صحيفة الاتحاد:
2025-04-15@07:57:49 GMT
رمضان.. شهر الخير والجود والتراحم
تاريخ النشر: 24th, March 2025 GMT
يقول الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، «سورة الحج: الآية 77». ويقول عز وجل: (... وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)، «سورة المائدة: الآية 2».
رمضان شهر قضاء حوائج المحتاجين، وهو شهر التعاون والتراحم. وإن فعل الخير مبدأ إنساني دعا إليه القرآن الكريم، وشجع أهل الإيمان على التعاون بشأنه، وجاء الأمر بفعل الخير بعد ذكر جملة من الشعائر، للدلالة على أن فعل الخير لا يقل عنها في المنزلة والثواب، والقرآن الكريم يكرر الدعوة إلى فعل الخير بلفظ التعاون بين بني البشر، فيأمرنا بالتعاون في ميدان البر، وينهانا عن التعاون في ميدان الشر.
وإن من كرم الله تعالى على عباده أن جعل الماشي في حاجة المسلم في معيته جل جلاله، مؤيداً إياه ومعيناً ومثيباً، وكفى به أجراً وفضلاً، فمن سعى في قضاء حوائج الناس على اختلاف مشاربهم وأجناسهم، قضى الله له حوائجه، وثبته على الصراط، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله ﷺ: «والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه»، (صحيح مسلم، 38).
وإن السعي في قضاء حوائج الناس منزلة حث عليها النبي ﷺ، فعن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله ﷺ: «إني أوتى فأُسأل ويطلب إليّ الحاجة وأنتم عندي، فاشفعوا فلتؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما أحب أو ما شاء»، (صحيح ابن حبان، 531).
كما أن السعي في قضاء حوائج الناس سبب للبركة وزيادة الرزق، فقد روي في الحديث: «إن لله أقواماً اختصهم بالنعم لمنافع العباد، يقرهم فيها ما يبذلونها، فإذا منعوها نزعها منهم فحولها إلى غيرهم»، (المعجم الأوسط للطبراني 13925).
وفي هذه الأيام الرمضانية، يقوم كرام الناس بتفقد المحتاجين وإطعام الجائعين، والبحث عن المساكين، فيواسونهم ويقضون حوائجهم، ومن ذلك ما تقوم به هيئة الهلال الأحمر الإماراتي من مشروع إفطار الصائم وكسوة العيد، وحفظ النعمة وزكاة الفطر. فساهموا معها فهي توصل صدقاتكم إلى مستحقيها. وقضاء حوائج الناس مبدأ إنساني دعا إليه الإسلام وحث عليه، وعلى المسلم التأسي برسول الله ﷺ في حرصه على قضاء حوائج الناس، إذ إن ثواب قضاء حوائج الناس عظيم تكفل به الله سبحانه وتعالى.
أجود ما يكون في رمضان
يضاعف الله الأجر للمنفقين في شهر رمضان، وينعم بأفضل الثواب على أهل البر والإحسان، وخاصة في شهر رمضان أشرفُ الشهور عند الله تعالى، جعله سبحانه ميدانًا لعباده يتسابقون فيه بأنواع الطاعات، ومن أبرزها: الإنفاق في أعمال الخير والبر، قال جل في علاه: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).
فما هي أهمية الإنفاق في سبيل الله؟ وما فضله ومكانته عند الله جل في علاه؟
حثّ الإسلام على الإنفاق وجعل ثوابه عظيماً، ووعد الله من تصدق وأنفق بالخلف والعوض، قال تعالى: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾، وقال ﷺ: «مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ العِبَادُ فِيهِ، إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا».
وشجع النبي ﷺ على الإنفاق عموماً وأكد عليه في شهر رمضان خصوصاً، فكان يجود فيه ما لا يجود في غيره، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: «كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَلْقَاهُ، فِي كُلِّ سَنَةٍ، فِي رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ، فَيَعْرِضُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ الْقُرْآنَ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ أجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ»، وكان يحث على الإنفاق والبذل وإفطار الصائمين ولو بتمرة، فيقول: «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا».
وكان النبي ﷺ يدعو إلى المبادرة بالإنفاق وعدم التسويف، فقد جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: يا رَسولَ اللَّهِ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ قال: «أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الفَقْرَ، وَتَأْمُلُ الغِنَى، وَلَا تُمْهِلُ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ، قُلْتَ لِفُلَانٍ كَذَا، وَلِفُلَانٍ كَذَا وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ».
وليعلم كل مسلم أن الانفاق يزيد في المال ولا ينقصه، ومن المستحب المسارعة فيه، وخاصةً في شهر الخيرات شهر رمضان المبارك، حيث تشتد حاجة الناس للمساعدة، ويُضاعف الله الأجر والثواب للمنفقين.
حديث
عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق «إن أحدكم يجمع خفقه في بطن أفه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد، فو الله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها».
فتوى
ورد إلى مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي سؤال جاء فيه: والدي لا يستطيع الصوم، لكبر سنه وعنده السكري، فهل يجب عليه دفعُ الفدية بدلاً عن الصيام؟
فأفتى المجلس بأن: لا يجب عليه دفعُ الفدية، ولكن تستحب له إذا كان عجزه عجزاً مستمراً بحيث لا يتوقع القدرة على الصوم في أي وقت من أوقات السنة، لما رُوي من أن أنس بن مالك رضي الله عنه: «كَبِرَ حَتَّى كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الصِّيَامِ. فَكَانَ يَفْتَدِي». (موطأ مالك: 1/ 307).
قال الإمام مالك رحمه الله: «لا أرى ذلك واجبا، وأحب أن يفعله إذا كان قوياً عليه»، (موطأ مالك: 1/ 307). أخبار ذات صلة
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: رمضان الصيام قضاء حوائج الناس رضی الله عنه رسول الله ﷺ شهر رمضان ول الله ﷺ بعمل أهل النبی ﷺ فی شهر
إقرأ أيضاً:
حول النسوية وأدبها
متنكبات عن الصراطهل من الصعوبة بمكان أن لا يهتدي الإنسان بعقله وفطرته السليمة إلى فك جدلية الحرية الفردية والجماعية ثم ينطلق بشخصية متوازنة في دروب الحياة؟
لا أرى في الثقافة العربية، والأدب منها، تمييزا ضد المرأة، تمييزا يدعوها لطلب حق لها قد هضم، أو حاجة ما للندية ومنافسة أخيها الرجل. لم يك الطريق أمامها مقفلا، أو أن الذكورية كانت تمنعها. هذا وهم، وآيته أن أسماء منهن قد وجدن فضاء للكتابة متاحا فكتبن شيئا أردنه.
هكذا هي النسوية تستدعي مخاصمة مفتعلة وتخلق جوا ليس بالضرورة أن يكون واقعيا. ولعلي لا أكون متشائما جدا إذا قام غير المرأة والرجل بادعاء حق مسلوب ومارس في الأدب لونا من المظلومية.
لغو الأحاديث
التشاركية، الندية، مطالب حقوقية، الذكورية... مصطلحات نجدها لدى الحركات النسوية في الغرب كثيرا. وأخيرا تعترف إحداهن الأمريكية بأن سبب العنوسة هو تنمر حركتها على الرجل: الأب، والأخ، والزوج، والابن. لست النفقة أو الأجر الذي يدفع للمرأة لقاء نكاحها العلة وراء التحكم فيها، إذن ما يقول أدعياء هذا في مهر شرعي قدره خاتم من حديد، أو مهر مقداره ما مع الرجل من القرآن، ولست أدري ما ستقنع به هؤلاء ربات الخدور إن أرادهن الرجال لمالهن؟ ثم هل كانت القوامة بسبب مال مهرت به الزوجة أما هي إرادة ربانية؟ الزواج عقد قران بين رجل وامرأة لتكوين أسرة تحضن الأجيال التي تستمر بها الحياة، توزعت فيها الأعمال مناصفة بين الرجل والمرأة كل بحسبه، وفضلت المرأة على الرجل بثلاثة أرباع البر، وليس من واجبها أن تعمل لتكسب القوت، الذي ضمن لها مذ تولد وحتى الوفاة، سواء أكان على أبيها أم على زوجها أم على الأولاد والأحفاد. إنهن قوارير رفق بهن لا كما تشقى مثل الرجال الغربيات، حتى أضاعت إحداهن الأسرة وافتقدت الأنوثة، وهما أثمن ما قسم الله للنساء.
من وجوه العفة والحياء في أمتنا المسلمة السيدة فاطمة الزهراء وأسماء بنت عميس رضي الله عنهما، اللتان ابتكرتا النعش المتداول اليوم في التشييع، الذي يشبه الصندوق، بدلا من اللوح الذي كانت تسجى عليه المتوفاة فلا يتوارى حجم جسمها عن الناس؛ فكرة خارقة جاءت من وحي الطهر والحياء، "إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا". لا تعبأ اليوم نساء مسلمات بخلق الحشمة الذي يجللهن إلا قليلا، ولعل بعضهن تبارين في إظهار الزينة للناس غير مباليات أن كن متبرجات، إن ذلكم خطب غير يسير حل ببنات المسلمين على حين غفلة من أهلهن!تلتقط بعض المتكسبات بالأقلام نصوصا من الأدب العالمي تظهر المرأة مضطهدة وأهلا للرحمة والشفقة، من دون تمييز بين كونها ضحية عنف كما في الاغتصاب، أو متهمة بجنابة كمن اخترن البغاء أو وقعن في المثلية. تعمد الكاتبات النسويات إلى التعاطف معهن لأنهن يعانين في صمت، من دون أن تحسن التفريق بين الحالات في تعام أحمق لا يميز بين الألوان؛ ليست كل النساء بريئات، فلا تقاس عليهن سائر النساء، وهذه خطيئة منهجية وقعت فيها هؤلاء الكاتبات، اللاتي يلجن بيوت المخبآت في الخدور عبر منصات تمدها حكوماتنا بالمال.
مقالات الكاتبة غادة السمان تريح تفكيري عن النقد وتسليني، أراها ككشكول ابني في الابتدائي، فيه من كل شيء، حتى خربشات أخته المفطومة حديثا لم تنج منه، وحولها كثير من بقع الزيت أيضا. لست أدري حقا نمط الكتابة الذي تظهر به الكاتبة على الناس، وفي أي الأجناس الأدبية أصنفه؟ لا تبالي هذه المحصنة أن تلقي بذكريات عشق عاشتها في الصبا على كراسها المنشور، تباهي به الناس وتجد في البوح به مسلاة لها وملهاة للغافلات!
وفي الأدب النسوي رجال لا يقل شأنهم عن ربات الحجال، يضيرهم أن يلحظوا فوارق بين النساء في الشرق والغرب، طبعا لا يريد هؤلاء للغربيات أن يكن مثل الشرقيات بل العكس ما يريدون، أسأل هؤلاء السذج عن المرأة الجزائرية مثلا، ما هي ملامح شخصيتها؟ وكيف تشكلت خصوصيتها عبر التاريخ؟ وما هي الفروق الثقافية بينها وبين مثيلاتها في الضفة الأخرى من الأطلسي؟
أحسن ما يكون التصور والتصديق في القضايا الخاصة بالشعوب عندما ينظر إليها من خارج الصندوق. على ألا يبقى المثقف حبيس رأيين لا ثالث لهما: العيار المدني كما نشأ وتطور في ضوء عصر النهضة الأوروبي، والمحلي الذي صاغته السياسة والثقافة والتاريخ والأعراف. أن يتحمل الطفل جنسية الأبوين أو أحدهما مسألة سياسية بحتة. وأن يدعى المولود لأبيه فذلك ما أمر الله به. ولقد رأيت دفاتر عائلية لدولة أوروبية حذف منها ذكر الأب، وبقيت الأم وحدها فيه والأولاد، كي لا أقول دفاتر مبتدعة لمجتمع "الميم"، فيها أسماء أطفال نسبوا إليها بالتبني لا يعلم أصولهم الحقيقية إلا الله.
قضية الحجاب الإسلامي هي إحدى المرايا المحدبة التي تتصادم فيها الثقافة الدينية والعلمانية وحقوق الإنسان وغيرها بحدة. علما بأننا لا نجد مثل هذه التفاعل الحاد في قضية اللباس اليهودي والمسيحي ذوي الصبغة التقليدية والدينية، رغم تشابههما والحجاب في مسألة الاحتشام.
مخادعنا المحصنة
ليس في المثل العليا للغرب مفهوم النسب، ولا تروم قوانينه حفظ العرض والشرف، وتحقيق التمازج الثقافي لا يتطلب إنسانا كيف ما كان، فقط لأنه عقل وآلة. لنتمعن في هذا التفضيل النبوي الساحر: "خيرُ نساءٍ رَكِبْنَ الإبِلَ نساءُ قريشٍ، أرْعاهُ على زوجٍ في ذاتِ يَدِه، وأحناهُ علَى ولَدٍ في صِغَرِهِ".
للحريم، أو الحجبة أو غيرهما من أسماء، فضاء رائع للنساء، ينجذبن إليه بشدة في المناسبات التي تجمعهن وحدهن، وفيه حكيمات يداوين الحرائر ويوجهنهن بنصائح موروثة أثبتت نجاعتها في استقرار المجتمعات الشرقية. لا نلفى روايات أدبية مشهورة تتحدث عنها!
فساد الأخلاق بشكل عام ألقى بظلاله الثقيلة على الكتابة، والأصالة أصبحت غريبة في الأوساط العلمية، كما أن حياتنا الفكرية والأدبية جافت بيئتها الطبيعية التي شبت فيها على مدار القرون السالفة. الرافعي والعقاد والزيات والإبراهيمي.. هم عناقيد أخيرة من تلكم الجنة التي لها خصوصية فارقة قلما يلتفت إليها أحد من المثقفين في هذا الزمان.الرواية جنس من الأجناس الأدبية وليست هي كل الأدب، تفعيل القراءة بالأدب أو إنشاء أدب مقروء قضية تتجاوز الوضع السياسي والاقتصادي لمجتمعاتنا التي قل اهتمامها بالقراءة عموما. الذي أجده مقروءا حقا والناس تنتظم لسماع نصوصه قياما وقعودا وعلى جنوبهم في كل يوم هو القرآن الكريم، الركيزة الراكزة في أدبنا العربي وليست الرواية الطارئة عليه. يبقى تذكير الناس بفرضية القراءة وإرشاد الكتاب بضرورة وصل أدبهم وما يكتبون بهذا النص العجيب الذي يفجر الإبداع بسحره تفجيرا.
الأنفس البشرية تتشابه في ما بينها لأن أصلها واحد حواء وآدم، ولقد عرف شيء من هذا في ثقافتنا الشرقية سمي بالخلوة، عده أساطين التصوف سبيلا لا بد منه لتزكية النفس وتقريبها من خالقها للفوز بالسعادة الحقيقية. كتاب "صفة الصفوة" لابن الجوزي يروي قصصا عجيبة لأناس عاشوا هذه التجربة الممتعة. ولنساء صالحات مناجاة شعرية خلدها الزمان.
من وجوه العفة والحياء في أمتنا المسلمة السيدة فاطمة الزهراء وأسماء بنت عميس رضي الله عنهما، اللتان ابتكرتا النعش المتداول اليوم في التشييع، الذي يشبه الصندوق، بدلا من اللوح الذي كانت تسجى عليه المتوفاة فلا يتوارى حجم جسمها عن الناس؛ فكرة خارقة جاءت من وحي الطهر والحياء، "إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا". لا تعبأ اليوم نساء مسلمات بخلق الحشمة الذي يجللهن إلا قليلا، ولعل بعضهن تبارين في إظهار الزينة للناس غير مباليات أن كن متبرجات، إن ذلكم خطب غير يسير حل ببنات المسلمين على حين غفلة من أهلهن!
فساد الأخلاق بشكل عام ألقى بظلاله الثقيلة على الكتابة، والأصالة أصبحت غريبة في الأوساط العلمية، كما أن حياتنا الفكرية والأدبية جافت بيئتها الطبيعية التي شبت فيها على مدار القرون السالفة. الرافعي والعقاد والزيات والإبراهيمي.. هم عناقيد أخيرة من تلكم الجنة التي لها خصوصية فارقة قلما يلتفت إليها أحد من المثقفين في هذا الزمان.
في كل هذه المشهدية "الثقافية" لصالونات المرأة المصرية، أسأل عن صالونات نسائية متوارية عن الأنظار، ليس فيها اختلاط بين الرجال والنساء، مليئة بالمثقفات، وفيها من القيمة الأدبية والأخلاقية ما يربو على أشهر الصالونات.
أتحدث عن فتيات عابدات يجتمعن في بيت إحداهن لتعلم أحكام الدين، فيهن كل أصناف النساء المصريات، المثقفات والأميات، الصغيرات والكبيرات، يتعبدن الله بالصلاة والصيام وتلاوة القرآن، خاصة في الشهر الفضيل، ويتبادلن النصائح والتوجيهات، ويناقشن قضاياهن وقضايا المجتمع والأمة، لا يلج فضاءهن رجل قريب أو بعيد لا يحسن التفريق بين الحرية والأخلاق، ولا يستهويه من صالونات المرأة غير حب النساء، يمشي إليهن رويد، يطلب منهن صيد، إلا أتباع عمرو بن عبيد.