بماذا يختلف الحوثيون عن قراصنة البرابرة؟
تاريخ النشر: 25th, March 2025 GMT
بعد فترة وجيزة من استقلال الولايات المتحدة عن بريطانيا العظمى، واجهت الدولة الوليدة تهديداً من ولايات الجزائر وتونس وطرابلس العثمانية. فمنذ عام 1784، بدأ قراصنة الساحل البربري بمهاجمة السفن التجارية الأمريكية، حيث كانوا يحتجزون البحارة ويطالبون بفدية في البداية، قبل أن يفرضوا على الولايات المتحدة دفع أموال الحماية بانتظام.
كما كان القراصنة امتداداً لحكام شمال إفريقيا، فإن الحوثيين يعتمدون بشدة على إيران للحصول على التدريب والدعم العسكري
وعانت السفن التجارية الأمريكية من مضايقات متواصلة لمدة 15 عاماً، ورغم محاولات التفاوض للتوصل إلى اتفاقية فدية تضع حداً لما كان فعلياً إرهاباً ترعاه الدولة، لم تحقق واشنطن نجاحاً يُذكر. وعليه، قرر الرئيس توماس جيفرسون، المنتخب حديثاً عام 1801، التوقف عن مسايرة حكام الساحل البربري.
وبدعم من قوات وموارد مملكة نابولي، دخلت أمريكا في حرب ضد هذه الولايات. وبحلول عام 1805، أدت سلسلة من الانتصارات البحرية الأمريكية إلى معركة درنة، التي شاركت فيها السفن الأمريكية والمارينز والمرتزقة الأجانب، ما أدى إلى توقيع معاهدة سلام مع حاكم طرابلس.
لكن الجزائر استمرت في مضايقة السفن الأمريكية حتى أعلنت واشنطن الحرب عليها عام 1815، مما أسفر عن هزيمة القوات الجزائرية. وعلى الرغم من توقيع حاكم الجزائر معاهدة سلام مع الولايات المتحدة، سرعان ما تراجع عنها، واستمرت هجماته حتى قامت قوة بحرية بريطانية-هولندية مشتركة بقصف الجزائر عام 1816، ما أجبر الحاكم على توقيع معاهدة لم ينقضها لاحقاً. وهكذا انتهى الصراع أخيراً.
الحوثيون: قراصنة العصر الحديثوفي هذا الإطار، قال دوف إس. زاهايم، مستشار أول في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ونائب رئيس مجلس إدارة معهد أبحاث السياسة الخارجية: بعد قرنين من حروب الساحل البربري، تجد أمريكا نفسها مجدداً تخوض حرباً لحماية سفنها وسفن حلفائها. فالحوثيون اليوم هم قراصنة البرابرة الجدد.
وأضاف زاهايم، الذي شغل منصب وكيل وزارة الدفاع (المراقب المالي) وكبير المسؤولين الماليين في وزارة الدفاع الأمريكية من عام 2001 إلى 2004، في مقاله بموقع "ذا هيل" الأمريكي: الفرق الوحيد بينهم وبين أسلافهم هو أنهم لم يحاولوا بعد احتجاز رهائن أمريكيين الحصول على فدية. ومع ذلك، فإن هجماتهم أجبرت غالبية السفن التي تعبر البحر الأحمر على تغيير مسارها والإبحار حول إفريقيا، مما أدى إلى إطالة فترات الشحن وزيادة التكاليف.
أثبتت جهود إدارة بايدن المترددة وغير المنتظمة في استهداف الحوثيين أنها غير فعالة، مثلها في ذلك مثل فشل المفاوضات الأمريكية في القرن الثامن عشر مع ولايات الساحل البربري. وكما كان القراصنة امتداداً لحكام شمال إفريقيا، فإن الحوثيين يعتمدون بشدة على إيران للحصول على التدريب والدعم العسكري. لكن على عكس جيفرسون، الذي لم يكتفِ بحماية السفن الأمريكية بل هاجم رعاة القراصنة، امتنعت واشنطن حتى وقت قريب عن حتى مجرد تهديد إيران.
الرد الأمريكي الجديدوتوقف الحوثيون عن مهاجمة القوات البحرية والسفن التجارية في البحر الأحمر أثناء سريان هدنة إسرائيل-حماس، لكنهم استأنفوا هجماتهم فور معاودة إسرائيل قصفها لقطاع غزة.
وجاء الرد الأمريكي سريعاً وواسع النطاق. ففي 15 مارس (آذار)، شنَّت الطائرات الأمريكية ضربات استهدفت أكثر من 30 موقعاً، شملت وفقاً للبنتاغون "مواقع تدريب إرهابية، وقدرات تصنيع وتخزين الأسلحة، بالإضافة إلى عدد من مراكز القيادة والتحكم، بما في ذلك مجمع إرهابي كان يضم العديد من كبار خبراء الطائرات المسيرة".
وفي اليوم التالي، استهدفت موجة ثانية من الضربات مقرات القيادة ومرافق تخزين الأسلحة والقدرات الاستطلاعية للحوثيين التي تستهدف السفن. وأوضحت القيادة المركزية الأمريكية أن هذه الهجمات ستكون مكثفة ومستدامة، وليست متقطعة.
وأخيراً، وجه الرئيس ترامب تهديداً مباشراً لإيران، محذراً من أنها "ستتحمل العواقب" إذا استمرت في دعم الحوثيين، وأكد بأسلوبه المميز أن "أمريكا ستحملكم المسؤولية الكاملة ولن تكون رحيمة في ذلك".
هل يمكن ردع الحوثيين؟وأعلن الحوثيون أنهم لن يتراجعوا أمام الضربات الأمريكية وسيواصلون مهاجمة السفن في البحر الأحمر، كما رفضت طهران تهديدات ترامب. ومن المرجح أن تضطر القوات البحرية الأمريكية إلى الحفاظ على وتيرة هجماتها لفترة طويلة قبل أن يظهر الحوثيون أي بوادر تراجع.
ومع ذلك، قد يجد ترامب في نهاية المطاف أن الطريقة الوحيدة لهزيمة الحوثيين، كما كان الحال مع القراصنة القدامى، هي تجاوز مجرد تهديد الدولة التي ترعاهم واتخاذ إجراءات حاسمة ضدها.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: وقف الأب رمضان 2025 عام المجتمع اتفاق غزة إيران وإسرائيل غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية أمريكا البحر الأحمر إيران اليمن الحوثيون الحوثي الولايات المتحدة البحر الأحمر إيران
إقرأ أيضاً:
بماذا تحلم إسرائيل في سوريا ما بعد الأسد؟
أنقرة (زمان التركية) – تشن إسرائيل حملة كبيرة لزعزعة الاستقرار والدمار في سوريا منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد، مما يضع السلطة الجديدة في سوريا بمأزق كبير.
وانتهكت إسرائيل القانون الدولي بشكل صارخ وتجاهلت سيادة سوريا بقصفها البلاد بشكل متهور واستيلائها بشكل غير قانوني على المزيد من الأراضي السورية.
فور الإطاحة بنظام الأسد، شنت القوات الجوية والبحرية الإسرائيلية مئات الهجمات مما أدى إلى القضاء على بقية جيش النظام السابق. ولم تكتفي تل أبيب بالسيطرة على مرتفعات الجولان المحتلة فحسب، بل سرعان ما سيطرت القوات البرية الإسرائيلية على المزيد من الأراضي في جنوب غرب سوريا وإنشاء “منطقة عازلة” بها.
وتزعم إسرائيل أن كل هذه الخطوات ضرورية من أجل أمنها القومي، حيث طالب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بنزع سلاح جنوب سوريا محذرا من أن القوات المرتبطة بالحكومة السورية الجديدة يجب أن تبقى خارج هذه المنطقة من سوريا، في حين تعهد وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، بإبقاء قوات الاحتلال لبلاده في سوريا لفترة غير محددة من الزمن.
وفي نهاية فبراير/ شباط الماضي، أعلن كاتس أن إسرائيل “لن تسمح لجنوب سوريا بأن يصبح جنوب لبنان”.
يرى العديد من المراقبين أن موقف إسرائيل بعد تغيير النظام في سوريا هو محاولة لمنع الاستقرار وإعادة الإعمار والتنمية في البلد الذي مزقته الحرب وليس مخاوف أمنية مشروعة.
وذكر يوسف جان، المحلل في برنامج الشرق الأوسط في مركز ويلسون، خلال العريضة التي تقدم بها لموقع The New Arab أن الأمر بمثابة نزعة توسعية أكبر من كونه دفاعي ومن الصعب زعم غير ذلك.
ما تريده إسرائيل في نهاية المطاف ألا تصبح سوريا دولة قوية نهائيا بصرف النظر عمن يتولى إدراتها.
وفي ضوء التطورات الإقليمية مثل الضعف الشديد لحزب الله في لبنان العام الماضي وسقوط الأسد في سوريا، تحاول إسرائيل خلق حقائق جديدة على الأرض في منطقة الشام. وفي هذا النظام الذي تفرضه إسرائيل، لن تكون أي دولة أو جهة فاعلة غير حكومية في وضع يمكنها من تحدي الهيمنة العسكرية لإسرائيل أو إجبار تل أبيب على دفع ثمن موقفها من الإبادة الجماعية في غزة أو توسعها في مبادرتها الاستعمارية في الضفة الغربية أو عدوانها الذي لا يمكن تصوره في لبنان.
وذكرت كارولين روز، مديرة معهد نيو لاينز، أن إسرائيل تفضل جارا ضعيفا وغير مستقر لن يهدد بهجوم مضاد أو هجوم مضاد عبر الحدود.
وأفاد كرم شعار، مدير الاستشارية المحدودة وكبير الباحثين غير المقيمين في معهد نيو لاينز، أن ما تحاول إسرائيل تحقيقه هو في الأساس إرسال إشارات واضحة إلى حكومة دمشق مفادها “نحن أعداء ونريد أن تستمر هذه العلاقة على هذا النحو” قائلا: “أعتقد أن هذا في الواقع يخدم مصالح إسرائيل، فما الذي يمكن أن يكون أفضل من وجود دولة ضعيفة ومجزأة لدرجة أنها يمكن أن تقول الكثير من الأشياء السلبية لك، لكنها لا يمكن أن تؤذيك بشكل فعلي؟ ليس لديهم القدرة على إيذائك. هذا عدو مثالي، وجميع السياسيين بحاجة إلى عدو. بالتأكيد عدو ضعيف، وهذا يساعد الإسرائيليين في الحصول على الدعم من الولايات المتحدة. هذا يساعدهم في الحصول على الدعم من الاتحاد الأوروبي من خلال تصوير أنفسهم كضحايا “.
التصدي لتركيا في سوريااحتمال وجود تحالف عسكري بين تركيا وسوريا ما بعد الأسد يهدد رؤية إسرائيل لسوريا وبالتالي بقية بلاد الشام، فاللاعبون/المخططون الإسرائيليون يشعرون بالقلق من أن تلعب أنقرة دورا في حماية سوريا من عدوان تل أبيب وربما ردع إسرائيل عن الهجمات المستقبلية.
في هذا الإطار، فإن أحد الأهداف الرئيسية وراء قصف إسرائيل والاستيلاء الأراضي في سوريا هو منع تركيا من خلق بصمة عسكرية في البلد الذي مزقته الحرب.
وفي الوقت الذي يتهم فيه المسؤولون الإسرائيليون أنقرة بالرغبة في “حماية” سوريا، فإنهم يعربون عن قلقهم الشديد بشأن عواقب نفوذ تركيا المتزايد في سوريا. ويمكن اعتبار تنفيذ إسرائيل هجمات دمرت البنية التحتية العسكرية في سوريا في الأسابيع الأخيرة على أنها طريقة تل أبيب لمنع تركيا من إقامة موقع عسكري في سوريا.
قاعدة التيفور الجوية، التي تتمتع بموقع استراتيجي في غرب تدمر في وسط سوريا ويستخدمها النظام المخلوع منذ سنوات عديدة، تربط دمشق وحمص ببعضهما البعض. لذا فإن إسرائيل مصممة على تدمير جزء كبير من هذه القاعدة عبر الضربات الجوية الأخيرة. واستهدفت تل أبيب في عمليات عسكرية أخرى البنية التحتية الدفاعية في أماكن أخرى من سوريا، بما في ذلك في دمشق وحماة.
تدمير إسرائيل لهذه البنية التحتية العسكرية يعمل على تقويض قدرة أنقرة على إرسال مسيرات ومعدات لوجستية ثقيلة وأنظمة دفاع جوي إلى هذه المناطق من سوريا.
وردا على هذه الضربات الجوية، انتقد وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، إسرائيل لتأجيجها عدم الاستقرار في المنطقة “عن طريق التسبب في الفوضى وتغذية الإرهاب”. وذهب فيدان إلى حد وصف إسرائيل بأنها أكبر تهديد للأمن في الشرق الأوسط.
وفي تعليق منها على الأمر، أوضحت روز أن إسرائيل حاولت جعل تركيا تُعيد التفكير في إنشاء منشآت عسكرية دائمة أو شبه دائمة في سوريا وتعميق العلاقات الدفاعية مع الحكومة المؤقتة قائلة:”نفذت إسرائيل هجمات على قاعدة تيفور بعد أنباء عن تركيب تركيا لأنظمة دفاع جوي بالقاعدة. وزعم نتنياهو أن الوقت محدود لشن الهجوم لتجنب استهداف الوجود التركي”.
وعلى الرغم من هذا، أكد فيدان أن تركيا لا تريد مواجهة الإسرائيليين وأن الحكومة المؤقتة بقيادة أحمد شرع في سوريا يمكنها وضع سياساتها الخاصة ضد إسرائيل.
وفي خطوة مثيرة، استضافت أذربيجان، التي تجمعها علاقات وطيدة مع كل من تركيا وإسرائيل، مباحثات تهدف لخفض التصعيد بين أنقرة وتل أبيب في سوريا. وذكر مكتب نتنياهو في بيانه أن الطرفين طرحا مصالحهما في المنطقة واتفقا على مواصلة مسار الحوار للحفاظ على الاستقرار الأمني. وأعلن الوفد الإسرائيلي في أذربيجان أن خط تل أبيب الأحمر سيكون قاعدة تركية في منطقة تدمر. وصرح مسؤول إسرائيلي أن “مسؤولية حكومة دمشق منع مثل هذه الأنشطة التركية وأن أي نشاط يعرض إسرائيل للخطر سيهدد إدارة الشرع”.
حقيقة أن الولايات المتحدة مثل أذربيجان هي حليف وثيق لكل من تركيا وإسرائيل يدل على أن واشنطن لديها مصلحة في تهدئة التوترات بين أنقرة وتل أبيب في سوريا.
وكان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، قد تطرق قبل يومين من اجتماع الوفدين التركي والإسرائيلي في أذربيجان إلى دور تركيا في سوريا ما بعد الأسد خلال لقائه مع نتنياهو في المكتب البيضاوي. وأشاد ترامب بعلاقته الرائعة مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي وصفه بأنه “زعيم قوي و ذكي حقق شيئا لم يستطع أي شخص آخر تحقيقه.
وكانت تلك إشارة، على الأقل في نظر ترامب، إلى تركيا التي نسقت عملية الإطاحة بنظام الأسد في أواخر العام الماضي.
وطالب ترامب نتنياهو بحل أي مشكلات عالقة مع تركيا قائلا: “كما تعلمون، لدي علاقة جيدة جدا مع تركيا وقادتها وأعتقد أنه يمكننا حلها. آمل ألا تكون هذه مشكلة. ولا أعتقد أنها ستكون مشكلة”.
على الرغم من أن البيت الأبيض في تحالف وثيق للغاية مع إسرائيل في الحرب على قطاع غزة، فإن قضية دور تركيا في سوريا ما بعد الأسد يمكن أن تكون مصدر توتر بين ترامب ونتنياهو. فعلى عكس وجهة نظر إسرائيل لأنقرة في سوريا باعتبارها تهديدا خطيرا لمصالح إسرائيل، يبدو أن ترامب يتخذ موقفا إيجابيا بشأن دور تركيا في سوريا.
على الأقل في الوقت الحالي، لا يبدو أن مثل هذه التوترات حول سوريا في العلاقات التركية الإسرائيلية على وشك الحل على الرغم من جهود واشنطن وباكو للحد من الاحتكاك بين أنقرة وتل أبيب، فعد فترة وجيزة من اجتماع الوفدين في أذربيجان، صرح أردوغان في خطابه في منتدى أنطاليا الدبلوماسي بأن “تركيا لن تسمح بانجرار سوريا إلى دوامة جديدة من عدم الاستقرار” واتهم إسرائيل بمحاولة تقويض “الثورة” التي أطاحت بالأسد.
ومستقبلا، من المرجح أن تكلف الديناميكيات النابعة من صراع تركيا وإسرائيل على النفوذ في سوريا ستُكلّف الكثير من أجل تشكيل عملية الانتقال الهشة في البلد الذي مزقته الحرب وموقعه في النظام الجيوسياسي في المنطقة.
يؤكد مهران كفراما، الأستاذ الحكومي في جامعة جورج تاون في قطر، أن تحول سوريا لدولة ضعيفة ومنهارة بعد عام 2011 جعلها ساحة حرب لدول كإيران وروسيا وقطر والمملكة العربية السعودية وأن سوريا تحولت لمنطقة تنافس بين تركيا وإسرائيل في ظل الظروف الجديدة بالوقت الراهن قائلا: “لا يريد أي من الطرفين صراعا مفتوحا في هذه العملية ولا يريدان مواجهة الولايات المتحدة. وتهدف الهجمات الإسرائيلية في سوريا إلى زيادة التكلفة اللوجستية لنشر القوات التركية في البلاد وضمان أن تصبح المرافق غير صالحة للاستخدام لأي أغراض عسكرية في المستقبل “.
إضعاف إيران في سوريا وإشراك الدروز
لا تزال سياسة إسرائيل الخارجية تجاه سوريا تركز إلى حد كبير على إيران على الرغم من أن سقوط الأسد لم يقضِ كليا على نفوذ إيران في سوريا، فضمان ألا تكون سوريا مرة أخرى قناة سلاح لحزب الله أو دولة توفر أي عمق استراتيجي للجماعة اللبنانية المدعومة من طهران هو أولوية قصوى لصانعي السياسة الإسرائيليين.
ويرى جان أنه على الرغم من أن الحكومة السنية الجديدة في دمشق ليست من المعجبين بطهران فإن إسرائيل لا تترك الأمر للصدفة. لذا تستهدف إسرائيل الكيانات التي تشتبه بارتباطها بإيران وبقايا حزب الله.
وترى تل أبيب أنه لا يمكن السماح لسوريا بأن تصبح ممرا للأسلحة أو نقطة ارتكاز استراتيجية لإيران. وتصر تل أبيب على بناء منطقة عازلة في سوريا يمكنها حماية إسرائيل من أي جماعة تعتبرها معادية سواء كانت جماعات مرتبطة بإيران أو قوات مدعومة من تركيا مرتبطة بالحكومة السورية الجديدة.
وأوضح جان أن تواصل إسرائيل مع الدروز في سوريا هو جزء من مساعيها لإقامة منطقة عازلة قائلا: “إسرائيل تريد أكثر من مجرد النجاح التكتيكي على المدى الطويل، فهى تسعى إلى تحويل سوريا ما بعد الحرب إلى دولة تعترف بالخطوط الحمراء الأمنية لها وحتى هيمنتها في الجولان. حاليا ، تراهن من خلال الاستيلاء على الأراضي على إمكانية التفاوض لاحقا بالتخلي عن بعض الأجزاء من المنطقة العازلة بل والاعتراف بها مقابل الضمانات”.
يبدو أن إسرائيل تحرز بعض التقدم في سوريا في الوقت الحالي، غير أن هناك بعض المخاطر التي تتعرض لها تل أبيب، حيث يحذر بعض الخبراء من أن مثل هذا النهج من المرجح أن يأتي بنتائج عكسية مشيرين إلى أن إسرائيل تحاول تعزيز العلاقات مع الأقلية الدرزية السورية من خلال الاستيلاء على المزيد من الأراضي في سوريا وقصف أجزاء من البلاد.
ويرى جان أن سعى اسرائيل لتشكل سوريا ما بعد الأسد يبدو ناجحا بالوقت الراهن حيث تسيطر إسرائيل على جنوب سوريا وتم طرد إيران وتتصرف تركيا بحذر ولا يمكن لدمشق أن تتراجع، غير أن هناك مشكلة وهى أن الاحتفاظ بهذه المنطقة على المدى الطويل محفوف بالمخاطر.
وأشار جان إلى انزعاج بعض الجماعات الدرزية من سيطرة إسرائيل على المنطقة واندلاع بعض المواجهات بالفعل قائلا: “الاستراتيجية التي تؤمن الحدود اليوم يمكن أن تأتي بنتائج عكسية إذا كانت تنفر الحلفاء المحليين أو توحد السوريين. وقد يزداد الضغط الدولي أيضا. لا يزال لروسيا قوات في سوريا وقد لا تتسامح مع وجود إسرائيلي دائم”.
بغض النظر عن كيفية تطور هذه الديناميكيات، من الواضح أن إسرائيل تعتقد أنها تعزز مصالحها الإقليمية من خلال تعميق الانقسامات العرقية والدينية في سوريا للحد من احتمال قيام دولة سورية قوية وموحدة تنبثق من سقوط الأسد. وإذا امتلكت الجماعات الدرزية في السويداء منطقة حكم ذاتي، فقد يشكل هذا التطور سابقة من شأنها أن تدفع مجتمعات الأقليات الأخرى إلى زيادة مطالبها بالحكم الذاتي.
هذا النهج تجاه سوريا، الذي ترغب تل أبيب من خلاله تفكيك الدولة العربية، له جذور عميقة في تاريخ إسرائيل، حيث يعود تاريخ عقيدة “تحالف الأقليات” بالسياسة الخارجية الإسرائيلية، التي تتعامل بهاا تل أبيب مع مجتمعات الأقليات في الدول العربية مثل لبنان والعراق والسودان، إلى عقود.
التطبيع السوري مع إسرائيللدى واشنطن رغبة في رؤية التطبيع بين إسرائيل وسوريا. وقد أعرب مبعوث ترامب الخاص لشؤون الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، عن هذا الأمر.
وإذا انضمت الحكومة السورية الجديدة إلى اتفاقات أبراهام، فسيتعين فهم ذلك في سياق نقاط ضعف البلاد ورغبة دمشق في اكتساب الشرعية في نظر الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى، إذ يبدو أن رفع العقوبات الأمريكية والأوروبية هو الأولوية القصوى للشرع والمقربين منها. وهذا يتطلب تحسين صورة الحكومة السورية، التي تهيمن عليها هيئة تحرير الشام، في واشنطن والعواصم الأوروبية.
لذلك ليس من المستبعد أن يجبر الضغط الغربي والإسرائيلي دمشق على قبول شكل من أشكال التطبيع مع تل أبيب.
ويوضح كفراما أن الإدارة السورية الجديدة أظهرت ترددا واضحا أو افتقار للقدرة فيما يتعلق بالاعتداءات الاسرائيلية أو سرقة المعدات العسكرية السورية وما يعكس اهتمام دمشق في الوقت الراهن على الأقل بتعزيز قوتها السياسية أكثر من الدفاع عن المصالح الوطنية للبلاد قائلا: “إذا كان هذا هو الحال بالفعل، فيمكننا أن نرى أن تطبيع في العلاقات بين سوريا وإسرائيل بحوافز اقتصادية ودبلوماسية كافية من واشنطن “.
إذا وافقت دمشق على التطبيع مع إسرائيل، فستكون هناك تكاليف عالية تدفعها حكومة الشرع. ويؤكد شعار أنه حتى وإن أبدت اسرائيل استعدادا لإبرام اتفاق سلام مع دمشق، فإن الشرع سيكون “مترددا جدا” في قبوله نظرا لمعرفته برد الفعل على مثل هذا الاتفاق للسلام.
وأضاف شعار أنه لا يعتقد أن تقترح إسرائيل هذا إن لم تسترد سوريا جميع الأراضي المحتلة نظرا لأن هذا الأمر سيضع الشرع في مأزق.
هذا وأفاد جان أن استمرار احتلال إسرائيل للأراضي السورية “أزال محادثات السلام السورية الإسرائيلية من على الطاولة” حتى وإن أعلن الشرع انفتاحه بشكل عامعلى التطبيع مع تل أبيب مشيرا إلى أن عدوان إسرائيل بعد الأسد على سوريا “قضى على أي فرصة للتطبيع مع دمشق على الأقل في المدى القصير”.
وشدد جان أن هضبة الجولان لا تزال تشكل عقبة أساسية قائلا: “وكما ذكر الشرع في فبراير، فإن هذه القضية حساسة من الناحية السياسية لدرجة لا يمكن حتى طرحها في ظل مواصلة إسرائيل لاحتلال أراضي سورية. ولم تحتفظ إسرائيل بالجولان فحسب، بل توسّعت إلى ما أبعد من ذلك “.
وأكد جان أن كل صاروخ يسقط على الأراضي السورية يزيد من غضب الشعب ويجعل التطبيع انتحارا سياسيا لدمشق وأنه لا يمكن لأي زعيم سوري، وخاصة زعيم يحاول تعزيز شرعيته بعد الحرب، أن يتحدث عن السلام في ظل الطائرات الإسرائيلية لبلاده وهو ما يجعل التطبيع غير ممكن على المدى القريب.
Tags: أحمد الشرعاتفاقيات أبراهامالتطبيع بين سوريا واسرائيلالتطورات في سورياالدروزالغارات الاسرائيلية على سوريا