قصتي مع الشهيد سيد قطب في ذكرى إعدامه السابعة والخمسين
تاريخ النشر: 24th, August 2023 GMT
أتذكر جيدا ذلك اليوم الحزين 29 أغسطس 1966 حين جاءنا خبر تنفيذ حكم عبد الناصر بالإعدام على رجل مفكر وأديب ومؤمن بدينه ومتمسك بعقيدته (سيد قطب).. خبر لم نتوقعه ونحن صحفيون شباب صلب الحزب الدستوري لأن الرئيس الحبيب بورقيبة تدخل قبل أشهر لدى نظيره جمال عبد الناصر لإنقاذ سيد قطب من حبل المشنقة كما تدخل بحزم أيضا المغفور له الملك فيصل بن عبد العزيز.
كان تدخل بورقيبة مبنيا على مبدإ متأصل لدى زعيم تونس وهو الاعتراف بالجميل لكل من وقف إلى جانبه أثناء معركة التحرير كما فعل تماما مع رئيس حكومة العراق محمد فاضل الجمالي فتدخل لدى عبد الكريم قاسم واستجاب حاكم العراق وحل الجمالي بتونس معززا مكرما إلى وفاته.. والسبب هو أن الجمالي حين كان وزير خارجية المملكة العراقية في الأربعينيات مكن بورقيبة من عضوية الوفد العراقي للجمعية العامية للأمم المتحدة ودافع بورقيبة من على منبر الأمم المتحدة عن قضية وطنه..
أما اعتراف بورقيبة بفضل سيد قطب فسببه يعود إلى سنة 1946 حين هاجر الزعيم التونسي إلى مصر عبر ليبيا فلم يجد أذنا صاغية من جامعة الدول العربية ولكنه وجد في جماعة الإخوان الرعاية للقضية التونسية وأسكنوه في لوكندة على ملك الجماعة وأصبح يزوره بانتظام سيد قطب ويأخذه إلى المنابر لكي يتحدث عن ملف تحرير تونس العربية المسلمة.
أما أنا فنشرت مقالي في جريدة (العمل) في الأسبوع الأول من أيلول / سبتمبر 66 بعنوان (قطيعتنا مع عبد الناصر).. ثم أتاحت لي ظروف إقامتي في الدوحة خلال التسعينيات أن أتعرف على الدكتور الفاضل محمد قطب شقيق سيد وحليفه في السجون وحافظ تراثه القيم رحمة الله عليه وكان يشغل وظيفة أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة سعودية وكانت لي مع د. محمد أحاديث مطولة في شقة زميلنا الكبير طيب الذكر د. عبد العظيم الديب أحد قادة الإخوان، وهو الذي ربطته في الستينيات علاقة وثيقة مع الشيخ سيد بسبب اقتسامهما نفس الزنزانة في سجن حمزة البسيوني، وهو الذي شرفني رحمه الله بكتابة مقدمة كتابي الصادر عن رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة بعنوان (نحو مشروع حضاري للإسلام).
رحم الله جميع من ذكرت وما تزال ترن في أذني كلمة د. محمد قطب حين قال لي: "ما أعدل حكم الله سبحانه الذي يحاسب الظالمين فقد مني عبد الناصر بأشنع هزيمة عسكرية في الخامس من يونيو 1967 بعد سنة من مصرع شقيقي وتوفي في ظروف غامضة بعد ثلاثة أعوام غفر الله له ولكل من طغى وتجبر حين ظلم الأبرياء بقدرته عليهم ناسيا قدرة الله عليه.
وفي الثمانينيات أهداني أحد المصريين المنفيين في قطر الأجزاء السبعة لكتاب سيد وهو (في ظلال القرآن) في طبعته الأولى بدار البولاق للنشر، ولم يفارقني الكتاب بكل أجزائه إلا حينما استولى أصحاب الشر على بيتي وفيها مكتبتي وجزء من تاريخي ومسيرتي.
في مثل هذا اليوم التاسع والعشرين من آب / أغسطس عام 1966 تم تنفيذ حكم الإعدام في المفكر الإسلامي المصري سيد قطب أحد أعلام جماعة الإخوان المسلمين وأكبر ملهمي الحركات الإسلامية الحديثة..
ولد سيد قطب إبراهيم حسين الشاذلي يوم 9 من تشرين أول / أكتوبر عام 1906 في محافظة أسيوط بصعيد مصر، وكان والده عضواً في الحزب الوطني الذي كان يرأسه الزعيم مصطفى كامل. حفظ قطب القرآن الكريم بكُتاب القرية، ولم يتزوج قط، وكان له أختان هما حميدة وأمينة وأخ يصغره سناً هو محمد، والتحق بكلية دار العلوم وعاش بالقاهرة مع خاله الشاعر والصحفي والسياسي أحمد حسين الموشي.
كان لقطب تأثير فكري بالغ في الحركات الإسلامية المعاصرة بمنهجه الذي ركز على مفهوميْن رئيسييْن هما: "الحاكمية" و"الجاهلية المعاصرة". وكتب في سيرته ومسيرته وفكره عشرات البحوث والكتب والمقالات.وبعد تخرجه في العام 1933 عمل مدرساً للمرحلة الابتدائية، وتولى سيد قطب وظائف عدة في وزارة المعارف ثم قدم استقالته منها عام 1952 لكنه قضى عدة أشهر مستشاراً لمجلس قيادة الثورة. تأثر سيد قطب في البداية بالمفكر المصري عباس العقاد ثم اختلف معه، ثم مهدت كتاباته الإسلامية منذ العام 1947 لبداية علاقته بجماعة الإخوان المسلمين التي انضم إليها رسمياً عام 1953، وأصبح عضواً بمكتب إرشادها ومسؤول قسم نشر الدعوة بمجلتها. تنوعت كتابات قطب ما بين أدبية خالصة، وسياسية متنوعة، وإسلامية فكرية وحركية، وكتب النثر والرواية والشعر، وكان لا يقبل الحلول الوسطية في معاركه الفكرية والسياسية التي خاضها مع أحمد شوقي ومصطفى صادق الرافعي وطه حسين ومع النظام السياسي المصري لاحقاً.
اعتقل بعد حادث المنشية في عام 1954 حين تعرض الرئيس جمال عبد الناصر لمحاولة اغتيال اتهم الإخوان بتدبيرها، وحكم عليه بالسجن 15 سنة عذب خلالها تعذيباً شديداً.
وحين قُبض على أخيه محمد في تموز / يوليو 1965 بعث قطب برسالة احتجاج إلى المباحث العامة فقبض عليه هو في آب / أغسطس من نفس العام، وحكم عليه بالإعدام شنقاً وتم تنفيذ الحكم فجر يوم الاثنين 29 من أغسطس 1966.
كان لقطب تأثير فكري بالغ في الحركات الإسلامية المعاصرة بمنهجه الذي ركز على مفهوميْن رئيسييْن هما: "الحاكمية" و"الجاهلية المعاصرة". وكتب في سيرته ومسيرته وفكره عشرات البحوث والكتب والمقالات.
من أشهر مؤلفاته التي لاقت إقبالاً كبيراً في الأوساط الإسلامية عالمياً وترجمت إلى لغات أجنبية "مهمة الشاعر في الحياة" عام 1936 الذي أتبعه بأكثر من 20 كتاباً منها: "طفل من القرية، العدالة الاجتماعية، النقد الأدبي أصوله ومناهجه، والتصوير الفني في القرآن، وخصائص التصور الإسلامي، معالم في الطريق، والمستقبل لهذا الدين، وفي ظلال القرآن 1951 ـ 1964 في 8 مجلدات والذي قدم قراءة جديدة للقرآن الكريم.
ومن أقواله: "لابد للأمة الإسلامية من ميلاد، ولابد للميلاد من مخاص، ولابد للمخاض من ألم".
وأيضاً: "إن إصبع السبابة الذي يشهد لله بالوحدانية في الصلاة ليرفض أن يكتب حرفاً واحداً يقر به حكم الطاغية".
وقوله: "إنهم يريدون إسلاماً أمريكياً، إنهم يريدون الإسلام الذي يفتي في نواقض الوضوء ولكنه لا يفتي في أوضاع المسلمين السياسية والاقتصادية والاجتماعية".
وأيضاً قوله: "الطغيان لا يخشى شيئاً كما يخشى يقظة الشعوب وصحوة القلوب، ولا يكره أحداً كما يكره الداعين إلى الوعي واليقظة، ولا ينقم على أحد كما ينقم على من يهزون الضمائر الغافية".
وقوله: "لا كفاح بلا عقيدة، ولا حياة بلا عقيدة، ولا إنسانية بلا عقيدة".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه سيد قطب مصر الإعدام مصر إعدام ذكرى سيد قطب مقالات مقالات مقالات سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة عبد الناصر سید قطب
إقرأ أيضاً:
علي جمعة: المنهج الذي بيننا وبين الخلق مبني على العفو والصفح
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن هناك منهجا ينبغي أن نتبعه في علاقتنا مع الخلق، هذا المنهج مبني على العفو والصفح. قال الله تعالى: {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، وقال سبحانه: {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ}.
وأضاف جمعة، فى منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التاوصل الإجتماعي فيسبوك، إنه أمرٌ في غاية الصعوبة، يحتاج إلى صبرٍ وتجرُّع مرارة. كيف تعفو عمن آذاك؟ وكيف تتجاوز عن مَن اعتدى عليك؟ وكيف تغفر لمن شتمك أو سبَّك بلا مبرر؟ وكيف يكون ذلك إذا كنت على الحق، وهو على الباطل؟.
روت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي ﷺ: "هل أتى عليك يومٌ كان أشدَّ من يوم أحد؟ فقال ﷺ : " لقد لقيت من قومك ، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة ، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال ، فلم يجبني إلى ما أردت ، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي ، فرفعت رأسي ، فإذا أنا بسحابة قد أظلتني ، فنظرت فإذا فيها جبريل عليه السلام ، فناداني فقال : إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردُّوا عليك ، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمر بما شئت فيهم. فناداني ملك الجبال ، وسلم عليّ. ثم قال : يا محمد ، إن الله قد سمع قول قومك لك ، وأنا ملك الجبال ، وقد بعثني ربك إليك لتامرني بأمرك ، إن شئت أطبق عليهم الأخشبين (جبلَي مكة). فقال النبي ﷺ: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "جاء الطفيل بن عمرو إلى النبي ﷺ فقال: إن دوسًا قد هلكت؛ عصت وأبت، فادعُ الله عليهم. فقال ﷺ: اللهم اهدِ دوسًا وائتِ بهم."
وعن جابر رضي الله عنه قال: "قالوا: يا رسول الله، أحرقتنا نبال ثقيف، فادعُ الله عليهم. فقال ﷺ: اللهم اهدِ ثقيفًا."
مما سبق يتضح لنا أن الإسلام يدعو إلى خلق العفو والصفح، وليس إلى الانتقام أو حب إنزال العقاب بالآخرين. فقد كان النبي ﷺ رحمةً للعالمين، يدعو لهم بالهداية. والدعاء لمن ظلمك مقامٌ عالٍ وخلقٌ رفيع، لأنه يتجاوز حدود العفو والسماح إلى الرغبة في الخير لهم ولكل الناس.
هذه هي أخلاق النبي الكريم ﷺ، وهذا هو المنهج الذي ينبغي أن نسير عليه في تعاملنا مع الناس. وإن كان ذلك عظيمًا وشاقًا، فإنه واجب، لأنه يضعنا في نزاع مع أنفسنا. ومع ذلك، فإن الأمر لله ولرسوله، وكلام الله ورسوله أمانة في أعناقنا.
فاجعلوا العلاقة التي بينكم وبين الخلق مبناها الصفح، والعفو، والمغفرة، والرحمة؛ لأننا نحب أن يعفو الله عنا، ويغفر لنا، ويوفقنا، ويجعلنا في محل نظره سبحانه وتعالى.