قبل سنوات عديدة وخلال فترة اتفاقية نيفاشا(2005-2010)، كتبت مقالاً ناقداً في الرد على مكتوب للأستاذ كمال الجزولي، وذهبت به لمقر (صحيفة السوداني) بالخرطوم، حيث كان يكتب رزنامته الأسبوعية على صفحاتها كل ثلاثاء إن لم تخني الذاكرة! قابلني من بيده التحرير وقرأ المقال، ثم ردّه إليّ، وأبلغني أن يأتيهم عن طريق كاتب الرزنامة( كمال الجزولي).

لم استنكف الطلب رغم غرابته! فاتصلت بكمال وأبلغته بما جرى فطلب مني الحضور لمقابلته في متحف التاريخ الطبيعي في ذات اليوم، حيث كان حضوراً في ندوة!

وجدته منتحياً وجالساً على مقعد وبجانبه الوليد مادبو، فأخذ مني المقال وقرأه، ثم بدأ في مناقشتي في فحوى المقال بكل سعة صدر، واقترح عليّ بعض التعديلات بناء على اتفاقنا على بعض النقاط، ثم أخذ كرته الشخصي ووقع عليه مع تعليق يحوي توجيهاً لمحرر الصحيفة بنشر المقال ثم أعطاني إياه!

ما أثار انتباهي أن الوليد الذي لا علاقة له بالأمر سوى أنه كان يجالس كمالاً، بدأ الحديث في حضوري في صيغة نصح لكمال، بألا يعير انتباهه “لكتاب صغار” وهو- أي كمال- كبير المقام، وألا يمنح وقته الثمين “لمبتدئ مثلي” وهو الكاتب الخبير!

قبل أن أفيق من الصدمة وأجادل في هذا “التحشر”، جاء رد كمال مفحماً، حيث قال له في ما معناه على ما أذكر: هذا النوع من المراجعة والنقد يساعدنا على تجويد ما نكتب، وهذا النوع من الكتاب -الذين تراهم صغاراً- سيكبرون، فكلنا بدأنا صغاراً، فهم من يقرأون ويتعلمون من الأجيال التي سبقتهم، وحينما يكتبون نقداً علينا أن نسعد بذلك، فهذا يعني أنهم يهتمون بنا وبرأينا وبما نكتب، فهل علينا أن نتجاهل رأيهم؟! وإن فعلنا،
فلمن سنكتب ومن سيقرأ! انتهى.

برغم رأيي المبذول في ياسر العطا وأسلوبه ورفاقه وحربهم، والذي لا أحتاج لتكراره في هذا المقام، إلا أنني عندما استمعت لإفادات الوليد أمس على قناة الجزيرة مع أحمد طه، خاصة تعليقه على حديث العطا بأنه “يشتم ويدخل في النادي بتاع الكبار من غير أن يتحسس مواضع قدمه” علمت أن لدى الوليد عطب في فهم وتعريف من هم صغار ومن هم كبار، لدرجة أنه يرى بلاده صغيرة لا يجب أن تدخل في “نادي الكبار وبلدانهم الكبيرة”، وأدركت أن هذا الوليد لم يتعلم شيئاً ولم ينس شيئاً!!!

أوردت هذه القصة ليس دفاعاً عن العطا ورغم خلافي الحاد معه ومع مشروعه وطريقته في استعداء الآخرين، ولكن دفاعاً عن بلادي ومقامها الكبير حتى وإن دمرتها الحرب وأوقف تطورها صراع السلطة وأطماعها، وحتى إن مثّل قيادتها العطا، وذلك لكي لا يقال ذهبت المروءة والوطنية بين السودانيين!
رحم الله كمال الجزولي الذي كان فعلاً من الكبار
#السودان_ماقد_كان_وسوف_يكون
#تفكيك_النص

Elbarag Elnazir

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

إسرائيل تختبر تركيا: كيف تُدار معارك الإحماء في صراع الكبار؟

سنحت لي فرصة الحديث مع وزير الدفاع الوطني التركي يشار غولر قبيل اجتماعٍ ما، وكما هو متوقّع، ما إن طُرِق موضوع سوريا حتى سارعت إلى سؤاله عن آخر المستجدات، فقال: "الآلية التي أنشأناها لمكافحة تنظيم الدولة، والتي ناقشناها في اجتماع عُقد في الأردن، ستدخل حيز التنفيذ قريبًا. نحن عازمون على ذلك. ومن الأمور الأخرى ذات الأهمية بالنسبة لنا أن تُلقي المنظمة الإرهابية (في إشارة إلى حزب العمال الكردستاني أو كيانات مشابهة) السلاح وتقوم بحلّ نفسها. غير أن إسرائيل ما فتئت تسعى لإثارة المشاكل في كل هذه المسائل، ولكن عبثًا، فنحن عازمون على تنفيذ قراراتنا".

وفي اللحظة التي كان يُكتب فيها هذا المقال، كانت الطائرات الحربية الإسرائيلية تحلّق فوق القنيطرة، بينما دخلت مجموعات درزية صغيرة، مدعومة بشكل غير مباشر من إسرائيل، في اشتباكات مع الجيش السوري هناك.

وفي الوقت نفسه، صرَّح الرئيس رجب طيب أردوغان، في تصريحات له على متن الطائرة أثناء عودته من إيطاليا، قائلًا: "هجمات إسرائيل محاولة لعرقلة الإدارة الجديدة في سوريا. وحدة الأراضي السورية بالنسبة لنا أمر لا يمكن التنازل عنه، ولن نسمح بفرض أمر واقع".

منذ اللحظة التي بدأت فيها إسرائيل ترى في الإدارة الجديدة في سوريا، وفي الوضع الجيوسياسي المتشكل هناك تهديدًا لها، لم تكفّ عن محاولات إثارة الفوضى داخل البلاد واختبار تركيا.

إعلان

تنشر مراكز الفكر ووسائل الإعلام الإسرائيلية تقارير تتحدث عن النتائج المحتملة لصدام تركي- إسرائيلي، في محاولة للتعبير عن "جدية" الوضع. لكنها لا تكتفي بذلك، بل تمارس أيضًا حملات دعائية ضد تركيا في الإعلام البريطاني وبعض المنصات الناطقة بالعربية، مستغلة الملف السوري.

كل هذا يدل على أن الساحة السورية تُستخدم كميدان للإحماء ولاختبار احتمالات الصدام بين تركيا وإسرائيل. فإسرائيل تسعى من خلال هذه التجربة أن تكتشف مدى جدية تركيا، ومدى اعتبار الإدارة السورية الجديدة أمرًا لا غنى عنه بالنسبة لأنقرة، ومدى قدرة تركيا على التشدد في مواقفها تجاه إسرائيل.

في لقاء أجريته مع أحد القادة رفيعي المستوى في القوات المسلحة التركية، سألته عن المقارنة العسكرية بين تركيا وإسرائيل، فأجاب بأن هذه مقارنة "مضحكة"، مؤكدًا أن لا فرصة لإسرائيل في مواجهة الجيش التركي.

وأضاف بلهجة حازمة: "قاعدة الاشتباك لدينا واضحة: نرد على أي هجوم يُشنّ علينا بالمثل، بغض النظر عن الدولة التي تقف خلفه. أي هجوم على قواعدنا العسكرية يُعدّ سببًا للحرب".

تصريحات المسؤولين الأتراك كافة تسير في هذا الاتجاه. وإسرائيل تقرأ هذه الرسائل جيدًا. لكن السؤال هو: إلى أي مدى يمكن لتركيا أن ترد على إسرائيل، خاصة، وهي تتلقى دعمًا أميركيًا كاملًا؟ هذا ما تسعى إسرائيل لاختباره.

تركيا، دون شك، سترد على أي تطور ميداني سلبي تواجهه، لكن الرد قد لا يكون بأساليب عسكرية تقليدية. فالأمر يتوقف إلى حد بعيد على أساليب التحرش التي تنتهجها إسرائيل.

لا أحد يتوقع من إسرائيل أن تُقدم على خطوة مباشرة تؤدي إلى صدام، لكن من الواضح أنها لم تعد تخفي رغبتها في إضعاف الإدارة السورية الجديدة، بل إنها مستعدة للقيام بكل ما يلزم لتحقيق ذلك. ولهذا السبب، يُختبر في الميدان من هو الأقوى عزمًا وبأسًا.

إعلان واختبار صراع أميركي-صيني في كشمير

وعلى بعد آلاف الأميال من سوريا، هناك اختبار آخر للإرادة. لقد ألفنا التوتر القائم منذ سنوات بين الهند وباكستان، خاصة في قضايا مثل كشمير والمياه والمهاجرين وأمن الحدود.

ولكن الأحداث الأخيرة اكتسبت ديناميكية مغايرة ومتصاعدة بشكل غير متوقع. لعل تفاصيل الاشتباكات التي قُتل فيها 25 شخصًا في كشمير لم تعد بحاجة إلى سرد. ما يغير المعادلة هذه المرّة هو التموضع الجديد لكل من الصين والولايات المتحدة في هذا الصراع.

فبينما كثفت الولايات المتحدة من علاقاتها مع الهند، بلغت علاقات الصين مع باكستان ذروتها. وأعلن وزير الدفاع الباكستاني أن روسيا والصين ستشاركان في التحقيق في أحداث كشمير. كما أعلنت الصين، ردًا على تعليق الهند لاتفاقيات المياه، أنها قد تقدم على قطع المياه المتدفقة من أراضيها نحو الهند، في ردٍ على ما اعتبرته موقفًا عدوانيًا تجاه باكستان.

وفي حين تواصل الولايات المتحدة دعواتها الظاهرية لخفض التوتر، فإنها، في الخفاء، لا تتوانى عن تأكيد دعمها الكامل للهند.

هل تصبح هذه الساحة اختبارًا للقوة بين أميركا والصين؟

من الواضح أن الحرب التجارية التي شنتها الولايات المتحدة بهدف كبح نمو الصين وزيادة تأثيرها العالمي، لم تحقق النتائج المرجوة. فكثيرًا ما تراجع ترامب عن تصريحاته النارية.

ومع ذلك، تدرك الولايات المتحدة أنه لا بدّ من اتخاذ خطوة حاسمة قبل الموعد الذي حددته كآخر فرصة لوقف التمدد الصيني. ويبدو أنّ التوتر بين الهند وباكستان يُرى اليوم كفرصة لاختبار القوى في منطقة مجاورة مباشرة للصين.

في مشهد معقد تشارك فيه بنغلاديش وأفغانستان وروسيا، قد ترغب الولايات المتحدة في معرفة موقف الصين في حال اندلاع صراع مسلح: إلى أي مدى يمكن أن تُستنزف، وكم من مواردها يمكن أن تستهلك؟ ومن المؤكد أن واشنطن ترى أن إجراء هذا الاختبار على بعد 13 ألف كيلومتر من أراضيها أمر آمن.

إعلان

وكما فعلت في الحروب التجارية، فإن صبر الصين الإستراتيجي الشهير سيتصدر المشهد في هذه الأزمة، وستسعى للخروج منها برباطة جأش محققةً أكبر قدر ممكن من المكاسب.

لكن ما فاجأني هو استعداد الصين، ولأول مرة، لأن تأخذ جانبًا واضحًا في صراع مباشر. ويبدو لي أن نهاية هذه الأزمة ستشهد على الأرجح مزيدًا من التوغل الصيني داخل باكستان، فضلًا عن تعزيز نفوذها في بنغلاديش وأفغانستان والدول المماثلة، من خلال إظهار الخطر الذي يشكله التحالف الهندي- الأميركي.

وأحسب أن الولايات المتحدة تضغط على كل الأزرار في حالة من الهلع من أجل عرقلة الصين واحتوائها وإيقافها. لكن، وكما في الأزمات السابقة، تخرج الصين أقوى في كل مرة، بينما تتراجع الولايات المتحدة خطوة إلى الوراء.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • تحت ظلال الكافور: حكايات من زمن الإصلاح والحرية.. .ونبش قبور الكبار!
  • صحف عالمية: إسرائيل تعمل منذ استئناف الحرب على تغيير وجه غزة
  • إسرائيل تختبر تركيا: كيف تُدار معارك الإحماء في صراع الكبار؟
  • ترامب يعيّن مستشار الأمن القومي المقال سفيرا لدى الأمم المتحدة
  • البنك الزراعي يوفر تمويلًا ميسرًا لمدة 5 سنوات وفترة سماح 12 شهرًا ..فيديو
  • مسؤولان أميركيان سابقان يحثان ترامب على وقف دعم حصار غزة
  • “المدينة الآثمة”للكتور الوليد مادبو: حين يتحوّل الستر إلى قمع، والرغبة إلى جريمة
  • الأنبار تشتعل انتخابياً.. معركة مبكرة بين 21 كياناً وقوى ناشئة تتحدى الكبار
  • النيادي يوقع قصة نجم سهيل في معرض أبوظبي الدولي للكتاب
  • تعرف على المواجهات .. الكوفة تحتضن منافسات دوري الاربعة الكبار لدوري الطائرة