لا يمكن التحرر من هذه الأخلاق البغيضة إلا في أوقات الصوم
إن أسرع الطرق إلى الله للحصول على ثمرة الصوم "لعلكم تتقون"، الصيام يرفعك إلى منزلة ترتقي بأخلاق المتّقين، حتى نأخذ أعلى درجات الإتقان للصيام، والغاية عبادة الصوم في تزكية النفس، فالتقوى تعني تطهير النفس من أمراضها القلبية وأخلاقها السيئة. إذن لا بد للإنسان من أن يتعرف على أمراض القلب وعلى أسبابها ويعلم أنها موجودة لديه حتى يمكنه التخلص منها، فإن لم يشعر بالمرض ويتعرف على أسبابه، فلن يتمكن من علاجه، ورمضان أتى لهذا المغزى.
الصيام يرفعك إلى منزلة ترتقي بأخلاق المتَّقين، والعمل الصالح مرهون ٌبالسريرة الصالحة من خلال النية الصالحة في تغيير الإنسان لنفسه. وممّا سـبق يتبيّن لنا عظمَ شأن القلب والسريرة، حيثُ إنَّها محطُّ نظر الله عز وجل، وعليها، ومـدارُ القبـول عنده سبحانه، وحسب صلاحها وفسادها يكون حسـنُ الخاتمة وسوؤها، لهذا استخدم القرآنُ لفظ القلب في تحديد المسؤولية عن العمل من خلال ما تعمدَّت به القلوب، أو ما كسبت قلوبكم، أو في حالة الذي آثمٌ قلبُه.. إلخ.
دعونا نستحضر ما ذهب إليه جمهورٌ من العلماء بأن يلزم كل واحدٍ أن يتعلم أمراض القلب، وكيفية تطهيرها، إلى أنه ليس عين إلا في حق من تحقق أو ظن وجود مرض من الأمراض فيه، فيلزمه حينئذ تعلم سبل علاج ذلك المرض، وقالوا إن تعلم أمراض القلوب فرض كفاية على الأمّة عامّة وليس فرض عين على كلّ أحد، وقد استندوا في ذلك إلى أن الأصل عنده في الإنسان هو وجود هذه الأمراض وليس السلامة منها، واستدل على ذلك بأنّ النبي صلى الله عليه وسلم وهو أفضل البشر، قد شق الله صدره مرتين وأخرج منه المضغة السوداء التي هي محلّ هذه الأمراض في الإنسان، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم احتاج إلى ذلك فغيره من باب أولى، واستدل الجمهور بأنّ الأصل في الإنسان السلامة من هذه الأمراض لقول الله تعالى: "فطرة الله التي فطر الناس عليها" وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كلّ مولود يولد على الفطرة).
وفي المقابل، وبالأخلاق يستطيع الإنسان الانتصار على نفسه، فإذا لم يشعر الصائم بالمرض الأخلاقي الذي فيه ويتعرف على أسبابه، والكيفية المثلى للتخلص منه فإنه لا يمكنه علاجه، ولا بد للصائم أن يتعرف على تلك الأخلاق الذميمة المفطرة لصيامه، وعلى أسبابها.
والبعض يرتكبون أعمالا ًفي غير رمضان يأباها خلق الإسلام، ولا ترتقي إلى الإيمان الحق، والصوم هو الاوقات الثمينة التي تُظهر الحرص والاهتمام على تجنبها في المجتمع، وهكذا الصوم جعله الله أداة للارتقاء بالمسلمين نحو التقويم، وتصحيح المسار لحياته، والابتعاد عن العادات السيّئة المتأصلة فيه، لا يتقبل الصوم إلا بالتحلي بالأخلاق الحسنة والتخلي عن كل الأخلاق الذميمة.
إذا أردنا أن نخرج من رمضان بذنبٍ مغفورٍ وزادٍ وفيرٍ من الخير، وعتقٍ من النيران، والفوز بالمغفرة والرضوان، فعلينا تدريبَ الجوارح في أن تصوم عن الخطايا، ومن ثمّ المجاهدة للتخلق بالأخلاق الفاضلة، لتصبح مسألة تزكية النفس مستمرة لا تتوقف ولا تنقطع، وجعل شرط قبول الصوم والقيام والعبادة، بالابتعاد عن قول الزور والعمل به، واللغو والرفث، وإن امرؤٌ جهل عليه فلا يشتمه ولا يسبّه.
لا يمكن التحرر من هذه الأخلاق البغيضة إلا في أوقات الصوم، ولهذا جعل لنا أوقاتاً في رمضان للاعتكاف والعبادة والتوبة، ويزداد هذا الاجتهاد عند اقتراب مواسم الطاعات، والمسلم يحاول أن يجاهد نفسه بالتعوّد، والتمرن، والترغيب للسير في طريق الاستقامة، ويبعدها عن طريق الغواية، لهذا السبب جعل الله مقام حسنِ الخلق درجةَ الصائم : “إن المؤمن ليدرك بحسنِ خلقه درجة َالصائم القائم".
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: وقف الأب رمضان 2025 عام المجتمع اتفاق غزة إيران وإسرائيل يوم زايد للعمل الإنساني غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية رمضان 2025
إقرأ أيضاً:
إنما تقاس قيمة الأمم وقوتها بأخلاقها
إنما الأممُ الأخلاقُ ما بقيت، فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا.
حقيقة يقرّ بها كل ذي عقل سوي وفكر مستنير. مهما بلغ التحضر والتقدم بالمرء، لن يبلغ عند الله، ثم في أعين الناس، وفي تقديرهم، شيئاً حين يتجرد من الأخلاق والحياء. ولعل السمة البارزة التي بدأنا نلاحظ تلاشيها عند البعض ممّن صاروا محسوبين ومحسوبات على الإعلام والتأثير السيئ للأسف ممّن يطلق عليهم (مشاهير)، هي تجردهم من الحياء فانطلقوا في تصريحات وتصرفات غير لائقة بأي مجتمع مسلم محترم. وأمثال هؤلاء لابد من كبح جماح تصرفاتهم ومنشوراتهم التي للأسف لها تأثير سيئ على المراهقين سناً والمراهقين عقلاً حتى أصبحوا قدوات سيئة. ولست أنسى كلمة وزير الإعلام السعودي الأستاذ سلمان الدوسري في مؤتمر الإعلام الذي انعقد في المغرب (إن لم أكن مخطئة) وكيف ركز معاليه على (ضرورة أن يتبنّى الإعلام العربي بناء القيِّم وتعزيز المبادئ وأن ذلك مسؤولية الإعلام الأولى وأن يحارب هدم القيِّم ).
لقد صدق، وقال حقاً، فالإعلام يتحمل عبء تربية الأجيال، وبناء الأخلاق، ومحاربة كل من هب ودب، وأراد الشهرة من الأبواب التي تم فتحها دون رقابة أو حساب، ممّا جعلنا نتفرج على أخلاق نبيلة، وقيّم رفيعة بدأت تتأرجح بين الثبات والسقوط. نرجو من الله ألا يجتاحها السقوط عند النشء بفعل التافهين من البشر.
يومها، وحين سمعت كلمة الوزير، شعرت براحة عظيمة فحين يفكر مسؤول الإعلام بهذه العقلية السوية أخلاقياً، فهو لا شك سيتبنى منهجاً وخططاً توقف المحسوبين على الإعلام، إلا أننا لازلنا نرى أموراً تستفز القيم وأنا اعتقد أن مسؤولية الإعلام السوي تتعدى القنوات إلى ما يبث في الحدائق والأسواق ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، والتي اقتحمت الخصوصيات وبعضها انتهك الأخلاقيات، ودخلت حياة الجميع دون استئذان، ممّا سبب انتشار سلبياتها، وأصبح كل من هب ودب يتباهى بوقاحة غير معهودة وغير مقبولة، وأصبحت القواعد والآداب والأصول آخر اهتمامات عالم التفاهة. تألمت كثيراً من منظر أحد المشاهير وهو يستعرض بأمواله في مسابقة لم أعرف تفاصيلها، لكن مشهد رأيته في رسالة أحدهم وهو يعلق عليه. رغماً عني، تابعت تعليق الأخ الغيور على الأخلاق. المهم أن الرجل (اعتذر للرجال الحقيقين) قد تجمع عدد كبير من الذكور ليشاهدوا من اختارها لمسابقته وقد بدأت إحداهن تستعرض بوقاحة وسماجة عمت الموقف دون حياء أو نبل أو شيم!! من أجل مبلغ من المال والله كنوز الدنيا لا تستحق التنازل عن الدين أو الكرامة أو الحياء الذي هو شعبة من شعب الإيمان. نسأل الله الهداية لها ولهم ولأمة محمد عليه الصلاة والسلام. وقد كان الحياء من صفاته عليه الصلاة والسلام وقد قيل الحياء من الرجال جميل لكنه من النساء أجمل. والنساء يتعاملن مع الرجال، لكنه تعاملاً أدبياً ينمّ عن حياء
وأخلاقيات تكون في الخط الأول من التعامل. اللهم زيِّن النساء المسلمات بالحياء، وارزقهن العفاف والاحتشام. فالجيل محتاج للأمهات والأخوات القدوات.
اسمحوا لي أن أنتقل لموضوع آخر مؤلم أيضاً ومتعلق بالأخلاق والآداب: إحدى الأخوات الغيورات نشرت فيديو تتحدث فيه عن نسوة معتمرات من جنسية ما يقمن بعمل المحاشي في ساحة الحرم، وأخرى تجعل طفلتها تقضي حاجتها في عبوات زمزم، وغير ذلك من السلوكيات المشينة، تصرفات لا تليق ببيت الله، لا تليق أبداً بمن شدّوا الرحال لزيارة الكعبة. ما هذا الجهل؟ كان الله في عونكم أيها الأبطال القائمين على خدمة الحرمين من شرطة وإداريين وعمال وعاملات جزاكم الله خير الجزاء اللهم زد هذه البلاد عزاً فقد أعزت الحرمين كلما زرنا الحرم لم نجده إلا طيب الرائحة نظيف الأرضيات والجدران والمرافق حتى أنه شديد اللمعان ما شاء الله فائح العبير الحمدالله أن سخر الله لبيته ومسجد رسوله هذه الدولة.
بناء على كثير من مشاهدات الجهل التي نراها ويراها كثيرون من بعض المعتمرين والحجاج من بعض الدول، ألا تتدخل وزارة الحج والعمرة مخاطبة الدول بتوعية المتجهين للحج والعمرة بأصول تعظيم الحرمين والمناسك عموماً؟ لماذا لا ترفع الوزارة الملاحظات بالممارسات الخاطئة والمسيئة للمسؤولين في الدول الإسلامية ليقوموا بتوعية مواطنيهم بما يجب ومالا يجب وإذا تكررت المخالفات من دولة معينة، فيتم تحديد التأشيرات لهم ولن يحصلوا على تأشيرة إلا بتعهد بالالتزام بالآداب اللازمة واللائقة بمن جاء قاصداً الله إذ لا يليق بالمسلم إلا أن يكون نظيفاً أميناً معظماً للمقدسات التي لا يجوز فيها ومعها العبث كما يجب أن يمتثلوا للتعليمات بكل أدب. ثم أن أولئك الذين يتباهون بتحايلهم على الأنظمة لأداء العمرة، فما هم بذلك إلا مخالفين دعاة فوضى يستحقون العقاب.
كل ما ذكرت أعلاه، معيب على من يرتكبه في أي وقت من العام، لكنه معيب أكثر حين يكون في شهر رمضان. الشهر المعظم الذي يطمع كل مسلم أن يتقبل الله عمله وعبادته، وهو شهر العبادة.
اللهم وفقنا وجميع المسلمين لحسن صيامه وقيامه وتقبله منا ومنهم.(اللهم زد بلادي عزاً ومجداً وزدني بها عشقاً وفخرا).