لطالما كان للنجوم حضور قوي في الثقافة العربية، ولا تزال الكثير منها تحمل أسماء عربية حتى اليوم، وقد ورد ذكرها في القرآن الكريم، حيث قال الله تعالى في سورة الأنعام: "وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۗ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ"، وارتبط العرب بالنجوم بشكل وثيق، فأطلقوا عليها أسماء ووصفوها بدقة، ولم يقتصر تأثيرها على علم الفلك وحسب، بل امتد أيضًا إلى الشعر والأدب، حيث تغنّى بها الشعراء وحيكت حولها الأساطير، مستخدمينها لرسم صور خيالية تربط بين النجوم وتوضح مواقعها في السماء ضمن حكايات وقصص مشوقة.
والنجم الذي نتحدث عنه اليوم هو نجم "الجبهة"، وهو أحد ألمع النجوم في كوكبة الأسد، ولقد سمي بالجبهة لأنه يقع في رأس هذه الكوكبة التي تخيلها العرب على شكل أسد، وهو في حقيقة الأمر ليس نجما مفردا وإنما نظام ثنائي مكوّن من نجمين يدوران حول بعضهما، وكلاهما من النوع العملاق البرتقالي.
يبدأ ظهوره في سماء سلطنة عمان، خلال أواخر فصل الشتاء وبداية الربيع، ويظل مرئيًا حتى منتصف الصيف، ويمكن رصده بعد غروب الشمس في الجهة الشرقية، حيث يرتفع تدريجيًا نحو السماء الجنوبية الشرقية مع تقدم الليل، وفي شهر مارس، يكون "الجبهة" مرئيًا بوضوح بعد الساعة 8 مساءً، ويصل إلى أعلى نقطة له في السماء حوالي منتصف الليل.
في التراث العربي، كان نجم "الجبهة" يُعتبر أحد منازل القمر ويُستخدم في التقويمات الزراعية لتحديد أوقات الزراعة والحصاد، ودخول "نوء الجبهة" كان يشير إلى بداية فصل الخريف وفقًا لحساب النجوم، حيث تتغير الظروف المناخية وتبدأ درجات الحرارة في الانخفاض، مما يؤثر على الأنشطة الزراعية، وقد ذكر القلقشندي في موسوعته المشهورة "صبح الأعشى في صناعة الإنشا" أن هذا النوء هو سبع ليال، ومما ذكره القلقشندي أيضا عن نوء "الجبهة" قال: "ثلاثة كواكب نيرة قد عدل أوسطها إلى الشرق، فهي لذلك على شكل مثلّث مستطيل القاعدة قصير الساقين، وإلى الجنوب عنها نجم أحمر مضيء جدّا يسمّى قلب الأسد يرسمه المنجمون في الاسطرلاب ، وأصحاب الصور يجعلون الجبهة على كتف الأسد".
وإذا أتينا إلى ذكر هذا النجم في أشعار العرب نجد أن كثيرا منهم ذكروه مرة مقترنا بكوكبة الأسد فيقولون "جبهة الأسد"، ومرة قرنوه مع النجوم الأخرى في السماء المرتبطة بالرفعة والعلو، فقد ورد في المنظومة الفلكية للملاح العماني أحمد بن ماجد فقال:
وجَبهةٌ وزُبرَةٌ والصرفه
ما في صفاتي قطُ لك حرفه
وبعدَهَا العَوَّاءُ والسمَاك
هُم آخرُ الشاميَّةِ الزواكي
ونجد الأديب العماني المبرد يذكر هذا النجم في قصيدة له من بحر الهزج فيقول:
وَخَبِّرني عَنِ السبت
وَسعمِ الحُرَّةِ الخَيفَق
وَما الجَبهَةِ في الكَوك
بِ ذي الرَجراجَةِ الفَيلَق
كما نجد للشاعر الأموي الكميت بن زيد الأسدي بيتا شعريا يقرن هذا النجم بكوكبة الأسد فقال:
بَانَتْ لَهُ الْعَقْرَبُ الْأُولَى بِشَرَّتِهَا
وَبلَّهُ مَعْ طُلُوعِ الْجَبْهَةِ الْأَسَدُ
وقد ذكر الأديب البارع أسامة بن منقذ الذي عاش في العصر الأيوبي في كتابه "المنازل والديار" أربعة أبيات للشاعر حفص الأموي يقول فيها:
يا ربع أين انتجع الحاضرُ
جادك نوء الجبهة الماطرُ
مالي أرى مغناك قفراً كأن
لم يلهُ في ساحته سامر
وهذا الفيلسوف محيي الدين بن عربي قد أورد ذكر هذا النجم في إحدى قصائده فقال:
نثرةُ الذابحِ للطرفِ رات
بلعاً يشكو كمينَ الحُرَق
جبهةُ السعد إذا ما زَبَرَتْ
علمها وسط خباءٍ أزرق
ونجد الشاعر ابن أبي حصينة الذي عاش في العصر الفاطمي يذكر هذا النجم فيقول:
فَلا الرَفدُ مَمنُوعٌ وَلا العَهدُ حائِلٌ
وَلا الفِعلُ مَذمُومٌ وَلا المَدحُ مَكذُوبُ
وَطالَت فَنالَت جَبهَةَ النَجمِ أُسرَةٌ
لَها نَسبٌ في الصالِحيِّينَ مَنسُوبُ
كما أن الشاعر أحمد بن شاهين القبرسي الذي عاش في العصر العثماني يذكر هذا النجم فيقول:
عجبت للشمس إذ حلَّت مؤثِّرةً
في جبهةٍ لم أخلها قطُّ في البشرِ
وإنما الجبهة الغرَّاء منزلةٌ
مختصةٌ في ذرى الأفلاك بالقمرِ
وإذا أتينا إلى الشعراء في العصر الحديث فنجد الكثير منهم ذكر هذا النجم، فهذا الشاعر اللبناني مصطفى الغلاييني يقول في نجم "الجبهة":
فَدانَتْ وكانت جَبْهَةَ اللَّيْثَِ مَنْعَةً
يُحَسدُها العَيُّوقُ يُخْفِقُ طالِبُه
أَتاهُمْ وَجَوُّ الأَمْرِ كاللَّيلِ مُظْلِمٌ
فَرَوَّعَهُمْ والخُلْفُ دَبَّت عَقارِبُه
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی العصر
إقرأ أيضاً:
ملكة السماء.. طائرة فِرقة موسيقية شهيرة تُفكك وتحوّل إلى قطع تذكارية
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- أصبحت طائرة من طراز "بوينغ 747-400"، التي استخدمتها فِرقة "أيرون ميدن" الإنجليزية لموسيقى "هيفي ميتال"، مفكّكة، وتم تحويلها إلى شيء قد يروق لمعجبيهم.
أصدرت شركة "Aviationtag" الألمانية، المتخصصة في إعادة تدوير الطائرات القديمة، مجموعة محدودة من البطاقات الفريدة المصنوعة من هيكل طائرة "Ed Force One"، وهو اللقب الذي أُطلق على الطائرة التي خدمت الفرقة أثناء جولتها العالمية " Book of Souls" في عام 2016.
وزُينت زعنفة الذيل بصورة "إيدي"، تميمة فرقة "أيرون ميدن" الشبيهة بمخلوق الـ"زومبي".
والآن، جاء دور الطائرة ليتم تفكيكها وإعادتها إلى الحياة.
وصُنِعت كل بطاقة، ويمكن استخدامها كسلسلة مفاتيح أو كقطعة لهواة الجمع وببساطة، من هيكل الطائرة الأبيض.
وقال المدير التجاري لشركة "Aviationtag"، توبيا ريختر، لـCNN: "من أجل إضافة تدرجات مميزة من الألوان، استخدمنا أيضًا مادة من زعنفة الذيل الزرقاء، والتي طُليت بتسع طبقات من الطلاء بمرور الزمن".
وتبلغ أبعاد القطع المصنوعة حوالي 35 و88 مليمتر، وتباع مقابل 73 دولارًا أمريكيًا تقريبًا عبر موقع "Aviationtag" الإلكتروني عبر الإنترنت.
ويبلغ طول طائرة من طراز "بوينغ 747-400" 71 مترًا، لذا من الناحية النظرية، يُمكن تحويل طائرة "Ed Force One" إلى ما يصل إلى 100 ألف بطاقة، كما يوضح ريختر، لكنهم يُفضّلون إبقاء الكميات محدودة.
وعملت شركة "Aviationtag" في مجال إعادة تدوير مواد الطيران منذ عام 2006، وقد حوّلت مختلف الأشياء إلى قطعٍ تذكارية لهواة الجمع، من الطائرات التجارية مثل "إيرباص A380"، إلى الطائرات العسكرية مثل "DC-3".
وأفاد ريختر: "نريد أن نواصل في تقديم طائرات جديدة من شركات طيران مختلفة لمعجبينا وهواة الجمع بدلاً من إنتاج كميات ضخمة من طائرة واحدة فقط. لهذا السبب نُفضِّل صنع كميات أصغر وأكثر حصرية من مجموعة أوسع من الطائرات، وذلك لضمان أن كل بطاقة ستبقى مميزة بالفعل".