بقلم: عمر سيد احمد
مارس 2025

O.Sidahmed09@gmail.com

المقدمة

يُعتبر النظام المصرفي ركيزة أساسية لأي اقتصاد، حيث يسهم في تحفيز النمو، تنظيم العمليات المالية، وتوفير التمويل اللازم للأفراد والشركات.
في السودان، شهد القطاع المصرفي تطورات كبيرة منذ نشأته، متأثرًا بعوامل متعددة، أبرزها التغيرات السياسية، التقلبات الاقتصادية، والإصلاحات الهيكلية.



وخلال العامين الماضيين، تعرض القطاع المصرفي لأزمات حادة بسبب الحرب التي اندلعت في أبريل 2023، مما أدى إلى تدمير البنية التحتية للمؤسسات المالية، وتوقف عدد كبير من الفروع عن العمل. كما تراجع الشمول المالي، وفقد العملاء ثقتهم في المصارف، ما أدى إلى انهيار جزئي في العمليات المصرفية.

يستعرض هذا التقرير تطور النظام المصرفي السوداني، هيكليته الحالية، مدى التزامه بالمعايير الدولية، تأثير الحرب عليه، وأهم الأولويات لإصلاحه بعد الأزمة، بما في ذلك ضرورة التحول الرقمي، الالتزام بالحوكمة، ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

نشأة وتطور النظام المصرفي السوداني:
بدأ النظام المصرفي في السودان في أوائل القرن العشرين مع دخول البنوك الأجنبية، حيث أُنشئ فرع للبنك الأهلي المصري عام 1903، تلاه بنك باركليز عام 1913، بالإضافة إلى فروع لبنوك أخرى مثل بنك مصر والبنك الإثيوبي والكريديت ليونيه.

في عام 1959، تأسس بنك السودان المركزي ليكون الجهة المنظمة للقطاع المصرفي، والمسؤول عن إصدار العملة وإدارة الاحتياطي النقدي. بعد الاستقلال، شهد القطاع تطورات كبيرة، حيث تم تأميم بعض البنوك الأجنبية، وإنشاء مصارف حكومية وخاصة لدعم الاقتصاد الوطني.
في عام 1978، تم تأسيس بنك فيصل الإسلامي، مما أدخل النظام المصرفي الإسلامي إلى السودان. وفي عام 1983، بدأت الحكومة تطبيق أسلمة المصارف، ومع حلول 1990، أصبح النظام المصرفي السوداني إسلاميًا بالكامل، مما أدى إلى تحول المعاملات البنكية إلى صيغ التمويل الإسلامية مثل المرابحة والمضاربة، وغيرها بديلا لصيغ الاستدانة التمويل المرنة والمعروفة عالميا مثل السحب علي المكشوف والقروض بكل اشكالها وقد فرض تطبيق النظام الإسلامي تحديات في التعامل مع الأسواق المالية العالمية وتسبب مع أسباب اخري في ضعف النظام المصرفي الهش وعزلة من التعامل مع النظام المصرفي العالمي .
هيكلة وملكية المصارف في السودان حتى عام 2023، كان يوجد في السودان 39 بنكًا، تتوزع على النحو التالي:
- 15 بنكًا حكوميًا أو بشراكات حكومية.
- 24 بنكًا خاصًا تجاريًا بعضها فروع لبنوك إقليمية خارجية .

تخضع المصارف السودانية لإشراف بنك السودان المركزي، الذي يمنح الترخيص ويحدد السياسات النقدية ويصدر التوجيهات للبنوك التجارية ويراقب البنوك الي جانب دوره كمقرض اخيرر.
إلا أن عدم استقلالية البنك المركزي يجعله عرضة للتدخلات السياسية، مما يحد من فاعليته في الرقابة المالية، ويؤدي إلى ضعف الشفافية وغياب السياسات المستقرة التي تعزز ثقة المتعاملين مع البنوك والمستثمرين.
عدم التزام البنوك السودانية بمقررات لجنة بازل :تواجه المصارف السودانية صعوبات في الامتثال لمقررات لجنة بازل الخاصة بكفاية رأس المال، والتي تتطلب أن تحتفظ البنوك بنسبة 8%-12% من رأس المال مقارنة بالأصول الخطرة.

أبرز التحديات التي تمنع الالتزام بهذه المعايير:
1. انخفاض قيمة العملة الوطنية، مما أدى إلى تآكل رؤوس أموال البنوك.
2. أثر الحرب على القطاع المصرفي، حيث تعرضت البنوك لخسائر كبيرة وفقدت نسبة كبيرة من أصولها.
3. ضعف دور بنك السودان المركزي بسبب التدخلات السياسية، مما أضعف الرقابة المصرفية وتسبب في عدم استقرار السياسات النقدية.
دور الاقتصاد الموازي في ضعف النظام المصرفي السوداني
يُعد الاقتصاد الموازي من أكبر التحديات التي تواجه النظام المصرفي السوداني، حيث يسيطر على جزء كبير من النشاط الاقتصادي يقدر ب85 % من الاقتصاد الكلي مما يؤدي إلى ضعف دور المصارف في التمويل، وانخفاض نسبة الأموال المتداولة داخل النظام المصرفي الرسمي.
إن الحد من سيطرة الاقتصاد الموازي على النشاط المالي في السودان يمثل خطوة ضرورية لاستعادة دور النظام المصرفي، وزيادة فاعلية السياسات النقدية، وضمان استقرار الاقتصاد الوطني.
تشير التقديرات إلى أن 95% من الكتلة النقدية في السودان توجد خارج النظام المصرفي، مما يعني أن المصارف لا تتحكم إلا في 5% فقط من النقد المتداول. ويعود ذلك إلى عدة أسباب، أبرزها:
1. هيمنة الاقتصاد غير الرسمي:في ظل نظام الإنقاذ والعزلة المصرفية والاقتصادية التي ظل يعاني منها السودان بسبب المقاطعة الاقتصادية الأمريكية تمدد الاقتصاد الموازي الذي تتحكم فيه أجهزة الدولة النظامية وغيرها من الطبقة الطفيلية للحزب الحاكم واعتماد شريحة واسعة من السودانيين على الأنشطة غير المنظمة، مما يقلل من اعتمادهم على المصارف في التعاملات المالية وعجز وزارة المالية والدولة عن أداء دورها في وضع الجزء الأكبر من الاقتصاد تحت ولايتها كما ينبغي .
2. مشكلة الديون المتعثرة بسبب الحرب :
أدت الحرب إلى ارتفاع نسبة الديون المتعثرة في المصارف السودانية إلى مستويات غير مسبوقة، حيث تشير التقديرات إلى أن %50 من القروض والتمويلات المصرفية أصبحت غير مستردة بسبب تعطل الأنشطة الاقتصادية وتدمير العديد من المنشآت التجارية والصناعية. و يجب على الدولة التدخل لتخفيف هذه الأزمة عبر تبني حلول مماثلة لما قامت به دول أخرى في أوقات الأزمات، مثل:-

1. منحالبنوك المتضررة قروضًا مدعومة من الحكومة لمساعدتها على استعادة سيولتها.
2. إنشاء صندوق لإعادة هيكلة الديون المتعثرة، بحيث يتم جدولة السداد لفترات أطول بفوائد/ بعوائد مخفضة
3. تقديم ضمانات حكومية للبنوك لمساعدتها في استعادة ثقة المستثمرين والعملا
4. تحفيز الشركات المتضررة على إعادة جدولة قروضها عبر تقديم إعفاءات ضريبية أو دعم مالي لتخفيف الأعباء
5. تبني حلول شاملة لإعادة بناء القطاع الخاص المتضرر، مما سيسهم في استعادة قدرة الشركات على الوفاء بالتزاماتها المصرفية.
3 .ضعف التعامل والثقة مع القطاع المصرفي نتيجة الأزمات الاقتصادية والسياسية ، يلجأ المواطنون إلى الاحتفاظ بالنقد خارج البنوك لتجنب مخاطر التقلبات الاقتصادية.
4. تأثير العقوبات الاقتصادية السابقة: أدت العقوبات المالية إلى عزلة القطاع المصرفي، مما دفع الأفراد والشركات إلى التعامل بالنقد المباشر أو عبر شبكات مالية غير رسمية وتحول الجزء الأعظم من التجارة الخارجية ليدار من مدن الخليج وأسواق تجارة العملة الرائجة وقد تم تقنين هذه الممارسات بسماح ضوابط البنك المركزي بالاستيراد بدون تحويل عمله والممارسات الفاسدة في عمليات الصادرات السودانية في ظل اقتصاد الريع وتصدير وتهريب السلع والمنتجات والمحاصيل النقدية السودانية خاما بلا أي قيمة مضافة بالتصنيع والتي لا تعود عائداتها الي داخل السودان .
5 . غياب الحوافز للإيداع المصرفي: لا توفر البنوك حوافز كافية للمواطنين لإيداع أموالهم، بسبب ارتفاع تكاليف الخدمات المصرفية وضعف العائد على الودائع وعدم منح اية عوايد علي ارصدة الحسابات الجارية وفق النظام المصرفي الإسلامي مما ضاعف في ضعف الشمول المالي حيث يعد السودان من أضعفها .

6.انعكاسات ضعف الشمول المالي على الاقتصاد
- انخفاض قدرة المصارف على تقديم التموي: بسبب قلة الأموال المودعة، تعجز المصارف عن تمويل المشروعات الإنتاجية.
- زيادة معدلات التضخم*: يؤدي تداول النقد خارج النظام المصرفي إلى ضعف قدرة البنك المركزي على التحكم في المعروض النقدي، مما يزيد التضخم.
- ضعف دور السياسة النقدية*: مع تحكم الاقتصاد الموازي في الجزء الأكبر من النقد، يصبح تأثير قرارات البنك المركزي محدودًا.
- صعوبة تنفيذ الإصلاحات المال: أي محاولات لتطبيق سياسات نقدية تواجه عقبات كبيرة بسبب سيطرة الاقتصاد الموازي على الكتلة النقدية.
أولويات إصلاح القطاع المصرفي بعد الحرب
1.التحول الرقمي في الخدمات المصرفية
- تطوير الخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول لتعويض تراجع الفروع المصرفية.
- تعزيز أنظمة الدفع الإلكتروني لتسهيل التحويلات وتقليل مخاطر التعامل النقدي.
- تحديث الأنظمة المصرفية الرقمية لمواكبة التطورات العالمية وتعزيز كفاءة العمليات المالية.
2. الالتزام بالحوكمة ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب لإعادة اندماج الجهاز المصرفي في المنظومة المصرفية الدولية .
- فرض لوائح صارمة للحوكمة والشفافية للحد من التدخلات السياسية في قرارات المصارف.
- تطبيق إجراءات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب بما يتماشى مع المعايير الدولية.
- تعزيز الرقابة المصرفية لضمان الامتثال للقوانين الدولية واستعادة ثقة المستثمرين.

3. تعزيز الشمول المالي
- إطلاق برامج لزيادة الوعي المالي وتشجيع المواطنين على فتح حسابات مصرفية.
- خفض تكاليف الخدمات المصرفية لجذب الفئات غير المشمولة مصرفيًا.
- توسيع الخدمات المالية الرقمية للوصول إلى المناطق الريفية والنائية بالتوسع بالخدمات والتطبيقات المصرفية الرقمية في التحويلات
الحلول المطلوبة
1. تحفيز المواطنين على التعامل مع البنوك عبر تقديم مزايا مثل تخفيض الرسوم المصرفية، وزيادة العوائد على الودائع.
2. توسيع نطاق الشمول المالي عبر الخدمات المصرفية الرقمية، وتسهيل إجراءات فتح الحسابات البنكية، خاصة في المناطق الريفية.
3. محاربة الأنشطة غير المشروع التي تعتمد على التعامل النقدي خارج النظام المصرفي، مثل تجارة السوق السوداء والتهريب.
4. إعادة هيكلة السياسات النقدية لضبط الكتلة النقدية، وإجبار الشركات الكبرى على التعامل عبر المصارف بدلًا من النقد المباشر.
5. تطوير آليات الدفع الإلكتروني ليكون بديلًا أكثر أمانًا وفعالية من التعاملات النقدية التقليدية.
6. إعادة العمل بالنظام المصرفي التقليدي بالسماح للبنوك بتطبيق نظام النافذتين وتغيير القوانين التي تمنع من إعادة تطبيق سعر الفائدة كأحد الأدوات الاقتصادية المهمة في التحكم في السيولة للتحكم في التضخم .

4. إعادة هيكلة القطاع المصرفي
- إصلاح بنك السودان المركزي لضمان استقلاليته وتعزيز دوره الرقابي.
-إصلاح الجهاز المصرفي برفع رؤوس أموال المصارف خلال فترة لا تتجاوز ثلاثة أعوام بما يحقق الالتزام بتطبيق المعايير الدولية للحد الادني لكفاءة راس المال ( مقررات لجنة بازل )
- إعادة رسملة البنوك المتضررة وجذب استثمارات لدعم استقرارها المالي.
- دمج وإصلاح البنوك الضعيفة لإنشاء مؤسسات مالية أكثر قوة وكفاءة.
الخاتمة
يواجه القطاع المصرفي السوداني تحديات غير مسبوقة بسبب الحرب، ضعف البنية التحتية المالية، وانخفاض كفاية رأس المال.
لكن مع الإصلاحات الصحيحة، يمكن إعادة بناء قطاع مصرفي أكثر استدامة وكفاءة.

**التوصيات الأساسية:**
1. تسريع التحول الرقمي لتوسيع نطاق الخدمات المصرفية وإدخال أنظمة التحويلات المالية الرقمية مثل M-Pesa و Wave والاستفادة من النسبة العالية لمستخدمي الموبيلات ( يقدر ب74 % من السكان )
2. تعزيز الشفافية والحوكمة لضمان بيئة مصرفية مستقرة.
3. إصلاح السياسات النقدية لتعزيز استقرار العملة المحلية وزيادة ثقة المستثمرين.
4. تقديم حوافز لجذب الاستثمارات الأجنبية وتطوير الشراكات مع المؤسسات المالية العالمية.
5. إعادة هيكلة بنك السودان المركزي ليعمل كمؤسسة مستقلة ذات سياسات نقدية فعالة.

إن تنفيذ هذه الإصلاحات سيمكن السودان من إعادة بناء وإصلاح نظام مصرفي حديث قادر على دعم الاقتصاد الوطني، وتعزيز الثقة المحلية والدولية في القطاع المالي.

المراجع:
• البنك الدولي (2023). تقرير التنمية المالية في السودان.
• الهيئة العامة للإحصاء (2022). البيانات الاقتصادية والمصرفية.
• تقرير البنك المركزي السوداني حول أداء القطاع المصرفي (2023).
• دراسات حول الشمول المالي والاقتصاد الموازي في السودان - المراكز البحثية المحلية والدولية.
• Sudantransparency.org: آثار الحرب على النظام المصرفي السوداني.
• Mohsin Mergni Blogspot: تاريخ النظام المصرفي في السودان.
• Addustour.com: تطورات النظام المصرفي السوداني وتعاظم البنوك الإسلامية

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: بنک السودان المرکزی السیاسات النقدیة الاقتصاد الموازی الخدمات المصرفیة القطاع المصرفی البنک المرکزی الشمول المالی إعادة هیکلة فی السودان أدى إلى

إقرأ أيضاً:

على طريق الانعتاق من الهيمنة المصرية «18 – 20»

على طريق الانعتاق من الهيمنة المصرية «18 – 20»

“لنْ يستطيعَ أحدٌ أنْ يركبَ على ظهرِك، ما لمْ تكُنْ مُنحنياً”

مارتن لوثر كينج

د. النور حمد

الخنق الإخواني للحياة في السودان

لقد أفقر النظام الإخواني الحياة في السودان؛ إذ أفقر غالبية أهلها ماديًّا وقضى على ما تسمى الطبقة الوسطى، بعد أن خلق طبقةً مترفةً بالغة الثراء، مرفهةً، تعيش في فقاعةٍ خاصةٍ بها في الأحياء الراقية في الخرطوم، وفي بعض المدن الكبرى. هذه الطبقة بالغة الثراء منغمسةٌ في نمط عيش مختلفٍ في فقاعتها المعزولة، ولم تعد تشعر بحياة من حولها من بقية السودانيين. يعيش هؤلاء فقاعتهم الخاصة بهم في الخرطوم، حيث يرتادون مطاعم لا يرتادها غيرهم، ويصلون في مساجدَ فاخرةٍ جعلتها مواقعها في الأحياء الراقية خاصةً بهم، ويركبون سياراتٍ فاخرةً لا يركبها إلا أهل الخليج. ويسافرون بالدرجة الأولى في الطائرات، ويخرجون ويدخلون عبر صالة كبار الزوار متجنبين العبور بالصالة العمومية الكئيبة لأبأس مطار دولي في العالم. ويقيمون حفلات زفاف أبنائهم وبناتهم في صالات لا يطالها غيرهم. أما أولادهم وبناتهم فلهم عوالمهم الخرطومية الخاصة، ومفاهيمهم الخاصة وجامعاتهم الخاصة، بل لهم لغتهم الخاصة، أيضا. وهكذا أصبح السودان طاردًا لبنيه الباحثين عن حياةٍ حديثةٍ طبيعيةٍ، وأصبح أول ملاذٍ سهل للدخول وللإقامة هو القاهرة وغيرها من مدن مصر. وحين تمل هذه الطبقة الحياة في فقاعتها المخملية المعزولة في الخرطوم، وتحس بأنها تريد عيشًا مؤقتًا في إطار حضاريٍّ متكاملٍ الجوانب،يمنحها مزيدًا من الترفيه ومن التميُّزِ الاجتماعي، فإنها تسافر إلى منازلها وشققها الفاخرة في القاهرة، واستنابول، ودبي، وكوالالمبور، وغيرها من عواصم العالم. والآن، بعد أن نشبت هذه الحرب، هرب كثيرٌ من هؤلاء الذين خنقوا الحياة المدينية في السودان حتى أماتوها، إلى القاهرة حيث يعيشون الآن في أفخم الأحياء السكنية مستمتعين بكل مباهج الحياة الحديثة هناك.

إلى جانب الإفقار المادي، أفقر النظام الإخواني الحياة السودانية ثقافيًا. فقد حارب الابداع والمبدعين الحقيقيين وجاء بالكثير من أدعياء الإبداع في كل مناحي الثقافة من آداب وفنون وملأ بهم الفضاء العام حتى أثقله بالغثاثات والفجاجة والرِّكة. قضى الإنقاذيون تمامًا على دور السينما، وخنقوا النشاط المسرحي. وقضى الفقر وسوء الطرق والظلام وصعوبة التنقل على حيوية الأمسيات التي تتسم بها كل مدينةٍ حديثة. ماتت الحيوية المسائية المتمثلة في نشاط الأسواق والمقاهي والمطاعم في وسط المدن، وانسحب إلى الأطراف في شوارع أحياء الطبقة المرفهة. فوسط مدينة الخرطوم، على سبيل المثال، الذي كان بالغ الحيوية في الأمسيات في عقود الستينات والسبعينات والثمانينات، وكان متاحًا للجميع، أصبح يخيم على الصمت والظلام مع مغيب الشمس. لذلك، أتخذت الطبقة الوسطى التي أعادت تشكيل نفسها بسبب الهجرة إلى العمل في الخارج، وما تبقى من الطبقة الوسطى داخل البلاد، من القاهرة مدينةً بديلة. فأقام بعض هؤلاء فيها بصورةٍ ثابتة، وأصبح البعض الآخر يتردد عليها بكثرة لمختلف الأسباب. بل أصبح صيام رمضان في القاهرة، في العقود الأخيرة، حجًّا سنويًا لدى كثيرين. فحرارة الجو في السودان وانقطاع التيار الكهربائي المتكرر الذي يمتد لساعات طويلة جعل القاهرة قبلةً رمضانية لدى كثيرين. هذا الانهيار العام وانسداد الأفق الذي أحدثه التنظيم الإخواني في السودان، والشعور العام بأن كارثةً وشيكة الحدوث قد أخذت ترفرف فوق الرؤوس، جعل كثيرًا من السودانيين يحتاطون لأنفسهم بشراء شقة في القاهرة. وهذا هو الذي خلق هذا الانفجار الضخم في تملُّك السودانيين للشقق في مصر بالصورة التي ذكرناها إلى جانب ذلك، فإن القاهرة تتسم بحيويةٍ خاصةٍ في رمضان، حيث يصبح الليل هناك معاشًا كما النهار.

القاهرة مدينةٌ حافظت على نبض الحداثة فيها، بل وزادت فيه الكثير في العقود الأخيرة، في حين فقدت الخرطوم وباطِّراد، حداثتها تمامًا التي عُرفت بها في ستينات القرن الماضي، وفي النصف الأول من سبعيناته. لقد حوَّل التنظيم الإخواني الخرطوم إلى مدينة رَثَّةٍ، ميِّتة، كالحةٍ، وغَبِرة، وقد طال ذلك بقية المدن السودانية. وأدى الغلاء المنفلت والإفقار المتزايد للناس إلى أن ينحصر همهم في البحث عن لقمة عيشٍ لا يتحصَّلون عليها إلا بشق الأنفس. الجميع راسفون في قيود الفقر وقلة الحيلة، وغارقون في جو من الكآبة المستدامة والتشبث بحلمٍ بالتغيير لا يتحقق أبدا. باختصارٍ شديد، حوَّل التنظيم الإخواني مدينة الخرطوم، التي هجر كثيرٌ من أهل الريف أريافهم وأتوا للعيش فيها، إلى غابة ملؤها أنيابٌ زرقٌ ومخالبُ حمر. عاصمةٌ مسؤولي محلياتها لصوص وشرطتها مرتشية وكل إجراء حكوميِّ فيها يتم بشق الأنفس ولابد فيه مع ذلك من سلوك الطرق الملتوية.

منذ بضعة عقود أصبح قضاء العطلة في القاهرة مع بقية الأسرة القادمة من السودان من أمٍّ مسنة وأبٍ مسن ومن حالات طبية طارئة لمرضى في نطاق الأسرة هي الخيار الأفضل للمغتربين السودانيين. فمصر أسهمت في إفشال الدولة السودانية وقد ساعدتها النخب السودانية، خاصة العسكرية، في هذا الإفشال. والمحصلة النهائية هي تدفق مدخرات السودانيين من العملات الصعبة داخل مصر. أيضًا، جعلت القبضة الأمنية الشديدة ومطاردة المعارضين، في فترة حكم الإنقاذ، كثيرًا من السودانيين يتجنبون العودة إلى السودان، ويفضلون قضاء عطلاتهم في مصر. وقد ساعد على ذلك في فتراتٍ سابقة أن السودانيين لم يكونوا مطالبين بالحصول على فيزا مسبقة لدخول مصر. بل، في فترة حكم نميري وأثناء بداية ما سُمِّي التكامل الاقتصادي بين السودان ومصر، أخذت السلطات في البلدين إصدار ما سُمِّيت بطاقة وادي النيل التي تسمح بالتنقل بين البلدين من غير الحصول على فيزا. لكن، ظلَّت مصر تتنكر، كل حينٍ وآخر، لما يجرى الاتفاق عليه، أو تقوم بالالتفاف عليه بطريقة ما، حين تتوتر العلاقات بين البلدين. وهكذا اتسم النهج المصري في السماح للسودانيين دخول مصر من غير فيزا بالتذبذب. فهو قد ابتُدِع أصلاً بغرض التكسب السياسي من أجل استلحاق القطر السوداني بمصر. ثم، ظهر أن الممكن استخدامه كوسيلةٍ للضغط السياسي حين يقتضي الظرف السياسي، وايضًا للَكسُب المالي بجذب مدخرات السودانيين إلى داخل مصر. فالمبدأ الأصيل المتعلق بفتح الحدود بين البلدين، تستخدمه مصر بأسلوبٍ انتقائيٍّ يتغيَّر وفقًا لمقتضى الأحوال السياسية والاقتصادية.

التكسب من وراء تَشَرُّدِ السودانيين

في هذه الحرب الجارية الآن استثمر النظام المصري إجراءات الدخول لتصبح أداةً لمص دماء السودانيين بقسوةٍ ووحشيةٍ بالغة. فالسودانيون الآن شعبٌ مشرَّدٌ يبحث عن ملجأٍ آمنٍ، وهو يحتاج ذلك الملجأ حاجة حياة أو موت. وغالبية الذين يذهبون إلى مصر بسبب هذه الحرب، لا يكلفون الدولة المصرية قرشًا واحدًا. فمن يسجلون أنفسهم في مفوضية اللاجئين، تتكفل برامج الأمم المتحدة بإعاشتهم. وإلى جانب فإن كثيرين منهم يتلقون تحويلاتٍ مالية من أقاربهم المغتربين في جهات الدنيا الأربع. لكن الذي حدث أن مصر تفننت عبر سنتيْ هذه الحرب، في تغيير سياسة دخول السودانيين إليها. فاخترعت بالإضافة إلى رسوم الفيزا شيئًا جديَدًا اسمه “الموافقة الأمنية”. وتبلغ تكلفة الحصول على هذه الموافقة 2500 دولارًا، وفقاً لما ذكرته بعض وكالات السفر والعاملين في هذا المجال. فهل رأى الناس رسومًا باهظة كهذه في أي بلدٍ من بلدان العالم في أمورٍ تتعلق بإجراءات فيزا الدخول؟ (راجع: موقع “أخبار السودان” على الرابط: https://shorturl.at/lprGc). ولابد من الإشارة هنا إلى أن دول الخليج العربي، التي استقبلت أعدادَا غفيرةً من السودانيين بسبب هذه الحرب، ومنحتهم إقاماتٍ مؤقتةٍ، لم ترهق كاهلهم بالأتاوات الباهظة وبالتعقيدات وبالفساد الإداري المؤسسي، ولم تتفنن في إذلالهم وفي الجَّأْرِ بالشكوى منهم، كما فعلت مصر التي تكسب من ورائهم ذهبا.

اخترع النظام المصري هذه البدعة المسماة “الموافقة الأمنية”، على الرغم من أن بين مصر والسودان اتفاقية موقعة منذ عام 2004، تُسمى “اتفاقية الحريات الأربع”. والحريات الأربع هي: حرية التنقل والإقامة والعمل والتملك. ويعني هذا أن كل سوداني ومصري يستطيع دخول البلد الآخر ويستطيع الإقامة والعمل والتملك فيه. وهي اتفاقية ظل السودان يطبقها حرفيًا ويدع المصريين يدخلون إلى السودان ويعيشون فيه مثلهم مثل السودانيين. لكن مصر ما أن نشبت الحرب وظهر أن ما يقارب المليون سوداني يقفون على حدودها هاربين من لظى الحرب شرعت في التفنن في التكسب من هذا المورد الجديد. والحق يقال إن كثيرًا من الأصوات المصرية قد طالبت النظام المصري بتطبيق اتفاقية الحريات الأربع، وألحَّ هؤلاء المطالبون أن يجري فتح الحدود المصرية الجنوبية لدخول السودانيين النازحين بسبب الحرب، دون أي قيد أو شرط. لكن ما يراه الشعب المصري وما يريده شيءٌ، وما تراه وتريده الأنظمة الدكتاتورية التي ظلت تحكم مصر منذ منتصف القرن الماضي، شيءٌ آخر. (راجع: موقع قناة “بي بي سي” العربية، على الرابط: (https://shorturl.at/5V8im. وللمرء أن يتساءل ماذا تعني هذه الاتفاقية الأمنية وما سبب جعلها شرطًا؟ أهي خوفًا من دخول إرهابيين؟ فالإرهابيون ليسوا عامة شعب السوداني المشرَّد ان، وإنما هم نفس النظام الإخواني الذي يحكم السودان حاليًا، وكثيرون منهم يعيشون مع النظام المصري في قلب القاهرة. هؤلاء هم أنفسهم من أتوا بأسامة بن لادن وكارلوس إلى السودان. وهم أنفسهم من قاموا بمحاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك في أديس أبابا. وهم أنفسهم من أتوا بالإيرانيين إلى المنطقة. وهم أنفسهم من يهربون الأسلحة الإيرانية إلى حماس عبر بدو صحراء سيناء. وهم أنفسهم من يقومون في هذه اللحظة باستجلاب الدواعش من كل أركان الدنيا ليحاربوا معهم في هذه الحرب الأكثر قذارةً منذ مطلع العصر الحديث. باختصار، لم يكن شرط “الموافقة الأمنية” الذي ابتدعه النظام المصري سوى حيلةٍ لمص دماء شعبٍ مشرَّدٍ يبحث عن أمن ومأوى ومأكل.

البرهان والإخوان يحققون لمصر حلمها

سيذهب الفريق عبد الفتاح البرهان في التاريخ السوداني بوصفه أسوأ حاكم مر على البلاد منذ الحقبة الكوشية القديمة. ويمكن أن ينال في حداث الخراب العميم، لقب نيرون السودان بلا منازع. ولسوف يذهب النظام الإخواني السوداني كأسوأ منظومةٍ سياسويةٍ أيديولجيةٍ، أحالت البلاد التي حكمتها على مدى ستة وثلاثين عامًا إلى كومةٍ من الحطام والرماد. لقد حقق الفريق البرهان والنظام الإخواني للأنظمة المصرية حلمًا ظلَّت تحلم به منذ أن أخرجتها الثورة المهدية من السودان في عام 1885. هذا الحلم القديم المتجدد هو أن يسقط السودان بين فكيها كما تسقط الثمرة الناضجة. فنحن الآن في أخطر منعطف تمر به الدولة السودانية، فعلينا أن نعي خطر الهيمنة المصرية والدور المصري في إفشال الدولة السودانية. وقد ظل يجري استخدام عديد القوى والنخب السياسية السودانية في هذه الخطة القديمة المتجددة. ولو سارت الأمور على هذا المنوال، فإنها سوف تؤدي في نهاية المطاف إلى إعادة استعمار مصر للسودان من جديد. وفي تقديري، أن ذلك سوف يبدأ بسقوط شمال السودان وشرقه، وربما وسطه، لقمةً سائغةً في الفك المفترس للأوليغاركية المصرية الحكومية.

باختصارٍ شديد، لقد فشلنا نحن السودانيين عبر ما يقارب السبعين عامًا من الاستقلال في إدارة بلدنا. فنحن المسؤولون عن هذا الفشل، ولا ينبغي أن نلومَنَّ عليه أحدًا سوانا. لكن، لابد من القول: إن للأنظمة المصرية المتعاقبة دورًا في تسبيب هذا الفشل، بل، وبقسطٍ وافرٍ جدا. وحين نقول ذلك لا نقوله للتشنيع بالأنظمة المصرية. فالأنظمة المصرية، مثلها مثل أنظمة كل الدول؛ ديكتاتوريها وديمقراطيها، تهتبل فرص ضعف الدول الأخرى والثغرات التي تنشأ فيها لخدمة أهدافها. وحين نشير إلى يد الأنظمة المصرية في تكبيل السودان وتعطيله بغرض إلحاقه، إنما نريد إيقاظ الشعب السوداني ونخبه الفكرية والثقافية والسياسية، لنخرج جميعًا من حالة الغيبوبة الطويلة التي أنامتنا فيها الشعارات البراقة الخادعة المتعلقة بالقومية العربية وبالأممية الإسلامية، والأممية البروليتارية، وكذلك الأمة الواحدة ذات الرسالة الخالدة.

مصر لا تريد سودانًا قويًا ناهضًا مستقل القرار السياسي، لأن ذلك يسير على العكس تمامًا من استراتيجتها وأجندتها المستقبلية. وهي استراتيجيةٌ وأجندةٌ ممعنةٌ في الخطأ. وهي استراتيجيةٌ لا تضر بمصالح السودان وحده، وإنما تضر بمصالح مصر أيضا. تتمثل أجندة مصر في: احتكار مياه النيل، وتدفُّق المواد الخام إليها من السودان بأبخس الأثمان. وكذلك، إتاحة الأراضي السودانية لها للزراعة. بل، وحين تسنح الفرصة، تقوم بإرسال المصريين الذين اكتظت بهم أراضي مصر فوق ما تحتمل، إلى الاستيطان في أراضي شمال السودان الشاسعة الخصبة، قليلة السكان وفيرة المياه. مصر تتجنب بكل سبيلٍ إقامة علاقة تبادل تجاري وتكامل إقتصادي شفافةً معافاةً. هي تريد أن تُملي عبر مختلف الطرق أجندتها دون أدنى مراعاة لمصالح الشعب السوداني ولتنمية القطر السوداني. مصر تحارب الديمقراطية في السودان لأنها تريد أن تعقد الصفقات من وراء ظهر الشعب السوداني. هي تريد أن تملي إملاءً على الديكتاتور الذي تنصبه لحكم السودان. وعمومًا، فإن مصر تعمل على مساراتٍ متعدِّدةٍ وبصبرٍ ومثابرةٍ، منتظرةً مجيء تلك اللحظة التي تستلحق فيه السودان بالدولة المصرية عبر أهله أنفسهم. وستأتي هذه اللحظة حين لا يصبح لدى سكان السودان الشمالي أي حيلةٍ متبقيةٍ لضمان أمنهم واستقرارهم، سوى أن يلجأوا إلى الحماية المصرية. وترجو مصر من هذه الحرب الجارية الآن، التي ينخرط فيها النظام المصري بفعاليةٍ سياسيةٍ وعسكريةٍ عاليةٍ أن تحقق لها هذه الخطة بصورةٍ نهائية. وفي تقديري، أن لحظة نجاحها قد قاربت، وهو ما ألح عليًّ ودفعني دفعًا لدق ناقوس الخطر.

استدعاء الاستعمار Colonization by Invitation

لقد سبق أن ناقشت في كتاباتٍ سابقة كيف خرجت إلى العلن، عقب هذه الحرب، دعواتٌ لبعض النخب السياسية والتجارية السودانية، التي نادت، بلا مواربة، لضم شمال السودان إلى مصر. بل، وأشرت إلى حديثٍ لعلي كرتي الزعيم الحالي للتنظيم الإسلامي في السودان يدعو فيه المصريين إلى الهجرة إلى السودان لكسب الرزق مع إخوتهم السودانيين. وهناك الكثير من هذا النوع من الأحاديث التي بدأت تظهر بتزايد ملحوظ في الآونة الأخيرة. وأفضل طريقة لمصر لإكمال هيمنتها على السودان، فيما أحسب، لهي تلك التي تأتي عبر مطالبة السودانيين أنفسهم بالانضمام إليها. فهذه هي أفضل صيغةٍ وأقلها كلفةً لتحقيق الهدف النهائي للماراثون المصري الطويل الساعي إلى استعادة السودان ووضعه، من جديدٍ، تحت كامل الهيمنة المصرية، مثلما حدث في الحقبة الخديوية، (1821 – 1885). فالنظام الإخواني الذي حكم السودان حتى الآن 36 عامًا يعمل أفراده الآن، بعد أن تبددت أحلامهم في السيطرة الكاملة على البلاد، على الحفاظ على الثروات التي نهبوها. ولم يعد متاحًا أمامهم لتحقيق ذلك سوى دمج النظام الأوليغاركي السوداني، في النظام الأوليغاركي المصري، الذي شرع في فتح الباب لهم على مصراعيه. خلاصة القول، لن يتقدم السودان خطوةً واحدةً إلى الأمام، ما لم نعرف نحن السودانيين الكيفية التي نُبطل بها هذا الدور المصري المدمر بالوعي به، وبالوقوف ضده بقوة. وأيضًا، لن تنهض مصر، نهضةً حقيقيةً مستدامةً، تليق بتاريخها القديم السابق لعصور الظلام والامتهان الأجنبي التي عاشتها، ما لم تعرف الطريقة الأمثل لخلق علاقةٍ صحيحةٍ منتجةٍ مع السودان.

(يتواصل)

[email protected]

على طريق الانعتاق من الهيمنة المصرية (17 – 20)

الوسومالإخوان الاستعمار البرهان الحقبة الكوشية الدولة المهدية السودان الهيمنة المصرية د. النور حمد عبد الفتاح البرهان مصر

مقالات مشابهة

  • خبير مالي: سندات وزارة المالية أحد أسباب العجز المالي في موازنة 2025
  • هيكلة المصارف والسرية المصرفية محور بحث وزير المال وجمعية المصارف
  • على طريق الانعتاق من الهيمنة المصرية «18 – 20»
  • ماذا تعني انتصارات الجيش السوداني الأخيرة وتأثيرها على الحرب؟
  • وزير المالية بحث مع جمعية المصارف مفاوضات صندوق النقد
  • وزير المالية السوداني  يكشف للإعلام الوضع الاقتصادي الراهن
  • مخرجات اجتماع السوداني بشأن إصلاح مصرفي الرافدين والرشيد
  • السوداني يوجه بإعداد خطط للإسراع بعملية إصلاح مصرفي الرافدين والرشيد وفق المعايير الدولية
  • السوداني يترأس اجتماعاً لمتابعة إجراءات إصلاح مصرَفي الرافدين والرشيد