الدراما العربية تحت المجهر.. حين يُشوه الواقع
تاريخ النشر: 24th, March 2025 GMT
في السنوات الأخيرة، تصاعدت موجة نقد واسعة تجاه المحتوى الدرامي المعروض في العالم العربي، وكان لقنوات كبرى مثل MBC النصيب الأوفر من هذا النقد باعتبارها الأكثر انتشارا وتأثيرا.
لكن الحقيقة أن الانتقادات لم تقتصر على MBC وحدها، بل طالت أيضا الدراما المصرية والخليجية، التي باتت في مجملها تدور في فلك واحد إثارة بلا مضمون، صراع بلا قيمة وانفصال تام عن نبض المجتمع الحقيقي.
دراما لا تعكس الواقع.. .بل تشوهه
ما يعرض على الشاشات لم يعد يمثل مجتمعاتنا، بل يشوهها.
في الدراما المصرية الأسر مفككة، الخيانة قاعدة القيم غائبة، والشارع بلا ضوابط
في الدراما الخليجية شخصيات إما غارقة في الثراء والتناقض، أو تعيش نمطا حياتيا مستوردا لا يمت بصلة لواقع الشعوب الخليجية المحافظة.
وفي إنتاجات MBC عموما يتكرر نفس القالب.. .دراما تحاكي الشكل الغربي. لكن دون روحه، ولا تقدم أي طرح يعكس الهوية أو يعبر عن القضايا.
النتيجة مجتمعات تشاهد نفسها على الشاشة ولا تعرفها.
تغييب الطبقة المتوسطة.. .وتكريس صورة منحرفة للمجتمع
رغم أن الطبقة المتوسطة تمثل عماد المجتمع العربي، إلا أنها غائبة تماما عن المشهد الدرامي:
لا ترى معلما يكافح.
لا طبيبا يواجه التحديات.
لا أسرة بسيطة تتمسك بالقيم رغم الضغوط.
بل تقحم في عوالم الشذوذ والانفلات والانهيار، في رسالة ضمنية خطيرة تقول: " هكذا أصبحنا"، في حين أن الواقع، وإن لم يكن مثاليا، ليس بهذا القبح والخراب.
القضايا القومية.. .الغائب الأعظمفي الوقت الذي تتعرض فيه غزة لمجازر يومية، لم نر عملا دراميا واحدًا يُجسد ما يحدث. لا مسلسل لا مشهد، ولا حتى حوار جانبي. القضية الفلسطينية، التي كانت يوما ما حاضرة في وجدان الأمة، أصبحت مغيبة عمدًا، كأنما هناك تعليمات واضحة بعدم التطرق لها.
ليس هذا فحسب، بل غابت أيضا أي قضايا قومية أو عربية من على الشاشة، ليحل محلها
التفاهة.
الإسفاف.
الانفصال عن الواقع العربي العام.
غياب الدراما الدينية.. .وتفريغ الساحة من القيمرمضان كان في السابق موسمًا للدراما الدينية التي تعلم وتربي وتقدم قدوة. أما اليوم، فقد اختفت تماما، وكأن هناك قرارًا غير معلن بإبعادها، وترك الساحة لمضامين خالية من الروح أو المعنى.
غياب هذه الدراما لا يفرغ الشاشة فقط بل يفرغ وجدان الأجيال.
الإخوان.. .الرسالة غير المباشرة والأخطروسط هذا الانهيار الأخلاقي المصطنع الذي تقدمه المسلسلات، يظهر الخطر الأكبر ترسيخ قناعة في اللاوعي الشعبي بأن الانحراف هو نتيجة غياب الجماعات الإسلامية المتشددة عن الساحة.
وهذا يعيدنا إلى التاريخ.. ..
درس من عام 1928.. .متى ظهر الإخوان ولماذا؟بعد سقوط الخلافة الإسلامية بأربع سنوات فقط، ظهرت جماعة الإخوان في الإسماعيلية، تحت ستار محاربة الفساد الأخلاقي"، و"التصدي للشيوعية".
لكن الحقيقة كانت مختلفة
ظهرت الجماعة تحت رعاية الاحتلال الإنجليزي.
كانت أداة سياسية لمنع عودة الخلافة التي كانت تهدد الغرب.
واستخدمت لضرب الأحزاب الوطنية التي كانت تزعج الاستعمار.
ما حدث وقتها هو استخدام خطاب أخلاقي " لاستدعاء تنظيم وظيفي"، يخدم أجندات معادية.
واليوم، حين تظهر الدراما أن المجتمع فاسد أخلاقيا بلا أي مواجهة أو نماذج إصلاحية، فإنها ربما دون وعي - تمهد نفسيا لعودة هذا الخطاب، أو أحد فروعه.
أين دراما الإنجاز؟ أين دراما الدولة؟
في وقت تشهد فيه مصر إنجازات ضخمة من مشروعات قومية إلى تطوير بنية تحتية ونجاحات دبلوماسية
لا تجد هذه الإنجازات طريقها إلى الدراما، ولا حتى على شكل قصص إنسانية واقعية.
زمن عبد الناصر كان الإعلام يجند الفن لخدمة الدولة.
اليوم، تبدو الدولة بلا أدوات ثقافية توازي نجاحاتها، في ظل غياب التوجيه الإعلامي، أو ربما
حين تغيب القيم، وتهمش القضايا، وتشوه صورة المجتمع، وتغيب القدوة، فإننا لا نصنع فنا.. .. بل نصنع بيئة خصبة للتطرف
انا اتذكر مشاهدة فيلم للفنانة المصرية شادية بتمثل دور صحفية ويدور الفيلم حول انجاز بناء المساكن الشعبيه في عهد ناصر هل شاهدنا أي فيلم او مسلسل عن المشاعر الإنسانية لهذا المجتمع الجديد الذي انتشلته الدوله من العشوائيات لتكوين مجتمع جديد متحضر وكيفيه استمرار النهوض به في النهاية.
لسنا ضد الفن، بل ضد الفن الذي يستغل لتدمير الوعي.
لسنا ضد الترفيه، بل ضد أن يصبح الترفيه ستارا لتغييب العقل.
ولسنا ضد الاختلاف، بل ضد أن يتحول إلى بوابة لتمرير الفتنة تحت ستار "الواقعية".
في خضم هذا الجدل المؤسف أن بعض الإعلاميين الذين يفترض أنهم أصحاب خبرة وصوت مسؤول، سقطوا في فخ الانفعالات الغير محسوبة سواء بالقاء الاتهامات الباطلة والدفاع الأعمى.
وقد تابعنا كيف خرج أحد الإعلاميين المحسوبين على MBC مصر، بنبرة لا يمكن وصفها إلا بأنها صبت البنزين على النار، حين قال إن القناة يمكنها أن تفعل وتسوي"
هذا ليس دفاعا عن مؤسسة، بل هو إشعال للفتنة بدلا من إطفائها.
وهو أسلوب لا يليق باعلامي عربي يفترض أنه يدير حوارًا عقلانيا في لحظة توتر
فقد وضع القناة في موضع الاتهام رغم ان المسلسلات مصرية والممثلين مصريين وجميع عناصر العمل مصرية هم الاجدر ان يعاتبوا أو حتى توجه اليهم الاتهامات باعتبارهم فنانين دراما عليهم مسؤوليات و رسالة تجاه المجتمع والوطن؟
تذكر هؤلاء بأن الإعلام ليس ساحة تصفية حسابات، ولا مساحة للتهديد والوعيد، بل هو أداة بناء، ولغة تهدئة، وجسر تواصل بين الشعوب والدول.
فن الدراما.. .رسالة ضائعة تحتاج إلى استعادة
الدراما ليست مجرد وسيلة ترفيه عابرة هي أداة لصناعة الوعي، وبناء الانتماء، ونقل القيم. منذ نشأتها، كانت رسالة فن الدراما أن تعبر عن الإنسان، تحاكي صراعه، وترشد المجتمع نحو الأفضل.
لكن حين تتحول إلى أداة للكسب السريع و تشويه الواقع، وتكريس الانحراف، وتغييب القيم فإنها لم تعد دراما ولا يصح ان يوصف ما يقدم انه ابداع.. .بل أصبحت أداة هدم ناعمة.
ما نشهده اليوم من إنتاجات، بدل أن يعالج مشكلات المجتمع يرسخها. وبدل أن يقدم قدوة يصدر الانحراف كنموذج. وبدل أن يوحد الشعوب حول قضاياها، يغيبها في صراعات وهمية. والأخطر من ذلك أن الموضوع لم يتوقف عند تشويه الواقع فقط، بل تعداه إلى محاولات خبيثة لافتعال وقيعة بين بلدين أشقاء
فما وجه من انتقادات لاذعة واتهامات مغرضة لـ MBC مصر، لم يكن فقط انتقادًا لمحتوى، بل محاولة لزرع الفتنة والتشكيك في نوايا السعودية تجاه مصر والإيحاء بأن هناك رغبة في "إفساد المجتمع المصري"، وهو على خلاف الحقيقة تماما.
العدو يتربص بنا ولا يترك شاردة أو واردة إلا ما يحاول استغلالها لإثارة الفتنة بين الدول العربية وإذا لم ننتبه لذلك، فإننا نكون قد تركنا له الساحة ليعيد إنتاج نفس سيناريوهات التفكك، ولكن هذه المرة بأدوات ثقافية ناعمة.
اقرأ أيضاًالرئيس والدراما
«عمرو الليثي»: رؤية الرئيس السيسي استراتيجية واضحة للنهوض بالدراما
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: العالم العربي المحتوى الدرامي
إقرأ أيضاً:
"أخاف على الذوق العام".. السيسي يتحدث عن أزمة الدراما المصرية
أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن تصريحاته بشأن أزمة الدراما المصرية لا تعني المنع أو فرض قيود، بل تهدف إلى الارتقاء بالمحتوى الفني للحفاظ على الذوق العام، مشيراً إلى أن الدولة تعمل على مراجعة صناعة الفن في ظل التحولات التي شهدها المجال خلال العقود الأخيرة.
وخلال كلمته في احتفالية المرأة المصرية والأم المثالية، أوضح الرئيس السيسي أن الدراما المصرية كانت في الماضي صناعة ذات أهداف واضحة، إذ كانت الدولة تساهم في الإنتاج التلفزيوني بشكل مدروس، بالاعتماد على رؤية علمية وضعها متخصصون في الإعلام وعلم النفس والاجتماع، بهدف تأثير إيجابي على المجتمع وصياغته ثقافياً وفكرياً.
وأضاف: "لكن مع مرور الوقت، وتحديداً خلال الأربعين عاماً الماضية، حدثت تحولات كبيرة أدت إلى زيادة الأعباء على التلفزيون الحكومي، مما جعله غير قادر على أداء هذا الدور كما كان سابقاً، فتحولت الدراما من صناعة ذات أهداف ثقافية إلى تجارة تبحث عن الربح".
بين الدعم والانتقادات.. اعتزال محمد سامي يثير تفاعلاً - موقع 24أثار قرار المخرج المصري محمد سامي باعتزال العمل في الدراما، ردود فعل واسعة عبر منصات التواصل الاجتماعي، وانقسمت الآراء بين الفرح والحزن بهذا القرار.
وأشار السيسي إلى أن تحقيق الأرباح لا يجب أن يكون على حساب جودة المحتوى الفني، مؤكداً أن هناك إمكانية للجمع بين تحقيق المكاسب المالية وتقديم أعمال راقية تعكس القيم الإيجابية في المجتمع، مضيفاً: "أنا خايف على الذوق العام للمصريين"، موضحاً أن ما يُعرض على الشاشة له تأثير بالغ على تشكيل وعي الأفراد وسلوكهم.
ولم يكن حديث الرئيس المصري مقتصراً على الدراما فقط، بل أشار إلى أن الإعلام، والمسجد، والكنيسة، والمدرسة، والجامعة، والأسرة كلها عوامل تتداخل في تشكيل وعي المجتمع، مشيراً إلى أن أي تشدد ديني في المسجد أو الكنيسة، أو تطرف فكري في الإعلام والفن، ينعكس سلباً على المجتمع بأسره، مما يستدعي توازناً دقيقاً في جميع هذه المجالات.
كما لفت السيسي إلى أن تكلفة صناعة الدراما في مصر قد تصل إلى 30 مليار جنيه سنوياً، مؤكداً أن تأثير هذه الصناعة على المجتمع يتجاوز بكثير هذه الأرقام، وأنه يمكن استثمار هذه الميزانيات في مجالات أخرى أكثر نفعاً للدولة والمجتمع.
هل يتوقف عرض "سيد الناس"؟.. بلاغ رسمي ضد صُنّاعه بتهمة ازدراء الأديان - موقع 24يواجه مسلسل "سيد الناس" للفنان عمرو سعد أزمة قانونية بعد تقديم بلاغ رسمي للنائب العام المصري، يتهم صُنّاع العمل بازدراء الأديان، مما أثار حالة من الجدل الواسع في الأوساط الفنية والإعلامية.
وفي محاولة لطمأنة العاملين في المجال الفني، قال الرئيس السيسي: "عاوز أطمن اللي بيسمعني، إننا لما بنطرح موضوع ميخوفش حد، لأن اللي هيعمل الصح دلوقتي هما نفس الناس اللي شغالين في المجال، سواء المخرجين أو الممثلين أو الكُتاب".
مسؤولية مشتركة لصنّاع الفنوأكد أن المسؤولية تقع على عاتق صنّاع الفن، مشيراً إلى أهمية التوعية بالمحتوى المقدم للجمهور، خاصة في ظل التأثير القوي للدراما على حياة الأفراد، لا سيما النساء والأطفال.
وفي ختام حديثه، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي على أن الهدف ليس فرض رقابة صارمة أو منع الأعمال الدرامية، بل إيجاد توازن يضمن تقديم محتوى يساهم في النهوض بالمجتمع دون المساس بحرية الإبداع.
التوازن بين الإبداع والمسؤوليةوأكد أن الفن يمكن أن يكون وسيلة قوية للتغيير الإيجابي إذا تم استغلاله بشكل صحيح، مضيفاً: "يجب أن يكون هناك وعي حقيقي بأهمية الرسائل التي تقدمها الدراما، لتحقيق التأثير الإيجابي الذي نطمح إليه".