عيسى الغساني
في عمر الإنسان تمضي الحياة من النشأة الأولى بمراحل الخلق والتكوين المادي إلى حضور ذلك المولود إلى عالم البشر أو الدنيا أو عالم الماديات، وتقدم له الأم في السنتين الأولى والثانية أو أقل، الغذاء الذي به تنمو خلايا ذلك الجسد الصغير، الذي لا يعبر عن نفسه عندما يشعر بالجوع أو الألم إلا بالبكاء، وفي تلك الفترة من العمر يقال بأن الروح تحتفظ بنقائها إذ لاتزال غير قابلة للتلوث بالعالم الخارجي بما فيه من تضاد وتناقضات.
وينمو ذلك الجسد الصغير ويصبح إنساناً تحركه الرغبات والشهوات ومطامع ومطامح، لكن تتوق نفسه بوعي وبدون وعي إلى مرحلة الصفاء والنقاء الروحي، إذ نقاء الإنسان وصفاء سريرته هو الأصل وما بعد ذلك حادث أو طارئ، ولكل المجتمعات البشرية تجاربها الروحية في استعادت ذلك النقاء والصفاء.
ورمضان رحلة روحية ذات أبعاد تستحق أن يراها من يحيها، بعين المنطق، فإذا تجلت لك المعرفة تحققت لك الغاية ونلت المراد فمن أبصر بعين الحكمة رأى اليقين.
رمضان تزكية للنفس والروح فالامتناع الظاهري عن الطعام والشراب يحدث تغييرا جوهريا لوظائف الجسد، وبه تكون الأفكار تحلية للقلب بالصفات المحمودة، والامتناع له وجه آخر وهو أنه بقليل من زاد الدنيا (الطعام) وكثر من صفاء العقل وتجلي الروح وفيض من الصبر والرحمة والصدق تبدأ رحلة نحو تزكية النفس.
رمضان يفك التعلق بالحواس والغرائز فيبحر الصائم في ممارسة روحية، إذ ترك الأكل والشرب ينقل كل الحواس والمشاعر فبعد عدد من الساعات وفقا للبحوث يستخدم الجسم الكيتونات كمصدر للطاقة وبذلك يحفز BDNF وهو بروتين يعزز المرونة العصبية والتفكير الإبداعي ويرفع مستوي التركيز وصفا الذهن.
والصيام يقلل من الدوبامين الناتج عن الطعام والسكريات مما يجعل الاستجابة للمحفزات الخارجية محدودا، فتنشأ حالة من الهدوء العقلي والاتجاه نحو الداخل وسكون الأفكار السطحية. ومع انخفاض طاقة الجسم يقل الانشغال بالحاجات المادية ويتوجه العقل نحو القيم الروحية، فالصيام تدريب على تأجيل الرغبات وضبط للنفس وبذلك يتعزز ما يسمى بالتحكم المعرفي والعاطفي، فيكون الحوار الداخلي بين الإنسان وذاته الآتي "جسدي قادر علي الامتناع عن الماديات، والآن صحتي الجسدية أفضل وذهني صاف ومتوقد وأنا الآن في أفضل لحظات السعادة والاستقرار عناية الله ولطفه يحفني بفضله وعظيم جوده"، وهذه مناجاة.
عندما يتوقف الجسد عن الطعام والشراب، يصفو الفكر، وتترك الشوائب، ويتوازن الإنسان، أفاض الله على الجميع بلطائف الشهر الفضيل، ولتغشى الرحمات والبركات لرمضان الإنسانية جمعاء. آمين.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
حليب الإبل في رمضان.. إرث الأجداد وخيار الصائمين المثالي
يُعد حليب الإبل جزءًا أصيلًا من التراث الغذائي لسكان المملكة وصحرائها خاصة منذ القدم، إذ اعتمدوا عليه غذاءً رئيسيًا في حلهم وترحالهم، ورفيقًا دائمًا على موائدهم، لا سيما في شهر رمضان، لما يحتويه من عناصر غذائية تمنح الجسم الطاقة والترطيب بعد ساعات الصيام الطويلة.
ويتميز حليب الإبل بتركيبته الفريدة الغنية بالفيتامينات والمعادن، مثل الكالسيوم والمغنيسيوم والبوتاسيوم، إلى جانب احتوائه على نسبة منخفضة من الدهون مقارنةً بحليب الأبقار، مما يجعله خيارًا مناسبًا للصائمين، خاصة لمن يعانون من مشكلات الجهاز الهضمي أو حساسية اللاكتوز.
ويعتمد مربو الإبل على حليبها في غذائهم اليومي ورمزًا للقوة والصحة لديهم، وظل هذا الإرث مستمرًا حتى اليوم.
اقرأ أيضاًالمجتمع“وزارة الصناعة” تعالج 643 طلبًا للإعفاء الجمركي في فبراير 2025
ومع تزايد الوعي بفوائده الصحية، يحرص الكثيرون على إدراجه ضمن نظامهم الغذائي في رمضان، سواء في وجبة السحور لمنح الجسم طاقة تدوم طويلًا، أو عند الإفطار لتعويض السوائل والعناصر الغذائية المفقودة.
وأكد مختصون بالتغذية أن الإقبال على حليب الإبل يتضاعف في شهر رمضان، إذ يُنظر إليه على أنه أكثر من مجرد مشروب تقليدي، بل كنز غذائي يحمل في طياته حكمة الأجداد وخبرة السنين، ليظل حاضرًا على المائدة الرمضانية، جامعًا بين التراث والفوائد الصحية في كوب واحد.