الدراما المستوردة وتزوير الهوية الجزائرية
تاريخ النشر: 24th, March 2025 GMT
إنّ المُتابع لإنتاجات الدراما الجزائرية في السنوات الأخيرة سيكتشف في كثيرٍ من الأعمال واقعا جزائريا مُختلفا عن الواقع الذي يعيشه، أعمال تطرح مواضيع متشابهة قادمة من جغرافيا مُغايرة، نفس الوجوه تتناوب كلّ موسم على صراع تقليدي بين الخير والشر المطلقين، عالم مافيا وتجارة المخدرات والآثار، فيلات فخمة وسيارات فارهة، قتلٌ دراماتيكي، حوارات سخيفة، معالجة سطحية لقضايا بوليسية المفروض أنّها معقدة، وفي المقابل بيوت هشّة وظروف مزرية، بساطةٌ مبالغ فيها يُراد من خلالها التعبير بسذاجة عن طبقتين اجتماعيتين في صورة مشوهة لا تصلح حتى في المسلسلات الكرتونية.
دراما صنعت التاريخ ودراما تريدُ تزييفه:
قبل شهر من بداية الكرنفال السمعي البصري الذي تقدمه الفضائيات الجزائرية كل رمضان كان العالم يحتفل بمئوية التحفة "المدرّعة بوتمكين" (1925) لسيرغي أيزنشتاينهل، الذي كان سببا مباشرا في بعث روح الثورة لدى الشباب الفرنسي ليقوم بثورة مايو 1968.
فيلم الأنيميشن "Bambi" يُقال من خلال استطلاعات لمنظمات حماية الحيوان أنه ساهم بشكل عجيب في انخفاض عدد صائدي الحيوانات إلى النصف، وقبله بسنوات المسلسل الأمريكي "Baywatch" الذي تناول حياة منقذي الشواطئ، استطاع أن يروج لثقافة التطوع ما دفع عشرات الآلاف من الأمريكيين حينها للتقديم على دورات تدريب حراس الشواطئ.
دراما غرقت في أحياء العاصمة وتغافلت عن ثقافة أمازيغية في أعالي جرجرة، وقصص شعبية في بلاد الشاوية شرق الجزائر.. دراما بائسة اختزلت التشويق في تجارة المخدرات بمشاهد هوليودية فاشلة وأغمضت عينها على جرائم بشعة في المناطق الحدودية التي تعيش على تهريب البضائع والبشر.. دراما تناقش الآفات الاجتماعية بحجة محاكاة الواقع، لكنّها غير قادرة على محاكاة واقعنا في جغرافيا مشتعلة من كل الجهات؛ حرب في مالي وانقلاب في النيجر وانقسام في ليبيا وعداءٌ مع المغرب
الروس والأمريكان والهنود وغيرهم ممن بدأوا هذه الصناعة قبلنا بعقود، ونجحوا في تطويرها، وأسسوا لفلسفة فنية وجمالية في الدراما، كانوا في البدايات قد ركزوا على ما يعزز هوية الفرد بوطنه، جعلوا الدراما وسيلة لتناول التاريخ والعادات والتقاليد، كتبوا التاريخ داخل الدراما كما فعل الإغريق في ملاحمهم الخالدة ثم راحوا بعدها يبدعون في صناعة تاريخ للدراما من خلال دراما الخيال العلمي، الفانتازيا وغيرها، فيما فشلت الدراما الجزائرية فشلا ذريعا في ترجمة التاريخ الحافل لبلدٍ مرت عليه أكبر الحضارات في التاريخ، وأنجب آلاف العظماء في الفكر والسياسة والفقه والعلوم، وقام بأعظم ثورات القرن العشرين، خرج في أكبر حراك سلمي في القرن الواحد والعشرين.. وغيرها من منجزات أسلافنا التي من الممكن أن تكون مادة دسمة في الدراما يعوّل عليها كمواضيع نبيلة لصناعة درامية يمكنها أن تخرج من المحلية.
دراما مركزية في بلد بحجم قارة:
الدراما الجزائرية لم تخرج إلّا نادرا من العاصمة الجزائر، هذا كان دافعا قويا لتغرق في التكرار وتقع في الاستهلاك، في الوقت الذي كان بالإمكان صناعة الدراما في جنوب يخبئ في باطنه الركيزة الأساسية لاقتصاد البلد (المحروقات)، ويعيش في "هقاره" الرجال الزرق (الطوارق) أحد أهم المكونات العرقية في الجزائر وفي أفريقيا جنوب الصحراء.. دراما غرقت في أحياء العاصمة وتغافلت عن ثقافة أمازيغية في أعالي جرجرة، وقصص شعبية في بلاد الشاوية شرق الجزائر.. دراما بائسة اختزلت التشويق في تجارة المخدرات بمشاهد هوليودية فاشلة وأغمضت عينها على جرائم بشعة في المناطق الحدودية التي تعيش على تهريب البضائع والبشر.. دراما تناقش الآفات الاجتماعية بحجة محاكاة الواقع، لكنّها غير قادرة على محاكاة واقعنا في جغرافيا مشتعلة من كل الجهات؛ حرب في مالي وانقلاب في النيجر وانقسام في ليبيا وعداءٌ مع المغرب.
دراما المشاكل الأسريّة للوصول لجمهور عربي أوسع:
فكرة التوزيع على منصة شاهد أو أيّ فضائية خليجية هي فكرة غبية، أمام مأزق اللهجة غير المفهومة عربيا بسبب الاستعمال المفرط للكلمات الفرنسية، فلا بدّ من التفكير في مواضيع تقدر على جذب هذا الجمهور العربي الذي تمتعه مصر وسوريا والعراق والسعودية والإمارات سنويا بعشرات الأعمال الناجحة.
كيف نقنع صنّاع الدراما في الجزائر بأنّ الوصول للجمهور العربي لا يمكن من خلال سيناريوهات مشوّهة وبناء درامي فوضوي يتناول قضايا سخيفة؟ مع أننا نملك ثراء رهيبا في المواضيع خصوصا في الوقت الذي يشجع فيه رئيس الجمهورية شخصيا صنّاع السينما والدراما.
الأزمة على مستوى النصوص لم تكن في الحقيقة إلّا تبريرا أو ذريعة من قبل المنتجين والمخرجين لسنوات طويلة يضحكون بها على الجمهور وعلى الإعلام، ليغطوا على فشلهم في تقديم مواد تحفظ ماء الوجه، لأنّه لو تناولت السيناريوهات مواضيع جادة ورصينة ما كانت لتخرج للشاشة في ظل غياب رؤية واضحة للنهوض بالدراما أمام سيطرة الممولين
لماذا لا نستثمر في الحراك الذي أسقط بوتفليقة بعد 20 سنة من التسلط؟ لماذا لا نتناول دراميا سر العداء التاريخي مع المغرب؟ لماذا لا نتحدث في الدراما عن المشاكل الجيوسياسية والأزمات الدبلوماسية التي تعيشها الجزائر مع فرنسا مع دول الساحل وقبلها مع إسبانيا؟
لماذا لا ننتصر للقيّم الجزائرية الأصيلة بعيدا عن التقليد السيئ للدراما التركية والكورية، إننا في بلد بهذا الحجم وبتاريخه المجيد لسنا في حاجة لسرقة الأفكار، بل نحن قادرون على تصدير الدراما لكل العالم.
هل تعرف الدراما الجزائرية أزمة سيناريو حقا؟
إنّ هذه الأزمة على مستوى النصوص لم تكن في الحقيقة إلّا تبريرا أو ذريعة من قبل المنتجين والمخرجين لسنوات طويلة يضحكون بها على الجمهور وعلى الإعلام، ليغطوا على فشلهم في تقديم مواد تحفظ ماء الوجه، لأنّه لو تناولت السيناريوهات مواضيع جادة ورصينة ما كانت لتخرج للشاشة في ظل غياب رؤية واضحة للنهوض بالدراما أمام سيطرة الممولين (السبونسورز) وتدخلهم في الشؤون الفنية بداية من النص إلى الكاستينغ إلى الكوادر التقنية.
الذين يبحثون عن الشهرة وفي بلد ليست فيه نقابة للفنانين لم يفهموا أنّ علاقتهم بالدراما والسينما ليست سوى عقود دعائية تقدّم لهم إشهارا وترويجا، ولا يحق لهم التلاعب بأحد عناصر الثقافة الوطنية التي تقدم صورة عن النخب الفنية وعن البلد بصورة عامة. فالأزمة هنا هي أزمة ضوابط قانونية تردع هؤلاء الممولين بالدرجة الأولى، وتدافع عن الفن الجزائري تحت غطاء قانوني وهو نقابة الفنانين.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات الدراما الجزائرية الجزائر فن دراما سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الدراما الجزائریة لماذا لا
إقرأ أيضاً:
تفاصيل الاجتماع الأول للجنة الدراما والإعلام.. ماذا ناقش ومَن حضر؟
كتب– محمد شاكر:
ترأس الدكتور أحمد فؤاد هَنو، وزير الثقافة، الاجتماع الأول للجنة دراسة التأثيرات الاجتماعية للدراما المصرية والإعلام – المُشكَّلة بقرار الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء – وذلك لمناقشة التأثيرات الاجتماعية للدراما والإعلام على المجتمع المصري، ووضع آليات لتطوير المحتوى الدرامي المصري.
وأكد وزير الثقافة، في كلمته خلال الاجتماع، أن غاية كل فن، في جوهره، هي أن يترك أثرًا من الجمال في النفس، وأن يسمو بالوجدان والعقل نحو إدراك أعمق لمعنى الإنسان والحياة، مشيرًا إلى أن الدراما تبقى هي الفن الجامع، الذي تتجلى فيه جماليات التشكيل، والموسيقى، والمعمار، واللغة، والشعر، وسحر الحوار، في بناء سردي يعكس المجتمع ويُعيد تشكيله.
وأوضح أن كل دراما حقيقية ومؤثرة تحمل في عمقها تأثيرات من الفنون المصرية الخالدة، من لوحات محمود سعيد وسيف وانلي، إلى موسيقى بليغ حمدي وسيد درويش، وشاعرية صلاح عبد الصبور وأمل دنقل، وصوت أم كلثوم، وطابع المعمار المصري الفريد، مضيفًا أن الدراما المصرية خرجت من قلب "الحارة" التي كتب عنها نجيب محفوظ، وتجسدت في أعمال صنع الله إبراهيم، وفتحية العسال، وبهاء طاهر، وجمال الغيطاني، ووحيد حامد، وأسامة أنور عكاشة، وغيرهم من الكُتّاب الكبار الذين شكّلوا وجدان هذا الشعب وسريانه.
وأضاف أن الدراما المصرية تسير بخطى واثقة منذ ما يقرب من 110 أعوام من السينما، وأكثر من 65 عامًا من الدراما التليفزيونية، تطورت فيها الرؤية الجمالية، وصُقلت الأدوات، وتنوعت التجارب، لتخلق حكايات ملهمة تعبّر عن هوية مصر العميقة، وتصبح مرآة حقيقية لملامح الشخصية المصرية.
وأكد وزير الثقافة أن الدراما المصرية قادرة على تقديم محتوى درامي يجمع بين الأصالة والحداثة، يُعبّر عن هوية متجذّرة لبلد عريق، مشيرًا إلى أن صناعة الدراما تستلهم الجمال وفق قواعده المعرفية، وتُنسَج بمواهب صُنّاعها في الكتابة، والإخراج، والتصوير، والمونتاج، والديكور، وهندسة الصوت، والإنتاج، لتُقدِّم شكلاً جماليًا يرتقي بذوق المشاهد ويصونه.
وشدد الوزير على أن اجتماع اللجنة ليس لوصاية على الفن، بل لاستعادة بريقه وبهائه، مؤكدًا أن قرار رئيس مجلس الوزراء بتشكيل اللجنة العليا للدراما خطوة ضرورية ومدروسة، تهدف إلى دراسة التأثيرات الاجتماعية والنفسية للدراما والإعلام المصري، واقتراح سُبل معالجتها وتفادي سلبياتها، ووضع مسار متكامل لإصلاح المزاج العام، وبناء الشخصية المصرية في ضوء وعي ثقافي وفني وإنساني.
وأشار إلى التزام الدولة بحرية الفكر والتعبير، كركيزة لأي نهضة فنية حقيقية، تضع على عاتق الفنان والمثقف واجبًا تجاه مجتمعه، وتحفّزه لصون الهوية، ومواكبة الواقع، وتقديم فن يُعزِّز القيم الجمالية.
واختتم الوزير كلمته بالتأكيد على أن صُنّاع الجمال من رواد الدراما المصرية قدموا أعمالًا شكّلت ذاكرة الأجيال، ولا تزال عليهم مسؤولية تقديم المزيد من الأعمال الملهمة لأجيال قادمة، وقال: "نحن لا نُعيد إحياء الدراما، بل نقدم الدعم والرؤية، لتظل سفير مصر الثقافي، وعينًا صادقة ترى الواقع وتكتبه بالفن والجمال".
وشهد الاجتماع مناقشة عدد من المحاور الرئيسية المتعلقة بتطوير المحتوى الدرامي، ودراسة مدى تأثيره على المجتمع، واقتراح آليات التعاون بين الجهات المختصة، كما شارك فيه عدد من الشخصيات العامة وممثلي المؤسسات الإعلامية والثقافية، وهم: المهندس خالد عبدالعزيز، رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، الكاتب والإعلامي أحمد المسلماني، رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، عماد ربيع، رئيس قطاع الإنتاج الدرامي بالشركة المتحدة، علا الشافعي، رئيس لجنة المحتوى الدرامي بالشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، الدكتورة هالة رمضان، مدير المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، سارة عزيز حكيم، خبيرة اجتماعية ونفسية ومدير مؤسسة Safe، الدكتور حسن عماد مكاوي، رئيس لجنة الدراسات الإعلامية بالمجلس الأعلى للجامعات وعميد كلية الإعلام بجامعة القاهرة الأسبق، والدكتورة جيهان يسري أبو العلا، عضو اللجنة التخطيطية للجنة قطاع الدراسات الإعلامية وعميدة كلية الإعلام السابقة، المخرج خالد جلال، رئيس قطاع الإنتاج الثقافي، المخرج عمر عبدالعزيز، رئيس اتحاد النقابات الفنية، الكاتب والسيناريست عبدالرحيم كمال، الكاتبة مريم نعوم، المنتج جمال العدل، والمخرج شريف عرفة.
اقرأ أيضاً:
العاصفة الترابية.. الأرصاد تكشف تفاصيل طقس اليوم (بيان بالدرجات والظواهر الجوية)
الصحة توجه نصائح مهمة لمواجهة العاصفة الترابية: تجنبوا الخروج إلا للضرورة
لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا
لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا
لجنة الدراما والإعلام الدكتور أحمد فؤاد هَنو الدراما المصرية والإعلام الدكتور مصطفى مدبوليتابع صفحتنا على أخبار جوجل
تابع صفحتنا على فيسبوك
تابع صفحتنا على يوتيوب
فيديو قد يعجبك:
الأخبار المتعلقةإعلان
إعلان
تفاصيل الاجتماع الأول للجنة "الدراما والإعلام".. ماذا ناقش ومَن حضر؟
روابط سريعة
أخبار اقتصاد رياضة لايف ستايل أخبار البنوك فنون سيارات إسلامياتعن مصراوي
اتصل بنا احجز اعلانك سياسة الخصوصيةمواقعنا الأخرى
©جميع الحقوق محفوظة لدى شركة جيميناي ميديا
القاهرة - مصر
27 14 الرطوبة: 17% الرياح: شمال شرق المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار BBC وظائف اقتصاد أسعار الذهب أخبار التعليم فيديوهات تعليمية رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك