نص المحاضرة الرمضانية الـ22 للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي 24 رمضان 1446هـ
تاريخ النشر: 25th, March 2025 GMT
الثورة نت/..
نص المحاضرة الرمضانية الـ22 للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي 24 رمضان 1446هـ:
أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
في سياق الحديث على ضوء الآيات المباركة من (سورة الشعراء)، التي قدَّم الله فيها قصة نبيه إبراهيم “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، في مقامٍ من مقاماته لتبليغ الرسالة الإلهية، ودعوة قومه إلى عبادة الله تعالى، وإلى توحيده، والإيمان به، ونبذ الشرك، كُنَّا في سياق الحديث عن قوله: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ}[الشعراء:78]، وعنوان الهداية عنوانٌ مهمٌ جدًّا، يترتب عليه:
إمَّا فوز الإنسان، وفلاحه، وسعادته، ومستقبله السعيد في الآخرة.
أو يكون لموقف الإنسان السلبي تجاه الهدى، التأثير الكبير على حياته في الدنيا بالشقاء، وكذلك الخسران الأبدي في الآخرة والعياذ بالله.
لأهمية هذا الموضوع؛ أتى الحديث عنه واسعاً جدًّا في القرآن الكريم من جوانب متعددة.
تحدثنــــا في المحاضـــــرة الماضيــــــة:
أن هدى الله تعالى واكب مسيرة البشرية منذ بداية وجود الإنسان؛ فكان آدم “عَلَيْهِ السَّلَامُ” نبيّاً، واسْتَمَرَّت المواكبة بالرسل، والأنبياء، وكتب الله، وكذلك من بعد الرسل ورثة الكتب الإلهية، من جهة المهتدين، الهادين بها وفق سُنَّة الله في هداية عباده، وخَتَم الله النُّبوَّة والأنبياء بخاتم النَّبِيِّين، رسول الله محمد “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، وختم الله كتبه بالقرآن الكريم، الذي هو مُصَدِّق لما بين يديه من كتب الله، وكذلك مهيمن، {وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ}، {مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ}[المائدة:48]، القرآن الكريم هو لهداية المجتمع البشري إلى قيام الساعة، في الحقبة الأخيرة من الحياة والوجود على الأرض.
تحدثنا عن بعضٍ من مميزات القرآن الكريم في المحاضرة الماضية؛ لأن مميزات القرآن الكريم كثيرةٌ جدًّا وواسعة؛ ولـذلك المقام مقام اختصار، تحدثنا باختصار عن هذا الموضوع.
تحدثنا عن جانب من جوانب الهداية في القرآن الكريم، وهو: حاجة المسلمين إلى الاهتداء بالقرآن الكريم، تجاه المخاطر التي تستهدفهم من جهة أعدائهم، وهذا موضوعٌ مهمٌ، وموضوع مُلِحٌّ؛ لأن المسلمين في معاناة قائمة وموجودة، وفي خطرٍ رهيبٍ؛ والسبب الأول هو: غياب الرؤية الصحيحة لكيفية التعامل مع هذا الخطر، وما هو الموقف الصحيح، وهذه المسألة مؤثِّرة تأثيراً كبيراً على المسلمين، مؤثرةٌ تأثيراً كبيراً عليهم فعلاً.
هناك قاعدتان مهمتان في القرآن الكريم، تُبيِّن لنا كيف أن الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” لم يتركنا من الهداية فيما يتعلق بهذا الموضوع المهم:
القاعدة الأولى: عبَّرت عنها في النصوص القرآنية، بقول الله تعالى: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ}[آل عمران:108]:
هذا شيءٌ مهمٌ، هو جزءٌ من إيماننا بالله، وأن نَعِيَهُ جيداً؛ لأن الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هو الرحيم بنا، لا يمكن أن يتركنا للتظالم من دون هداية إلى ما يقينا من ذلك، ومن دون جزاء، ومن دون رعاية، هذه قاعدة مهمة جدًّا؛ ولهـذا أكَّد الله عليها في القرآن الكريم: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ}[آل عمران:108]، وفي آيةٍ أخرى: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ}[غافر:31].
ولـذلك فالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في هدايته، في تشريعه، في سنته في رعاية عباده وشؤونهم، لا يريد لهم الظلم، لا يظلمهم، ولا يريد لهم أن يُظلموا؛ فهـو يُقَدِّم ما يقيهم من الظلم، ما فيه المَنَعَة، والعِزَّة، والحماية لهم من الظلم، ويُقَدِّم أيضاً في إطار المسؤوليات الإيمانية، التي رسمها لعباده، ما يُحَقِّق العدل في الحياة، ويكون فيه التَّصدِّي للظلم.
فالله هو القائم بالقسط، وجعل إقامة القسط هدفاً من الأهداف الأساسية لرسالاته؛ ولـذلك يقول الله في القرآن الكريم: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ}[آل عمران:18]، وقال عن كونه هدفاً أساسياً لرسالاته إلى الناس: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}[الحديد:25]، فالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هو القائم بالقسط، ولا يريد لعباده أن يظلموا، فقدَّم لهم الهداية الكاملة، وقدَّم في تشريعه، وفي المسؤوليات التي رسمها لعباده، ما يكافح الظلم، ما يساعد على تحقيق العدل، وإقامة العدل في الحياة.
القاعدة الثانية في القرآن الكريم هي: قول الله تعالى: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ}[النساء:45]:
الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هو الأعلم بأعدائنا (من هُمْ)، على مستوى تحديد من هو العدو، هو الأعلم بمن هو العدو، الذي هو عدوٌ لنا، ويُشَكِّل خطورةً علينا، وعلينا أن نتَّخذه عدواً، والمسلمون يعانون من الضلال حتى في تشخيص من هو العدو، والاشتباه تجاه العدو الكبير، الذي عدائه في غاية الوضوح، (هل هو عدو، أو صديق؟)، يريد البعض أن يُقدِّمه صديقاً. كيف هم هؤلاء الأعداء؟ كيف هي خطورتهم؟ ما هي الطريقة الصحيحة لدفع شرِّهم… وغير ذلك، الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” قال في القرآن الكريم عندما حدَّد لنا من هم الأعداء: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا}[النساء:45]، يعني: لم يكتفِ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” بأن يخبرنا من هو العدو، كيف هي خطورته، كيف هي أساليبه العدائية، أين هو مصدر شَرِّه الذي يُشَكِّل خطورةً علينا؛ وإنما أيضاً عرض لنا هدايته، ونصرته، أن يهدينا كيف نواجه هذا العدو، وأن ينصرنا ضد هذا العدو، {وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا}[النساء:45].
الشيطان هو العدو الأول للإنسان، وهو على رأس خط الضلال، المناوئ لطريق الهداية وللصراط المستقيم، هو على رأسهم (الشيطان الرجيم)، وهو يريد أن يوقع الإنسان في أكبر شَرّ، وأن يوجِّه له أكبر ضربة، عداؤه للإنسان عداء شديد جدًّا؛ ولـذلك هو لا يكتفي بمستوى عادٍ من الضرر؛ هو يريد أن يلحق بالإنسان أكبر الضرر، وأن يوقعه في أكبر الخطر، وأن يجعله يتَّجه في طريق الخسران الدائم، هذا ما يركِّز عليه الشيطان: أن يوقع الإنسان في العذاب الأبدي الرهيب، أن يَصُدَّه عن سبيل الخير، والفوز، والفلاح، والسعادة، والسمو النفسي.
وتكررت قصته في القرآن الكريم كثيراً، في إطار تلك السنة الإلهية: أن الله أعلم بأعدائنا، ويبيِّن لنا:
من هو العدو.
ما هي خطورته.
كيف نقي أنفسنا من شرِّه.
وعن سبب عداوته للإنسان، تشخيص دقيق ما هو السبب.
عن مستوى عدائه للإنسان.
متى بدأ هذا العداء، وإلى متى سيستمر.
كل هذا أتى الحديث عنه تفصيلياً في القرآن الكريم.
ما هي خطَّته العدائية.
كيف يريد أن يستهدف الإنسان.
تفاصيل كثيرة في القرآن الكريم.
وما هي الطريقة الصحيحة لمواجهته، والحماية منه.
والله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” بيّن لنا في القرآن الكريم، في قوله: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ}[ص:82-83]، هو يعتمد على الإغواء، لماذا؟ لأن الإغواء عن طريق الهداية هو تضييعٌ للإنسان، هو الذي من خلاله ينحرف بالإنسان عن الصراط المستقيم، الذي كان سيوصله إلى الغاية الكبرى، في الفوز، والفلاح، والسعادة الأبدية؛ وإلى أداء مهامه في هذه الحياة، في إطار توفيق الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ورعايته، وهدايته، بنجاح؛ فهـو يسعى للإغواء، الإغواء في كل المجالات للإنسان: الإغواء على المستوى العقائدي، على المستوى الأخلاقي… على كل المستويات.
{وَلَأُضِلَّنَّهُمْ}، في آيةٍ أخرى: {وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ}[النساء:119]، يسعى للإضلال، الإضلال هو: طريقة خطيرة وجامعة للانحراف بالإنسان عن طريق الهداية، والتضييع له بذلك.
قال عنه أيضاً: {لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}[الأعراف:17]، يعني: أن يُصَدَّهم عن صراط الله المستقيم، ويصرفهم عنه، من أجل ماذا؟ من أجل غوايتهم، إضلالهم، من أجل خسارتهم وشقائهم.
وتكرر في القرآن الكريم كيف بدأ استهدافه للإنسان، بدايةً بما عمله مع آدم “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، وكيف سعى لإخراجه من الجنَّة ليشقى.
ومع كل ما أتى من الحديث عنه في كتب الله، والتحذير عنه من أنبياء الله، ورسل الله، وأولياء الله، هم يُحَذِّرون الناس منه، وَيُبَيِّنُون للناس سوءه، وشرَّه، وخطره، وعداءه، وحقده، وما يسعى من خلاله لإشقاء الإنسان، للاتِّجاه به في طريق الخسران؛ مع كل ذلك- وللأسف الشديد- انخدع به أكثر البشر، وأطاعوه، وتولوه، وهذه قضية عجيبة في واقع البشر! وقضية خطيرة.
ولهـذا يُبَيِّن الله لنا في القرآن الكريم عن هذه الخسارة للمجتمع البشري، نتيجة التَّولِّي للعدو، التَّولِّي لعَدُوِّهم، الذي حذَّرهم الله منه، الطاعة له في معصية الله، الانصراف عن هدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والاتِّجاه في طريق الغواية، التي يدعوهم إليها الشيطان:
في يوم القيامة، يوجِّه الله نداءه للمجتمع البشري: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ}[يس:60-62].
في الحديث أيضاً في القرآن الكريم عن حجم الخسارة لكثيرٍ من الناس؛ بسبب توليهم للشيطان عَدُوِّهم، وطاعتهم له: {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ}[ص:85]، تمتلئ جهنم، تمتلئ بالبشر، بالبشر الذين كانوا في هذه الدنيا مُتَوَلِّين لعَدُوِّهم، عَدُوِّهم الحاقد عليهم، الذي كان هدفه الرئيسي هو: أن يوصلهم إلى جهنم، إلى أشد عذاب؛ لأن هذا بالنسبة له هو الذي يُلَبِّي رغبته في العقدة، والحقد، والعداء لبني آدم: أن يوصل الإنسان إلى أَشَدِّ العذاب، إلى نار جهنم للأبد؛ لأن هذه أكبر ضربة يمكن أن يوجهها للبشر، وأن يعمل بهم ما لا يمكن أن يكون هناك أَشَدّ منه، ولا خسارة أكبر.
فلـذلك الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أقام حُجَّته، وَنَبَّه، وبَيَّن، وقَدَّم حتى التفاصيل، حتى فيما يتعلق بالمستقبل في الآخرة.
الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” حينما يقول في القرآن الكريم، وهو يُحَذِّرنا من الشيطان، بعد أن بيَّن لنا أنه رفض السجود لآدم، وحَقِد بسبب أمر الله له بالسجود: {إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا}[الكهف:50]، {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا}، هذه هي الخسارة: التَّولِّي للعدو الحقود، الذي يسعى لأن يتَّجه بك إلى الشقاء الأبدي، إلى الخسران الرهيب العظيم، إلى الخسارة الكبيرة، إلى نار جهنم، هذه مشكلة كبيرة على الواقع البشري.
الارتباط بالشيطان خسران؛ لأنه كما بيَّن الله لنا: يسعى لإضلال الناس، لإغوائهم، لإفسادهم؛ ثم تحريكهم في طريق الغواية؛ لتتحوَّل مسيرة حياتهم إلى مسيرة إضلال، وإفساد، وشرّ، وإجرام، وطغيان، ومفاسد، ومظالم؛ فيتَّجه بهم لتسخير كل إمكاناتهم، وقدراتهم، وطاقاتهم، في الاتِّجاه الشيطاني، في اتِّجاهه هو، الذي هو هذا الاتِّجاه السيء جدًّا، من إضلال، وإغواء، وإفساد، وشرَ وإجرام، وظلم، وفساد… وغير ذلك؛ فالارتباط به خسارة، ومن يرتبط به، يتولاه، يطيعه، يعبده؛ يعبده بإيثاره لطاعته فوق طاعة الله، بانصرافه على نهج الله، واتِّجاهه في طاعته، وطاعة وساوسه، والاتِّجاه في الطريق التي هي طريقه، طريق الشر، طريق الإجرام، طريق الضلال والفساد.
أولياء الشيطان الذين يتولونهم، يتحولون هم– كذلك- إلى مصدر شرّ، مصدر للجريمة، للفساد، للظلم، ويُحَرِّكهم الشيطان في نفس تلك الاتِّجاهات؛ ولـذلك يكون نشاطهم في هذه الحياة كمجرمين، جرائم، أنواع الجرائم تصدر منهم، فاسدين مفسدين، ضالِّين مُضِلِّين، يتحرَّكون بالشَّرّ في حياة الناس؛ ولـذلك يتجلَّى على أيديهم- هم أيضاً- ما يسعى له الشيطان في إشقاء المجتمع البشري؛ لأنهم هم من أساؤوا إلى هذه الحياة، الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” رسم للبشرية منهج الهداية، الذي يكفل لهم السعادة والخير؛ لكن نتيجةً لأولئك الذين قاموا بالتولِّي للشيطان، والعبادة للشيطان، والاتِّجاه في طريقه الإجرامي، المُضِلّ، الذي فيه الشَّرّ والفساد، هم من سَوَّدوا وجه الحياة، من ملأوا الحياة بظلمهم، بفسادهم، بطغيانهم، من جلبوا الشقاء على المجتمع البشري؛ فتحوَّلوا هم إلى مصدر للشر، مصدر للجريمة، للظلم، للمفاسد؛ ولـذلك يُعَبَّر عنهم في القرآن الكريم بأولياء الشيطان، الذين قاموا بِالتَّوَلِّي له، بمختلف فئاتهم، وعناوينهم، وأسمائهم: فاسقين، كافرين، مجرمين، منافقين… هم يجمعهم هذا العنوان: التَّولِّي للشيطان، أولياء الشيطان، سَمَّاهم أولياء الشيطان.
في القرآن الكريم، القائمة التي تضمن عناوينهم- يعني: في آيات كثيرة في القرآن الكريم- بمواصفاتهم بشكلٍ واضح، يُعَرِّفهم تعريفاً واضحاً وجليّاً، كل فئة من أولياء الشيطان: كيف هي مواصفاتهم، أعمالهم، تصرفاتهم، نفسياتهم، توجهاتهم، مواقفهم…إلخ. والأنشطة التي يتحرَّكون فيها هي نفس الأنشطة الشيطانية:
هو قال: {وَلَأُضِلَّنَّهُمْ}[النساء:119]، يتحرَّك مِنَ الذين يتولونه من هم مُضِلُّون في هذه الحياة، نشاطهم هو الإضلال.
الشيطان يسعى للإفساد والإغواء؛ هم يتحركون لإفساد الناس، وبالفساد، الفساد بالنسبة لهم ممارسة في حياتهم؛ لأنهم أصبحوا فاسدين، ومع ذلك يسعون لنشر الفساد في الأرض، وإفساد الآخرين.
وهكذا بالنسبة للظلم؛ الظلم ممارسة وسلوك بالنسبة لهم، يَتَعَدُّون حدود الله، يظلمون عباد الله، وفي نفس الوقت من يتولَّاهم، من يسير في دربهم؛ يسير في طريق الظلم.
وهكذا أصبحوا هُمْ من يتَّجهون ويتحرَّكون بالشَّرّ في واقع الحياة؛ فالشيطان يُحَرِّكهم، وهم أصبحوا شبكات كبيرة في المجتمع البشري، ينشطون في أنشطته الشيطانية العدوانية، التي تستهدف المجتمع البشري. الشيطان منذ البداية كان سيعتمد عليهم بشكلٍ أساسي، في أن يتحوَّل واقع الحياة لدى الناس إلى واقع سيء بفعلهم.
{قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا}[الإسراء:63]، يستحق جهنم من يَتَّبع عدوه الشيطان، الرجيم، الخسيس، السيء، الحقود، المستكبر، الضال، المفسد، الشرير؛ ويترك التولِّي لله ربِّ العالمين، المنعم، الكريم، العظيم، الذي له الأسماء الحسنى، الذي هو ولي كل نعمة على الإنسان، ربُّ العالمين.
{وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا}[الإسراء:64]؛ لـذلك فكل فئات أولياء الشيطان الذين يتحركون في واقع الحياة، بمختلف فئاتهم، وأصنافهم، وأنواعهم؛ هم امتداد للشيطان، لشرِّه، لضلاله، لفساده، لعدوانيته، لحقده، لإجرامه، تحوَّلوا إلى أداة شيطانية للشيطان.
القائمة التي وردت في القرآن الكريم هي قائمة واضحة– كما قلنا- تُحَدِّدهم بمواصفاتهم، على رأس تلك القائمة، التي حَذَّرنا الله منها في القرآن الكريم، وبَيَّن سوءها وشرها وخطرها: فريق الشر من أهل الكتاب، (اليهود، والموالون لهم من النصارى) هم على رأس القائمة في ما يُعَبَّر به في القرآن الكريم، ما يُستفاد منه أنهم هم الأكثر ضلالاً، والأشدُّ ظلماً، يعني: هم من أخطر أولياء الشيطان، ومن أسوأ أولياء الشيطان، ومن أكثر البشر عملاً في الاتِّجاه الشيطاني، والأنشطة الشيطانية في المجتمع البشري؛ فهم مصدر شر كبير على المجتمع البشري وخطير، وهم امتدادٌ للشيطان، في إجرامهم، وفسادهم، وظلمهم، وعدوانيتهم.
ولـذلك حينما يشرح لنا القرآن الكريم عنهم، ويخبرنا الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” عنهم، ماذا يريدون بنا؟
يقول: {وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ}[النساء:44]، نفس الإرادة الشيطانية، ماذا يريد الشيطان من البشر؟ أن يَضِلُّوا السبيل في كل المجالات، وأن يكونوا تائهين في هذه الحياة في كل شيء: في معتقداتهم، في انتمائهم الديني، في مختلف مسارات حياتهم، في المجالات كافَّة، أن يَضِلُّوا كُلَّ سبيل خيرٍ، وفلاحٍ، وعِزٍّ، ونجاحٍ، وصلاح، وأن يتَّجهوا إلى الاتِّجاه الخاطئ، الذي هو اتِّجاه السقوط والضياع.
يقول عنهم: {وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}[المائدة:64]، وهذا هو نفسه من أهم الأنشطة الشيطانية، التي يسعى لها الشيطان، ويحرص عليها الشيطان، فهم يشتغلون في نفس الاتِّجاه الشيطاني.
يقول عنهم: {إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}[آل عمران:100]، وهذا أيضاً ما يسعى له الشيطان: لارتداد حتى بمن اتَّجهوا في طريق الإيمان، أن يرتد بهم عن نهج الإيمان وطريق الإيمان، إلى الكفر.
بيَّن القرآن الكريم عداءهم وحقدهم الشديد على المؤمنين، وهذه هي عقدة شيطانية، الشيطان هو حقود جدًّا على المؤمنين: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}[المائدة:82].
بَيَّن مستـــوى حقدهــــم:
بقوله: {وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ}[آل عمران:118]، هذا يُبَيِّن حقدهم الشديد، يودُّون لكم العنت، أي عنت، ويسعون لذلك، ما فيه الضرر البالغ عليكم، برغبة شديدة، برغبة شديدة لذلك.
يقول عنهم: {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ}[آل عمران:118].
يقول عنهم: {وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ}[آل عمران:119].
يقول عنهم: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ}[البقرة:105]، كم في القرآن الكريم من آيات كثـــيرة جدًّا عنهم، هذه نماذج فقط من الآيات القرآنية.
فالله قدَّم في القرآن الكريم تشخيصاً دقيقاً لهم، وماذا يريدون، وكيف هم، وماذا يمكن أن يعملوا، وماذا يهدفون إليه، وكيف سيكون مصير الناس إذا لم يتحرَّكوا لمواجهة شرهم؛ وبيّن كيف يجب أن نكون في مواجهتهم.
بيَّن حتى مشاعرهم، مشاعرهم الداخلية نحو الناس، نحو المؤمنين، حديث القرآن الكريم عنهم واسعٌ جدًّا وتفصيلي، بالتفصيل في آيات كثيرة جدًّا، وعن سبيل مواجهتهم، كذلك الطريقة الصحيحة، التي تحمي الأمة من شرِّهم وخطرهم.
بيّن كذلك أساليبهم، سواءً على مستوى حربهم الناعمة، المفسدة، المُضِلَّة، وهي حرب خطيرة على الأمة، وهي- تلك الحرب- قائمة على قدمٍ وساق.
يعني: قد يتصوَّر البعض– مثلاً الآن- وهو يرى واقع العالم الإسلامي، فيرى- مثلاً- أن هناك حرب عسكرية، بالقتل، والدمار، والقنابل، والصواريخ؛ على غزَّة، على اليمن، على لبنان، في بعض سوريا؛ ثم يتصوَّر أن واقع بقية الأمة هو واقعٌ هادئ ومستقر، وأن الخطر من اليهود في عدوانهم، ونشاطهم العدائي، وتَحَرُّكهم العدواني، هو في هذا المستوى: استهداف لبلدان معيَّنة محدَّدة بالصواريخ والقنابل؛ إذاً كيف يعمل لكي يتخلَّص من ذلك.
حربهم قائمةٌ على قدمٍ وساق بما هو أخطر حتى من القنابل والصواريخ، على بقيَّة العالم الإسلامي، على بقيَّة البلدان العربية، يعني مثلاً: حربهم على دول الخليج، على مصر، على دول المغرب العربي، على بقيَّة العالم الإسلامي، هي حرب ساخنة جدًّا في اتِّجاهها الآخر: الحرب الناعمة، المفسدة، المُضِلَّة، يعني: لهم برامج وأنشطة عدوانية، خطيرة، قائمة، مشتغلة، ماشية، ماشية؛ لأن هناك تجاوب معهم فيها، استجابة- كما يفعل الناس في الاستجابة للشيطان- استجابة للعدو فيما يخدمه، ويُحَقِّق أهدافه، وهناك مسار لهم:
للإضلال: التأثير والتغيير في الخطاب الديني، في المناهج الدراسية، في التَّوَجُّهات السياسية… في مختلف الأمور.
الإفساد اللاأخلاقي: عمل مستمر، برامج، أنشطة متحركة.
لو يتأمل الإنسان ما يجري– مثلاً- في المملكة العربية السعودية، هناك عمل كبير لليهود، وهو عمل عدواني، لكن الناس هناك، (مثلاً: النظام، ومن يواليه، ومن يخضع له، ومن يستجيب له ويتَّبعه)، يتصوَّرون- لغبائهم المفرط، لضلالهم الرهيب، لابتعادهم عن هدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”- يتصوَّرون أنهم يتَّجهون الاتِّجاه الصحيح، في استجابتهم لكل المساعي اليهودية لإضلالهم وإفسادهم، كما هو الحال عندما يتَّجه الإنسان مع الشيطان براحة، وهو يتصوَّر أنه يُلَبِّي شهوات نفسه، رغبات نفسه، وهو يتَّجه إلى ما فيه الخسارة له.
فاليهود هم يشتغلون بأنشطتهم التي هي عدوانية، هي خطرٌ وشَرٌّ كبيرٌ جدًّا على الناس، وهي تتحرَّك في أوساط الآخرين على قدم وساق، وتحقق النتائج، وهي تُهَيِّئ- في نهاية المطاف- للشقاء الكبير، يعني: تُهَيِّئ لاستحكام السيطرة- فيما بعد- على تلك البلدان بشكلٍ كامل وبكل بساطة، بكل سهولة، بدون عناء؛ لأنها عندما تصل بهم على مستوى الإفساد النفسي، والتمييع اللاأخلاقي، إلى الحضيض، إلى أحطّ مستوى، كيف يمكن أن يكونوا في يومٍ من الأيام- بعد أن يصلوا إلى تلك الحالة- في مقام التصدِّي للعدو، ما يستلزمه ذلك من مبادئ، من أخلاق، من قيم، من غَيرة، من عِزَّة، من كرامة، من شرف… تكون قد فُقِدَت كل المقومات المعنوية للموقف، أصبح أمامك وضع لمنحطين، فاسدين، مائعين، تافهين، ضائعين، لا يمتلكون المبادئ، ولا القيم، ولا الأخلاق، ولا العقائد الصحيحة، ولا المبادئ الصحيحة، ولا التَّوجُّهات الصحيحة، فُرِّغ الإنسان من محتواه الإنساني، والإيماني، والأخلاقي؛ فيصبح– كما يتصوَّره اليهود- مُجَرَّد حيوان بصورة إنسان، يستغلونه كما يشاؤون، يقتلون من أرادوا، ويستغلون من يريدون، بحسب ما يريدون.
فهم يتحركون في الاتِّجاهات بكلها، والله حَذَّر منهم، وحَذَّر من أن مسلكهم في تلك الاتِّجاهات؛ لإضلال الناس، لإفسادهم، للارتداد بهم عن مبادئ الدين، عن قِيَمه، لإغوائهم ثقافياً وفكرياً؛ هي كلها أعمال عدائية خطيرة جدًّا، وهي تُمَثِّل شَرّاً كبيراً جدًّا على الأمة، يضيع بها من ضاع بسببها وتأثَّر بها في الدنيا والآخرة، يخسر مستقبله حتى في يوم القيامة.
الله قَدَّم في القرآن الكريم الهداية الكافية، في سبيل حماية المؤمنين والمسلمين، وعِزَّتهم، ومَنَعَتِهِم، ووقايتهم من شَرِّهم، مع التأييد من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، هداية ومعها تأييدٌ ورعاية، وليس فقط هداية فقط، على قاعدة: {وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا}[الفرقان:31]، يهدي وينصر، عندما تتَّجه وفق ما هداك إليه.
لــو لـم يكــن للمسلمـــين إِلَّا:
ما ورد في (سورة آل عمران) في صفحة ونصف في (سورة آل عمران)، هو قَدَّم لنا فيها برنامجاً متكاملاً:
بيّن فيه ما يريدون أن نصل إليه كمسلمين، كيف يريدون أن نكون أمة مطيعةً لهم، وفي هذا الإطار نفسه يرتدوا بنا إلى حالة الكفر، والخروج عن نهج الإيمان، الكفر بمبادئ الإسلام، بقيمه، سواءً الكفر بالكامل، بالخروج من المِلَّة؛ أو مع بقاء الانتماء: الكفر بالمبادئ، الرفض لها، التَّنَكُّر لها، عدم القبول بها، واستبدالها ببدائل أخرى.
ثم عرض لنا ما فيه الوقاية لنا، يهدي إلى ما يحمي هذه الأمة؛ لتكون في موقع العِزَّة والمَنَعَة.
في صفحة ونصف، من قوله: {إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ}[آل عمران:100]، في آخر الصفحة، ما قبل تلك الصفحة، وصولاً إلى النتيجة التي يمكن أن تصل إليها الأمة، إذا اتَّجهت وفق ذلك البرنامج الإلهي، التي بَيَّنها الله بقوله تعالى: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ}[آل عمران:111].
في صفحة كذلك في (سورة المائدة)، صفحة:
بيّن فيها خطورتهم.
حرّم الولاء لهم.
بيّن خطورة التولِّي لهم؛ لأنه تولٍ لعدوك؛ يُمَهِّد له أن يُحَقِّق أهدافه فيك بكل بساطة، ولن يُغَيِّر من موقفه العدواني تجاهك؛ إنما هو تمكينٌ له منك، بيّن خطورة الولاء لهم.
فَنَّد التبريرات، التي يَتَذَّرع بها الموالون لهم.
كشف حقيقة الموالين لهم، والسبب الحقيقي الذي يدفعهم إلى الولاء لهم.
بَيَّن السبيل الصحيح لمواجهة شَرِّهِم وخطرهم.
بدءاً من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}[المائدة:51]، إلى قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}[المائدة:54]، إلى النتيجة التي بَيَّنها بقوله: {فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}[المائدة:56].
لو لم يكن إلا هذا في القرآن الكريم، لكان فيه الهداية الكافية، ما بالُك والحديث واسعٌ جدًّا، الهداية الواسعة الكافية، التي ترتقي بالأمة إلى مستوىً عظيم في المَنَعَة، والعِزَّة، والقوة؛ لإبطال شَرِّهم، ودفع شَرِّهم، على المستوى العالمي، وليس فقط في تحصين الأمة في وضعها هي، على مستوى واقعها هي؛ بل حتى إنقاذ بَقِيَّة المجتمع البشري من شَرِّهم.
ويُبَيِّن الله في القرآن الكريم أنه يُقَدِّم الهداية والرعاية، والعون، والنصر، والتأييد، وهو “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” من له ملك السماوات والأرض:
يَعِد بالنصر: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}[محمد:7].
يَعِد بالهداية الدائمة، التي تأتي إلى كل التفاصيل، إلى كل المواقف، من خلال كتابه ونوره: {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ}[المائدة:16]، {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[آل عمران:101].
يُقَدَّم لنا مشروعاً منتصراً، يَعِدُ بنصره: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}[الصف:9].
ولـذلك فالأمة تكبَّدت خسائر رهيبة جدًّا؛ لتفريطها في الاهتداء بالقرآن الكريم، في شتى مجالات حياتها، وأيضاً فيما يتعلق بهذا الجانب: جانب كيف نواجه المخاطر التي تستهدفنا من جهة أعدائنا؛ وإلَّا لكان نصّاً واحداً من القرآن الكريم كفيل بأن يرتقي بالأمة إلى أعلى مستوى، يعني: لو لم يكن لنا في القرآن الكريم إلَّا قول الله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}[الأنفال:60]، لو اتَّجهت الأمة هذا التَّوَجُّه، واسْتَمَرَّت عليه؛ لكان واقعها مختلفاً تماماً عمَّا هي عليه.
هدى الله يواكب مسيرة الحياة، هو مسيرة متكاملة، عطاؤه متجدِّد في إطار سنة الله تعالى في هداية عباده، ولأهمية هذه المسألة عَلَّمنا الله أن نقول في كل صلاة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}[الفاتحة:6-7]؛ لأننا بحاجة دائمة إلى الهداية الإلهية، وبحاجة متجدِّدة في مسيرة حياتنا، وفيما يَسْتَجِدّ في حياتنا هذه، والله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” لا يترك عباده من دون هداية، يُقِيم عليهم الحُجَّة: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ}[الرعد:7]، لا يتركهم بدون هداية.
واقع العالم اليوم، بالرغم من كل ما قد وصل إليه من تَقَدُّم مادي، يشهد على الحاجة إلى الهدى:
واقع الغرب مأزوم، إمكاناتهم، تَقَدُّمهم المادي، لم يرتقِ بهم إنسانياً وأخلاقياً؛ إنما توحَّشوا أكثر، سخَّروا إمكاناتهم لنشر الفساد، يعيشون أزمات اجتماعية كبيرة جدًّا، وهناك مشاكل كثيرة جدًّا في العالم؛ نتيجةً للانصراف عن الهدى.
واقع المسلمين أيضاً واقع مأساوي، ومحزن، ومؤسف؛ نتيجةً لإعراضهم وغفلتهم، عمَّا قد منَّ الله به عليهم من الهدى، وهم بحاجة إلى الرجوع إليه.
نكتفي بهذا المقدار.
وفي ختام هذه الكلمة، لا يفوتنا أن نُشِيد بالمؤتمر الدولي الثالث (فلسطين قضية الأمة المركزية) في صنعاء، الذي هو بعناية رسمية، وفيه مشاركات من بلدان كثيرة؛ بل من مختلف القارات: سواءً بالكلمات عبر الفيديو؛ أو من خلال الحضور، من تهيأ لهم الحضور.
هذا المؤتمر المهم، هو يأتي- كما قلنا- برعايةٍ رسمية، في إطار الاهتمام الجادّ والصادق بالقضية الفلسطينية، والمناصرة للشعب الفلسطيني، فيه مشاركات مفيدة، نحن نَتَوَجَّه بالشكر للإخوة القائمين على هذا المؤتمر، والذين بذلوا جهوداً كبيرة في إقامته، وإن شاء الله تكون مخرجاته مفيدة، ومثمرة، وفي إطار هذا التَّوَجُّه الصادق لنصرة القضية الفلسطينية.
نَسْألُ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.
وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
مرايا الوحي: المحاضرة الرمضانية (23) للسيد القائد 1446
(المحاضرة الرمضانية الـ23 )
استدراك :
ستظل شخصيات الدكتور أحمد ونجليه صلاح ومُنير تتواجد في جزئية محاضرات القصص القرآنية؛ لاتساقها مع موضوع المحاضرة وعدم تشتيت انتباه القارئ.
"الدكتور أحمد أستاذ الفقه المقارن في كلية العلوم الإسلامية بجامعة الجزائر.
أما نَجَلاه صلاح ومُنير، فيدرسان في كلية الطب بالجامعة ذاتها وكذلك حازم ابن شقيقه طالب الهندسة المعمارية وكذلك الدكتور نضال زميل الدكتور احمد وهو استاذ العقائد والاديان في كلية العلوم الاسلامية بذات الجامعة "
كانوا جميعاً مدعوين لتناول وجبة الفطور والعشاء بمنزل حازم .
بعد ان فرغوا من اداء صلاة العشاء توجهوا لصالة المنزل لمتابعة محاضرة الليلة التي انطلقت الان :-
في سياق دعوة نبي الله إبراهيم عليه السلام لقومه إلى عبادة الله وحده، وتبليغهم رسالة الله سبحانه وتعالى، وصلنا إلى قوله، وهو يعرض عليهم البراهين المهمة، والواضحة، والبسيطة، والتي ليست معقدة، لكنها تتضمن الحُجَّة البالغة الكافية في أن العبادة لا تكون إلا لله سبحانه وتعالى، هو وحده من يستحق أن نعبده؛ أمَّا غيره ممن يتخذهم الناس إمَّا شركاء، أو أندادا، فليسوا جديرين بالعبادة أبداً، يقول: {وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ}[الشعراء:79]، نجد أنه عرض لهم براهين- كما قلنا- واضحة، ليست من البراهين الفلسفية، المعقدة، الغامضة، التي يحتاج الإنسان إلى عناء حتى يستوعبها ويفهمها، هذه براهين واضحة، وفي نفس الوقت هي حُجَّةٌ تامة، حُجَّةٌ دامغة، حُجَّةٌ بالغة، وكذلك من واقع الإنسان، من واقع حياته، من ضروريات حياته، ومن البديهيات التي لا جدال فيها.
- يواصل السيد عبدالملك تقديم قصة نبي الله إبراهيم عليه السلام مع قومه وهدايته لهم من واقع آيات القرآن الكريم . . هكذا تحدث الدكتور احمد
{وَالَّذِي هُوَ} سبحانه وتعالى الله جل شأنه، {وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ}[الشعراء:79]، أساسيات حياة الإنسان من الله سبحانه وتعالى، والإنسان مفتقر إلى الله في كل شيء، فلماذا يتَّجه بالعبادة إلى غير الله، وهو يسعى للحصول على تلك النعم التي هي من الله؟!
من تلك المتطلبات الأساسية لحياة الإنسان: الطعام، الطعام هو من الضروريات لكي يبقى الإنسان على قيد الحياة
ولـذلك يقول الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ}[الأنعام:14]، الكل من الكائنات الحيَّة مفتقرٌ إلى الله، محتاجٌ إلى الله؛ لأنه سبحانه وتعالى هو الذي يطعمنا، يوفر لنا هذا الطعام، يخلقه لنا، ويوجده لنا، ويرزقنا به؛
ولـذلك كان فيما رد الله به على الدعوة الباطلة للنصارى في قصة عيسى عليه السلام، وفي تأليههم له: {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ}[المائدة:75]، فهو سبحانه وتعالى يقول لنا عن نبيه عيسى عليه السلام وأمه مريم عليه السلام: {كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ}، فهما من البشر، وهما في إطار ما عليه بقية الخلق، من الافتقار إلى الطعام في البقاء على قيد الحياة، في الاحتياج إلى الله سبحانه وتعالى، في توقف بقاء حياتهما على ذلك.
فهو سبحانه وتعالى يبيِّن لنا نعمته علينا، حينما يقول: {وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ}[الأنعام:14]، ضعفنا وافتقارنا إليه، وأنه سبحانه وتعالى هو الغني، القدير، الذي لا يحتاج إلى ما نحتاج إليه وتحتاج إليه مخلوقاته.
- يقدم لنا السيد عبدالملك جزئية شرح آيات الطعام الواردة في القرآن الكريم باعتبار الانسان محتاج للطعام للقاء على قيد الحياه وبالتالي حاجته لله وكذا فيما رد الله به على الدعوة الباطلة للنصارى في قصة عيسى عليه السلام . . هكذا تحدث الدكتور نضال .
الإنسان يعتمد في غذائه وطعامه على مصدرين أساسيين:
المصدر النباتي، وهو يأخذ مساحة كبيرةً من غذاء الإنسان، النباتات، مثل: أنواع الحبوب، الحبوب تشمل: البر، الشعير، الذرة... وغير ذلك أنواع كثيرة جداً، وكذلك الخضروات الفواكه، وأنواع كثيرة جداً، البقوليات... مساحة واسعة من غذاء الإنسان هي من النباتات.
والمصدر الآخر هو: المصدر الحيواني: الأنعام، والطيور، مثلاً: الدجاج... ونحو ذلك.
وما يحصل عليه الإنسان منها، مثلاً: الحليب، البيض... وما أشبه ذلك، المصدر الحيواني، الذي هو: الأنعام، الأبقار، الأغنام، الماعز، الإبل
هي تعتمد على النباتات لكي تبقى على قيد الحياة، وكذلك بقية الأشياء منها مما يستفيد منه الإنسان في غذاءه، الدجاج مثلاً، يحتاج كذلك إلى الغذاء، فيعتبر المصدر النباتي هو المصدر الأساسي؛ لأنه حتى المصدر الحيواني يحتاج إليه، فهو يصل إلى الإنسان المصدر النباتي حتى بواسطة الحيوان، الذي هو مما أحلَّه الله سبحانه وتعالى كالأنعام.
ولـذلك في هذه المسألة: في مصادر الغذاء للإنسان، الإنسان عليه من خلال التأمل أن يدرك أن هذه نعمة كبيرة من الله؛ لأن الإنسان قد يتجاهل كل المراحل ما قبل وصول غذائه إليه. لكي يصل إليك القرص من الخبز على مائدة طعامك، أو طبق الأرز، أو طبق الإدام من البقوليات... أو غيرها، ما قبل ذلك هناك عمليات متعددة، ومراحل متنوعة، وهناك حركة للكون من حولك (الأرض، الشمس، القمر... وغير ذلك)؛ ولهـذا يلفت الله نظرنا في القرآن الكريم إلى ذلك، فيقول سبحانه وتعالى: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ}[عبس:24-32]، (الأب): المرعى للأنعام، فنجد في هذه الآيات المباركة كم كان هناك من عمليات في إطار تدبير الله ونعمه، وكم كانت هذه العمليات أساسيةً في أن يتوفر لك هذا الطعام وهذا الغذاء، في مقدمة ذلك: قوله تعالى: {أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا}[عبس:24]، كما قلنا: المصدر الأساسي لغذاء الإنسان هو النباتات.
النباتات، في مقدمة ما تحتاج إليه هو الماء، إذا أردنا أن نتحرك مثلاً في النشاط الزراعي، أو أردنا أن نحصل على النباتات، لابدّ من الماء، الماء شيءٌ ضروريٌ للزراعة، ولحياة الأشجار والنباتات، ويأتي هنا نعمة الماء، نعمة المطر، نعمة الغيث، وهي نعمة عظيمة وأساسية، هذه النعمة من الله سبحانه وتعالى،
- يعدد لما السيد عبدالملك مصادر طعام الانسان وغذاءه ويلتفت انتباهنا لاهمية معرفة نعمة الطعام ومراحلها وانواعها في إطار تدبير الله عز وجل ونعمته على الانسان . . هكذا تحدث الدكتور احمد .
كذلك بالنسبة للنباتات، هي تنقل لنا فيها من التربة العناصر اللازمة التي يحتاج إليها جسمنا، يحتاج إليها جسم الإنسان في نموه، وفي ترميمه، وفي طاقته؛ لأن الله أودع في التربة نفسها العناصر التي يحتاج إليها الجسم؛ لأن الإنسان أصله من التراب، فهو من خلاصة العناصر الموجودة في التربة نفسها؛ ولـذلك يتغذَّى منها، وتصل إليه عبر النباتات، وهناك في خلق الله وتدبيره ما هيأ ذلك: أن تنتقل العناصر من التربة والماء، إلى النباتات، من النباتات تصل إلينا، من خلال الفواكه، من خلال البقوليات، من خلال الخضروات... وغير ذلك، فتصل إلى الجسم، ويستخلصها الجسم، ويتغذى منها: منها ما يساعده على نموِّه، منها ما يفيده في ترميمه، منها ما يحتاج إليه طاقة، طاقة لنشاطه، لقدرته، لحركته، لقوته، وهذه نعمةٌ عجيبةٌ من الله سبحانه وتعالى.
- يشرح السيد عبدالملك مراحل نعمة الطعام بطريقة علمية منهجية ... هكذا تحدث حازم .
الله أحلَّ لنا الطَّيِّبَات، الطَّيِّبَات- كما قلنا- قائمة واسعة جداً، ومتميزة، كل الأغذية التي أحلَّها الله للإنسان من أنواع طعامه، ذات منظر جميل في شكلها، ليست بشعة المنظر، بشعة الشكل، بحيث يتقزز الإنسان وينفر عندما يشاهدها، في مذاقها- في الأغلب- مذاق متنوع، ومذاق يناسب الإنسان
فيما يتعلق أيضاً بالمذاق الذي يرتاح له الإنسان، مثلاً: مذاق الفواكه، مذاق يتلذذ به الإنسان، ويرتاح به الإنسان... إلى غير ذلك؛ ثم فيما هيئه الله فيها من سلامتها من المضار؛ لأن هذا من ميزة الطَّيِّبَات: أنها في أصلها سليمة من المضار؛ إلَّا إذا لوثها الإنسان كما قلنا، أو هناك عامل آخر لدى الإنسان أعاقه عن الاستفادة منها، في وضعه الصحي أحياناً.
فهو يأخذ مساحة كبيرة في حياة الناس، فيما يتعلق بالجانب المعيشي، بالجانب الاقتصادي، بالحركة التجارية والصناعية، بالاهتمام فيما يتعلق أيضاً بجوانب أخرى عملية، يُشَغِّل اليد العاملة، كم يشتغل من البشر؟ مليارات في هذا المجال: مجال إنتاج الطعام، يأخذ مساحة واسعة في حياة الناس، ثم- في نهاية المطاف- يأتي هذا الغذاء إلى مائدتك، بعد مراحل طويلة، وأعمال كثيرة، وعمليات متنوعة، شملت حركة الأرض والكون من حولك؛ فهي آية، وهي نعمة عجيبة.
- هل تستمعون كيف يقدم لنا السيد عبدالملك مراحل نعمة الطعام والغذاء للانسان بطريقة تعليمية باعتبارها آية ونعمة من نعم الله علينا . . هكذا تحدث صلاح .
ولهـذا هناك تذكيرٌ واسعٌ في القرآن الكريم، بنعمة الله علينا، في غذائنا، وفي رزقنا، وفي طعامنا، وما أنبته لنا، ويأتي التذكير في القرآن الكريم بهذه النعمة في سياقات متعددة، نشير إلى بعضٍ منها باختصار.
يقول الله سبحانه وتعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[الأنعام:99]، وفعلاً آيات كثيرة جداً:
آيات في معرفة الله سبحانه وتعالى: ترى مظاهر قدرته، مظاهر علمه، مظاهر رحمته، وكرمه، وفضله، وإبداعه... وغير ذلك.
آيات في أن الله سبحانه وتعالى كما رعانا بهذه الرعاية، في جوانب أساسية في حياتنا: طعامنا وغذائنا، فهو لن يتركنا فيما يتعلق بالهداية التشريعية، بالهداية لنا في نظم مسيرة حياتنا؛ لأنه جانب إذا لم يَصْلُح، يُخَرِّب علينا بقية حياتنا، وبقية شؤون وأحوال حياتنا.
- يعيدنا السيد عبدالملك القرآن الكريم الذي يذكرنا بنعمة الله عز وجل في غذائما ورزقنا وطعامنا ، كما يعدد لنا آيات الله في مظاهر قدرته وعلمه وهدايته لتنظيم مسيرة حياتنا . . هكذا تحدث منير .
الماء هو نعمةٌ عظيمة، وهو ضرورةٌ محتومةٌ لحياة الإنسان، كذلك يعني يتوقف بقاؤك على قيد الحياة على شربك للماء، والحيوانات كذلك الأخرى، فهو نعمةٌ وأساسٌ لنعمٍ كثيرة، تتفرَّع عنه، واستخداماته- كما قلنا- واسعة.
الماء، جعله الله سبحانه وتعالى، في خلقه له، في عنصره وشكله، بالشكل المستساغ جداً للإنسان، يعني: سائل مميَّز عن بقية السوائل، وهذه مسألة واضحة للإنسان: أن الماء مُتَمَيِّز عن كل السوائل الأخرى، وهو مستساغٌ جداً للإنسان، ولجسمه، يشربه الإنسان بارتياح يعني، مذاقه، أصله، شكله، مقبولٌ لدى الإنسان، وينسجم معه؛ بل وحتى منظره، منظره والماء- مثلاً- ينزل بشكل مطر، أو أنهار، أو في آبار... أو غير ذلك.
- انتهت المحاضرة وجميعهم مندهشين من قدرة السيد عبدالملك على تقديم الايات الكريمة بهذا الطرح التعليمي المنهجي الذي يجعل من المتابع يدرك عظمة نعمة الله عليه .