ليالي روكسي.. مسلسل شامي بنكهة تنويرية
تاريخ النشر: 25th, March 2025 GMT
يقدم مسلسل "ليالي روكسي" رحلة إلى الماضي، إلى ما يقارب القرن من الزمان، وبالتحديد عام 1928، ليؤرخ لعملية إنتاج أول فيلم سينمائي سوري، وهو فيلم "المتهم بريء". غير أنه خلال الـ30 حلقة التي يتكون منها المسلسل، يستعرض كل ما حول هذا الفيلم من تفاعلات، كما لو أنه يرسم لوحة للمجتمع السوري بدايات القرن العشرين.
"ليالي روكسي" من إخراج محمد عبد العزيز، وتأليف ورشة كتابة تحت إشرافه، وبطولة سلاف فواخرجي ودريد لحام ومنى واصف وأيمن زيدان وعبد الفتاح المزين.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2"نص الشعب اسمه محمد": حبكة كلاسيكية لم تحقق توقعات الجمهورlist 2 of 2السكبة.. عادة عربية تتجدد في سوريا عند كل رمضانend of list البعد عن نمطية المسلسلات الشاميةانتشرت مسلسلات "فانتازيا الحارة الشامية" في العقود السابقة، لتتحول إلى ما يُشبه النوع الدرامي ذا السمات المحددة، والتي من فرط تكرارها تحولت إلى كليشيه، مثل تقسيم الشخصيات بشكل نمطي إلى أخيار محاربي الاستعمار وأشرار مستغلين، أو تنميط الرجال في "قبضايات" يحكمون حارتهم ومنازلهم بالحديد والنار، والنساء المحبوسات في منازلهن، يقضين أيامهن في طهي الأطعمة السورية التقليدية وانتظار عودة الزوج من العمل، والتشاجر مع بعضهن البعض، أو الهلع من فكرة زواج الزوج من امرأة أخرى.
ويتعامل المخرج محمد عبد العزيز بشكل شديد الحرفية مع هذه الصور النمطية، فيقلبها إلى العكس، لكن مع الحفاظ على ذات إطار الحارة الشامية التقليدية، فلا يصطدم بشكل مباشر مع المتفرج المحب لهذا النوع من الدراما، بل يحاول إقناعه بأن المجتمع الشامي القديم لم يكن بمثل هذا الجمود الذي تصوره المسلسلات السابقة، بل يحتوي مثل أي مجتمع آخر على الشيء ونقيضه.
إعلانويبدأ المسلسل في حارة روكسي الشامية التي تقع في دمشق، حيث يتعرف عليها المتفرج على وقع خطوات أقدام الممثلين المخضرمين دريد لحام ومنى واصف في شخصيتي الرائد المسرحي عبد الوهاب السعود وزوجته طيرة، ويتحدثان خلال مشيهما ببطء عن الأحلام التي تشيخ مثل الحارات. ورغم الشجن الذي يُغلف معنى الحديث، إلا أنهما يخلطانه بالضحكات الممتنة على ما راقبا فيه هذه الأحلام تنضج وتتغير.
ويزور الزوجان توتة (سلاف فواخرجي) في منزلها، وهي مصففة شعر وممثلة مسرحية هاوية، ويشجعانها على العودة للفن مرة أخرى، خصوصًا وأن دمشق تشهد لحظة فنية تاريخية، وهي زيارة الفنان العالمي تشارلي شابلن لعرض فيلمه "أضواء المدينة". غير أن الثلاثة لا يعرفون أن تلك اللحظة التاريخية ستكون فارقة أكثر من زيارة نجم أو عرض فيلم، فسيشاركون جميعًا في رحلة صناعة أول فيلم سوري على الإطلاق.
ويأتي هذا الحدث المركزي -أي صناعة أول فيلم سوري- على خلفية من تفاصيل فانتازيا الحارة الشامية التقليدية، مثل الصراع مع المحتل الفرنسي، والذي يشمل تقسيم الحارة إلى المنتمين لمعسكر السيد عطا (أيمن زيدان) الرجل الوطني المناوئ للاستعمار ومحب الفنون وداعمها الكبير من ناحية، والمعلم فرزت (عبد الفتاح المزين) المتعاون مع الفرنسيين. وكالعادة، يحدث عراك بين الجانبين في الحارة، وهذه المرة يتم بعد حبس توتة في السجن عندما ضربت فرنسية كانت تصفف لها شعرها.
يشتبك مسلسل "ليالي روكسي" مع 3 قضايا تبدو منفصلة، إلا أنها في حقيقتها متصلة، وتمثل أهم أسباب تغييرات المجتمع السوري بدايات القرن العشرين. فتتصدر الحبكة قصة صناعة أول فيلم سينمائي سوري، العمل الفني الذي اعتمد بشكل أساسي على جهود أشخاص من محبي الفنون ويرون في السينما المستقبل، لذلك يوحدون جهودهم، ويحاولون فهم الوسيط السينمائي الجديد الذي لم يعرفوا عنه حتى هذه اللحظة إلا كيفية تشغيل أفلامه على الشاشة، فيكتشفون بالطريقة الصعبة أن إنتاج فيلم أمر في غاية الصعوبة وغني بالتفاصيل التقنية والفنية المُربكة.
إعلانويُمثل عطا، راعي الفنون الأهم في هذه الحبكة، فهو صاحب المكتبة، ويساعد على إنتاج الفيلم بتوجيه صُنّاعه إلى المصور. غير أن له إسهامات موازية في القضية الثانية التي يتناولها المسلسل، وهي الحرب على الانتداب الفرنسي في سوريا، فعطا لا يتوانى عن وضع نفسه وعائلته في خطر فادح بمعاونته للمحاربين ضد هذا الاستعمار، سواء بالنصح أو الإخفاء أو توفير الأسلحة والتنظيم.
وتعتبر مواجهة الاستعمار حبكة أساسية في الكثير من المسلسلات الشامية، غير أن "ليالي روكسي" ينسج رابطًا قويًا بين احترام الفنون والوطنية، وذلك عبر عطا، ليُعطي مثالًا على الشخصية التنويرية المتوازنة التي تُقبل على فن غربي مثل السينما في الوقت ذاته الذي تُحارب فيه استعمارًا غربيًا آخر.
ويُمثل الفنون كذلك عبد الوهاب أبو السعود، وهو شخصية حقيقية لفنان وكاتب ومخرج مسرحي فلسطيني عاش وعمل وتوفي في دمشق، وكان من رواد المسرح في زمنه. وهنا هو مُعلّم الممثلة الشابة توتة، ويدربها على التمثيل لتصبح أول ممثلة سينمائية سورية.
وتتمثل الجبهة الثالثة في مناقشة أحوال المرأة السورية بدايات القرن العشرين، فيظهر خطاب تنويري على لسان عدة شخصيات، على رأسها بنات عطا، اللاتي يتحركن في الحارة بحرية، ويشتبكن في مناقشات جدية حول المجتمع والاستعمار. بينما تُظهر شخصية زوجة عطا سخطها على زوج ابنتها ذي الأفكار الرجعية. ومن ناحية أخرى، تظهر خلال الأحداث الكاتبة والمناضلة نازك العابد، صاحبة أول جريدة نسائية شهرية في دمشق وهي "نور الفيحاء" ليُخرج مسلسل "ليالي روكسي" المرأة الشامية من الإطار الضيق لربات المنازل إلى شخصيات قوية مُحركة للأحداث.
وقد فرضت الفترة التاريخية التي تدور فيها أحداث "ليالي روكسي" على صنّاعه اختيار البيئة الشامية، غير أن المسلسل اختار قلب النوع على نفسه، بالقيام بتغييرات أساسية في النمط، وإبعاده عن الكليشيهات، فاكتسب المسلسل جِدة وطزاجة وقدرة على مفاجأة المتفرجين.
إعلانالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رمضان رمضان 2025 لیالی روکسی أول فیلم غیر أن
إقرأ أيضاً:
شاهد.. صور جديدة غاية في الجمال من الحرم المكي خلال ليالي العشر الأواخر من شهر رمضان
صور جديدة من الحرم المكي في ليالي العشر الأواخر من شهر #رمضان