عربي21:
2025-03-25@18:45:05 GMT

تركيا: اعتقال إمام أوغلو بين القانوني والسياسي

تاريخ النشر: 24th, March 2025 GMT

بعد أخذ إفادته بخصوص التهم الموجهة إليه، قررت محكمة الصلح الجزائية في تركيا سجن رئيس بلدية إسطنبول الكبرى أكرم إمام أوغلو، بحيث ستستمر القضية وهو معتقل.

وكانت وجهت لإمام أوغلو تهم تتعلق بالفساد المالي من قبيل الرشى والإخلال بقانونية المناقصات والاحتيال بشكل منظم، وكذلك تهمة "دعم منظمة إرهابية" هي العمال الكردستاني؛ بادعاء تواصله قبيل الانتخابات المحلية الأخيرة مع قيادات كردية لضمان عدم تقديم مرشح منافس له ودعمه في انتخابات بلدية إسطنبول الكبرى.

وقد قررت المحكمة سجنه على ذمة قضية الفساد المالي، وإطلاق سراحه المشروط في قضية الإرهاب.

وكما كان متوقعا فقد رفع القرار من منسوب التوتر والاستقطاب في البلاد، وجدد الجدل حول مدى قانونية التهم والقضية من الأساس.

من البديهي أن أنصار إمام أوغلو (وخصوم أردوغان) يرون في الأمر مكيدة سياسية لإبعاد منافس سياسي للرئيس التركي، فإمام أوغلو ليس فقط رئيس بلدية إسطنبول الكبرى -على أهمية ذلك- وإنما كذلك قيادي بارز في الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة في البلاد، والأهم أنه لا يخفي رغبته في الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، ما يجعله منافسا قويا للرئيس أردوغان أو لمرشح العدالة والتنمية أيا كان.

القضية قانونية- سياسية، يراها البعض سياسية بنكهة قانونية، ويمكن تسميتها استثمارا سياسيا في مسار قانوني. والمشكلة الرئيسة في قضية من هذا النوع ليست في مدى صحة التهم ونزاهة المحاكمات؛ بقدر ما ترتبط بالشخص المتهم (كسياسي منافس) وغياب شبيهاتها مع سياسيين ورجال أعمال محسوبين على الحكومة
في المقابل، يرى الكثير من أنصار أردوغان أن الأمر لا يتعدى كونه قضية عادية في مكافحة الفساد غير متعلقة بشخص الرجل وخلفيته ومساره السياسي، بل يذهب بعضهم إلى أنه سارع لإعلان نيته الترشح للرئاسة لعلمه بوجوه هذه التهم والتحقيقات ضده؛ حتى يكسي الأمر ثوب المظلومية السياسية في محاولة لحماية نفسه من القضاء.

يركّز الرئيس أردوغان وأنصاره في تصريحاتهم ومواقفهم على أن المسار قانوني- قضائي، وعلى أن التهم لها رصيد في الواقع بدليل عدد القضايا وكثرة المتهمين فيها، والأهم على أن بعض التهم الموجهة للرجل كان مصدرها قيادات وكوادر في حزبه الشعب الجمهوري بسبب الخلافات الداخلية في حزب المعارضة الأكبر، على خلفية المؤتمر الأخير للحزب و/أو التنافس بخصوص شخصية المرشح المحتمل في أي انتخابات مقبلة. ويمكن بسهولة تلمس حرص وسائل الإعلام القريبة من العدالة والتنمية على تسريب ما يفترض أنها أدلة أو وثائق تدين إمام أوغلو، وهي تسريبات يصعب البت في مدى صحتها فضلا عن دقتها.

بيد أن ذلك لا يبدو كافيا لنفي الأبعاد السياسية للقضية، فشخصية الرجل وترشحه المحتمل للانتخابات الرئاسية تجعل للأمر أبعادا سياسية كبيرة بغض النظر عن المسار القانوني ومدى موثوقيته ونزاهته. يضاف إلى ذلك سؤال التوقيت والسياق، حيث أتى التوقيف ثم السجن في ظل الحديث عن احتمال تبكير الانتخابات الرئاسية في البلاد، وترشح أردوغان مجددا لها، يضاف لها تحسن شعبيته بعد التعافي النسبي للمؤشرات الاقتصادية والشروع في مسار لحل المسألة الكردية، فضلا عن المتغيرات الكبيرة في سوريا وعودة ترامب للبيت الأبيض، وهي تطورات تصب في صالح أردوغان بشكل عام.

كما أن المعارضة وحتى بعض أنصار أردوغان يشككون بسردية الاستقلال الكامل للقضاء، بالنظر لبعض المحطات السابقة، وفي مقدمتها قرار إلغاء وإعادة انتخابات بلدية إسطنبول الكبرى عام 2019، والتي فاز فيها إمام أوغلو نفسه على مرشح العدالة والتنمية بن علي يلدرم في الجولة الأولى ثم في جولة الإعادة بفارق أكبر بكثير.

وعليه، يصح القول إن القضية قانونية- سياسية، يراها البعض سياسية بنكهة قانونية، ويمكن تسميتها استثمارا سياسيا في مسار قانوني. والمشكلة الرئيسة في قضية من هذا النوع ليست في مدى صحة التهم ونزاهة المحاكمات؛ بقدر ما ترتبط بالشخص المتهم (كسياسي منافس) وغياب شبيهاتها مع سياسيين ورجال أعمال محسوبين على الحكومة، ما يجعلها في أفضل الأحزاب "عدالة انتقائية" في نظر الكثيرين، ما يحيلنا مجددا على منطق الاستفادة السياسية من المسارات القانونية والقضائية.

سيقول القضاء كلمته بعد انتهاء المحاكمات، التي يتوقع ألا تنتهي قريبا بالنظر لنوعية التهم وعدد المتهمين وخلفياتهم، ولكن صدور القرار القضائي لن يوصد الباب تماما ونهائيا على التداعيات بالضرورة، ذلك أن الانطباعات تتغلب في كثير من الأحيان على الحقائق والوقائع في عالم السياسة. ولذلك فإن المحكَّ الرئيس هو مدى قدرة الحكومة والقضاء على إقناع الشارع التركي بأن القضية حقيقية والقضاء نزيه وليس أداة لمناكفات سياسية.

والمعضلة الأساسية في هذا الإطار ليست التهم الموجهة لإمام أوغلو ومدى صحتها، وإنما عدم توجيه تهم شبيهة لآخرين، ما يبقي الأمر في إطار الانتقاء أو الاستثمار السياسي كما سلف ذكره. ولعل ذلك من أسباب الانتقادات الكثيرة التي وجهها سياسيون محافظون في البلاد للقضية والقرار الصادر، ومن بينهم رفاق درب سابقون لأردوغان مثل الرئيس الأسبق عبد الله غل ورئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو والوزير الأسبق علي باباجان، فضلا عن رئيس حزب الرفاه مجددا فاتح أربكان.

حتى بنظرة براغماتية، لا يمكن القول إن القضية تخدم أردوغان أو العدالة والتنمية على المدى البعيد، حتى ولو أطاحت -افتراضا- بمنافس قوي مثل إمام أوغلو. فالانطباعات المتولدة عن القضية داخليا وخارجيا تفتح الباب على انتقادات واسعة بخصوص العدالة واستقلال القضاء، والأهم ربما أن سردية المظلومية مؤثرة جدا في رأي الشارع التركي وتصويته
حتى بنظرة براغماتية، لا يمكن القول إن القضية تخدم أردوغان أو العدالة والتنمية على المدى البعيد، حتى ولو أطاحت -افتراضا- بمنافس قوي مثل إمام أوغلو. فالانطباعات المتولدة عن القضية داخليا وخارجيا تفتح الباب على انتقادات واسعة بخصوص العدالة واستقلال القضاء، والأهم ربما أن سردية المظلومية مؤثرة جدا في رأي الشارع التركي وتصويته، وقد حصل ذلك سابقا مع أردوغان في تسعينات القرن الماضي ثم مع إمام أوغلو في 2019. ولذلك، فإن إزاحة مرشح محتمل قد تأتي بنتائج عكسية، حتى بنظرة براغماتية بحتة.

ولذلك، فقد صدر عن بعض الشخصيات المحسوبة على العدالة والتنمية انتقاد للقضية من زاوية الإضرار بسمعة أردوغان والعدالة والتنمية، وأنها ستؤدي لخسائر سياسية وانتخابية في المستقبل، فضلا عن الخسائر الحالية في الاقتصاد من حيث سعر صرف الليرة وبورصة إسطنبول والمبالغ التي صرفت من احتياطي المصرف المركزي لوقف تراجع الليرة.

هذه المعطيات وغيرها دفعت ببعض المحسوبين على الرئيس أردوغان للادعاء بأن القضية من أصلها لعبة أو مكيدة من بعض الأطراف في الشعب الجمهوري، لإصابة عصفورين بحجر واحد، بحيث يتخلصون من إمام أوغلو ويضرون بسمعة أردوغان في آن معا. ودليل هؤلاء، إضافة للأضرار السياسية والاقتصادية والمعنوية، ورودُ الكثير من الأدلة ضد إمام أوغلو من أوساط حزبه وليس من الحزب الحاكم.

ولذلك، مرة أخرى، فالفيصل هنا هو أي سردية ستلقى قبولا أكبر لدى الشارع التركي في عمومه؛ سردية المظلومية وتسييس القضاء التي ترددها المعارضة، أم سردية مكافحة الفساد التي تقدمها الحكومة؟ خصوصا وأن تقبل السردية لا يعتمد فقط على قوة الإعلام، وإنما كذلك على قرائن عملية على الأرض وفي حيثيات القضية كذلك.

x.com/saidelhaj

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه تركيا إمام أوغلو إرهابية الفساد أردوغان تركيا أردوغان إرهاب فساد إمام أوغلو مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة بلدیة إسطنبول الکبرى العدالة والتنمیة الشارع الترکی إمام أوغلو فی البلاد فضلا عن قضیة من

إقرأ أيضاً:

تركيا.. صدور حكم بحق رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو والمعارضة تهاجم أردوغان

(CNN)-- أمرت محكمة تركية بسجن رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، الأحد، في انتظار المحاكمة، حسبما ذكرت قناة "CNN تورك" المتعاونة مع شبكة CNN، في الوقت الذي تجتاح فيه الاحتجاجات الجماهيرية البلاد ضد اعتقاله بسبب مزاعم الفساد والعلاقات بالإرهاب.

وطلب الادعاء من المحكمة حبس أكرم إمام أوغلو، المنافس السياسي الرئيسي للرئيس، رجب طيب أردوغان، وأربعة من مساعديه على ذمة المحاكمة، وفقًا لما ذكره مكتبه ونقلته وكالة رويترز للأنباء، وكان إمام أوغلو قد خضع للاستجواب في المحكمة، السبت، بعد أن أثار اعتقاله من قبل السلطات التركية الأسبوع الماضي بعضًا من أكبر الاحتجاجات في البلاد منذ أكثر من عقد.

وخرج عشرات الآلاف من الأشخاص إلى شوارع في أكثر من 12 مدينة في جميع أنحاء تركيا منذ، الخميس، بما في ذلك مدينة إسطنبول والعاصمة أنقرة، في مظاهرات سلمية إلى حد كبير ضد اعتقال إمام أوغلو.

واعتقلت المحكمة رسميًا، أكرم إمام أوغلو وسجنته بتهم تتعلق بالفساد، وفقًا لشبكة CNN تورك. ولا يتعلق الأمر بتحقيق منفصل بشأن مزاعم مساعدة حزب العمال الكردستاني (PKK) واتحاد مجتمعات كردستان (KCK)، اللذان تعتبرهما تركيا منظمتين إرهابيتين.

وذكرت وكالة أنباء الأناضول الرسمية أن إمام أوغلو ونحو 100 آخرين مرتبطين به متهمون بالانتماء إلى منظمة إجرامية والابتزاز والرشوة والاحتيال المشدد، بحسب بيان صادر عن مكتب المدعي العام في إسطنبول.

وندد أنصاره بالاعتقالات ووصفوها أن تقف وراء دوافع سياسية، وجزء من حملة حكومية متواصلة على المعارضة عقب الهزيمة الساحقة التي مُني بها حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان في الانتخابات المحلية وانتخابات رؤساء البلديات العام الماضي. ويعتقد كثيرون أن هذه الخطوة تهدف إلى إقصاء جميع المنافسين المحتملين قبل الانتخابات المقبلة لاختيار رئيس دولة يبلغ عدد سكانها حوالي 85 مليون نسمة، وهي عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو).

وتجمع آلاف الأشخاص، السبت، خارج مبنى بلدية إسطنبول في منطقة ساراتشاني، ولوحوا بالأعلام التركية ورددوا الشعارات، بينما تجمع حشد كبير من أنصار إمام أوغلو خارج محكمة تشاغلايان لدى وصوله لحضور جلسة الاستماع.

وتحدى المتظاهرون حظرًا على التجمعات في شوارع المدينة مُدد حتى 26 مارس/ آذار، وواجههم مئات من رجال الشرطة في كلا الموقعين، الذين استخدموا الغاز المسيل للدموع ورذاذ الفلفل لتفريق الحشود، وفقًا لرويترز، كما ألقى المتظاهرون مفرقعات نارية وأشياء أخرى.

وذكرت وكالة رويترز أن المتظاهرين اشتبكوا مع الشرطة في إقليم إزمير الساحلي الغربي وأنقرة لليلة الثالثة على التوالي، حيث أطلقت الشرطة مدافع المياه لتفريق الحشود.

وقال وزير الداخلية التركي، علي يرلي كايا، في ساعة مبكرة من صباح الأحد إن السلطات اعتقلت 323 شخصا خلال الاحتجاجات على التحقيق، وفقا لرويترز.

وانتخب إمام أوغلو رئيسًا للبلدية بإسطنبول في عام 2019 ومرة ​​أخرى في عام 2024. ومن المقرر إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة في عام 2028، لكن بعض المحللين يقولون إن أردوغان قد يدعو إلى انتخابات مبكرة، مما سيسمح له بتجاوز حدود الولاية.

واعتقلت السلطات رئيس البلدية، الأربعاء، في إطار تحقيقات تتعلق بالفساد والإرهاب. كما صدرت أوامر اعتقال بحق نحو 100 شخص آخرين على صلة به، بمن فيهم مستشاره الإعلامي مراد أونغون، وفقًا لوكالة الأناضول.

وقال أوزغور أوزيل زعيم حزب الشعب الجمهوري، وهو حزب المعارضة الرئيسي بزعامة أكرم إمام أوغلو، إن التهم ذات دوافع سياسية، واصفًا إياها بـ"محاولة انقلاب"، وذلك في كلمة ألقاها أمام حشود في إسطنبول، السبت، ودعا المتظاهرين إلى الوقوف "معًا من أجل الشباب، من أجل إسطنبول، من أجل أكرم إمام أوغلو" والمعتقلين الآخرين، وقال، في إشارة إلى أردوغان: "هناك ملايين الناس لا يخشونه".

وصف أردوغان، وهو نفسه عمدة إسطنبول السابق، غضب المعارضة بأنه "مسرحية" و"شعارات" لا طائل منها في تركيا، وحذرت الحكومة من ربط أردوغان أو السياسة باعتقال إمام أوغلو، وأكدت استقلال القضاء ردًا على الانتقادات بأن الاعتقالات ذات دوافع سياسية، وفقًا لرويترز.

وحذّر الرئيس في منشورٍ له على منصة إكس (تويتر سابقا)، مساء السبت، من أن "لا أحد في تركيا خارج نطاق القانون"، وأضاف تحذيرًا مباشرًا لحزب الشعب الجمهوري: "لن نسمح قطعًا لحزب الشعب الجمهوري وأنصاره بتعطيل النظام العام بالاستفزازات وزعزعة أمن أمتنا"، في حين قال وزير الداخلية، السبت، إن "من يُخلّ بالنظام الاجتماعي، ويهدد أمن أمتنا، ويسعى إلى الفوضى والاستفزاز" لن يُتسامح معه.

قالت وزارة الداخلية التركية، الجمعة، إن 16 شرطيا على الأقل أصيبوا خلال اشتباكات مع متظاهرين في أنحاء البلاد منذ اندلاع الاحتجاجات.

مقالات مشابهة

  • تركيا: اعتقال أكثر من 1400 متظاهر بعد سجن أكرم إمام أوغلو أبرز منافسي أردوغان
  • تركيا.. اعتقال متظاهرين بتهمة “إهانة أردوغان وعائلته”
  • ‏احتجاجات واسعة في تركيا ضد اعتقال أبرز منافس سياسي لأردوغان
  • بسبب اعتقال إمام أوغلو.. الاتحاد الأوروبي لا يستبعد إلغاء محادثات مقررة مع تركيا
  • هل يتجاهل الغرب احتجاجات تركيا ضد أردوغان؟
  • لماذا قرّر أردوغان حبس مُنافسه الأشرس على رئاسة تركيا إمام أوغلو في سجن سيليفري تحديدًا
  • نائب في العدالة والتنمية: إمام أوغلو “لص وقح”
  • تركيا.. صدور حكم بحق رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو والمعارضة تهاجم أردوغان
  • الادعاء العام التركي يطلب سجن إمام أوغلو على ذمة التحقيق.. والأخير ينفي التهم