د. ذياب بن سالم العبري
مع اقتراب عيد الفطر المُبارك، تبدأ ملامح الفرح تتسلل إلى تفاصيل الحياة من حولنا. نرى ذلك في الأسواق التي تعج بالحركة، وفي الأطفال الذين يختارون ملابسهم الجديدة بحماس، وفي الأمهات اللاتي يُحضّرن الضيافة، وفي الأسر التي تترقب اللقاءات العائلية التي افتقدتها طوال شهور. العيد، كما نعيشه هنا في عُمان، ليس مجرد مناسبة دينية أو عطلة تقويمية؛ بل هو لحظة إنسانية جماعية، فيها شيء من الطمأنينة، وشيء من الدفء، وشيء من العودة إلى البدايات.
لكن وسط هذه الأجواء المبهجة، من المفيد أن نتوقف قليلًا ونتأمل: لماذا يحتفل الإنسان أصلًا بالأعياد؟ وما الذي يجعلها محطات مُهمة في حياته؟ المفكرون والباحثون في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا نظروا إلى الأعياد باعتبارها حاجة إنسانية متجذّرة، يتجاوز فيها الفرد تفاصيل حياته اليومية، ليتواصل مع الجماعة، ومع الزمان، ومع الذاكرة. العالم الاجتماعي الفرنسي إميل دوركايم رأى أنَّ الأعياد تُعيد إنتاج الروابط الاجتماعية، وتقوّي الإحساس بالانتماء، لأنها تجعل الناس يفرحون معًا، ويحزنون معًا، ويتشاركون لحظة شعورية موحدة. أما كارل يونغ، فرأى أن الطقوس الجماعية – مثل الأعياد – تُخاطب عمق النفس البشرية، وتعيد للإنسان توازنه الداخلي. ومن زاوية أخرى، حذّر مفكرون معاصرون من انزلاق الأعياد إلى طقوس استهلاكية خالية من المعنى؛ حيث تتحوّل مناسبات الفرح إلى مواسم إنفاق لا أكثر.
في عُمان، ما زالت الأعياد تحتفظ بجوهرها الجميل. نلمس ذلك في تفاصيل بسيطة لكنها عميقة: في تبادل التهاني بين الجيران، في زيارة الأقارب كبار السن، في بساطة الملابس التقليدية، وفي إصرار كثير من الأسر على إعداد القهوة والفوالة بأيديها، رغم توفر كل شيء في الأسواق. هذا الوعي الجمعي بأهمية العيد، هو ما يجب أن نحرص على نقله للأجيال الجديدة، ليس بالكلام فقط؛ بل بالمُمارسة.
العيد ليس في مظهره فحسب؛ بل في أثره. هو لحظة نادرة لترميم العلاقات، ولإعادة الاتصال بالناس الذين باعدت بيننا وبينهم مشاغل الحياة. هو فرصة لنقول "شكرًا" و"سامحني" و"اشتقت إليك" دون حواجز. هو وقت مثالي لأن يفرح كل من في البيت، لا بحسب قدرته الشرائية؛ بل بحسب مكانته العاطفية. ولا تكتمل هذه الصورة إلّا إذا مدَّدنا فرحة العيد إلى من حولنا، ممن قد لا يملكون ما يكفي للفرح، أو ممن يقضون العيد وحدهم، أو تحت ضغط الحياة. العيد الحقيقي هو ذاك الذي لا يُقصي أحدًا، ولا يُشعر أحدًا بأنَّه أقل من غيره.
إننا بحاجة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى أن نستعيد العيد كحالة إنسانية، لا كروتين اجتماعي. أن نعيده إلى سياقه الطبيعي بوصفه استراحة للروح، وتجديدًا للصلة، ومساحة للتأمل والامتنان والبساطة. وليس المقصود أن نبتعد عن مظاهر الفرح؛ بل أن نمنحها معناها الحقيقي، فلا يكون الفرح مسرفًا ولا فارغًا؛ بل واعيًا ومتزنًا.
ولأنَّ كل عيد هو فرصة جديدة، فإنَّ السؤال الذي ينبغي أن نحمله معنا ونحن نُقبِل على عيد الفطر هذا العام هو: هل سنجعل من هذا العيد محطةً للتقارب الحقيقي، والمشاعر الصادقة، والفرح المسؤول؟ أم سنكتفي بالمرور السريع، دون أن نترك فيه أو يأخذ منَّا شيئًا يبقى؟
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الزوجة ولا الأم.. مين المفروض ياخد عيدية أكتر؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب |فيديو
أكدت الدكتورة هبة النجار، الأستاذة بجامعة الأزهر، أن مسألة تقديم الزوج عيدية لوالدته أكبر من زوجته لا ينبغي أن تكون سببًا للخلاف بين الزوجين، خاصة في أجواء العيد التي تتطلب الفرح والبهجة.
وأوضحت عضو مركز الأزهر العالمي للفتوى، خلال حوار مع الإعلامية سالي سالم، بحلقة برنامج «حواء»، المذاع على قناة الناس، اليوم الأحد، أن العلاقات في الإسلام تسير بشكل متوازٍ، حيث تختلف علاقة الزوج بزوجته عن علاقته بوالدته، ولا ينبغي المقارنة بينهما.
وأضافت أن الأمهات لهن مكانة خاصة لا تضاهيها أي علاقة أخرى، وهو ما يستدعي أن تتفهم الزوجة هذه الخصوصية دون الشعور بالمنافسة.
كما شددت على أهمية فطنة الزوج في التعامل مع مثل هذه الأمور، بحيث يكون لديه الوعي الكافي للحفاظ على التوازن بين زوجته ووالدته دون إثارة أي مشاعر سلبية، مضيفة أن الزوجة لها دور كبير في دعم العلاقة بين زوجها وأهله، مما يعزز الاستقرار الأسري.
ودعت إلى التركيز على جوهر العيد كفرصة لنشر الفرح والتسامح، وعدم تحويل العيدية إلى مصدر للخلاف، مؤكدة أن الهدف منها هو إدخال السعادة وليس إثارة المشكلات.
اقرأ أيضاًمركز الأزهر العالمي يسلط الضوء على كيفية تعظيم كتاب الله في حياة المسلمين
عضو بمركز الأزهر: القناعة والرضا سر السعادة والراحة النفسية.. «فيديو»
مركز الأزهر العالمي للفتوى: الغش في الامتحانات سلوك مُحرَّم