الجزيرة:
2025-03-25@20:08:02 GMT

بيارق الدروز تاريخ طويل من حروب ولت

تاريخ النشر: 24th, March 2025 GMT

بيارق الدروز تاريخ طويل من حروب ولت

السويداء- تستريح معظم بيارق الدروز داخل ضريح سلطان باشا الأطرش في مسقط رأسه بلدة القريّا، بعد أن خاضت حروبا مترامية الأطراف بدأت ضد العثمانيين، وانتهت بجلاء الفرنسيين عن الأراضي السورية في أبريل/نيسان 1946.

ويعرّف بشار أبو حمدان، مؤلف كتاب سيوف وبيارق، البيرق بأنه راية الحرب، وهو راية إسلامية قديمة تناقلتها الأجيال، ورافقت الدروز في جميع الحروب التي خاضوها في الجبل سواء ضد الفرنسيين أو ضد العثمانيين.

ويمثل البيرق رمزا للشجاعة والعزة والكرامة، وهو رمز وطني يُرفع بوجه المعتدين وفي الاحتفالات الوطنية، حيث تُرفع جميع بيارق الجبل وفق ترتيب خاص، ويتصدرها بيرق السويداء، ومع ظهور العلم السوري كرمز وطني جامع للدولة تضاءل دور البيرق. ويُعتبر حامل البيرق هدفا أوليا للعدو، إذ يسعى لإسقاطه.

ويتألف البيرق من رمح، وعلى رأسه طاسة في أعلاها حربة يستخدمها حامل البيرق أحيانا عند الهجوم، وقبل غرز البيرق في الأرض، ويوجد أسفل الرمح قطعة حديدية ذات شكل مخروطي لتثبيت البيرق، وغرسه في أرض المعركة، وأحيانا يُزيّن البيرق بالريش الطويل والخيوط المتدلية من حوافه.

من بيارق الجبل التي استولى عليها الفرنسيون بعد معركة المسيفرة وهي موجودة في متحف اللوفر (الجزيرة) آيات وأشعار وأحجام

يقول أبو حمدان، للجزيرة نت، لكل قرية أو بلدة أو مدينة في محافظة السويداء بيرقها الخاص، وهو عبارة عن قطعة مطرزة من القماش ذات شكل مربع أو مستطيل من لون واحد، وعليها أشكال مختلفة لها رمزيّتها التي تخصّ كل بيرق، مثل شكل الكف الخماسي، أو الأيدي المتشابكة، أو السيوف المتقاطعة، أو الهلال، أو نجمة سليمان بن داود، النجمة السداسية (التي تم استبدالها بالنجمة الخماسية بعد عام 1948 تاريخ قيام دولة إسرائيل).

إعلان

ويُكتب على البيرق، بالإضافة إلى الرموز، آيات من القرآن الكريم كالتي كُتبت على بيرق صلخد "نَصرٌ مِن اللَّه وفَتحٌ قَريب"، أو دعاء مثل الذي كُتب على بيرق السويداء "يا خفي الألطاف نجنا مما نخاف"، أو قد يحمل البيرق بيتا من الشعر العربي كالذي على بيرق قرية ريمة الفخور (ألا في سبيل الله ننشر بندنا.. ونسأل رب العرش نصرة جندنا).

ويضيف أبو حمدان أن البيارق رافقتها أيضا العديد من العبارات ذات المعاني الدينية مثل: العزة لله، نصرٌ من الله، النّصر القريب، المستعان بالله.

وتحدد مساحة البيرق تبعا لعدد سكان القرية، وحجم البلدة، مثلا مساحة بيارق المدن في محافظة السويداء ذات الكثافة السكانية العالية كالسويداء، وصلخد، وشهبا تختلف عن مساحة بيارق القرى الصغيرة، إذ تبلغ مساحتها ما يقارب مترين مربعين، وهو الحجم الأكبر للبيارق، أما أصغر البيارق فمساحته متر مربع واحد.

ويقول جهاد صيموعة -الذي توارثت عائلته حمل بيرق بلدة عرمان- للجزيرة نت إن البيرق رمز معروف أصيل يرتبط بالأرض وبالكرامة الوطنية، ويختلف حجمه وشكله من قرية إلى أخرى.

بيرق مدينة السويداء الذي تناوبت على حمله عائلة علم الدين (الجزيرة) طقوس وتضحيات

وهناك شروط محددة لمن يستحوذ على حمل البيرق، كالشجاعة والقوة الجسدية والحكمة، بالإضافة إلى ضرورة وجود عزوة مقرّبة من حامل البيرق. وتبقى بيارق الدروز في مضافات من يحملها في أوقات السلم، ولا تخرج إلا وقت الحرب، وفق طقس محدد لا يتبدل. وقد اكتسبت بيارق الدروز بمرور الوقت قوة إيحائية كبيرة، ذات مدلولات نفسية استطاعت حشد المقاتلين تحتها، حسب جهاد صيموعة.

ويوضح أبو حمدان أن للبيارق قدسية خاصة لدى الدروز، وثمّة مراسم خاصة لإخراج البيرق، حيث يسير عازف القصب (المجوز) بالمقدّمة لإثارة حماس المجاهدين، ويسير خلفه لاعب السيف، وبعده يسير حامل البيرق، وتصطف البيارق عند اجتماعها في ساحة المعركة وفق خط واحد من البيرق الأكبر عددا، وصولا إلى البيرق الأصغر عددا، وكل بيرق يعرف مكان تموضعه سواء على الميمنة أو على الميسرة.

إعلان

ولا يجوز أن يقع البيرق على الأرض حتى ولو بذلت البلدة كلّ مقاتليها لأجل منع حدوث ذلك، وهنا يوضح حمزة حمزة الذي توارثت عائلته حمل بيرق قرية رساس بأن عائلته فقدت 7 شهداء في يوم واحد لكي لا يقع بيرق القرية على الأرض.

ويقول حمزة للجزيرة نت "بعد الانتصار في معركتي المزرعة والكفر ضد الفرنسيين، كانت معركة المسيفرة في سبتمبر/أيلول 1925، وكان يوسف حمزة حاملا لبيرق قرية رساس، وبعد استشهاده حمل البيرق شقيقه سليمان، وحين استشهد سليمان حمل البيرق أخوه سليم، ثم شقيقهم الرابع مهنا، فالخامس نصر الدين، وعندما وصل الخبر إلى والدهم الشيخ سلمان، وكان في الـ86 من عمره يوزّع الطعام والماء على المقاتلين، أقسم بأن يكمل القتال، ليستشهد في معركة المسيفرة مع أبنائه الخمسة، وحين وصل الخبر لزوجته ماتت من شدّة الحزن".

وقدّمت عائلة علم الدين التي توارثت حمل بيرق السويداء 19 شهيدا خلال الثورة السورية الكبرى، وبحسب تركي الصالح أحد الذين لا يفارقون مضافة سلطان باشا الأطرش، فإن بيرق مدينة السويداء قدّم 3 أخوة شهداء وخلال دقائق معدودة منعا لسقوط البيرق على الأرض، وهم سليمان وخليل وحسين علم الدين، ثم لحق بهم ابن عمهم فرحان علم الدين.

للاستخدام الداخلي فقط بيرق قرية ملح أحد أهم بيارق الدروز (الجزيرة) أبطال البيارق

ويقول الشاعر عدنان علم الدين الذي توارثت عائلته حمل بيرق السويداء للجزيرة نت: "يُعد سالم علم الدين من أبرز من حمل بيرق السويداء، وقد استشهد بعد أن أحرقه الفرنسيون في معركة المسيفرة".

ويحفظ تاريخ المعارك التي خاضها الدروز الكثير من مآثر البيارق، بحيث فقدت بيارق قرى مثل الرحى، وعراجي، ودوما نصف عدد مقاتليها في معركة واحدة، وكان سلطان الأطرش القائد العام للثورة السورية يعتمد على بيارق أكثر من غيرها.

وفي معركة الكفر، كان سلطان باشا الأطرش قد رفض التحرك قبل وصول بيرق عرمان وبيرق ملح وبيرق إمتان، وحين وصل بيرق ملح (كان يحمله شهاب غزالي) واصل المسير باتجاه بلدة الكفر، وسارت خلفه باقي البيارق، وانتصروا في تلك المعركة، وقيل حينها كان النصر بوجه بيرق ملح.

إعلان

ويقول حسن غزالي، الذي تحتفظ عائلته بحمل بيرق بلدة ملح، إن تاريخ البيرق يرجع إلى الفترة ما بين 1865 و1870 في العهد العثماني بعد انتقال العائلة من لبنان إلى بلدة عرى ثم رساس وأخيرا إلى بلدة عنز، ثم طلب أهل قرية ملح من آل غزالي قبل سيطرة الدولة العثمانية الانتقال إلى منطقتهم، وقد اشترط آل غزالي رفع علمهم الخاص (البنديرة) بالإضافة إلى مطالب أخرى.

وشارك بيرق آل غزالي في معركة خراب عرمان وفي معركة المسيفرة، يضيف غزالي للجزيرة نت "يُعتبر بيرق ملح رمزا للنصر، كما كان يصفه سلطان باشا الأطرش، لأنه لم يعرف الهزيمة في أي معركة خاضها، وبعد آخر ظهور له في عيد الاستقلال تم إرسال نسخة عنه إلى ضريح الباشا سلطان".

للاستخدام الداخلي فقط بيرق قرية حبران يرفعه شيخ (الجزيرة) توارث البيرق

قد يظل البيرق داخل عائلة واحدة وينتقل ضمنها وفق تراتبية محددة من شخص إلى آخر، وقد ينتقل أيضا من عائلة إلى أخرى، وهذا يوضحه بشار أبو حمدان للجزيرة نت بالقول "بعد استشهاد حامل البيرق يحمله الشخص الذي يكون قريبا منه، وتأخذ عائلته البيرق، ويبقى موجودا لديهم بعد انتهاء الحرب بموافقة أهل البلدة".

أحيانا قد يوجد بيرقان في القرية ذاتها، كما في قرية نجران، وهذا يوضحه للجزيرة نت، معروف نصر، الذي رفعت عائلته أحد بيرقي القرية، ويقول: "في نجران كان يوجد بيرق لآل نصر، وبيرق لآل أبو فخر، وكان كل بيرق يمثّل رمزا خاصا يميّز كل عائلة عن الأخرى، ولا يوجد تاريخ محدد لظهور البيارق، لكن ظهورها ارتبط بالحروب التي شهدها الجبل منذ العهد العثماني، بدءا من عام 1837، ثم في معارك قرّاصة 1852".

أيضا قد يحمل البيرق مجاهد من غير الدروز، كما حدث مع بيرق قرية خلخلة. يقول سعيد المغوّش الذي حملت عائلته بيرق تلك القرية للجزيرة نت: "لقد استشهد 16 رجلا من قرية خلخلة خلال الثورة السورية الكبرى، ويُعدّ نمر المغوّش أول من حمل بيرق خلخلة، وبعد استشهاده حمله عبد الله الشّلَبيّ، وهو مسلم سنّي أصله من قرية طفس بدرعا، وكان يقطن قرية خلخلة، فأعطاه أهل خلخلة ثقتهم وحمّلوه بيرق قريتهم".

إعلان

وبحسب المغوّش، فإن هذا يدلُّ على انتفاء الطائفية، وعدم التفرقة بين أبناء الوطن الواحد، خاصة في أوقات المواجهة مع العدو الخارجي، وأضاف: "لا يزال التواصل قائما بيننا، وبين عائلة عبد الله الشَّلَبي بالرغم من انتقالهم إلى دمشق".

ألقاب البيارق

وتلقّب بعض بيارق الدروز بأسماء خاصة بها، حيث يسمّى بيرق عرمان "مفتاح الحرايب" نظرا للعدد الكبير من المقاتلين الجسورين الذين كانوا يقاتلون تحت رايته، ويسمّى بيرق صلخد "بالزغابة" نظرا لعدد الشباب اليافعين الصغار الذين كانوا يقاتلون تحت تلك الراية، وبيرق قرية رشيدة كان يسمّى بالصيفور لأن لونه أصفر، أما بيرق قرية نجران والبيارق المحيطة به فكانت تسمّى ببيارق اللجاة.

وكان آخر ظهور لبيارق الدروز في فبراير/شباط 1960، حين زار جمال عبد الناصر المحافظة، والتقى حينها بسلطان باشا الأطرش القائد العام للثورة السورية، وجاء خروج البيارق في ذاك التاريخ كتكريم للرئيس عبد الناصر.

لكن فكرة البيارق، وقدرتها الفائقة على تحفيز الروح القتالية جرى استعادتها كحالة طقوسيّة عام 2013 على يدّ الشيخ وحيد البلعوس، مؤسس حركة رجال الكرامة التي كانت مناوئة لنظام بشار الأسد، واعتمدت الحركة حينها على تشكيلات مقاتلة قوامها البيارق، لكنها ليست بيارق الدروز التي حاربت العثمانيين والفرنسيين، بل بيارق حملت أسماء عائلات أو قرى، وكانت تعتمد في شكلها على علم الطائفة الدرزية، يُخطُّ عليه اسم العائلة أو القرية.

وشهدت انتفاضة السويداء ضد حكم الأسد، والتي انطلقت في أغسطس/آب 2023 حضورا لافتا لتلك الرايات والبيارق المستحدثة، والتي رافقت الانتفاضة خلال نصف سنة قبل أن يتراجع حضورها ويتلاشى تدريجيا أثناء تكاثر الأحزاب والأجسام السياسية التي أنتجتها انتفاضة السويداء.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات رمضان سلطان باشا الأطرش للجزیرة نت أبو حمدان علم الدین فی معرکة ى بیرق

إقرأ أيضاً:

عدسة شفق نيوز في قلب تاريخ الصين

عدسة شفق نيوز في قلب تاريخ الصين

مقالات مشابهة

  • حروب نتانياهو إلى متى وإلى أين تقود؟
  • أباعود: الشهراني فضل القادسية لضمان عقد طويل الأمد.. فيديو
  • الدروز في سوريا: هواجس وتحديات.. جنبلاط يرفض تحالف الاقليات
  • عدسة شفق نيوز في قلب تاريخ الصين
  • حروبٌ فتاكة ونهايةٌ محتومة
  • غرق طفل وانتشال آخر من ترعة فى قرية جراجوس بقنا
  • حروب مرتقبة
  • بعد غياب طويل.. الدراما اللبنانية تنتفض وتنافس عربيا بقوة
  • السيسي: مصر والإمارات يجمعهما تاريخ طويل من علاقات الأخوة