سياسة إسرائيل الداخلية تقضي على «وقف إطلاق النار» في غزة
تاريخ النشر: 24th, March 2025 GMT
سعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى تحميل حماس المسؤولية في استئناف إطلاق النار في غزة، وذلك في 18 مارس، حيث استشهد أكثر من 400 فلسطيني، واستأنف ذلك في تصريح تحذيري قائلًا: «إنها مجرد بداية»، والحقيقة أن العنف المتجدد نابع في الأساس من السياسة الداخلية الإسرائيلية، وهناك يمكن العثور على جذور العنف.
ومع دخول المرحلة الثانية من هدنة وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في شهر يناير الماضي، أشار عدد من الخبراء في الشأن الإسرائيلي والباحثين، وأنا واحد منهم، إلى أن هناك مشكلة من الصعب حلها، تتمثل هذه المشكلة في خطة الانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية من قطاع غزة، وذلك مقابل إطلاق سراح كافة الرهائن الإسرائيليين المتبقين لدى حماس. وتكمن المشكلة في أن تلك الخطة تعد محبطة لليمين المتطرف الإسرائيلي، الذي يعتمد عليه نتنياهو للاستمرار في سياسته وبقائه في قيادة القرار، كما أن الانسحاب يتعارض مع «الأيديولوجيات المتطرفة» التي يتبناها الأعضاء الرئيسيون في حكومة نتنياهو، ومنهم عدد من أعضاء حزبه المعروف بـ«الليكود»، الذين يحتفظون بموقف ثابت وبشكل علني، وهو بقاء السيطرة الإسرائيلية على قطاع غزة وتهجير أكبر عدد من سكانها، لذلك، لقيت خطة دونالد ترامب، المتمثلة في إخلاء غزة بالكامل لإقامة مشروع ضخم بقيادة بلاده، ترحيبًا كبيرًا من حكومة نتنياهو.ومن وجهة نظري، كخبير في التاريخ الإسرائيلي وأستاذ لدراسات السلام، أعتقد أن طموح اليمين المتطرف في مصير غزة بعد الصراع لا يتوافق مع خطة وقف إطلاق النار، وهذه الطموحات تتشاركها حكومة نتنياهو، وفي المقابل، تتوافق خططهم بشكل كبير مع بعض المسؤولين في الإدارة الأمريكية الحالية، وهي الدولة التي ترى نفسها من قادت هدنة وقف إطلاق النار، كما أنها الدولة الوحيدة القادرة على إلزام حكومة نتنياهو بتنفيذ شروطها.
يرى بعض المحللين أن حماس مسؤولة عن التأخر في إطلاق سراح الرهائن، إلى جانب اتهامها بالتلاعب أثناء المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار، فضلًا عن وصف البعض لعمليات إطلاق سراح الرهائن بأنها مجرد مسرحية دعائية، الأمر الذي أزعج عائلات الأسرى والإسرائيليين عمومًا.
ولكن من وجهة نظري، فإن استئناف إطلاق النار ووقف الهدنة يرجع في المقام الأول إلى التيارات الإسرائيلية الداخلية، والتي هي مسؤولة عن العنف حتى قبل أحداث السابع من أكتوبر - تلك الأحداث التي أشعلت أكبر مواجهات العنف بين الفلسطينيين والإسرائيليين منذ عام 1948، ويرجع ذلك إلى السياسة الداخلية الإسرائيلية بسبب سياسة نتنياهو التي ترمي إلى تحويل النظام نحو مزيد من الزيادة في السلطتين التنفيذية والتشريعية، مع إضعاف السلطة القضائية، فمنذ يناير 2023، بذلت حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة جهودًا كبيرة لضم المؤسسات المستقلة إليها، منها مكتب النائب العام وجهاز الشرطة، لجعلها أذرعًا تابعة لها.
كما عمل نتنياهو جاهدًا خلال عام 2023 على إجراء إصلاحات في القضاء الإسرائيلي، إلا أن ذلك واجه احتجاجات كبيرة استمرت طويلًا اعتراضًا على جهوده.
ثم جاءت أحداث السابع من أكتوبر 2023، ورأى عدد من السياسيين الإسرائيليين أنها فرصة لإثبات الوحدة الوطنية الإسرائيلية، أي الوحدة بين الحكومة والشعب، والاتفاق الجمعي على إمكانية إعادة النظر في تنفيذ ما يمكن اعتباره «انقلابًا قانونيًا»، ولكن حكومة نتنياهو كانت لها خطط أخرى.
فبعد الفشل الذي حدث في صفقة الرهائن الأولى في نوفمبر 2023، تساءل الإسرائيليون عمّا إذا كانت حكومة نتنياهو مستفيدة من إطالة مدة الحرب، وذلك بسبب التيار اليميني المتطرف الذي يحتمي به نتنياهو، مما يصب في صالحه لتنفيذ خططه، ومنها استئناف الهجوم «للقضاء على حماس».
ولم أذكر ما سبق اعتباطًا، بل وفق قواعد متينة، فقد تم توجيه اتهامات إلى نتنياهو في نوفمبر من عام 2019 بخيانة الأمانة والتحايل والفساد الإداري، لذلك يسعى إلى إجراء إصلاحات في القضاء، وأتاحت له الحرب منذ 2023 تضليل منطق الإجراءات القضائية، فهو يحاكم بينما تعيش دولته حربًا، فالتهم لا تزال قائمة ولا يزال القضاء يلاحقه، لكن استئناف الحرب يعني مرة أخرى تمديد أمد المماطلة في المحاكمة.
وفي الوقت نفسه، فإن الحرب التي يقودها نتنياهو تمثل له حجة قوية لكتم أصوات بعض من أشد المنتقدين له في الحكومة الإسرائيلية، فمنذ بداية أحداث السابع من أكتوبر، أقال نتنياهو وبشكل منظّم ومدروس عددًا من الأعضاء المعروفين بمعارضتهم لسياسته من القيادات الأمنية والسياسية، وألقى عليهم اتهامات بأنهم السبب وراء هجمات السابع من أكتوبر ونتائج هذا الصراع، إلى جانب ذلك، تزايدت الإقالات في الأشهر الأخيرة، الأمر الذي يراه نتنياهو «تطهيرًا» لبقاء سياسته قائمة دون معترضين، ومن ذلك تغيير النائب العام جالي بهاراف، وإقالة رونين بار، رئيس الجهاز الأمني القومي «الشاباك»، الذي كان يقود تحقيقات كبيرة وحساسة في الشأن الإسرائيلي.
إن الانهيار الظاهري لوقف إطلاق النار يتزامن الآن مع تزايد الضغوط على نتنياهو من اليمين السياسي داخل ائتلافه الحاكم.
وفقًا للقانون الإسرائيلي، يجب على الحكومة الموافقة على الموازنة السنوية بحلول نهاية شهر مارس، وإلا ستواجه خطر الحل، مما يؤدي إلى انتخابات جديدة، لكن نتنياهو يواجه معارضة من بعض الأحزاب -المتدينة- فيما يتعلق بمسألة التجنيد الإجباري، فمنذ بداية الحرب، تصاعدت الضغوط الشعبية لإنهاء الإعفاء الذي يتمتع به الرجال المتدينون، والذين -خلافًا لبقية الإسرائيليين- لم يكونوا مجبرين على الخدمة العسكرية، غير أن الأحزاب المتدينة تطالب بعكس ذلك تمامًا، بتمرير تشريع يمنحهم إعفاءً رسميًا من الخدمة العسكرية.
لضمان تمرير الموازنة السنوية وتجنب الانتخابات، يحتاج نتنياهو إلى دعمٍ كافٍ، وإذا لم يأتِ هذا الدعم من الأحزاب المتدينة، فعليه تأمين تأييد أعضاء اليمين المتطرف في الائتلاف.
نتيجة لاستئناف الحرب، عاد حزب «عوتسما يهوديت»، وهو الحزب اليميني المتطرف الذي انسحب من حكومة نتنياهو في يناير احتجاجًا على اتفاق وقف إطلاق النار، إلى الائتلاف، وهذا التطور يمنح نتنياهو أصواتًا حاسمة لتمرير الموازنة، لكنه في الوقت نفسه يشير بوضوح إلى أن الائتلاف ليس لديه أي نية لتنفيذ المرحلة الثانية من خطة وقف إطلاق النار، والتي تتضمن الانسحاب من غزة، بعبارة أخرى، تم قتل الاتفاق من الداخل.
ولا يمكن تحميل السياسة الداخلية الإسرائيلية وحدها مسؤولية استئناف القتال، فهناك أيضًا تغير في موقف الإدارة الأمريكية، فقد كان انتقال الرئاسة من جو بايدن إلى دونالد ترامب عاملًا حاسمًا في توقيت اتفاق وقف إطلاق النار في يناير 2025، لكن يبدو أن الإدارة الأمريكية مترددة في إجبار نتنياهو على المضي قدمًا نحو المرحلة الثانية، فقد أدلى ترامب مؤخرًا بتصريحات توحي بدعمه لممارسة المزيد من الضغط العسكري على حماس في غزة، ومن خلال تحميل حماس مسؤولية استئناف الحرب، فإنه يمنح ضمنيًا تأييده لموقف الحكومة الإسرائيلية.
في الواقع، تمتلك حماس مصلحة كبيرة في تنفيذ الاتفاق، حيث يمنحها ذلك أفضل فرصة للبقاء في السيطرة على غزة، فضلًا عن تحقيق هدف سياسي يتمثل في نجاحها في تأمين الإفراج عن آلاف الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية.
إن الغالبية العظمى من الإسرائيليين تؤيد إنهاء الحرب، واستكمال تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، وتنحي نتنياهو.
وتشهد حركة الاحتجاج المناهضة للحكومة زخمًا متزايدًا مجددًا، كما يتضح من المظاهرات الواسعة في المدن الإسرائيلية ضد استئناف القتال في غزة، ومحاولة الإطاحة برئيس جهاز الأمن العام «رونين بار».
ونظرًا إلى أن الشعب الإسرائيلي وحكومته يسيران في اتجاهين متعاكسين، فإن استئناف القصف على غزة لا يمكن إلا أن يؤدي إلى تفاقم الأزمة الداخلية التي سبقت الحرب واستمرت في التمدد والتقلص منذ ذلك الحين.
لكن يبدو أن نتنياهو يراهن على استمرار الحرب، ويرى الاستمرار فرصته الأفضل للبقاء في السلطة واستكمال مشروعه لتغيير النظام السياسي في إسرائيل، وخصوصًا القضاء.
حاليًا، تواجه إسرائيل وضعًا غير مسبوق، حيث يمكن القول إن التهديد الأكبر لاستقرارها ينبع من داخلها، وتحديدًا من رئيس وزرائها نفسه.
آشر كوفمان أستاذ التاريخ ودراسات السلام في جامعة نوتردام
عن آسيا تايمز
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: السابع من أکتوبر وقف إطلاق النار حکومة نتنیاهو عدد من فی غزة
إقرأ أيضاً:
موقع واللا: مئات من جنود الاحتياط بالجيش الإسرائيلي يطالبون نتنياهو بوقف الحرب
#سواليف
دعا مئات #الجنود #الإسرائيليين في عريضتين جديدتين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين #نتنياهو إلى #وقف_الحرب على #غزة وإعادة #الأسرى، في أحدث فصول تصعيد الضغط على الحكومة داخل #الجيش_الإسرائيلي.
ونقل موقع “واللا” الإخباري الإسرائيلي أن الجنود قالوا في العريضتين إن نتنياهو يحرض ضد سلطات فرض القانون ويعرض أمن مسؤوليها للخطر ويحاول عرقلة التحقيقات في قضايا تتهمه ومقربين منه بالفساد.
وأضاف واللا أن مئات من جنود الاحتياط في وحدة السايبر الهجومي ومنظومة العمليات الخاصة ينضمون لدعوات وقف الحرب في غزة.
مقالات ذات صلة ما هو مرض (السقاوة) وهل هو مرض مهني.؟ الصبيحي يوضح 2025/04/15بدورها، قالت صحيفة يديعوت أحرونوت إن “أكثر من 200 من جنود و #محاربين_قدامى بسلاح البحرية يدعون لإعادة المخطوفين ولو مقابل وقف الحرب”.
وفي وقت سابق الثلاثاء، وقّع نحو 150 جنديا إسرائيليا خدموا في لواء غولاني عريضة تطالب بإعادة الأسرى المحتجزين في قطاع غزة، ولو كان الثمن وقف الحرب فورا.
ويُعد #لواء_غولاني من وحدات النخبة القتالية في الجيش الإسرائيلي، وشارك في معظم الحروب التي خاضها جيش الاحتلال منذ تأسيسه.
وخلال الـ48 ساعة الأخيرة، انضم آلاف الإسرائيليين العسكريين في الاحتياط والمدنيين من قطاعات مختلفة إلى الرسالة التي وقعها المئات من جنود الاحتياط في سلاح الجو من بينهم طيارون، ودعت إلى وقف الحرب لإعادة الأسرى.
تحركات زامير
في الأثناء، قالت القناة 12 الإسرائيلية، إن رئيس أركان الجيش إيال زامير عقد جلسة لاحتواء أزمة رسائل الاحتجاج التي وقعها جنود الاحتياط، مشيرة إلى أن الجيش يدرك حجم الضرر المحتمل والدلالات العميقة للتوسع المتزايد في ظاهرة الاحتجاج بين صفوف قدامى الجنود.
وبحسب القناة الإسرائيلية فإن رئيس الأركان يعتزم منع جنود الاحتياط الموجودين بالخدمة الفعلية من المشاركة في أي احتجاج للحؤول دون استخدام رموز المؤسسة العسكرية لأهداف سياسية.
وأضافت أن قيادة الجيش الإسرائيلي تؤكد على أن العمليات في غزة تتم بدعم كامل من جميع قادة الأجهزة الأمنية.
في الأثناء، نقلت هيئة الإذاعة الإسرائيلية عن مصدر مطلع أن إسرائيل مستعدة لتقديم بعض التنازلات بشأن اتفاق غزة لكن ليس على حساب منع تدمير حركة حماس.
من جانبها، قالت رئاسة الوزراء الإسرائيلية إن نتنياهو أبلغ عائلات أسرى بغزة أن عمليات تفاوض مكثفة تجري حاليا لإعادة أبنائهم.
وكان نتنياهو، سعى لوصف هذا التحرك بأنه رفض للخدمة بالجيش الإسرائيلي، وتوعد نتنياهو ووزراء بحكومته بفصل موقعي هذه العرائض من جنود الاحتياط، معتبرين أنها تقوي الأعداء في زمن الحرب ووصفوها بالتمرد والعصيان.
دعم واسع
ولدعم تحركات الجنود، أصدر نحو 200 من عائلات الأسرى الإسرائيليين ونشطاء ينشرون رسالة دعم للجنود والطيارين الذين دعوا لوقف الحرب.
وقالت العائلات في بيان نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت إن “العملية العسكرية تعرض حياة المخطوفين للخطر، وأنها أدت سابقا إلى مقتل 41 مخطوفا”.
وأكد البيان أن نتنياهو اختار عرقلة مقترح الرئيس الأميركي دونالد ترامب والتضحية بحياة 59 أسيرا محتجزين في غزة لأهداف سياسية.
وقالت هيئة عائلات الأسرى، إن طريقة الإفراج الجزئي عن الأسرى على شكل دفعات هي نهج خطير يعرض جميع المختطفين للخطر. وطالبت باعتماد حل مناسب يفضي إلى إنهاء الحرب، وإعادة جميع المختطفين دفعة واحدة وبشكل فوري.
وأفادت القناة 13 الإسرائيلية أن رئيس الوزراء السابق إيهود باراك انضم إلى ضباط الاحتياط العاملين والمتقاعدين فوقّع على عريضة تدعم رسالة الطيارين الداعية إلى وقف الحرب من أجل إطلاق سراح الرهائن..
ووصف رئيس هيئة الأركان السابق دان حالوتس رئيس الوزراء خلال مقابلة مع القناة 12 الإسرائيلية بأنه تهديد فوري لأمن إسرائيل، لا يجب إخضاعه أو القضاء عليه، بل ينبغي أسره، على حد تعبير حالوتس.
كما وقّع نحو 3500 أكاديمي إسرائيلي وأكثر من 3 آلاف من العاملين في مجال التعليم وما يزيد عن ألف من أولياء الأمور، في وقت سابق الاثنين، على عرائض تطالب بإعادة الأسرى وإنهاء الحرب في غزة.
وجندت إسرائيل نحو 360 ألفا من جنود الاحتياط للمشاركة في الحرب التي تشنها منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وبدعم أميركي مطلق ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إبادة جماعية بغزة خلفت أكثر من 167 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.