عذرا فلسطين الحبيبة، فأمة المليار والنصف، تغرد خارج السرب، تعيش في حالة من السبات والنوم العميق، لم تعد صرخات استغاثة نسائك، ودموع وخوف أطفالك، وأنين وأوجاع ومعاناة كهولك، تؤثر فيهم، أو تحرك ضمائرهم، أو مواقفهم أو قراراتهم أو توجهاتهم، لقد باعوك يا مهبط الأنبياء، وقبلة المسلمين الأولى، وثالث الحرمين الشريفين٬ لقد خذلوك في وقت الشدة، بعد أن ظلوا يتغنون باسمك لسنوات عديدة، ضحكا على الذقون، وزيفا وخداعا ونفاقا ورياء وسمعة أمام وسائل الإعلام وللاستهلاك المحلي.
نعم باعوك بثمن بخس وهم للأسف من يدفعون ثمن بيعك من أموال وثروات شعوبهم، المغلوبة على أمرها، لقد سقطوا سقوطا ذريعا في وحل العمالة والخيانة والتأمرك والتصهين، لا بواكي على مجازر النتن ياهو وحكومته اليمينية المتطرفة وقواته الإجرامية بحق نساء وأطفال غزة في هذا الشهر الفضيل، والليالي الرمضانية المباركة التي خصها الله جل في علاه بليلة القدر.
ليال دامية، صواريخ فتاكة، وقنابل محرمة، تصب على رؤوس أطفال ونساء وأهالي غزة صبا ليلا ونهارا، بعد أن قرر السفاح النتن نسف اتفاق وقف إطلاق النار، معلنا المضي في حرب الإبادة التي تتهدد أرواح سكان قطاع غزة بما فيهم الأسرى والمعتقلون الصهاينة لدى حركة حماس، كل ذلك وأمة المليار تدس رؤوسها في التراب، وكأن المسألة لا تعنيها، وكأن فلسطين دولة في بلاد واق الواق.
أمة تمتلك الأموال والثروات والعدة والعتاد التي تؤهلها بأن تتزعم وتسود العالم بأسره، لكنها جعلت من نفسها خانعة ذليلة ضعيفة، أوهن من بيت العنكبوت، وفرضت على نفسها الذلة والمهانة، ورضيت بأن تعيش دور التابع الخانع الذليل، لأنها سلمت قرارها ومصيرها لقادة تجردوا من كل شيء، لا دين، ولا عروبة، ولا أخلاق، ولا قيم، ولا مبادئ، ولا ثوابت، قادة عملاء، تجردوا من كل ما يمت للعروبة والإسلام والرجولة والإنسانية والآدمية بصلة.
قادة يمتلكون الجيوش المدربة والمجهزة بأحدث الأسلحة والمعدات الحربية، الجيوش الجرارة التي لا نشاهدها إلا في العروض العسكرية في المناسبات والأعياد الوطنية، الجيوش التي تدين بالولاء للحكام، وتسبح بحمدهم وتقدسهم، والتي يسخرونها لقمع شعوبهم وإذلالها، والحفاظ على عروشهم وتأمينها، وحماية مصالح وممتلكات أسيادهم والعمل على توسيعها، والمشاركة في الاعتداء على إخوانهم وجيرانهم من أبناء جلدتهم خدمة لأعداء الأمة أمريكا وإسرائيل ومن دار في فلكهم من دول الشر والطاغوت والاستعمار.
عذرا فلسطين، فلم يعد هنالك صلاح الدين، ولم يعد هنالك من يحمل راية هذا الدين في بلاد كانت قبلة للمسلمين، فصار القابض على دينه كالقابض على الجمر، عذرا فلسطين فقد تآمر العربان على قضيتك و مقاومتك، وها هم يتآمرون اليوم على مقدساتك، وسيادتك، ويتاجرون بشرفك وكرامتك ومكانتك، ليرضى عنهم مولاهم ترامب، وصديقهم نتنياهو، لقد أقاموا الدنيا ولم يقعدوها على حزب الله في لبنان، وأنصار الله في يمن الحكمة والإيمان، وقوات الحشد الشعبي في العراق، وقوات الحرس الثوري في إيران، لأنهم أعلنوا وقوفهم إلى صفك، وأشعلوا نيران الغضب على الباغي الصهيوني مساندة ونصرة لك، ولقضيتك ومظلوميتك ومقدساتك ومقاومتك.
عذرا فلسطين، فما باليد حيلة، قلوبنا معك، ويعلم الله أننا نتوق لجهاد العدو الصهيوني على أرضك، ولكن (إخواننا) في دول الطوق الفلسطيني، أغلقوا المعابر، وأحكموا القبضة وضيقوا الخناق على الحدود معك، وحالوا دون وصولنا لنصرتك، يؤلمنا جدا ما يؤلمك، ويبكينا ما يبكيك، ويدمي قلوبنا ما يدميك، ولله نرفع أكف الضراعة بأن يحفظك ويحميك، ومن نيران الصهيوني ينجيك، وبنصره وتأييده يعليك.
عملياتنا المساندة لك مستمرة، وقواتنا لنصرتك مستنفرة، كلنا فلسطين قولا باللسان، وعملا بالجوارح والأركان، كلنا غزة الجريحة، ومن شذ منا شذ في النار، فاليمنيون الشرفاء الأحرار معك وإلى صفك يا قبلة الأحرار، لن نخذلك، ولن نساوم أو نقايض عليك، أنت قضيتنا الأولى والمصيرية، نفتديك بأرواحنا، ومن أجل حريتك ترخص حياتنا، وفي سبيل عزك وشموخك واستقلالك لا نهاب المنايا ولا تؤثر فينا الخطوب ومدلهمات الأحداث.
عذرا فلسطين، فأموال العرب وثرواتهم وجيوشهم وأسلحتهم لا تساوي النصف الأول من اسمك (فلس) ورؤوسهم العفنة، مدفونة في النصف الثاني من اسمك (طين)، ولا عزاء للمنبطحين والخانعين والخاضعين، والخونة العملاء المنافقين، وصهاينة العرب المطبعين، ودمت لنا حرة مستقلة يا فلسطين.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
غزة ترفع علم استقلال فلسطين
علي بن سالم كفيتان
تمنيت أن يدعم العرب الصمود الأسطوري في غزة ويسجلوا لأنفسهم صفحة عز في سجل التاريخ لكنهم أَبُوا، ولا شك أن العرب يبكون على غزة ليل نهار دون أن تنزل دمعة من عيونهم الشاخصة إلى الغرب، وما سوف يفعلون بهم لو أبدوا تعاطفًا حقيقيًا على كل هذا الألم الذي يقع على أرض فلسطين؛ فلم تعد هناك مُبادرات عنترية لقذف المساعدات من السماء، ولم نعد نسمع هتافات الشعوب في الشوارع "هذا يكفي يا قادة"، لقد أنهكوهم حتى أصبحوا يحبون خلفهم بحثًا عن رغيف الخبز.
إنَّ إفقار الشعوب حول العالم والاستيلاء على مقدرات الأوطان والتهديد بسطوة القمع ولَّد شعوبًا ضعيفة لا تقوى على القول "لا.. هذا يكفي"، فباتوا يقتاتون على فتات الأنظمة الظالمة وما لفظه الغرب من قاذورات الرأسمالية المقيتة، لهذا خفت صوت الحرية في عالمنا العربي وتم تدجين الناس وإرضاعهم حليب الذل والهوان، حتى باتوا لا يُنكرون الباطل خوفًا من بطش الغرب من جهة، وأنظمتهم المُتجبِّرة من جهة أخرى؛ لهذا باتت غزة مُحاصَرة مُدمَّرة تُحارب وحدها طاغوت الأرض وجبروتها. سلاح أمريكي وأوروبي وتخاذل عربي وتجبُّر صهيوني لا يعرف إلى الإنسانية طريقًا، لهذا جفَّت حتى أقلامنا واستحينا في أحيان كثيرة مما نكتب، وسط هذا التخاذل. وكم تساءلنا: هل ما نكتبه عن غزة وعن فلسطين يُشكِّل تأثيرًا أم أنه مجرد كلمات على صفحات الجرائد ومواقع التواصل الاجتماعي؟
رغم الألم والجحود، لا يزال الغزيُّون منغرسين في تراب فلسطين الطاهر غير آبهين بالفقد والدمار؛ فلم تعد هناك دولة عربية قادرة على وقف المجازر. وقد تعود أبناء غزة على خذلاننا لهم، ولهذا لم تعد تسأل النساء وهن يطفن من مخيم إلى آخر ومن قرية إلى أخرى تحت تهديدات الصهاينة وتهجيرهم اليومي الذي لا ينتهي عن أي دور لدولة أو زعيم، لقد آثرن الصمت على الاستغاثة، يُلملِمن بقايا الثياب المثقوبة، وفُتات الطعام المعدوم، يمشين دون هوادة على أرض فلسطين السليبة، لم تعد العيون تمتلك ما يكفي من الدموع، ولا الحناجر يمدها الصوت للتعبير عن الألم؛ فكُل ما تبقى هي نفوس تتزاحم في طريقها إلى السماء، لتلوذ ببارئها من ظُلم الإخوان وجور الأعداء وتنكيلهم، ولم تعد تهزُّنا الأرقام ولا يهولنا حجم الدمار، لقد عدنا إلى حياتنا وكأنَّ شيئًا لم يُكن. لقد اشترط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو أخذ غزة بعد تنفيذ التطهير العرقي، مُقابل قيمة السلاح والدعم الأمريكي لإسرائيل، وبات يُخطِّط لبناء "ريفييرا الشرق الأوسط" على أشلاء حرائر فلسطين وجثث الأطفال، وعلى العرب أن يستلموا من نجا من تلك المحرقة ويوطِّنوهم في مخيمات جديدة، مقابل المزيد من القروض والمنح والإعفاء من الضرائب الترامبية، هكذا يُخطط ترامب.
الحقيقة تقول إن الصفقات لن تتم، ولن تُباع فلسطين مُجددًا لأنَّ المجاهدين باتوا يُسطِّرون بدمائهم ملحمة التحرير والخلاص من الاستعمار الصهيوني الغربي، ولم يعد هناك ما يمكن خسرانه، ولهذا باتت المعادلات صفرية بين الكيان والمجاهدين، وارتفع صوت "حماس" وبقية حركات الجهاد في فلسطين، مقابل صمت مُذل لأتباع الغرب ودُعاة حقوق الإنسان وحرية التعبير عن الرأي، التي سقط لثامها في طوفان السابع من أكتوبر 2023، إلى غير رجعة، واكتشفت الشعوب ضعف الجيوش وبطلان النياشين المصفوفة على صدور القادة، وعلموا كذلك مدى هشاشة إسرائيل وضعفها وهوانها، فمع أول سرية من المجاهدين تدخل عسقلان المحتلة صبيحة ذلك اليوم الأغر ارتعدت فرائس نتنياهو خوفًا، وصاح ببايدن وأعوانه في بريطانيا وفرنسا وألمانيا للنجدة؛ فهبُّوا بين ليلةٍ وضحاها بكل جبروت آلتهم الحربية التي لا ترحم، إلى الكيان الصهيوني، بينما نحن العرب خذلنا المجاهدين ولم نقف معهم حتى وقفة سياسية حازمة؛ بل ظهرت كل خيباتنا وحساباتنا السياسية الضيقة، وما كان ذلك ليحدث لولا السابع من أكتوبر.
لا يختلف اثنان على أنَّ غزة ألقت باتفاقية أوسلو إلى مزبلة التاريخ، وحرَّرت الشعب الفلسطيني من كل التزاماتها وتبعاتها المهينة، واتضح أن سلطة أوسلو عبارة عن قائم مقام الاحتلال لتنظيم الشؤون العامة للشعب الفلسطيني تحت نير الاحتلال، وضمان عدم قيام ثورة من أجل تحرير فلسطين. لقد قرَّب "طوفان الأقصى" من استقلال دولة فلسطين وأضعف إسرائيل التي باتت اليوم تترنح بين جيش مُهلهل يهرب من ميادين القتال، وشعب مرعوب من القادم.
رابط مختصر