إحياء التراث والاقتصاد المعرفي
تاريخ النشر: 24th, March 2025 GMT
حظي موضوع التراث باهتمام في منظومة الفكر العربي امتد حتى ظهور الاقتصاد المعرفي، حيث تباينت آراء المفكرين والمثقفين والكتّاب بشأن التراث، ورغم أهميته في تكوين الهوية العربية والإسلامية، فإنه واجه جدلا من حيث القبول والرفض والانتقاء في مدى الاستفادة منه كانطلاقة لازدهار اقتصاد المعرفة أو انتقاء لبعض مكوناته في النهضة الحضارية حتى أسلوب التفاعل معه ما زال في نقاش مستمر؛ بسبب تعددية طرق قراءته، واستمرار اكتشاف مضامينه، إضافة إلى النتائج التي يضيفها الباحثون على الدراسات والبحوث في مجال التراث، ما زال الموضوع بحاجة إلى عمق تحليلي وإن كان أشبع نقاشا في السنوات الماضية من حيث الاشتغال على دمج التراث في تكوين الهوية التي ينبغي ألا يحيد عنها الفرد عند تفاعله مع الأحداث المحيطة به بالواقع الذي يعيشه وتوظيف التراث أيضا في استشراف المستقبل عبر استخدام آليات ومنهجيات محدّثة تتوافق مع المعطيات الحالية والمتغيرات المتوقعة مستقبلا، وتتناسب مع تعاليم الدين الحنيف.
في سلطنة عُمان يمثّل قطاع التراث إحدى الركائز المهمة في تعزيز الهوية الوطنية عبر بذل جهود كبيرة للاستثمار في التراث الثقافي من خلال سعي المحافظات لترميم القلاع والحصون والمواقع الأثرية للاستفادة منها في الاقتصاد المعرفي وصولا إلى اقتصاد مستدام يلبي تطلعات أفراد المجتمع ويسهم في توفير فرص عمل للباحثين عن عمل مساهما بذلك في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ومستفيدا من الميزة التنافسية النسبية لكل محافظة في سلطنة عُمان، وتعد محافظة الداخلية أحد النماذج الجيدة في إحياء التراث والمساهمة في الاقتصاد المعرفي عبر إنفاق نحو 4 ملايين ريال عُماني في تطوير المواقع الأثرية والمواقع التراثية التي باتت مقصدا للزوار والسيّاح من داخل سلطنة عُمان وخارجها، فإحياء التراث لا يقتصر على المساهمة في تعزيز الاقتصاد المعرفي ورفع مساهمته وحسب، بل يتعدى ذلك إلى مرحلة إعداد رؤية متكاملة للأجيال لضمان غرس الهوية الوطنية ودمجها وتأصيلها في المجتمع وأفراده؛ لتكون البوصلة الموجهة للنهضة الحضارية في حال الاهتمام بالتراث الثقافي واستثماره، «يقول الدكتور عبدالسلام رياح في كتابه التراث وأثره في بناء الحاضر وإبصار المستقبل بأن هناك ثلاثة مواقف ينتهجها البشر للتعامل مع التراث وهي الانتظام والقطيعة والانتقاء، لكنه تبنى وجهة النظر التي تشترط التراث للنهوض بالأمة، شريطة دراسته جيدا وتوظيف نتائج الدراسة في استشراف المستقبل»،
ومع توسّع الاهتمام بالتراث خاصة في سلطنة عُمان من حيث حمايته واستثماره وإدارته، ظهر مصطلح اقتصاديات التراث؛ بهدف توظيف مفهوم الاقتصاد في التراث وتعظيم الاستفادة منه من خلال المبادرات والابتكارات التي تعزز من الاستثمار الثقافي، ومفهوم اقتصاديات التراث عموما يستهدف الرؤية الاقتصادية في كل مرحلة من مراحل المورد التراثي؛ لضرورة التخطيط والتحليل المالي والتنبؤ بالنتائج المستقبلية التي بلا شك ستساعد على إشراك التراث في التنمية المستدامة.
أحد التوجهات الوطنية التي ستسهم بلا شك في تنمية الاقتصاد المعرفي بسلطنة عُمان هو الاشتغال على السياحة التراثية التي تمثّل جزءًا من اقتصاديات التراث عبر الاستثمار في القلاع والحصون والنزل التراثية مثل قلعة الميراني في ولاية مطرح وإعادة استخدام النزل التراثية بولاية نزوى لاستقبال الزوار والسياح، وكذلك الاستفادة من المقومات التراثية والثقافية التي تزخر بها مختلف ولايات سلطنة عُمان، ورغم قلة الحديث عن اقتصاديات التراث، فإنه يحوي فرصا كبيرة في التنمية الاقتصادية سواء عبر توظيف أدوات الاقتصاد المعرفي أو مساهمته المباشرة في التنويع الاقتصادي؛ كونه إيرادا ماليا مستداما مجزيا مقارنة بحجم الإنفاق عليه، أو أيضا من حيث الفرص المعرفية التي يوفرها اقتصاديات التراث من خلال ترسيخ الثقافة المجتمعية عبر إقامة الفعاليات والمناشط المختلفة في المواقع الأثرية والنزل التراثية التي غالبا ما يرافقها معرض يحوي ماضيا عريقا من التحف والمقتنيات الأثرية، كذلك سيؤسس قاعدة اقتصادية صلبة لتعزيز اقتصاديات التراث في الاقتصاد الوطني عبر توفير مزيد من فرص العمل في عدة تشكيلات إدارية وتخصصية مثل إدارة الموقع التراثي الذي يضم العمليات الإدارية من تخطيط وتنسيق، إضافة إلى التمويل مع ضرورة وجود قسم خاص بإدارة المخاطر المحتملة التي تضمن بدورها تطبيق الأطر والجوانب الاقتصادية بفاعلية بحيث تضمن تعظيم الفوائد الاقتصادية الناتجة عن الاستثمار التراثي الثقافي الداعم مباشرة للسياحة؛ للفرص الاقتصادية التي يوفرها قطاع التراث للقطاع السياحي.
ما تقوم به وزارة التراث والسياحة في سلطنة عُمان من اهتمام بترميم المواقع الأثرية ورفع كفاءتها وتطوير النزل التراثية، بلا شك كان له دورٌ في تنمية اقتصاديات التراث وساعد في تعزيز السياحة الداخلية التي تشهد نشاطا منذ سنوات بفضل تطوير المزارات السياحية، ويحدونا الأمل أن تحذو بقية محافظات سلطنة عُمان حذو محافظة الداخلية في إحياء التراث والمساهمة في الاقتصاد المعرفي بفاعلية أكبر؛ لما تملكه مختلف المحافظات من مقومات داعمة لإحياء التراث وتنمية اقتصاديات التراث.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الاقتصاد المعرفی فی الاقتصاد من حیث
إقرأ أيضاً:
عسير.. القرى التراثية تتألق بفعاليات رمضانية تعكس الهوية الوطنية
في ليالي شهر رمضان، يستمتع أهالي وزوار منطقة عسير بالتجول في القرى التراثية وقضاء أوقات جميلة، والاستمتاع بالأمسيات الرمضانية والفعاليات والأنشطة المتنوعة.
وتكتنز القرى التراثية في منطقة عسير إرثًا تاريخيًا وثقافيًا تحكيه حصونها وقلاعها ومساجدها، من خلال فنون الطراز المعماري الفريد الذي يشكل جزءًا أساسيًا من الهوية الوطنية لتصبح وجهة سياحية.
أخبار متعلقة سوق "فوانيس مكة".. تجربة فريدة لقضاء ليالٍ رمضانية مبهجةصور.. اكتشاف كائنات دقيقة حفرت أنفاقًا في صخور قبل مليوني عامالأمر الذي أعطى ملاك الدور والقصور في تلك القرى فرصةً لاستثمارها وتحويلها إلى نزل ريفية ومطاعم تقدم الأكلات والمشروبات الشعبية الخاصة بالمنطقة.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } القرى التراثية في عسير تنبض بالحياة والأمسيات الرمضانية - واسمسامرات رمضانيةوتميزت بعض القرى بإقامة الندوات والمحاضرات والمسامرات الرمضانية المتنوعة لعدد من المهتمين والمتخصصين بالموروث الثقافي، والعادات والتقاليد الاجتماعية، وتاريخ المنطقة وهويتها.
وكذلك خصصت متاحف ومعارض للموروث الشعبي التقليدي من الصناعات التقليدية، والحرف اليدوية، وأدوات الزراعة قديمًا.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } القرى التراثية في عسير تنبض بالحياة والأمسيات الرمضانية - واس