أحمد المساوى

اليمن، بقيادته، نفسُ الرحمن… ولنا دروسٌ وعبرٌ في غزوات الرسول الأعظم ﷺ.

من بدر إلى البحر الأحمر.. غرورٌ يكابر.. وجنونٌ ينتحر!

كان المشهدُ سرياليًّا: جيشٌ مترفٌ متخمٌ بالكبرياء، يسيرُ مزهوًا كالطاووس! تسبقه القوافلُ المحمّلةُ بالخمور! وأصوات الطبول تُعلن انتصارا مسبقًا! وقادةٌ يتبادلون النكات عن سهولة سحق أُولئك الرعاع! المعركةُ كانت، بالنسبة لهم، حفلةً تنتهي بذبح محمد ﷺ وأصحابه، وتقسيم الغنائم في سهرةٍ صاخبةٍ بمكة.

لكن القدرَ لم يكنْ ضمنَ المدعوين لتلك السهرة، ولا السماءُ في قائمةِ الانتظار.

وما هي إلا لحظاتٌ حتى تدحرجت رؤوسُ جبابرة قريش في التراب! وسقطت راياتُهم كما تسقطُ أوراق الشجر اليابس تحت أقدامِ العاصفة!

في بدر، لم يكن المشهدُ مُجَـرّد معركة، بل كان محكمةً إلهية! تلا فيها التاريخُ حكمَه بالإعدام على كُـلّ طاغيةٍ يظنُّ أن العددَ والعدةَ صنمٌ يُعبد!

جاء أبو جهل بكاملِ عنجهيته! ظانًّا أن الأرض سترتجفُ خوفًا من وقعِ قدميه! لكنه انتهى ممددًا في الرمال، يلفظُ أنفاسَه الأخيرةَ كجرذٍ مذعور!

جلبت قريشُ جبابرتها ليكونوا قرابينَ على مذبحِ الحق! فكانت النتيجةُ أن انهارَ غرورُهم كما ينهارُ قصرٌ كرتوني تحت المطر!

لم تنفعهم ذهبُهم! ولم تحمِهم سيوفُهم! ولم تشفع لهم صلاتُهم الوثنيةُ بأصنام لا تملكُ من أمرها شيئًا!

“بدر” كانت بروفةً مصغّرةً لمصيرِ كُـلّ طاغية، ولكل جيشٍ غبيٍّ يظنُّ أن النصرَ يُشترى بالدنانير ويُستوردُ من أسواق السلاح!

واليوم؟ نفسُ الحماقةِ تتكرّر! في واشنطن، يجلسُ “أبو جهل العصري” في البنتاغون! يخططُ كيف يسحقُ “الرعاع”! ويجلسُ “أبو لهب الجديد” في تل أبيب! يحلمُ بأن يُعيدَ عجلةَ التاريخِ إلى الوراء!

ذاتُ الغرور! ذاتُ الأوهام! وذاتُ المصير!

لكنهم نسوا أن في صنعاء قيادة قرآنية لا تخاف في الله لومت لائم، ورجالًا لم يتلوثوا بالذل! ولم يتدربوا على الانحناء! ولم يضعوا كرامتهم في بورصةِ الدولار!

نسوا أن بدرَ لم تكنْ مُجَـرّد معركة، بل كانت قانونًا إلهيًّا يضعُ الأسيادَ الحقيقيينَ في مواجهةِ عبيدِ المالِ والسلاح! ونسوا أن السماءَ لا تنسى!

ونحن واثقون بالله وبنصره، وبقيادة السيد عبدالملك يحفظه الله، فلا تلتفتوا إلى أقوال مرضى النفوسِ ليشكّكوكم في المصيرِ المحتومِ لليهودِ وصهاينةِ العصر. فالذي قال لمحمد ﷺ في غزوة بدر (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ) هو من يقول لنا دائمًا أن النصر على الطغاة ليس بكثرة العدة والعتاد، وإنما بالثقة بالله، والتوكل عليه، وإعداد ما نستطيع من قوة، والباقي عليه والنصر من عنده. فهو القائل: (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) والقائل: (وَإِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ) والقائل: (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ).

(وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ).

المصدر: يمانيون

إقرأ أيضاً:

المؤرخ الإسرائيلي توم سيغيف: الصهيونية كانت خطأ منذ البداية

في حوار صريح أجري معه بمناسبة بلوغه سن الـ80، وبعد عقود من العمل الصحفي والبحثي الذي تناول فيه محطات محورية في تاريخ إسرائيل والعلاقات مع الفلسطينيين والعرب، بما في ذلك النكبة والمحرقة والعقود الأولى لقيام الدولة، قال المؤرخ الإسرائيلي المعروف توم سيغيف إنه بات يعتقد أن المشروع الصهيوني كان خطأ منذ البداية ولم يحقق وعوده.

وفي حديثه المطول لصحيفة هآرتس الإسرائيلية، كشف سيغيف عن تفاصيل شخصية صادمة في سيرته الذاتية، حيث اكتشف بعد عقود من اعتقاده بأنه "يتيم حرب" فقد والده في معارك 1948، أن والده، هاينتس شفيرين، لم يُقتل برصاص قناص كما أخبرته والدته، بل سقط من أنبوب تصريف أثناء محاولته تسلق بناية مغلقة لتوصيل القهوة للحراس، في حادث عارض. هذه الرواية لم تُكشف له إلا في وقت متأخر من حياته من قبل شقيقته الكبرى يوتا، التي كانت تبلغ السابعة من عمرها وقت الحادث، واحتفظت بالحقيقة لنصف قرن.

وولد سيغيف في القدس عام 1945 لأبوين ألمانيين فرّا من النازية. حصل على الدكتوراه في التاريخ من جامعة بوسطن، وعمل في الصحافة لأكثر من 50 عاما، لا سيما في صحيفة "هآرتس". من أبرز كتبه: "1967"، و"المليون السابع"، و"جنود الشر". يُعرف بمواقفه النقدية تجاه المشروع الصهيوني والسياسات الإسرائيلية، وبشجاعته في إعادة تفكيك الذاكرة القومية الإسرائيلية.

إعلان دوافع التأسيس الصهيوني

يقول سيغيف إن والدته لم تخبره بالحقيقة، وربما فعلت ذلك لتحميه أو لتبقي على صورة مثالية لوالده كـ"شهيد من شهداء الاستقلال". وأضاف: "عندما كنت صغيرا، كنت أقول بكل فخر إن والدي قُتل في حرب الاستقلال، وإنني يتيم حرب. كان ذلك جزءا من هويتي" لكن كل ذلك لم يكن حقيقيا كما يوضح في هذه الحوارية الطويلة.

حقيقة الوفاة، التي كشفها سيغيف من خلال رسائل قديمة ووثائق وزارة الدفاع، أثارت لديه أسئلة عميقة حول معنى الانتماء، و"كيف أعيش الآن بهذه القصة؟ أين أضع نفسي بين الأيتام الحقيقيين؟"، على حد تعبيره.

وينتقد سيغيف بشكل حاد دوافع التأسيس الصهيوني، مشيرا إلى أن والديه لم يكونا صهيونيين، وكانا يخططان للعودة إلى ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية. وقال: "كان والدي يكتب إلى أصدقائه في ألمانيا عن رغبته في العودة، وبعد آخر رسالة كتبها بأيام، توفي".

ورغم أنه ولد في القدس وتربى فيها، فإن سيغيف لم يشعر بالارتباط العميق بالمشروع الصهيوني كما فعل كثير من أبناء جيله. بل إنه يرى أن جزءا كبيرا من الذاكرة الجماعية الإسرائيلية "مبنية على أساطير وأوهام"، ويؤكد أن مهمته كمؤرخ هي "الشك والتشكيك، وهذا تعريف آخر للحرية".

ويصف مذكراته التي نُشرت بالألمانية تحت عنوان "زاوية القدس-برلين"، بأنها محاولة لـ"الكتابة عن نفسي كمن يكتب عن شخص آخر". ويؤكد أن بعض ما حُكي له عن طفولته لم يكن دقيقا، وأن الرواية التي كان يحملها لسنوات عن والده اتضح أنها مختلقة بالكامل.

ويتابع: "ما زلت لم أزر قبر والدي في جبل الزيتون رغم أنه يمكنني رؤيته من نافذة منزلي. لا أستطيع تفسير ذلك".

يتناول سيغيف أيضا التحولات في وعيه التاريخي، ويرى أن "ذاكرتنا تخدعنا، وغالبا ما تكون القصة التي نتذكرها أكثر تشويقا من الواقع"، مضيفا أن "هذا ما يصعّب عمل المؤرخ. الناس لا يتذكرون بدقة، أو قد يختلقون الذكريات".

إعلان

وعن موقفه من الروايات الرسمية، يعرب عن تفضيله الوثائق على الشهادات الشفهية، ويستشهد بحواره الصحفي الشهير مع أول رئيس وزراء لإسرائيل دافيد بن غوريون عام 1968، حين سأله الأخير إن كان قد أصبح صهيونيا في عمر الثالثة، فشكك سيغيف الصغير حينها في هذه الدعوى، واليوم، بعد 50 عاما، ما زال متمسكا بشكّه.

وبينما يعمل اليوم على مشروع جديد حول تاريخ اليهود في غزة بعنوان "من شمشون إلى بيبي"، يقول سيغيف إن الخبرة علمته ألا يثق بأي رواية دون تحقق، مضيفا: "كتابة التاريخ تتطلب التأكد من الحقائق مهما كانت مؤلمة أو مخالفة للسرديات الشائعة".

ويشير سيغيف في حديثه إلى أن المشروع الصهيوني، الذي أقيم على فكرة إقامة وطن لليهود في فلسطين، قد فشل في تحقيق السلام أو الاستقرار، ويستشهد بما وصفه بـ"الجرائم المرتكبة في غزة"، قائلا إن "الصهيونية فشلت".

"والدي لم يكن شهيدا"

ويكشف المؤرخ والصحفي الإسرائيلي البارز توم سيغيف عن تفاصيل جديدة من ماضيه الشخصي والوطني، ويواصل هدم السرديات المؤسسة للحركة الصهيونية، كما يعرض رؤيته النقدية للتاريخ الإسرائيلي والذاكرة الجماعية بعد بلوغه سن الثمانين.

كان سيغيف يعتقد لسنوات طويلة أن والده هاينتس شڤيرين، الذي قتل في حرب 1948، برصاص قناص عربي خلال خدمته حارسا. لكنه اكتشف لاحقا، من خلال شهادات ورسائل، أن والده توفي نتيجة حادث سقوط عرضي أثناء تسلق أنبوب مياه، وأن الرواية "البطولية" كانت جزءا من كذبة اتفق عليها الجميع حتى تتمكن والدته من الحصول على مخصصات أرملة شهيد. "ربما كانوا على حق"، يقول سيغيف، "لقد شكلوا شبكة تضامن إنساني في مجتمع صغير كان يواجه مستقبلا مجهولا".

تاريخ مشكوك فيه

لم تكن تلك القصة الوحيدة التي شكك فيها لاحقا، فقد اكتشف أيضا أن والدته اختلقت قصة فرار والده من معسكر اعتقال نازي شهير، بينما في الواقع لم يكن ذلك ممكنا زمنيا. "كنت أراه بطلا"، يقول، "لكن القصة لم تكن حقيقية".

إعلان

يتذكر سيغيف طفولته في القدس خلال الفترة بين حرب الاستقلال وحرب 1967، ويستعيد حادثة طريفة حين اُعتقل مع صديقه من قبل الأردنيين بعد أن حاولا إعادة حمار ضائع. "كنت أحب القدس القديمة والناس الغريبين فيها، قبل أن تتحول إلى مدينة لا تُطاق".

لماذا بقيت في القدس؟ يجيب: "من النافذة أرى أسوار المدينة القديمة وجبل الزيتون والبحر الميت. هذا يكفيني".

تخرج سيغيف من مدرسة "لياده" النخبوية، وحصل على درجات متدنية في اللغة العبرية، ما وصفه أحد معلميه بـ"أداء لا يرقى إلى قدراته". وخلال خدمته العسكرية كمكتبي في كلية الأمن القومي، عُرض عليه جهاز "الموساد" فرصة دراسة اللغة الصينية في هارفارد والعمل لاحقا لصالح الجهاز. لكنه رفض: "قال لي الرجل إنني سأحصل على سيارة في أميركا، لكنني لم أرد أن أكون جاسوسا تحت عمود إنارة في هانوي… حتى إنه أخطأ حين صحح لي وقال إن هانوي ليست في الصين".

بدأ ولع سيغيف بالتاريخ مبكرا من خلال جمع تواقيع الشخصيات المهمة، فكتب إلى رؤساء دول وشخصيات سياسية، وتسلم توقيعات من ونستون تشرشل وجون كينيدي (لاحقا تبين أن توقيع كينيدي كان نسخة مطبوعة). حتى بابا الفاتيكان يوحنا الـ23 أرسل إليه توقيعا عندما كان يبلغ 12 عاما، بعد أن سلم راهبان من الوفد البابوي الظرف بيده في أحد شوارع القدس.

وفي رسالته للدكتوراه، التي تحولت لاحقا إلى كتاب بعنوان "جنود الشر"، درس سيغيف قادة معسكرات الاعتقال النازية، وقابل أقرباءهم ووثّق دوافعهم للانضمام إلى آلة القتل. كتب: "لم تكن مقابلات سهلة، لكن ماضيهم كان يطاردهم، وكانوا يبحثون عن مغفرة أو تفسير". وقال عن نظرية "تفاهة الشر" التي طرحتها الفيلسوفة حنة أرندت: "هي كانت صديقة والدتي، لكنها كانت مخطئة. آيخمان، مثلا، فعل ما فعله عن قناعة أيديولوجية عميقة، وليس لمجرد أنه موظف عادي".

إعلان "المليون السابع"

أحدث كتبه شهرة، "المليون السابع: الإسرائيليون والهولوكوست"، يسلط الضوء على كيفية تَشَكُّل الهوية الإسرائيلية من خلال علاقتها بالمحرقة. يرى أن المحرقة استُخدمت سياسيا وأيديولوجيا لتعزيز سردية قومية محصنة ضد النقد، بينما كان من الواجب -برأيه- أن تفضي إلى ترسيخ الديمقراطية، والدفاع عن حقوق الإنسان، ومحاربة العنصرية. كتب: "الطلاب كانوا يُعلَّمون أن المحرقة تعني أن يبقوا في إسرائيل، لا أن يُصِروا على قيم إنسانية".

يرى سيغيف أن الهولوكوست تحولت مع مرور الوقت من ذكرى جماعية صامتة في خمسينيات القرن الماضي إلى ذاكرة شخصية عائلية تحدد مصير الأفراد ونظرتهم إلى العالم، وتُستخدم لتبرير قرارات سياسية من حرب إلى أخرى.

في كتابه، يصف إسرائيل بأنها "بلد معزول، مختلف في دينه وثقافته وقيمه، يعيش في ظل تهديد دائم، وفي حالة قلق مستمر، ويجد صعوبة في تأسيس وجود دائم ومستقر".

ويؤكد سيغيف أنه لم يعد قادرا على تبرير استمرار الكذب أو الخوف أو الأساطير القومية. ويقول: "ربما الكتابة عن نفسي هي طريقتي في طرح الأسئلة المهمة: من نحن؟ وماذا فعلنا؟ وماذا سنفعل بأنفسنا؟".

أساطير معاصرة

يرى سيغيف أن تصريحات رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بأن حركة حماس "نازيون جدد" وأن هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول هو "أسوأ كارثة حلت باليهود منذ المحرقة" إشكالية للغاية، ويقول: "في حرب الاستقلال عام 1948، قُتل 6 آلاف إسرائيلي، ولم يُقتل عدد مماثل في هذه الحرب. ربما باتت المحرقة، كعنصر مركزي في الهوية الإسرائيلية، تدخل الآن في منافسة مع الحرب الحالية، وربما الحرب في غزة بدأت تطغى على ذكرى المحرقة".

ومن أبرز إنجازات سيغيف البحثية كتابه "1949-الإسرائيليون الأوائل"، حيث كشف ولأول مرة عن وثائق للوكالة اليهودية تُظهر سياسات تمييز ضد اليهود الشرقيين (المزراحيم) القادمين من الدول العربية وشمال أفريقيا، وتفضيل واضح لليهود القادمين من بولندا. تقول إحدى الوثائق: "من الأفضل إيواء البولنديين في فنادق، بينما يُرسَل يهود تركيا وليبيا إلى المخيمات". ويعلق سيغيف: "قادة الوكالة كانوا يتحدثون بصراحة عن إعطاء البولنديين امتيازات خاصة".

إعلان

ويوثق سيغيف في كتابه "1967" كيفية تحول انتصار إسرائيل في حرب الأيام الستة إلى ما يسميه "انتصارا باهظ الكلفة" فتح الباب لمزيد من الحروب بدلا من إنهائها. أما في كتابه "أرض واحدة كاملة: اليهود والعرب تحت الانتداب البريطاني"، فقد رسم صورة لعقود من التعايش الهش الذي كان لا بد أن ينتهي بمواجهة لا مفر منها.

يقول سيغيف بصراحة: "الخطأ الأكبر للصهيونية كان عدم إعادة الأراضي للعرب في اليوم السابع بعد الحرب، بما في ذلك القدس الشرقية. لا شيء من ذلك يهمنا حقا. كان ينبغي إعادتها حتى دون اتفاق سلام، كما قرر بن غوريون عدم احتلال بعض الأراضي خلال حرب الاستقلال".

في سيرته عن ديفيد بن غوريون "دولة بأي ثمن"، يكشف سيغيف صورة الزعيم المؤسس باعتباره "رجلا من لحم ودم، يعاني القلق، والانفصال عن الواقع، ويخون زوجته مرارا"، موضحا أن الزعامة لم تكن تمنع بن غوريون من الضعف البشري.

المؤرخ الذي هز الأساطير

رغم تصنيفه ضمن ما يسمى "المؤرخين الجدد"، يرفض سيغيف هذا اللقب ويقول: "لم أكن أهدف إلى تدمير الأساطير، بل ببساطة فتحت الأرشيف في الثمانينيات وقلت: هذا ليس ما علمونا إياه في المدرسة. لم يكن هناك تاريخ حقيقي، فقط أساطير وتلقين".

يقول سيغيف: "يتهمونني بأني مناهض للصهيونية، لكنني لست أيديولوجيا ولا فيلسوفا. أنا فقط أقرأ الوثائق وأدوّن ما أراه". ويضيف: "دائما أراد الصهاينة أن يظهروا مشروعهم أجمل مما هو عليه حقا".

وبسؤاله: هل ترى حلا للصراع؟ يجيب "توصلت تدريجيا إلى قناعة أن هذا الصراع لا حل له، لأنه لا يتعلق بالمنطق، بل بالهويات. كل شعب يرى أن الأرض كلها تخصه، وكل تسوية تعني التنازل عن جزء من الهوية. لا أرى كيف يمكن حله. نحتاج إلى حدث درامي ضخم يعيد تشكيل التفكير".

في لحظة مراجعة شخصية نادرة، يقول سيغيف: "أنا أبلغ الـ80، وأبدأ الآن بالتفكير أن المشروع الصهيوني ربما لم يكن صائبا من البداية. معظم الإسرائيليين لا يعيشون هنا لأنهم صهاينة بل لأنهم لاجئون، بينما غالبية الناجين من المحرقة لم يأتوا إلى إسرائيل، وكذلك الغالبية العظمى من اليهود في العالم. إذا، هل الصهيونية قصة نجاح؟ لا أعتقد. بل إنها لا توفر حتى الأمان لليهود. العيش خارج إسرائيل أكثر أمانا".

إعلان

وعن المستقبل القادم يقول: "أفكر في مستقبل يُنظر فيه إلى هذا الصراع كشيء من الماضي… لكن في الحاضر، لا شيء ينبئ بذلك. نحتاج إلى مأساة كبيرة تجعلنا نبدأ بالتفكير من جديد".

الصهيونية-لم-تكن-قصة-نجاح-كبرى">"الصهيونية لم تكن قصة نجاح كبرى"

في ختام مراجعاته العميقة والجريئة، متحدثا هذه المرة عن أثر الحرب الأخيرة على غزة، وهجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، على شعوره كفرد وعلى صورة إسرائيل كدولة، يؤكد مجددا أن المشروع الصهيوني برمّته لم ينجح كما رُوّج له، ولم يوفّر الأمان لليهود.

يقول سيغيف: "مثل الجميع، شعرت بالصدمة من أحداث السابع من أكتوبر، ومن مسألة الرهائن. لكن منذ بداية الحرب، شعرت بشعور غير مريح من الذنب، لا أعرف كيف أتعامل معه. ذنب تجاه عشرات آلاف القتلى، نصفهم من المدنيين، بينهم 10 آلاف طفل في غزة. المجزرة التي ارتكبتها حماس لا تبرر حالة الانتقام هذه، ونحن لا نملك أدنى فكرة عن وجهتها".

"نكبة ثانية؟"

يرى سيغيف أن ما يحدث في غزة يشبه "نكبة ثانية"، ويضيف: "من الممكن أن نتنياهو يرى فرصة لطرد جماعي للفلسطينيين من غزة، ثم يصعد أمام الكاميرات ليقول: منذ بن غوريون، لم يفعل أحد للصهيونية مثلي". ويعبر عن دهشته من مدى القبول الذي لاقته أفكار الرئيس الأميركي دونالد ترامب في إسرائيل، حتى أصبح "مقبولا القول إن العرب يجب أن يُطردوا".

وحين سُئل إن كان قلقا، قال: "أشعر بقلق عميق على أحفادي. لا أعلم أين يمكن أن يجدوا سعادتهم في هذا العالم".

يروي سيغيف أنه خلال تغطيته لعملية "سليمان" في إثيوبيا عام 1991، التقى صبيا عمره 11 عاما يُدعى إيتايو أبره، لفت انتباهه بابتسامته الذكية. قرر توثيق مسيرته من إثيوبي إلى إسرائيلي، وتطورت العلاقة بينهما حتى أصبح يعتبره ابنه. ويقول: "كنا نعلم أننا أصبحنا أبا وابنه. لم يكن تبنيا رسميا، لكنه كان حقيقيا من الناحية العاطفية، ومنذ ذلك الحين لم يتغير شيء". اليوم، يعمل إيتايو مهندس كهرباء في الصناعات الجوية الإسرائيلية.

إعلان المظاهرات والانقسام السياسي

يشارك سيغيف أحيانا في المظاهرات، لكنه يرى أن "الدولة ليست منقسمة كما يُروّج. هناك 200 ألف متظاهر، وهم فقط من يدافعون عن مكانتهم كنخبة قديمة منتهية الصلاحية. أغلبية الشعب تؤيد نتنياهو".

ويضيف: "لن تكون هناك حرب أهلية. لأن المتظاهرين لن يحملوا السلاح، والطرف الآخر يشكل الأغلبية. والديمقراطية الإسرائيلية لم تكن ديمقراطية حقيقية من الأساس. العرب داخل إسرائيل كانوا تحت الحكم العسكري 20 سنة، ثم جاءت حرب 1967، ومن بعدها خضع الفلسطينيون في الأراضي المحتلة للنمط نفسه من الحكم".

يقلل سيغيف من خطورة ما يسمى "الانقلاب القضائي"، ويقول: "ما يحدث اليوم يمكن التراجع عنه غدا. مررنا بفترات صعبة جدا: من فضيحة لافون إلى مجزرة صبرا وشاتيلا. كل مرة نشعر أن كل شيء ينهار، لكن بطريقة ما، تعود الحياة إلى طبيعتها".

يعترف سيغيف بأنه أخطأ في تقديرات سابقة. بعد حرب 1967، رافق رئيس قسم الاستيطان في الوكالة اليهودية، متتياهو دروبلس، الذي عرض عليه خريطة للمستوطنات. يقول: "قلت إنه يحلم، وإن هذه الخطة لن تتحقق. منذ ذلك الوقت تعلمت ألا أكتب إلا ما حدث فعلا. التنبؤات دائما تخيب".

في جملة مركزة، يكرر سيغيف موقفه الحاسم: "علينا أن نتذكر أن غالبية الناجين من المحرقة لم يأتوا إلى إسرائيل، وأن غالبية يهود العالم لا يأتون. بإمكانهم المجيء، لكنهم لا يريدون. إذا، الصهيونية ليست قصة نجاح عظيمة، ولا توفّر الأمان لليهود. الحياة خارج إسرائيل أكثر أمانا".

مقالات مشابهة

  • شلقم: 1967 كانت هزيمة كبرى للعرب
  • أمين الإفتاء: مجتمع بلا رحمة يفقد صلته بالله
  • مفتي تعز يحذّرُ المرتزِقةَ من الانخراط في قتال اليمنيين المساندين للشعب الفلسطيني
  • المؤرخ الإسرائيلي توم سيغيف: الصهيونية كانت خطأ منذ البداية
  • السوداني: انخفاض نسبة المشاريع المتلكئة إلى أقل من 850 بعدما كانت بالآلاف
  • كفّارة الحلف بالله كذبًا .. أمين الفتوى يوضح التصرف الشرعي
  • حكم الحلف بالله كذبًا.. الأزهر للفتوى: لا تجوز فيه كفارة
  • التمثيل التجاري تكشف أسباب الإقبال على جناح مصر في إكسبو أوساكا 2025
  • سياسي أنصار الله يدين الاقتحامات الصهيونية للأقصى ويؤكد استمرار الانتصار لغزة مهما كانت التداعيات
  • شرطة بلدية طرابلس صادرت عوائق كانت تعيق حركة المرور