ماذا نعرف عن نموذج جنين وخطة الإمارات السبع في الضفة الغربية؟
تاريخ النشر: 25th, March 2025 GMT
بدايةً لا بد من التذكير بأنّ كلمة "نموذج جنين" ليست جديدة وليست مقتصرة على أهداف العملية العسكرية الإسرائيلية الحالية والتي تقف على أعتاب شهرها الثالث، فدون فهم النموذج الأول لن نستطيع الولوج لفهم النموذج الثاني، والذي يبدو أكثر خطورة وشمولًا.
برز مصطلح نموذج جنين لأول مرة في عام 2010 عبر البرنامج المشترك حينها بين محافظ جنين الراحل قدورة موسى الذي كان يعتبر رجل جنين القوي، ورئيس مجلس مستوطنات جلبوع المحيطة بجنين حينها داني عطار بإشراف ممثل الرباعية الدولية حينها رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير.
وكان هدف النموذج حينها تحويل جنين – التي كانت تسمى إسرائيليًا "عش الدبابير" لكثرة نشاط المقاومة فيها في انتفاضة الأقصى، ومعركة مخيم جنين والعمليات العسكرية الكثيرة التي خرجت منها- إلى نموذج تعاون أمني عالٍ مع الاحتلال، مقابل تحويل جنين إلى نموذج اقتصادي مزدهر ضمن خطة السلام الاقتصادي التي روج لها اليمين الإسرائيلي في تلك الفترة.
نجح النموذج حينها وتماسك لنحو عشر سنوات، حتى أصبحت جنين المدينة الأكثر هدوءًا في الضفة الغربية وشكل فتح معبر الجلمة مع أراضي الـ 48 بوابة التنمية الاقتصادية، وتفاخر ضباط إسرائيليون كبار بتجولهم بجنين بأمان كبير وبمستوى التنسيق الأمني العالي مع السلطة الفلسطينية، وأصبح نموذج جنين قابلًا للتعميم، وبالفعل تم نقله حينها إلى مدينة نابلس.
إعلانفي عام 2015 حدثت هبّة القدس وانتشار العمليات الفردية من طعن وإطلاق نار، لكن نموذج جنين ظل متماسكًا مقارنة بباقي مدن الضفة الغربية، ما جعل المستوى الأمني الإسرائيلي يتفاخر بمدى متانة نموذجه الذي بناه في جنين.
بقي هذا النموذج متماسكًا حتى معركة سيف القدس عام 2021، حين أطلقت المقاومة في قطاع غزة الصواريخ على مسيرة الأعلام في القدس، وأعقبتها معركة اعتبرت نصرًا واضحًا للمقاومة، حينها برز جيل شاب من رحم المسيرات التي عمت الضفة الغربية كلها ومنها جنين كسر حالة الصمت الكبير التي امتدت لسنوات طويلة، حيث تطورت المسيرات إلى مواجهات، فمجموعات عمل عسكري، وبدأت ثقافة إعادة إحياء نموذج معركة مخيم جنين 2002، إلى أن وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه خاصة بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، حيث شكلت هذه المرحلة انهيارًا تامًا للنموذج.
النموذج الثانيفي حوار مطول على القناة الإسرائيلية الرابعة عشرة قبل نحو شهر تناول الإعلام العبري ما يجري في مدينة ومخيم جنين شمال الضفة الغربية، وغايات ومآلات الحكومة الإسرائيلية من تلك العملية العسكرية.
أبرز مقدم البرنامج فيديوهات تظهر حملات الاعتقال المكثفة التي تقوم بها أجهزة الأمن الفلسطينية في الوقت الذي تقوم به قوات الاحتلال بعملية عسكرية واسعة النطاق وغير مسبوقة معلقًا: يجب أن يعلم المجتمع الإسرائيلي أن السلطة الفلسطينية تقوم بدور جيد في حفظ الأمن في الضفة الغربية، فقاطعه المحلل العسكري بأن ذلك غير كافٍ، مقدمًا شرحًا عن هدف العملية العسكرية المتواصلة، قائلًا: إن إسرائيل لا تقوم بمجرد عملية عسكرية أمنية بجنين بل تقوم باختبار نموذج جديد لحكم الضفة الغربية يتم إنضاجه تدريجيًا، وسيستمر ذلك حتى نهاية العام الجاري، ومن ثم سيتم نقله لباقي مدن الضفة الغربية.
وعن العلاقة مع السلطة الفلسطينية أوضح "أن أجهزة الأمن الفلسطينية تقوم باعتقال كثير من المطلوبين، لكن هذا غير كافٍ، فجزء من أهداف العملية العسكرية في جنين، هو إعادة هندسة العلاقة مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية، بحيث تصبح تفكّر كما نفكّر، لا بل وتسبقنا بعشر خطوات".
إعلانيظهر ذلك مستوى الابتزاز الأمني الذي يترافق مع ابتزاز اقتصادي كبير باحتجاز أموال المقاصة والضرائب لمقايضة ذلك بمبدأ السماح ببقاء السلطة في ظل مرحلة الحسم التاريخي للضفة الغربية من وجهة نظر إسرائيل.
وأما لماذا تم اختيار جنين لتطبيق هذا النموذج دون غيرها من مدن الضفة؟ لم يكن السبب الرئيسي هو الحالة الأمنية في المخيم والقضاء عليها، ولكن تم إبراز سبب آخر وهو أن جنين منطقة ليس فيها احتكاك مباشر مع المستوطنات على عكس باقي مدن الضفة الغربية، وبالتالي تم اختيارها لكي يتم إنضاج النموذج في منطقة لا يكون لتداعيات اختبار وإنضاج النموذج أي مخاطر مباشرة على الإسرائيليين، وبالتالي سهولة ضبط ردات الفعل في مرحلة اختبار النموذج.
إعادة هندسة المكان والإنسانبالغوص بتفاصيل ما تقوم به إسرائيل في جنين منذ بداية عمليتها العسكرية قبل شهرين، تظهر خطة محكمة لإعادة هندسة الإنسان والمكان وعلاقات القوة بشكل مدروس.
أولى الخطوات هو إنهاء مكان يسمى مخيم جنين، حيث تقوم قوات الاحتلال وبهدوء بعمليات هدم وإعادة تشكيل المكان وفق مخطط هيكلي وهندسي يقسم المخيم إلى أحياء مطابقة في مواصفاتها لأحياء المدينة من حيث الشوارع وشكل البنايات، فعمليات الهدم لا تتم بشكل عشوائي بل تطبيقًا لمخطط مكاني يمتد من حيّ لحيّ في المخيم، وبارتداد الشوارع الواسع، ويتم تهيئة الطرق بمعدات هندسية، سيكون نهاية ذلك إعادة تشكيل المخيم لكي يصبح حيًا سكنيًا ملحقًا بالمدينة تنزع عنه تسمية المخيم، وبالكاد يسمح لنصف سكانه بالعودة إليه حسب ما تبقى منه، وفق المخطط العمراني الجديد.
يتم العمل حاليًا على تغيير معالم أحياء مطلة على مدينة جنين في منطقة الجابريات، بحيث يتم إقامة ثلاثة مراكز عسكرية إسرائيلية دائمة تتحكم في المدينة بشكل كامل، ولاحقًا يتم تحويلها إلى مراكز لإدارة المدينة.
تقوم قوات الاحتلال بمحاولات لتطبيع العلاقات مع الأجسام المدنية ورجال الأعمال لكي تثبت النموذج الجديد، بينما تبقي على التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية في أعلى مستوياته دون منحها أدوارًا أخرى.
إعلانيوجد سبب آخر غير أمني يجعل منظومة الحكم في إسرائيل تتمسك بأهمية الحفاظ على وجود السلطة الفلسطينية بعد إعادة هندستها، وهو عدم الانزلاق بعد تطبيق النموذج إلى فكرة الدولة الواحدة ثنائية القومية، فوجود كيان فلسطيني بأي مسمى يحمي من التورط في نموذج الدولة الواحدة والغرق في اتهامات الفصل العنصري.
تحولت جنين في الشهرين الأخيرين إلى بيئة طاردة للحياة حتى إن كثيرًا من تجارها فتحوا محالَّ تجارية بديلة في القرى المجاورة، وبدأت مرحلة نزوح متدرجة بعضها قسري، كما تم في المخيم وبعض الأحياء المجاورة، وبعضها طوعي نتيجة قسوة الحياة خاصة على المستوى التجاري، والتعليمي، وقطاع الخدمات.
نموذج الإمارات السبع لكيداريترافق اختبار نموذج جنين بحُلّته الجديدة مع تسريع تطبيق نموذج الإمارات السبع للخبير الإسرائيلي اليميني مردخاي كيدار، وهو ليس خبيرًا عاديًا بل هو واحد من مجموعات الثنك تانك الرئيسية في إسرائيل.
يقوم النموذج على تقسيم الضفة الغربية إلى سبعة معازل منفصلة، بحيث تتحول كل مدينة إلى كيان إداري وسياسي منفصل له مرجعية عشائرية وإدارية تتعامل معها إسرائيل.
ما يمكن قوله فعليًا، إن إسرائيل على وشْك أن تنهي هندسة الجغرافيا بالكامل لتطبيق هذا النموذج، فخلال العقود الماضية وبتسارع كبير في السنوات الأخيرة تم تشكيل الأحزمة الاستيطانية والاستيطان الرعوي والطرق الالتفافية وتوزيع المعسكرات بشكل فَصَلَ المدن الفلسطينية في الضفة الغربية عن بعضها البعض.
فاليوم لا يوجد أي اتصال جغرافي بين أي مدينتين في الضفة، ويقتصر التواجد الفلسطيني الفعلي على نحو 10% فقط من مساحة الضفة الغربية التي تشكل 22% من مساحة أرض فلسطين التاريخية، كما عمدت مؤخرًا إلى زيادة البوابات العسكرية لتشمل كامل مداخل ومخارج المدن والبلدات والمحافظات في هذه المساحات الضيقة، حيث نستطيع القول إن خطة كيدار قد تم الانتهاء من تطبيقها جغرافيًا بالكامل.
يبقى الشق الديمغرافي وإعادة تشكيل هيئات الحكم والتي يشكل نموذج جنين الثاني نواة لها، فيما يتضمن الحراك الإسرائيلي تطوير أشكال مختلفة من الحكم المباشر للفلسطينيين كعلاقات الأمن والاقتصاد التي يدعي نجاحها في مدينة الخليل.
الحسم التاريخي وحتمية الفصل العنصريتتمثل أركان نموذج جنين الثاني والذي سيعمم على باقي الضفة الغربية في:
أولًا: إنهاء وجود المخيمات بالكامل، وتغيير هيكلها المكاني للتحول إلى قرى وإلغاء تسمية المخيمات، وإعادة توزيع السكان اللاجئين في المدن والقرى. ثانيًا: إعادة هندسة السلطة الفلسطينية بشقيها؛ المدني والأمني لتكون أكثر استجابة لنموذج كيدار. ثالثًا: الحكم العسكري المباشر للفلسطينيين بأدوات متجددة، وإعادة إحياء نموذج روابط القرى، ولكن بواجهات مدنية واقتصادية مستحدثة كمقدمة للإعلان الرسمي عن ضم الضفة الغربية. إعلانلكن ما لا يمكن لإسرائيل أن تتفاداه في كل ذلك، هو أنها دخلت في أتون الفصل العنصري بنموذج غير مسبوق على المستوى الدولي، وستتورط بأكثر سيناريو تخشاه، وهو نموذج الدولة الواحدة. بينما لا يوجد للفلسطينيين من خيار سوى تطوير أشكال صمودهم ومقاومتهم وثباتهم في أرضهم وعدم الرضوخ لمخططات التهجير كأدوات لا بديل عنها لإفشال المرحلة الأصعب في تاريخ الصراع مع الاحتلال.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات السلطة الفلسطینیة العملیة العسکریة فی الضفة الغربیة إعادة هندسة نموذج جنین مدن الضفة جنین ا
إقرأ أيضاً:
اقتحامات واعتقالات في الضفة الغربية.. وتسجيل حادث دهس في الخليل
بالتزامن مع استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية المكثفة على مدينتي جنين وطولكرم والمخيمات المحيطة بهما شمال الضفة الغربية، وسعت القوات الإسرائيلية من عمليات الاقتحام والمداهمات، مستهدفة مدنا وقرى ومخيمات وشنت حملة اعتقالات واسعة طالت عددا من الفلسطينيين.
وبحسب وسائل إعلام فلسطينية، “ففي مدينة جنين: دخلت العملية العسكرية الإسرائيلي يومها الـ84 على التوالي وسط عمليات تجريف للأراضي وإحراق منازل وتحويل عدد من البيوت إلى نقاط عسكرية، أما في طولكرم: فتواصل القوات الإسرائيلية عمليتها العسكرية لليوم الـ77، وفرض ضغوط شديدة على السكان لإخلاء منازلهم، كما اقتحمت القوات الإسرائيلية مناطق متعددة في الضفة وأطلقت الرصاص الحي ما أدى إلى إصابات بين الشبان في مخيم الحلزون شمال رام الله”.
ووفق المعلومات، “في مدينة رام الله، قالت مصادر محلية “إن قوات الاحتلال اقتحمت مخيم الحلزون اليوم الاثنين، وأصابت شابا بالرصاص الحي في البطن، وآخرين في الركبة، واليد، كما اعتقلت القوات الإسرائيلية شخصا ونجليه، من قرية كفر مالك شرق المدينة واستولت على مركبتهم”.
وفي “مدينة نابلس، اعتقلت القوات الإسرائيلية فجر اليوم الاثنين شابا من مخيم عسكر الجديد شرق المدينة، وذكرت مصادر أمنية أن قوات الاحتلال اقتحمت المخيم وداهمت عدة منازل واعتقلت الشاب من منزله، واعتقلت القوات الإسرائيلية فجر اليوم شابين من بلدة سبسطية شمال غرب نابلس قبل الانسحاب من البلدة”.
وفي “مدينة بيت لحم، أفاد مصدر أمني “بأن قوات الاحتلال الإسرائيلي اعتقلت شابا من مدينة بيت جالا غرب بيت لحم بعد مداهمة منزل عائلته”، وفي مدينة الخليل، أفادت مصادر محلية “بأن جرافات الجيش الإسرائيلي تنفذ عمليات تجريف في أراض للمواطنين في بلدة البرج جنوب المدينة اليوم الاثنين”.
ووفق ما أفادت وكالة الأنباء الفلسطينية “وفا”، في مدينة سلفيت، “اقتلع مستوطنون نحو 50 شجرة زيتون في بلدة دير بلوط، غرب المدينة”، وقال رئيس بلدية دير بلوط سمير نمر لـ”وفا”، “إن مستعمرين من مستعمرة “ليشم” المقامة على أراضي المواطنين، أقدموا على خلع وتكسير نحو 50 شجرة زيتون في منطقة عراق التوتة شرقي البلدة”.
حادث دهس في الخليل
أعلن الجيش الإسرائيلي، “ن تلقيه بلاغا بشأن وقوع حادث دهس قرب مدينة الخليل في الضفة الغربية، مشيرا إلى أن تفاصيل الحادث لا تزال قيد التحقيق”.
وأفادت هيئة البث الإسرائيلية بأن “الحادث أسفر عن إصابة شخص بجروح طفيفة، فيما لاذت المركبة التي يشتبه بتنفيذها عملية الدهس بالفرار من الموقع”.