الجزيرة:
2025-03-25@20:56:05 GMT

صفقة الكبار وعاصفة ترامب

تاريخ النشر: 25th, March 2025 GMT

صفقة الكبار وعاصفة ترامب

توترت المنطقة فجأة من جديد، بدءًا من اليمن وصولًا إلى قطاع غزة، فيما يشهد لبنان سقوفًا سياسية عالية داخل الحكومة الوليدة منذ أسابيع.

وعلى عكس مرحلة الإدارة الديمقراطية في عهد الرئيس جو بايدن، فإن إدارة دونالد ترامب أعلنت بدء حملة جوية مباغتة على الحوثيين؛ بهدف تدمير إمكاناتهم الهجومية، وجاهرت بدعمها المباشر لتجديد إسرائيل حربها على غزة.

وعليه فإن بدء حملة الضغوط القصوى تتزامن مع ظروف دولية تعتقد الإدارة الأميركية أنها مناسبة في الضغط على طهران.

مع هذه التطورات اللافتة، فإن العلاقات بين واشنطن وموسكو دخلت فعليًا وعمليًا في مرحلة جديدة. والاتصال الطويل بين الرئيسين؛ الأميركي والروسي، والذي دام نحو ساعتين ونصف ساعة، يوحي بأنه لم يقتصر على الوضع الأوكراني فقط، بل إنه طال الوضع الأوروبي والمطالب العسكرية والأمنية والاقتصادية الروسية، إضافة إلى وضع إيران والشرق الأوسط.

وبعد الاتصال ظهرت إشارات إيجابية من واشنطن وموسكو، وتزامن ذلك مع تسريبات أميركية حول نية واشنطن التنازل عن رئاسة حلف الناتو لصالح دولة أوروبية، وهو ما يدفع إلى الاستنتاج بوجود صفقة مشتركة بدأت بوادرها بالظهور.

والأهم ما خرج عن ترامب بحديثه عن إمكانية حصول تبادل اقتصادي في حال جرى إحلال السلام في أوكرانيا، وهذا الأمر سيمنح بوتين انتعاشًا اقتصاديًا بعد أن رزحت موسكو تحت وطأة العقوبات الأميركية والأوروبية، إضافة إلى افتقاده للأسواق الأوروبية أمام صادراته من الغاز، وهو ما حرمه من مردود مالي مهم كان يمول كل الطموح الروسي.

إعلان

يؤشر ذلك إلى استعجال ترامب في ترتيب الساحة الدولية للتفرغ لتطبيق خطة الإمساك بالاندفاعة الصينية في العالم، ويتزامن ذلك مع مواصلة الجيش الأميركي تدريباته العسكرية في المحيط الهادئ، وهي المنطقة الأكثر حساسية وأهمية لمواجهة النفوذ الصيني. وتشمل مناورات إشراك طائرات مقاتلة متطورة كالشبح، والتي لا تستطيع الرادارات الصينية أو غيرها رصدها، إضافة إلى أسلحة صاروخية حديثة كالفرط صوتية التي تعتبر درة التاج الأميركي في السلاح الصاروخي.

الأكيد أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب وفريقه يدركون بما لا يدع مجالًا للشك أن إنهاء الحرب الأوكرانية ليس كافيًا للتفرغ لمواجهة الصين واندفاعتها في أسواق العالم، بدليل أن الواقع الإيراني والذي يشكل ثغرة كبيرة في الخطة الأميركية لمحاصرة التمدد الصيني لم يجرِ حله؛ لأن الأمر يحتاج لإعادة توزيع النفوذ الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط، وهنالك ما يتعلق بالصادرات النفطية الإيرانية إلى الأسواق الصينية، والتي تحتاجها بشدة القطاعات الصناعية والزراعية الصينية.

وإذا كان التواصل المباشر بين البيت الأبيض والكرملين يوحي بمقايضات وتفاهمات ستشمل الملف الإيراني بطريقة أو بأخرى وسيدفع بها لخسارة سند دولي مهم، فثمة مؤشرات أخرى على المستوى الإقليمي قد لا تكون في مصلحة النظام الإيراني. بدليل أن الواقع التركي يزداد قوة في المنطقة، وبدا الأمر جليًا بالصمت الدولي عن اعتقال رئيس بلدية إسطنبول، والذي لم يواجه حملة دولية رافضة له.

وهو ما يعني بشكل من الأشكال وجود تفاهمات وأدوار تم إيكالها إلى تركيا ستمنع حصول موجة انتقادات ضد أنقرة، وترجمة الأمر يبدو من خلال الدور الجديد الذي باشرته تركيا في سوريا على سبيل المثال، والذي يرتكز على معادلة جديدة لا تقوم فقط على مبدأ التوازن مع النفوذ الإيراني، بل أيضًا على مبدأ السد المنيع لتمدده في سوريا ودول المنطقة.

إعلان

بالمقابل فإن المحيط الآخر لإيران يشهد تفاهمات عسكرية واقتصادية، عبر الاتفاقية المنتظرة مطلع الشهر القادم بين إسرائيل وأذربيجان والتي ستسمح بالتنقيب عن الغاز الطبيعي في ساحل فلسطين المحتلة.

والعلاقة التي نجحت إسرائيل في ترسيخها مع أذربيجان "الجار المقلق" لإيران، أنتجت بناء مقر استخباراتي إسرائيلي عند منطقة قريبة من الحدود مع إيران، حيث جرى تجهيزها بأحدث معدات الرصد والتجسس والاختراق.

فيما خرجت اتهامات سابقة من مسؤولين إيرانيين تتحدث عن انطلاق كل الأنشطة العسكرية الإسرائيلية ضد إيران من هذه القاعدة، ما يعني أن كل تلك المؤشرات قد تكون شجعت إدارة ترامب على بدء مرحلة الضغوط القصوى على إيران لدفعها إلى الموافقة على التفاوض مع واشنطن وفق الشروط التي تطرحها إدارة ترامب والتي تشمل الملف النووي، وتحديد مدى الصواريخ الباليستية والفرط صوتية، والانسحاب من الساحات المعروفة بساحات نفوذ إيران في المنطقة، وتحديدًا سوريا ولبنان، والبحر الأحمر، والأهم أن لهجة الوسطاء مع إيران اختلفت والتي باتت تلوح بشكل مباشر باستخدام أميركي محتمل للقوة مع رغبة نتنياهو الجامحة في ذلك.

من هذا السياق، يمكن ربط التصعيد ضد الحوثيين في اليمن وبين استعادة نتنياهو مسار الحرب على سكان قطاع غزة بطرق وحشية تفوق كل التخيلات، وأيضًا تصاعد التوتر في لبنان عبر عودة الاستهداف في جنوب لبنان والبقاع.

والرابط هنا ليس بالتوقيت فقط، بل أيضًا بالأهداف الموضوعة بين تل أبيب وواشنطن. ورغم أن المطلوب في اليمن إزالة قدرة الحوثيين على تهديد الممرات البحرية، فإن الهدف الأساس هو النفوذ الإقليمي الإيراني.

الأكيد أن نتنياهو يريد استئناف الحرب على غزة لتحقيق مشروع اليمين الإسرائيلي والقاضي بتهجير الغزيين من أرضهم، لكن المطلوب أيضًا حصول فك ارتباط بين طهران والمقاومة الفلسطينية، ولا شك في أن لنتنياهو أسبابه الداخلية أيضًا، لذلك استبق الحرب بإعلانه عن نيته إقالة رئيس جهاز الأمن الداخلي المناهض له، واستعادَ في الوقت نفسه مشاركة اليمين المتطرف في حكومته، لجعلها محصنة داخليًا.

إعلان

لكن العنوان الأميركي العريض يبقى في تقليم أظفار إيران الإقليمية. لذلك هنالك من يتوقع أن تتدرج الحملة العسكرية الإسرائيلية صعودًا في موازاة تدرج الحملة الجوية الأميركية ضد الحوثيين.

وتخشى القوى الفاعلة على خط الوساطة في غزة أن تتطور الحرب الإسرائيلية لتصبح هجومًا بريًا، خصوصًا أن إسرائيل طلبت إخلاء المناطق السكنية المجاورة لحدود قطاع غزة مثل رفح، وخان يونس، ومدينة غزة.

لبنانيًا تستمر إسرائيل في اختراقها كل الأجواء، وتصعد الأمور عبر استهداف كوادر حزب الله، مع إصرارها على البقاء في النقاط الخمسة التي تحتلها في الجنوب، فيما ذهب حزب الله للمناورة عبر العبث بالساحة السورية بدفع العشائر للهجوم على الجيش السوري وقوات الأمن العام عند نقاط حدودية محددة، وقد تكون أعمال التهريب هي التي أشعلت فتيل المواجهات الأخيرة، لكن استثمارها جاء كبيرًا وبخلفيات أبعد، وسط همسات حول وجود تشجيع لإحدى الدول الإقليمية المتضررة من سقوط الأسد.

والهدف السوري المدعوم إقليميًا ودوليًا هو إقفال مسارب التهريب الموجودة في المنطقة، والتي تم بناؤها خلال المراحل السابقة ولا تزال تعمل ولو بوتيرة أضعف، لتأمين الترابط بين حزب الله وإيران بأشكال صعبة.

من هنا يمكن تفسير الرد الإيراني الرسمي تعليقًا على الاشتباكات التي دارت، خصوصًا أن الحل المنطقي المطروح هو أن يمسك الجيش اللبناني بالحدود والمعابر غير الشرعية، وأن يضبط الوضع ويمنع أي احتكاكات أو اشتباكات يمكن أن تتطور وتنزلق في اتجاهات خطيرة، كون اللعبة هنا لها علاقة بالنزاع الكبير في المنطقة، وليست فقط بين عشائر تعمل في التهريب.

وعليه، فالقلق هو من احتمال تطور الضغوط لتأخذ أشكالًا أمنية في حال لم يؤدِ الواقع العسكري المطلوب منه. مع وجود أصوات داخل الإدارة الأميركية تعتبر أن الاستهدافات الأمنية التي اعتمدتها إسرائيل، عبر الاغتيالات السياسية لرموز المقاومة، قد أدت إلى النتائج المطلوبة، فمن  جهة تمّ اغتيال أمين عام حزب الله حسن نصرالله وقادة الرضوان، ومن جهة أخرى حملة الاغتيالات والتصفيات الإيرانية في سوريا، ويعتبر أصحاب هذا التوجه في إدارة ترامب أن استهداف القادة التاريخيين في لبنان أو في إيران أو اليمن قد يؤدي إلى قلب المعادلة نهائيًا في الشرق الأوسط.

إعلان

وهنا مكمن الخطورة، خصوصًا أنّ هؤلاء يعتبرون أنّ نجاح ترامب في اغتيال قاسم سليماني أدى إلى توجيه ضربة قوية لهذا المشروع حينها. أضف إلى ذلك، إن الظروف الدولية وحتى الإقليمية تسمح بالذهاب في هذا الاتجاه.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات رمضان فی المنطقة حزب الله

إقرأ أيضاً:

ماهي المكاسب التي تنتظرها واشنطن من مفاوضات إنهاء الحرب في أوكرانيا ؟

 

 

تبذل إدارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب محاولات حثيثة من أجل تحقيق اختراق يقود إلى مفاوضات تنهي الحرب الروسية الأوكرانية على أمل أن يقود ذلك إلى مكاسب جيوستراتيجية كبيرة للولايات المتحدة التي تستعد لحشد مواردها لمواجهة النفوذ الصيني في آسيا، وسط عراقيل وتحديات تواجه هذه المبادرة التي لم تتخط حتى اليوم حدود الضغوط على كييف والتلويح بقبول موسكو هدنة جزئية مؤقتة مدتها 30 يوميا.

تحليل / أبو بكر عبدالله

حتى اليوم لم تتوفر أي صيغة جاهزة للصفقة المنتظر أن تقودها الولايات المتحدة لوقف إطلاق النار في الحرب الروسية الأوكرانية، غير أن تصريحات المسؤولين الأمريكيين تحدثت عن مسار يقترح خطتين هما الخطة (أ) التي تسعى إلى مبادرة البيت الأبيض لمفاوضات مع كل من أوكرانيا وروسيا لوقف إطلاق النار وفق خطة تستوعب شروط ومخاوف ومطالب الطرفين، ثم الخطة (ب) التي ستمثل المرحلة الثانية بجمع طرفي الصراع على طاولة مفاوضات مباشرة بمشاركة وسطاء دوليين سعيا إلى انهاء الحرب بشكل دائم على قاعدة احترام مصالح جميع الأطراف.
وعلى ضبابية هذه الخطة فقد جاءت تصريحات الرئيس ترامب لتزيل الغموض على فحوى المبادرة الأمريكية بعد أن أكد أن الحفاظ على وحدة أراضي أوكرانيا، وانضمامها لحلف شمال الأطلسي “الناتو” أمر مستحيل، ناهيك بإصداره أمرا تنفيذيا بتعليق المساعدات العسكرية والمعلومات الاستخباراتية المقدّمة لكييف، وتأكيده بأنه لن يعيدها إلا بعد قبول أوكرانيا بمشروعه للهدنة.
يمكن القول إن الإدارة الأمريكية لم تتجاوز حتى الآن المرحلة الأولى، حيث تمكنت تحت الضغط من انتزاع موافقة من الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي لهدنة مؤقتة مع روسيا مدتها 30 يوما تقضي بعدم استهداف منشآت الطاقة، فيما أفضت المباحثات الهاتفية التي جمعت الرئيسين بوتين وترامب إلى انتزاع موافقة روسية للهدنة المؤقتة من دون أن تحقق أي اختراق مهم في جدار الأزمة يقود إلى وقف عملي للنار وانهاء الحرب.
وتبدو الرؤية التي تتبناها إدارة ترامب لإنهاء الحرب في أوكرانيا، تركز على الحل التفاوضي السريع مع روسيا، في ظل تقديم تنازلات إقليمية أو سياسية من الجانب الأوكراني.
وما هو واضح حتى الآن هو وجود تباين بين ما تريده موسكو وما تريده واشنطن فالأولى تريد مواقفه موسكو على وقف مؤقت لإطلاق النار، في حين تطالب موسكو بوقف دائم للحرب يقوم على إزالة أسبابها.
شروط متبادلة
الشروط المعلنة من جانب روسيا وأوكرانيا لا تزال قائمة حتى اليوم، حيث تتمسك روسيا بشروط صارمة لا تقبل التنازل وفي المقدمة تمسكها بالأراضي الأوكرانية التي ضمتها اليها بموجب استفتاء شعبي، ومعها أراضي شبه جزيرة القرم التي سيطرت عليها عام 2014، ورفضها نشر أي قوات من دول “الناتو” في أوكرانيا وإلغاء ملف انضمام أوكرانيا إلى حلف “الناتو”.
وتذهب الشروط الروسية إلى انسحاب الجيش الأوكراني إلى خارج حدود الأقاليم الأربعة التي تسيطر عليها، والاعتراف بالسيادة الروسية عليها، والتعهد بأن تصبح أوكرانيا خالية من الجيوش الأجنبية وعدم امتلاكها للسلاح النووي.
وطبقا لتصريحات سابقة للرئيس بوتين فإن موسكو قد توافق على اقتراح وقف إطلاق النار إن أدى إلى سلام مستدام وإزالة كل أسباب الصراع، وهي إشارة واضحة إلى تمسك موسكو بانتزاع اعتراف كييف بالسيادة الروسية على الأقاليم الأربعة المسيطر عليها من جانب روسيا وبقاء كييف في وضع محايد وعدم انضمامها إلى حلف “الناتو”.
وبالنسبة لكييف فهي تتمسك بعودة أراضيها، كما تعتبر انضمامها إلى حلف “الناتو” خيارا استراتيجيا غير قابل للتغيير خصوصا وهو منصوص عليه في الدستور الأوكراني، بوصفه الضمانة الأكثر فعالية لأمن أوكرانيا مستقبلا.
ورغم تراجع الاتحاد الأوروبي وقيادة حلف الناتو والولايات المتحدة عن مساعيها لضم أوكرانيا إلى الحلف الأطلسي، لا تزال أوكرانيا تتبنى رؤى مغايرة لتلك التي تتبناها واشنطن ودول أوروبية وذلك بدا واضحا من خلال التصريحات التي أطلقها مؤخرا وزير الخارجية الأوكراني والتي بدت متناقضة تماما مع ما أعلنه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته الذي سبق أن أعلن بأن مناقشة انضمام أوكرانيا إلى الحلف لم تعد قائمة.
يضاف إلى دوامة الشروط تلك التي أفصحت عنها الدول الأوروبية التي ساندت أوكرانيا بكل طاقاتها العسكرية والاقتصادية خلال السنوات الماضية، بعد الإعلانات المتضاربة التي تحدث عن قبول دول الاتحاد الرؤية الأمريكية بشروط نشر قوات للناتو في أوكرانيا، بالتزامن مع إعلانات أخرى تحدثت عن مواصلة دول أوروبا دعم أوكرانيا في حربها ماليا وعسكريا ومطالبة روسيا الانسحاب من الأراضي الأوكرانية كشرط لقبول وقف إطلاق النار وانهاء الحرب.
تحديات متوقعة
وفقا لخارطة الشروط التي يطرحها طرفا الصراع والأطراف الداعمة، فإن الكثير من التحديات تواجه إدارة ترامب في تحقيق اختراق بشأن هذا الملف، في ظل المطالب الروسية الصارمة والتي ترجح عدم موافقة موسكو على وقف إطلاق النار دون تنفيذها، وهي مسألة جوهرية بالنسبة لموسكو خصوصا وان الموافقة على انهاء الحرب دون الأخذ بالشروط الروسية قد يقود إلى تصاعد المعارضة الداخلية لنظام بوتين بصورة غير مسبوقة.
ولدى الروس مبرراتهم الوجيهة لذلك، والتي يتصدرها المكاسب التي حققتها موسكو خلال سنوات الحرب، في ضمها شبه جزيرة القرم والمقاطعات الأربع التي أعلنت ضمها إلى أراضيها (دونيتسك، لوغانسك، خيرسون، زابوريزجيا) منذ 2022، وهي مكاسب عسكرية لا يبدو أن موسكو بصدد التنازل عنها بعد أن حولت المقاطعات الأوكرانية إلى جمهوريات تتمتع بالحكم الذاتي تحت مظلة الاتحاد الروسي.
وهناك معطى آخر بالغ الأهمية بالنسبة لموسكو، وهو ضمانات تحييد أوكرانيا وعدم انضمامها إلى الحلف الأطلسي، وهذا الأمر ينظر اليه في روسيا على أنه هدف استراتيجي باعتباره يهدد الدولة الروسية كما يهدد المستقبل السياسي للرئيس بوتين، الذي طالما قدم هذه القضية بكونها صراعاً وجودياً لروسيا ضد “الناتو”.
ومن جانب آخر، فإن موسكو تبدو حريصة على ربط أي مفاوضات لإنهاء الحرب أو الهدنة برفع العقوبات الأمريكية والغربية، وهو شرط ترفضه واشنطن حتى الآن على الأقل كما ترفضه الدول الحليفة وتطالب لقائه انسحاب روسي كامل من الأراضي الأوكرانية.
وفقا لذلك فإن الراجح هو عدم موافقة موسكو على وقف لإطلاق نار دون شروط لأن ذلك سيعني عمليا، اعترافا بفشل أهداف عمليتها الخاصة التي كبدت روسيا خسائر هائلة، ناهيك عن ان قيامها بذلك سيشكل انتكاسة لمشروعها الاستراتيجي في ان تكون فاعلاً إقليمياً في عالم تريده أن يكون متعدد الأقطاب.
سيناريوهات بديلة
يمكن للرئيس ترامب ممارسة الضغوط على كييف من اجل القبول بأي صيغة من شأنها وقف النار وانهاء الحرب، غير أنه سيواجه صعوبات كبيرة في محاولاته الضغط على موسكو التي يطمح ترامب إلى بناء علاقات جديدة معها، ربما للتفرغ لملفات تبدو بالنسبة لترامب أكثر أهمية من أوكرانيا أو حلف الناتو.
والسبب في ذلك أن أوكرانيا تواجه معضلة معقدة، فهي وإن خضعت للضغوط الأمريكية وقبلت التنازل عن أراضيها لموسكو، فإنها ستواجه رفضا شعبيا داخليا مع وجود نسبة كبيرة من الأوكران الرافضين لفكرة التنازل عن الأراضي الأوكرانية لروسيا، ناهيك عن الموانع الدستورية، حيث يحرم دستور أوكرانيا التنازل عن أي أراض أوكرانية تحت أي ظروف.
وفقا لذلك فإن الخيارات أمام كييف تبدو ضيقة للغاية، إذ أن طول أمد الحرب مع روسيا من دون الدعم الأمريكي سيقود إلى استنزاف الموارد الأوكرانية بسرعة كبيرة، بما يؤدي في النهاية إلى قبولها بأي حل مطروح من دون شروط.
وتدرك كييف أن عدم قبولها الرؤية الأمريكية الآن، سيفقدها ميزات يمكن أن تحصل عليها من واشنطن على شاكلة الحصول على ضمانات أمنية أمريكية وترتيبات دفاعية كما سيفقدها تعويضات وبرامج إعمار كان يمكن ان تقودها واشنطن في حال موافقة كييف على خطة ترامب.
وخلافا للوضع في أوكرانيا فإن الإدارة الأمريكية تبدو مستعدة لتقديم تنازلات لروسيا بدلا من ممارسة الضغوط عليها، والمرجح أن يعرض الرئيس ترامب على موسكو تخفيف العقوبات على قطاعات روسية حيوية (مثل الطاقة) واستئناف التعاون في مجالات مثل الغاز والنفط، مقابل وقف مؤقت لإطلاق النار، حتى لو لم تستعيد كييف كل أراضيها.
وفي حال فشلت المبادرة الأمريكية الحالية، وذهبت العلاقات مع روسيا إلى المزيد من التوتر فإن أكثر ما يمكن أن تفعله إدارة ترامب هو مواصلة الدعم العسكري المقدم لكييف وهو أمر قد تواجهه روسيا التي خبرت الحرب مع الغرب الجماعي خلال السنوات الماضية، لكنه سيلقي بتبعات ثقيلة على دول القارة الأوروبية التي سيذهب ترامب بلا شك إلى تحميلها تكاليف استمرار الحرب في أوكرانيا باعتبارها المستفيد الرئيسي من حماية أمن أوكرانيا.
مكاسب أمريكية
غداة المباحثات الهاتفية التي جرت بين الرئيسين ترامب وبوتين مؤخرا كان ملاحظا في بيان الإدارة الأمريكية تشديدها على ما سمته “المزايا الهائلة” لإقامة علاقة ثنائية أفضل بين الولايات المتحدة وروسيا تُفضي إلى اتفاقات اقتصادية ضخمة محتملة.
هذا الأمر فتح باب التساؤلات حول المصالح التي تتوقع أمريكا جنيها من تبني إدارة ترامب مبادرة وقف النار وانهاء الحرب في أوكرانيا، خصوصا وأن أي مبادرة من هذا النوع ستكون حتما جزءا من استراتيجية أوسع تضع المصالح الأمريكية في المقدمة وتجسد شعار ترامب “أمريكا أولا”.
ولم يعد خافيا ما تطمح اليه إدارة ترامب بإنهاء الصراع في أوكرانيا وبالمقام الأول تقليل الموارد المالية التي تتكبدها الخزينة الأمريكية لتمويل الجيش الأوكراني، ووقف استنزاف المخزونات العسكرية الأمريكية، وهي أمور ترى إدارة ترامب أنها ستساهم في توفير تمويلات مالية ضخمة يمكن استخدامها في خطط واشنطن الجديدة لتعزيز وجودها في المحيط الهادئ ومواجهة التوسع الصيني.
ومنذ وقت مبكر ترى الولايات المتحدة الصين التهديد الأكبر لحلفائها في آسيا مثل تايوان واليابان وكوريا الجنوبية وهي لذلك تسعى إلى تقليص الموارد التي توجهها لحماية أوروبا، وتوجيهها نحو آسيا، بما يتيح لها مواجهة التهديدات الصينية، فضلا عن طموحاتها بإقامة تحالفات جديدة من اجل احتواء النفوذ الصيني في آسيا.
صار من الواضح أن لدى واشنطن اليوم أهدافا استراتيجية كبيرة تسعى إدارة ترامب إلى تحقيقها من خلال هذه المبادرة وفي المقدمة تفكيك التحالفات الاستراتيجية بين روسيا والصين وإيران، أو على الأقل تقليل تماسكها، وكذلك مواجهة التهديد الذي تشكله منظمة بريكس” للاقتصاد الأمريكي بعد الإفصاح عن عملة بديلة للدولار الأمريكي بين دول مجموعة “بريكس”.
ولا تخفي واشنطن مخاوفها من المخاطر الجسيمة التي يشكلها التحالف الروسي الصيني خصوصا وهو قام على مبدأ رئيسي وهو مواجهة الهيمنة الأمريكية عبر التعاون العسكري والاقتصادي والتكنولوجي.
والحال كذلك مع الشراكة الروسية الإيرانية التي تضمنت التعاون العسكري والدعم السياسي في الملفات الإقليمية وتبادل الموارد من الأسلحة الدفاعية والهجومية.
حيال ذلك تأمل إدارة ترامب أن يقود وقف الحرب في أوكرانيا إلى المساهمة في تنفيذ سياساته الرامية إلى تفكيك التحالفات الاستراتيجية مع الصين، وتحميل الأوروبيين مسؤولية حماية أمنهم بما يسمح للولايات المتحدة بتحويل مواردها نحو آسيا.
مكاسب جيوستراتيجية
تبدي إدارة ترامب اليوم حماسة منقطعة النظير حيال التقارب مع موسكو من اجل تحقيق مكاسب جيوستراتيجية كبيرة عجزت الإدارة السابقة عن تحقيقها وفي المقدمة إنهاء التحالف الروسي الصيني والإيراني الروسي.
أداتها لتحقيق ذلك هي إنهاء العزلة الدولية المفروضة على موسكو وتخفيف العقوبات الدولية عليها، حيث أن عودة روسيا إلى النظام الدولي سيقود إلى تباعد بينها وإيران، في حين أن إعادة روسيا إلى المنظومة الاقتصادية الغربية، بالسماح لها بتصدير النفط والغاز الروسي إلى أوروبا سيقود إلى تقليل اعتماد موسكو على الصين كشريك اقتصادي وحيد وقد يضعف تحالفها مع الصين.
ولأبعد من ذلك فإن إدارة ترامب تسعى إلى حصول تحسن بالاقتصاد الروسي يعيد موسكو إلى المنافسة في سوق السلاح إلى دول الشرق الأوسط، عوض التعاون مع إيران في سباق تسلح ترى واشنطن أنه قد يقوض المصالح الأمريكية في المنطقة.
وبالمقابل فإن واشنطن تسعى إلى إحياء التنافس الخفي بين روسيا والصين على النفوذ في آسيا الوسطى والقطب الشمالي ولذلك تسارع إدارة ترامب لإنجاح مفاوضات وقف النار وانهاء الحرب في أوكرانيا لتكون بوابة لعلاقات جديدة مع روسيا، تفتح الطريق لاستئناف الحوار الاستراتيجي مع روسيا، ولا سيما في مفاوضات الحد من الأسلحة النووية ودفع روسيا لتبني مواقف أكثر تعاونا مع الغرب بما يتيح لأمريكا والغرب منع إيران من امتلاك الأسلحة النووية.

 

مقالات مشابهة

  • ما هي الدول التي ستنضم إلى اتفاقيات «التطبيع» مع إسرائيل؟
  • وزير خارجية العراق وأبو الغيط يبحثان الأوضاع في المنطقة والتحديات التي تواجه الدول العربية
  • وسط تخوف بغداد.. إيران تطلع العراق على مضمون رسالة ترامب
  • ترامب يهدد الدول التي تشتري النفط الفنزويلي
  • هل تعقد إيران صفقة مع أمريكا أم تمضي في طريق صنع أول قنبلة نووية؟
  • ماهي المكاسب التي تنتظرها واشنطن من مفاوضات إنهاء الحرب في أوكرانيا ؟
  • مبعوث ترامب للشرق الأوسط: إيران لن تمتلك قنبلة نووية
  • الأعرجي:حماية إيران يعزز من أمن المنطقة
  • هل ستنفذ إيران شروط ترامب في تفكيك برنامجها التسليحي وميليشياتها؟