بوليتيكو: أوروبا ترى في فوضى ترامب فرصة اقتصادية
تاريخ النشر: 24th, March 2025 GMT
يبذل الرئيس الأميركي دونالد ترامب قصارى جهده لإعادة تشكيل النظام المالي العالمي وفقا للمصالح الأميركية، مُدّعيا أنه نظام غير عادل ويعمل ضد الولايات المتحدة، لكن وسط هذه "الفوضى الاقتصادية"، ترى أوروبا فرصة لتعزيز مصالحها المالية والاقتصادية، وفق تقرير نُشر في مجلة بوليتيكو للكاتب جاكوبو باريغازي.
وخلال قمة الاتحاد الأوروبي الأخيرة، حثّت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد القادة الأوروبيين على الإسراع في إنشاء سوق مالية موحدة، لجذب المستثمرين الباحثين عن بدائل للنظام المالي الأميركي، وفقا لدبلوماسي أوروبي مطّلع على المحادثات المغلقة.
وكانت رسالتها واضحة لرؤساء الحكومات المجتمعين "توقفوا عن إضاعة الوقت، الآن هو الوقت المناسب للتحرك".
طموح قديمومنذ إطلاق اليورو، سعى صانعو السياسات إلى تقويض هيمنة الدولار على التمويل والتجارة العالميين، الأمر الذي يمنح الحكومة والشركات الأميركية تمويلا بكلفة أقل، وهي ميزة أساسية في ظل التنافس العالمي على رأس المال، لكن حتى الآن، لم ترقَ العملة الأوروبية إلى مستوى التوقعات، وفق تقرير الكاتب.
ونقل التقرير عن المديرة الإدارية العليا للأصول السيادية في وكالة كبرا KBRA للتصنيف الائتماني، جوان فيلدباوم-فيدرا، قولها إن الدولار يُمثل حوالي 90% من المعاملات العالمية، ويظل المعيار الذي تُقاس به العملات الأخرى.
إعلانويوضح تقرير البنك المركزي الأوروبي لعام 2024 أن 60% من السندات الأجنبية مُقوّمة بالدولار، مقابل 20% فقط لليورو، وهي نسبة بقيت ثابتة منذ عقد.
وتعود هيمنة الدولار على المشهد المالي الدولي إلى نهاية الحرب العالمية الثانية، حين عززت الولايات المتحدة مكانتها من خلال "اتفاق بريتون وودز" عام 1944، الذي وضعها في قلب نظام عالمي لأسعار صرف ثابتة وقابلة للتعديل.
وترسّخت سيطرتها بفضل مكانة الولايات المتحدة كقوة عسكرية عظمى، وحجم اقتصادها وقوته وحيويته، وترسيخ مكانة "وول ستريت" كمركز مالي عالمي. وبحلول عام 1964، بلغت هيمنة الدولار حدا دفع وزير المالية الفرنسي فاليري جيسكار ديستان إلى الحديث عن "الميزة الباهظة" للعملة.
وعلى الرغم من انهيار نظام بريتون وودز، فإن قدرة الولايات المتحدة المستمرة على جذب رؤوس الأموال ضمنت بقاء هذا الامتياز، بل وزيادته، حسب تقرير مجلة بوليتيكو.
فوضى في كل مكانوفق تقرير مجلة بوليتيكو، يُمكن للاتحاد الأوروبي -من الناحية النظرية- أن يُنافس الولايات المتحدة باقتصاده الكبير وقطاعه المصرفي الناضج وسيادة القانون الفاعلة، أما عمليا، فرغم الحديث عن سوق داخلية، لا يزال النظام المالي مُجزأ إلى 27 قطاعا وطنيا مُختلفا.
وحثّت رئيسة البنك المركوزي الأوروبي كريستين لاغارد صانعي السياسات على المضي قدما في التكامل عبر الحدود، وقد يلجأ المستثمرون، المتخوفون من التقلبات السياسية في الولايات المتحدة، إلى الأصول الأوروبية كملاذ آمن.
وبدأت حملة الرئيس الأميركي لفرض الرسوم الجمركية، ومؤشرات استعداده لتجاوز حدود السلطة التنفيذية، تُؤثر على الاقتصاد الأميركي. وتراجع مؤشر ستاندرد آند بورز 500، الأوسع نطاقا، تراجعا حادا، وانخفض بأكثر من 10% منذ تولي ترامب منصبه. كما تشهد ثقة أصحاب الأعمال الصغيرة تراجعا مستمرا.
إعلانوسط هذه الفوضى -يقول التقرير- ترى أوروبا فرصة لجذب المستثمرين الباحثين عن ملاذات مالية آمنة وأكثر استقرارا.
وفي هذا السياق، أشارت لاغارد إلى انخفاض مشتريات المستثمرين الأجانب من السندات الأميركية، حيث سجلت صافي استثماراتهم تراجعا غير متوقع، بل وتحولت إلى سلبية في يناير/كانون الثاني، ما يعكس اهتزاز الثقة في النظام المالي الأميركي، حسب وصف الكاتب جاكوبو باريغازي.
وأكدت لاغارد أن أوروبا بحاجة إلى تكامل مالي أعمق لتعزيز جاذبيتها للمستثمرين، معتبرة أن الظروف الاقتصادية الحالية قد تدفع المستثمرين ورؤوس الأموال نحو البحث عن بدائل آمنة بعيدا عن الدولار.
عقبات أمام صعود اليورورغم الفرصة التي تتيحها "فوضى ترامب" لا تزال هناك عقبات كبيرة أمام صعود اليورو، فالاتحاد الأوروبي، رغم اقتصاده القوي وقطاعه المصرفي الناضج، يعاني من نظام مالي مُجزّأ بين 27 دولة، ما يُضعف قدرته على منافسة النظام الأميركي الموحد.
كما يمثل حجم وعمق سوق الديون الأميركية تحديا رئيسيا، إذ تبلغ قيمة سندات الخزانة الأميركية 28.6 تريليون دولار، ما يجعلها أداة رئيسية في التداول، فضلا عن كونها ركيزة أساسية في النظام المالي العالمي، كما تقول مجلة بوليتيكو.
في المقابل، لا تمتلك أوروبا نظام ديون مماثلا، حيث لا تزال إصدارات السندات المشتركة للاتحاد الأوروبي غير منتظمة، ويبلغ إجمالي ديون الاتحاد الأوروبي المشتركة 578 مليار يورو فقط، وهو رقم ضئيل مقارنة بحجم الديون الأميركية.
لكن محللين يتفقون على أن أي حديث عن استبدال نظام الدولار سابق لأوانه، ونقل تقرير مجلة بوليتيكو عن الرئيس العالمي للاقتصاد الكلي في بنك ING، كارستن برزيسكي، قوله "على مدى العقود الماضية، شهدنا عدة مناسبات أُعلن فيها نهاية الدولار. لكن ذلك لم يحدث قط".
ومن بين العقبات التي أشار إليها معظم المحللين حجم وعمق سوق ديون الحكومة الأميركية، ويبلغ إجمالي قيمة سندات الخزانة الأميركية المتداولة 28.6 تريليون دولار.
إعلانويعمل الدين الأميركي في الأسواق المالية بشكل مشابه إلى حد ما لطريقة عمل النقد بالنسبة للأفراد العاديين، ويستخدم البنوك والمستثمرون سندات الخزانة للتداول فيما بينهم وللاحتفاظ بها كضمانات، ويُعد الدين ركيزة أساسية في النظام المالي.
تخفيض قيمة الدولاروأشارت تقارير إعلامية إلى أن فريق ترامب يدرس خطة لإعادة تشكيل النظام المالي العالمي، عبر خفض قيمة الدولار بشكل متعمد بالتعاون مع الحلفاء، فيما يُعرف بـ"اتفاق مارا-لاغو"، بهدف تعزيز تنافسية الصادرات الأميركية، حسب ما أورد تقرير مجلة بوليتيكو.
لكن لاغارد قللت أهمية هذه الفكرة، ووصفتها بأنها مجرد "تكهنات غير مؤكدة"، وحذرت في الوقت ذاته من أن أوروبا يجب أن تكون مستعدة لأي سيناريو محتمل.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رمضان الولایات المتحدة النظام المالی
إقرأ أيضاً:
“استهداف الجامعات الكبرى”.. كيف يضعف ترامب الاقتصاد الأميركي؟
يمانيون../
حذر موقع “سي أن أن” الأميركي من أن هجوم الرئيس الأميركي دونالد ترامب على جامعات النخبة الأميركية يشكل هجوماً على أكثر المناطق تحضّراً وحيويةً من الناحية الاقتصادية في البلاد، وتهديداً مباشراً لقدرتها التنافسية على الساحة العالمية.
وأشار إلى أن هذه الجامعات البحثية كانت بمنزلة محركات للنمو في أكثر المناطق إنتاجية في الاقتصاد الأميركي، إذ أسهمت في تدفّق مستمر للاكتشافات العلمية، وخرّجت أجيالاً من الشباب المؤهلين الذين تدفّقوا إلى شركات التقنية المتطورة العاملة في مجالات الحوسبة، والاتصالات، والذكاء الاصطناعي، والمعدات الطبية، والتكنولوجيا الحيوية، والصناعات الدوائية وغيرها من القطاعات المتقدمة.
وأكد أن أي ضرر يلحقه بالحرم الجامعي سينعكس بالضرورة على المدن التي تقود النمو الاقتصادي الأميركي، ويضعف قدرة الولايات المتحدة على المنافسة عالمياً، ولا سيما في ظل التصاعد الحاد للتحدي الصيني في مجالات حيوية.
وأقر بأن هجوم ترامب على مؤسسات الأبحاث الرائدة يبدو شكلاً من أشكال نزع السلاح من طرف واحد.
وتشير بيانات مؤسسة “بروكينغز مترو” إلى أن 44 من بين أكثر 100 مقاطعة إنتاجية في أميركا تضم جامعة ضمن قائمة أفضل 100 جامعة حاصلة على منح فيدرالية للبحث، وأن 41 منها أيضاً تُخرّج أعداداً كبيرة من حملة الدكتوراه في مجالات العلوم والهندسة.
ورغم أن هذه المقاطعات تمثل أقل من 1.5% من إجمالي عدد المقاطعات الأميركية (نحو 3100 مقاطعة)، فإنها تُسهم بما يقارب 35% من الناتج المحلي الإجمالي الأميركي.
ترامب يستهدف الجامعات الأميركية
وأكد أن ترامب شرع في الآونة الأخيرة في استهداف مجموعة من أبرز الجامعات الأميركية عبر مراجعة أو تعليق أو إلغاء مليارات الدولارات من المنح الفيدرالية المخصصة لها، وشملت القائمة مؤسسات مثل كولومبيا، وهارفرد، وبرينستون، وبراون، وجامعة بنسلفانيا، وانضمت إليها جامعتا نورث وسترن وكورنيل لاحقاً.
وبحسب الموقع، جاءت هذه الإجراءات على خلفية احتجاجات طلابية ضد الحرب في غزة، إضافةً إلى الجدل حول سياسات القبول والتنوع والهجرة.
ووُجهت رسائل تحذيرية إلى 19 جامعة أخرى بشأن احتمال سحب التمويل الفيدرالي بدعوى التقصير في حماية الطلاب من “معاداة السامية”.
وخسرت جامعة جونز هوبكنز وحدها 800 مليون دولار بسبب خفض تمويل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، ما تسبب في تسريح نحو 2000 موظف.
ما الذي يقلق الجامعات الأميركية؟
إلى جانب ذلك، شهدت منح المؤسسة الوطنية للعلوم تراجعاً حاداً، وفقاً للموقع، فقد تمت الموافقة على عدد أقل بنسبة 50% في أول شهرين من ولاية ترامب الثانية مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، وتم تقليص عدد الزمالات الممنوحة لطلبة الدراسات العليا إلى النصف.
وأضاف الموقع: “ربما كان أخطر ما أثار قلق الجامعات هو قرار “المعاهد الوطنية للصحة” في فبراير بخفض الأموال المخصصة لتغطية النفقات غير المباشرة، والتي تعتمد عليها الجامعات في صيانة المختبرات ودفع أجور الموظفين الداعمين للبحث. وعلى الرغم من صدور حكم قضائي ابتدائي يمنع تنفيذ هذا القرار، فإن الأغلبية المحافظة في المحكمة العليا قد تميل إلى إلغائه لاحقاً”.
ويُضاف إلى ذلك التوجه، ترحيل الطلاب الأجانب، حتى لمجرد التعبير عن آرائهم السياسية، ما يُضعف قدرة الولايات المتحدة على استقطاب العقول المتميزة من دول مثل الهند والصين.
مخاطر سياسات ترامب استراتيجياً
رغم التقدّم الذي أحرزه ترامب في بعض المناطق، فإن البيانات تشير إلى أن المناطق الأكثر كثافةً إنتاجاً، والتي تحتضن جامعات بحثية رائدة، لا تزال تصوت ضده بأغلبية كبيرة.
وقد حصدت نائبة الرئيس السابقة كامالا هاريس نحو 40% من أصواتها الوطنية من 40 مقاطعة فقط من هذه المقاطعات، في حين مثّلت المقاطعات الأربع التي فاز بها ترامب 5% فقط من مجموع أصواته.
لكن الأثر الأخطر لتحركات ترامب قد لا يكون سياسياً محلياً، بل استراتيجياً عالمياً؛ فمع تحقيق الصين قفزات هائلة في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، يرى بعض قادة التكنولوجيا أن هذه اللحظة تُشبه “صدمة سبوتنيك” التي حفّزت أميركا في الخمسينيات، غير أن ردّ ترامب يبدو معاكساً تماماً لما فعلته الولايات المتحدة حينها من زيادة الاستثمار في التعليم والبحث العلمي.
* المادة نقلت حرفيا من موقع الميادين نت