عربي21:
2025-03-25@18:40:23 GMT

مصر: السُلطوية ونفي المواطنة عن الجسد السياسي (2)

تاريخ النشر: 24th, March 2025 GMT

هذا هو المقال الثاني، ضمن أربعة مقالات أناقش فيها كيف استخدمت الدولة المصرية، تاريخيا وإلى الآن، التقنيات الحداثية في إيجاد ونفي أجساد وأسماء المصريين من أجل بقائها وهيمنتها.

تاريخ اللا مُواطنة الحديث

مع انتهاء الملكية وقيام الجمهورية المصرية عام 1953، وضمن توسع الدولة في إنشاء المؤسسات والقطاعات المُختلفة، بالإضافة إلى زيادة عدد السكان، بدأت الدول وأنظمتها السياسية العسكرية المُتداولة، في تصنيف هؤلاء المواطنين من حيث انتماءاتهم الدينية والفكرية والتنظيمية والسياسية، بهدف احتواء ما يتماشى معها، ومُعاقبة من يعارضها.

كانت الدولة تمارس المراقبة والتجسس والتحقيق والاعتقال والقتل، ضمن حالة الاستثناء، خارج إطار العقد الاجتماعي المتفق عليه، أي الدساتير الموثقة تباعا، لكلّ من يعارض سياساتها.

استمرَّت الأنظمة السُلطوية في عهد عبد الناصر والسادات ومبارك والسيسي، في اتخاذ كافة الممارسات التي تخالف الدستور المصري، العقد الذي يحفظ حقوق المواطن في ممارسة حرية التعبير والفكر، وكرامته في العيش ضمن منظومة عدالة اجتماعية واقتصادية وقضائية. إذ كان نظام عبد الناصر، وجهاز مخابراته بقيادة اللواء صلاح نصر، يقوم بالتجسس على المواطنين، سواء موظفين أو مسؤولين في الحكومة، أو حتى مواطنين يعملون في مجالات الفن والصحافة وغير ذلك، هذا بجانب ممارسة الاعتقال، والاختفاء والتعذيب داخل السجون في عهده، ومن بعده السادات ومبارك. أما نظام السيسي، فقد زاد تلك الممارسات دقَّة وتوسّعا، ما جعل من المصري مواطنا مستباحا، بلا أي حقوق أو حريات.

كأن الدولة هنا، ومن خلال ممارساتها في القتل، تتعامل على أنها كما دونت الأسماء في سجلّها المدني، أيضا من حقها مَحوها، وفقا لأسبابها ورؤيتها، التي تُعد بيو سلطويّة، حسب المفكر الفرنسي ميشيل فوكو، أي أنها تتحكم في كيفيّة حياة ومَمات أجساد المواطنين
أيضا هذه الأنظمة امتلكتْ حقِّها "المرئي" (وأقصد هنا بالمرئي، أي غير الموثق لفظيا وقانونيا) في قتل الجسد، ولا سيما نظام السيسي، حيث سُجلتْ المئات من حالات القتل المباشر وغير المباشر، من قبل الجهاز الأمني للدولة بحق المواطنين، ليسوا من المعارضين السياسيين فحسب، بل من المواطنين كافة، سواء بالتصفية الجسدية أو بتعذيبهم حتى الموت، في أقسام الشرطة والسجون. إذ رصدت المنظمات الحقوقية مئات من حالات القتل بحق المواطنين خارج إطار القانون بواسطة رجال الأمن، بدءا من سجون عبد الناصر وحتى قيام ثورة يناير، والتي من الأساس قامت احتجاجا على قتل المواطنين إثر التعذيب. وكأن الدولة هنا، ومن خلال ممارساتها في القتل، تتعامل على أنها كما دونت الأسماء في سجلّها المدني، أيضا من حقها مَحوها، وفقا لأسبابها ورؤيتها، التي تُعد بيو سلطويّة، حسب المفكر الفرنسي ميشيل فوكو، أي أنها تتحكم في كيفيّة حياة ومَمات أجساد المواطنين.

في عهد السيسي.. اختر المواطنة أو المعارضة

"تنازل عن مواطنتك (جنسيّتك)، ربما تخرج من السجن"، هذه هي الاستراتيجية التي تتبعها العقلية الأمنية في مصر مع السجناء السياسيين الذي يمتلكون أكثر من جنسية، إذ لم تقتصر ممارسات سُلطوية السيسي القمعية بحق معارضي سياساته، في الاعتقال والتعذيب والقتل خارج القانون، بل طالت لتمحو اسم المواطن المصري ذاته من السجلّات المدنية المُسجّل لديها، كما استخدمتها -أي المواطنة- في التهديد بمحوها، أو التنازل عنها، أو التمسك بها، بهدف خضوع هؤلاء المعارضين.

لم تقتصر ممارسات سُلطوية السيسي القمعية بحق معارضي سياساته، في الاعتقال والتعذيب والقتل خارج القانون، بل طالت لتمحو اسم المواطن المصري ذاته من السجلّات المدنية المُسجّل لديها، كما استخدمتها -أي المواطنة- في التهديد بمحوها، أو التنازل عنها، أو التمسك بها، بهدف خضوع هؤلاء المعارضين
على سبيل المثال، فاوَضت سُلطوية السيسي المعارضين، الذين لديهم جنسية أُخرى، بالخروج من السجن مقابل التنازل عن جنسيتهم المصرية، أي مقابل التنازل عن مواطنتهم، ونفي اسمهِم من السجلات المصرية، كما حدث مع المواطن المصري/ فلسطيني رامي شعث في السجن، إذ تنازل رامي عن جنسيته المصرية، ليصبح فلسطينيا فقط، ويخرج من السجون المصرية. حدث هذا أيضا مع السجين المصري علاء عبد الفتاح، إذ وافق علاء على التنازل عن الجنسية المصرية، وبقائه على الجنسية البريطانية، كي يخرج من السجن بصفته مواطنا بريطانيا فحسب، لكن نظام السيسي تعنّت في الموافقة على هذا الطلب، وأصرَّ على استكمال سجنه، وأصبحت المواطنة المصرية، ذاتها عبئا على أي إنسان/ سجين، حتى لو وافق عن التنازل عنها.

أما فيما يخص المواطنين المصريين، الذين سُجنوا وخرجوا فيما بعد، تتعامل معهم سُلطوية السيسي وكأنهم لم يخرجوا بعد من السجن، فتمنَعهم من التعامل الحكومي، دون أي سبب قانوني، إذ يخرج بعض الناشطين وحين يذهبون إلى المقرات الحكومية لإتمام إجراءات تخص أوراقهم الرسمية، مثل استخراج بطاقة هُوية شخصية أو جواز سفر، فيفاجأون بأنهم ممنوعون من استخراج هذه الأوراق، (الناشط أحمد دومة مثالا)، بلا أي سبب واضح، فيصبح الناشط بلا هُوية أو جواز مواطنة وسفر، فيعيش في العراء كأنه جسد متحرك ينتمي إلى هذه البلد، لكن سُلطوية هذا البلد ترفض انتماءه، ولا تعترف، ورقيا، بوجوده.

أيضا حين تُستخرج أوراق الناشط الحكومية بشكل عادي، لا يمارس حقّه الكامل في استخدامها كمواطن عادي، إذ لأكثر من مرة مُنعتْ الناشطة والمحامية ماهينور المصري من السفر، دون إبداء أسباب واضحة من الناحية القانونية، أو حتى التحجُّج بأنها ممنوعة بسبب بقائها على ذمّة قضية لم يغلق ملفها بعد..

(في المقال القادم، سوف أستكمل السياسات التي مارستها سُلطوية بحق المواطنين المعارضين، لنفي أسمائهم وأجسادهم).

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء المصرية السيسي المواطنة القمعية مصر السيسي قمع مواطنة قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة التنازل عن من السجن التی ت

إقرأ أيضاً:

الرئيس السيسي يتابع جهود تفعيل البورصة السلعية المصرية لتحقيق الأمن الغذائي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

اجتمع الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، اليوم الثلاثاء، مع كل من الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، والدكتور شريف فاروق وزير التموين والتجارة الداخلية، وعلاء فاروق وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، واللواء أمير سيد أحمد مستشار رئيس الجمهورية للتخطيط العمراني، والعقيد دكتور بهاء الغنام رئيس جهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة.  

وصرح المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، أنه تم خلال الإجتماع تناول جهود الحكومة لتفعيل البورصة السلعية المصرية، بما يحقق المستهدفات منها فيما يتعلق بتحقيق الأمن الغذائي وتعزيز استدامة توفير السلع الأساسية بأسعار مناسبة، وذلك من خلال ضمان أسعار عادلة للسلع الاستراتيجية، وحماية المنتجين والمستهلكين على حد سواء، ودعم القطاع الزراعي والصناعي المحلي، إلى جانب تحسين آليات تداول السلع لضبط الأسواق وتعزيز الشفافية في التسعير.

مقالات مشابهة

  • رئيس مجلس النواب يهنئ السيسي والشعب المصري بقرب حلول عيد الفطرالمبارك
  • الرئيس السيسي يبحث مع رئيس الوزراء جهود تفعيل البورصة السلعية المصرية
  • الرئيس السيسي يتابع جهود تفعيل البورصة السلعية المصرية لتحقيق الأمن الغذائي
  • لماذا رسمه القدماء على المقابر؟ .. سر مكانة الوشق المصري في الحضارة المصرية
  • السجن سنتين لسايس بتهمة البلطجة على المواطنين
  • صحة الشيوخ: توجيهات الرئيس السيسي للحماية الاجتماعية طوق نجاة للأسر المصرية
  • تعرف على آخر تطورات العلاقات المصرية الإريترية في عهد السيسي
  • عبّر عن خشيته على الذوق العام.. السيسي عن الدراما المصرية: كانت صناعة وأصبحت تجارة
  • "أخاف على الذوق العام".. السيسي يتحدث عن أزمة الدراما المصرية