأسماء، واستعرض بعض نماذج تشابه الأسماء في بيانات الناخبين تعد ظاهرة شائعة بالمجتمع المصري، لكن تمكنت الهيئة الوطنية للانتخابات باستخدام الوسائل الحديثة في إخراج الانتخابات والاستفتاءات دون وجود خطأ واحد فيما يخص تشابه الأسماء وذلك عن طريق استخدام منظومة الرقم القومي الغير قابلة للتكرار والتي قام بشرحها تفصيلا لبيان جميع وسائل الأمان بها، وأكد هناك مصادر متعددة تركن إليها الهيئة الوطنية للانتخابات لتنقية وتحديث قاعدة بيانات الناخبين والمتمثلة في وزارات الدفاع والداخلية والصحة والسكان والنيابة العامة.

 وأوضح القاضي شريف صديق، نائب مدير الجهاز التنفيذي للهيئة الوطنية للانتخابات، أن نظام قاعدة بيانات الكيانات الإدارية التي تستخدمها الهيئة في تنقية قاعدة بيانات الناخبين يهدف إلى إنشاء نظام موثوق، وأضاف أن المراكز الانتخابية تجرى معاينتها تحت إشراف الهيئة الوطنية للانتخابات بمشاركة الجهات المعنية المختلفة، للتأكد من جاهزيتها خلال الانتخابات والاستفتاءات.
 

وشهدت الندوة حرص مدير الجهاز التنفيذي ونوابه علي فتح نقاشات مستفيضة مع أعضاء الكيانات الشبابية الحاضرين، حيث طرح الشباب العديد من الأسئلة والاستفسارات حول العملية الانتخابية وأهمية دورهم في هذه العملية. وقد أشادت الهيئة بمستوى وعي الشباب وحرصهم على فهم القضايا السياسية المطروحة وتم التأكيد خلال النقاش، على أن الاقتراع يُمثل حقًا وواجبًا وطنيًا، ويُعد أحد الركائز الأساسية للعملية الديمقراطية، بما يُسهم في استقرار الدولة وتنظيم عمل سلطاتها ومؤسساتها الوطنية.

  وفي ختام الندوة، وجهت الهيئة الوطنية للانتخابات الشكر للشباب المشاركين، وأكدت علي أهمية الوعي السياسي كأداة تمكين للشباب، وضرورة تفعيل دور الشباب الحيوي من خلال المشاركة الفعالة في كافة الاستحقاقات الانتخابية وإيمانها بأنهم يمثلون قوة دافعة للتقدم، وأن مشاركتهم الواسعة تعزز من نزاهة وشفافية العملية الانتخابية وتضمن تمثيلا حقيقيا لتطلعاتهم وآمالهم، فيما أعرب ممثلي الكيانات الشبابية الحاضرين عن تثمينهم للجهود المبذولة في تنظيم هذه الندوة الثرية، مؤكدين علي أهمية استمرار هذا النوع من اللقاءات التي تُسهم في تعزيز الوعي السياسي لدي الشباب، وتمكينهم من أداء دورهم الوطني على الوجه الأكمل.

طباعة شارك الهيئة الوطنية للانتخابات القاهرة وزارة الشباب والرياضة المشاركة الانتخابية

مقالات مشابهة

  • «التكبالي»: الأمم المتحدة تتحرك لتغيير المشهد السياسي.. و«المنفي» بات معزولا
  • الانقسام السياسي يقضي على ما تبقى من قيمة الريال اليمني.. كم فقد منها؟
  • السنوسي: المنفي تصرف بشكل فردي وخالف مرجعية الاتفاق السياسي
  • من التصعيد الميداني إلى التحرك السياسي.. كيف كادت شائعة أن تفجر التعايش السوري؟
  • رئيس الحكومة يرد على الإنتقالي من عدن: ''معاناة الناس ليست مجالاً للتوظيف السياسي ولا وقت لتبادل الإتهامات''
  • تسجيل ضعيف في الانتخابات البلدية الليبية يعكس أزمة ثقة في العمل السياسي
  • المجد للبندقية التي حرست المواطن ليعود الى بيته الذي كانت قحت تبرر للجنجويد احتلاله
  • هل تكون جرمانا معقل الدروز نقطة انطلاق شرارة صدام بين سورية والاحتلال؟
  • الجبهة الوطنية تناقش استراتيجيتها لخدمة العمل السياسي والاجتماعي والتنموي
  • نحو جيل واع ومثقف سياسيا..الهيئة الوطنية للانتخابات تنظم ندوة لتعزيز الوعي السياسي