زنقة 20:
2025-03-25@16:27:42 GMT

اصلاح التعليم العالي: هل يصلح العطار ما أفسده الدهر

تاريخ النشر: 24th, March 2025 GMT

بقلم : ذ. محمد مفضل

هل يمكن اصلاح منظومة تعليمية تعرضت للتدهور لفترة طويلة؟ و هل هناك محاولات جادة مبنية على نظرة استراتيجية بعيدة المدى؟ قد يكون الجواب المتسرع بنعم أو لا مجانبا للصواب لأن عملية الإصلاح معقدة و تتطلبمقاربة ميدانية تبحث في مكامن النجاح و الخلل و في المتدخلين في العملية و مدى مقاومتهم أو استعدادهم لتنزيل الإصلاح على أرض الواقع.

أحيل في البداية على خلاصات عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو حول علاقة المجتمع بالتعليم، حيث تؤكد نظريته السوسيولوجية على دور مؤسسات التعليم في إعادة انتاج التفاوت الاجتماعي. لم تكن هذه الخلاصة أكثر صدقا وواقعية في وصفها لواقع التعليم الجامعي في المغرب مثل اليوم و خصوصا مع انتشار الجامعات الخاصة التي تحقق لمنتسبيها النجاح الأكاديمي و تعزز رأسمالهم الثقافي و مكانتهم الاجتماعية، في حين أن الجامعات العمومية، خصوصا ذات الولوج المفتوح، تبقى ملجأ لعموم الطلبة حيث الاكتظاظ و الهدر و ضعف الإمكانات و التكوين و يبقى فشل أغلب الطلاب في تحقيق الرأسمال الثقافي المطلوب دليلا، في الخطاب الرسمي،  ليس على فشل المنظومة بل فشلهم كأفراد منتمين إلى طبقات غير محظوظة. هكذا يصبح الفشل قدرا طبقيا و ليس نتيجة لإصلاحات و سياسات فاشلة.

نبه بازل برنشتاين، عالم الاجتماع البريطاني إلى دور التعليم في إعادة انتاج  التفاوت الاجتماعي كذلك، لكن من منظور لغوي، حيث يميل النظام التعليمي، حسب رأيه، إلى تفضيل اللغة الأكثر تعقيدا و تجريدا و التي تستخدمها الطبقات الوسطى و ما يتبع ذلك من تفوق في اللغات و التقنيات، الأمر الذي يجعل الطلبة من طبقات دنيا في وضع غير متكافئ.

تساهم الجامعة في المغرب في توزيع المعرفة و السلطةبطريقة غير متكافئة، و لعل آخر إصلاح للتعليم العالي يشهد على تأثير الفوارق الاجتماعية على التعليم وإعادة انتاجها من طرف هدا الأخير. تم تنزيل نسخة جديدة من الإصلاح الجامعي [إسريESRI] ، الميثاق الوطني لتسريع تحول منظومة التعليم العالي و البحث العلمي و الابتكار بداية السنة الجامعية2023-2024 ، و يتضمن ضمن محاور أخرى، مهمة دمج المهارات الرقمية و اللغوية و مهارات الحياة في المنظومة البيداغوجية الجديدة. وفرت الوزارة بعض المناصب المالية الخاصة بتوظيف أساتذة محاضرين و تمويل شراء حواسيب للكليات، لكنها لم توفر مهندسين و تقنيين كما وعدت بذلك الوزارة لمؤازرة الأساتذة في تنزيل هذا الإصلاح.

تنزيل الشق المتعلق باللغات الأجنبية و مهارات القوة أبان عن مشاكل قيمية و هيكلية لها علاقة بالسياق العام للسياسات التعليمية بالمغرب. بالنسبة للغات، تعاقدت الوزارة مع منصة أمريكية لتعليم اللغات بمبالغ كبيرة، روزيطا ستون، التي تتعامل مع الطالب كزبون توفر له منتوجا موحدا و من المفروض أنه، أي الطالب، يتوفر على وسائل التواصل مع المنصة و الاشتغال عليها.

نظرا لكثرة المشاكل التقنية المتعلقة بتفعيل الحسابات على منصة روزيطا و استعمالها للتعلم، أصبح همٌ أغلب الطلبة هو حل المشاكل التقنية التي لها علاقة بالمعرفة الرقمية للطلبة، و بعدم تطابق الهواتف مع المنصة، و عدم توفر الطلبة على رصيد بهواتفهم للاشتغال بالمنصة عن بعد، و عدم احتساب المنصة لساعات الاشتغال على المنصة [ضرورة انجاز 30 ساعة في اللغتين الفرنسية و الإنجليزية]، هذه الوضعية الأخيرة دفعت بعض الطلبة، لعدم توصلهم لأي تفسير أو تأويل لهذه الوضعية، إلى استعمال برمجيات بمقابل للرفع من عدد الساعات المسجلة في حسابهم في روزيطا، الأمر الذي أفسد العملية برمتها. كما أن مئات الطلبة، رغم توفرهم على حساب بروزيطا، لا يتم استدعاؤهم لاجتياز الامتحانالنهائي رغم توفرهم على شرط 30 ساعة، لأن أسماءهم غير متضمنة في تقارير روزيطا. أين هي عملية التعلم؟ ضاع انتباه و جهد الطلبة في حل مشاكل تقنية لم يجدوا من يساعدهم على حلها، و في آخر المطاف يُحمل الطالب و الأستاذ مسؤولية فشل جزء من إصلاح المنظومة البيداغوجية، رغم أن مصدر الفشل هو مؤسساتي حيث لم توفر المؤسسة الوسائل التقنية و الموارد البشرية اللازمة لإتمام العملية في أحسن الظروف كما يتم فعلا في مؤسسات التعليم العالي الخاصة التي لا تعرف مشاكل من هذا النوع.

الوجه الثاني للإصلاح البيداغوجي المتعلق بمهارات القوة هو أكثر قبحا من حيث المحتوى و من حيث التدبير التقني و من حيث شروط التقييم. جل وحدات مهارات القوة لا تستجيب لشروط التعليم الجامعي، مجرد وحدات لتلقين معلومات يمكن الحصول عليها باستعمال الانترنت والذكاء الاصطناعي. هل يحتاج طالب بكلية العلوم مثلا أن يعرف فنون الطبخ و الفنون الشعبية كأغاني العيطة، أو أن يعرف تواريخ المعارك؟ من الأكيد أن هناك خلل في التصور، تصور للثقافة كفلكلور، كأرقام و تواريخ، كأسماء و مسميات، كلٌ متشظي لا يستطيع دماغ الطالب جمعه إلا لحظات ثم يهوي الكل إلى فج عميق من النسيان. رغم ضعف المضمون الذي تم تجميعه بمقابل، و رغم دهشة الطالب أمام تدني مستوى المعرفة الملقنة بالجامعة المغربية، يعيش الطالب، تحت ضغط الضرورة، في وهم التعلم على منصة أخرى اسمها مودل، و التي تقدم ما أنتجه الإصلاح، من فيديوهات و دروس توجد محتويات أحسن منها بفضل نقرة في عالم الانترنت. عندما حلت لحظة المراقبة المستمرة، اجتاز الطالب امتحانا في المنزل بمساعدة الذكاء الاصطناعي و وسطاء بمقابل أو دون مقابل، و حصل أغلب الطلاب على 20، 19 أو 18/20، تحتسب بنسبة 50 بالمائة من النقطة النهائية، في مؤسسات التخصص العلمي، حيث قد تمنح شهادة لطالب نجح أكثر في وحدات بعيدة عن تخصصه العلمي، بفضل نقط قد تكون غير مستحقة. هكذا يتم دعم التكوين العلمي. ثم يأتي الامتحان النهائي الحضوري على المنصة، فيجتاز الطلبة الامتحان في قاعات الامتحان أو بالمنزل[!]، بمساعدة وسطاء أو برمجيات الذكاء الاصطناعي، وتتكرر نفس المهزلة.

ما يشهد عليه هذا التنزيل للإصلاح البيداغوجي هو عدم تحقق الأهداف التي كان مخططا لها، لم يتعلم الطالب اللغة بطريقة بيداغوجية جديدة ومتطورة، بل كان همه حل المشاكل التقنية، و مشاكل الاتصال و الانفصال، الامر الذي تركه هائما في عالم من التيه و التساؤل لا يفارق فكره، ماذا يقع حولنا؟ من المسؤول؟ أين الإصلاح؟ ثم يعيد نفس الأسئلة عندما يتذكر امتحان مهارات القوة، ويبتسم في قرارة نفسه، و يشكر الذكاء الاصطناعي و كرم الإنترنت.

من هو المسؤول و من هو الضحية؟ أرجو أن يجيب المسؤولون عن هذا الإصلاح عن هذه الأسئلة حتى يقتنع العطار أن ما أفسده الدهر يصعب إصلاحه بمساحيق سطحية. تربة الإصلاح أعمق من ذلك و تحتاج إلى عطار من نوع خاص، ينصت لنبضات الثقافة المحلية و متطلبات الانخراط الجدي في الحداثة.

المصدر: زنقة 20

إقرأ أيضاً:

وزير التعليم العالي يفتتح الورشة التحضيرية حول "تقييم نضج الابتكار المؤسسي"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

افتتح الدكتور أيمن عاشور وزير التعليم العالي والبحث العلمي ورشة العمل التحضيرية حول " تقييم نضج الابتكار المؤسسي"، والتي تقام في إطار سعي وزارة التعليم العالي والبحث العلمي للحصول على الاعتماد المؤسسي في مجال الابتكار من المعهد العالمي للابتكار، وذلك بالتعاون مع منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة ( الإيسيسكو).

وخلال كلمته الافتتاحية أكد الدكتور أيمن عاشور أن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي تواصل جهودها الحثيثة لترسيخ ثقافة الابتكار داخل مؤسساتها، وتؤكد التزامها الراسخ بالامتثال لأعلى المعايير الدولية في مجال التميز المؤسسي، في إطار رؤية مصر 2030، والإستراتيجية الوطنية للتعليم العالي والبحث العلمي 2030، التي تم إطلاقها في مارس 2023 والتي تأسست على سبعة مبادئ رئيسية  هي: التكامل والتخصصات المتداخلة والاتصالية، والمشاركة الفعالة، والاستدامة، المرجعية الدولية، و الابتكار)؛ لترسم ملامح منظومة تعليم عالي وبحث علمي من الجيل الرابع، استعدادًا لاستقبال الجيل الخامس من التعليم والبحث العلمي.

وأشار الوزير إلى أن "الابتكارية المؤسسية" أصبحت مؤشرًا رئيسيًا لقياس كفاءة وفاعلية الأداء داخل الحكومات، ومؤسسات التعليم، والمراكز البحثية،مما استلزم العمل بكل جدية على ملف التقدم للحصول على الاعتماد المؤسسي في مجال الابتكار من المعهد العالمي للابتكار والذي يعد مرجعية دولية معترف بها لقياس نضج الابتكار في المؤسسات، مؤكدًا أن التقدم نحو هذا الاعتماد لا يعد هدفًا بحد ذاته، بل هو خطوة استراتيجية تهدف إلى تعزيز تنافسية مؤسساتنا الأكاديمية والبحثية على الساحة العالمية، وتحقيق رؤيتنا الوطنية في التحول إلى اقتصاد قائم على المعرفة، بما يتماشى مع أهداف رؤية مصر 2030.

وثمّن الوزير جهود الشراكة والتعاون مع الشركاء والخبراء الدوليين من المعهد العالمي للابتكار ومنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة(الإيسيسكو)، لما يقدمانه من دعم وتطوير لملف منظومة الابتكار بجمهورية مصر العربية والارتقاء بها إلى المكانة العالمية التي تطمح إليها، متمنيًا أن تسهم مخرجات الورشة وتوصياتها في تعزيز جهود الوزارة نحو الاعتماد المؤسسي في مجال الابتكار وتقديم نموذج يحتذى لكافة المؤسسات محليًا وإقليميًا ودوليًا.

وأشار الدكتور حسام عثمان، نائب وزير التعليم العالي والبحث العلمي لشؤون الابتكار، إلى الحرص على تعزيز الأنشطة الابتكارية على مستوى الأفراد والمؤسسات، لافتًا إلى أن برنامج الورشة التحضيرية سيؤهل القطاعات ذات الصلة من العاملين على ملفات دعم وتنفيذ سياسة الابتكار بالمؤسسات التابعة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، بما يسهم في دفع خطوات الوزارة نحو الاعتماد المؤسسي.

وفي كلمته عبر تقنية الفيديو كونفرانس، أكد الدكتور سالم بن محمد المالك، المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة، أن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي المصرية، ستكون أول جهة حكومية في العالم الإسلامي،  تُقدم هذا النموذج الرائع لجميع الحكومات الأخرى، وهو وضع فريد جدًا لهذه الوزارة، ولم نشهد مثله في أي دولة أخرى، مؤكدًا الدعم الكامل لمنظمة "الإيسيسكو" لجهود وزارة التعليم العالي ومساعيها للحصول على الاعتماد في مجال الابتكار.

وخلال مشاركته عبر تقنية الفيديو كونفرانس، استعرض أنتوني ميلز، المدير التنفيذي للمعهد العالمي للابتكار، متطلبات الحصول على الاعتماد في مجال الابتكار، مشيرًا إلى أن معهد الابتكار العالمي، يتخذ من الولايات المتحدة مقراً له، ويهدف إلى تطوير إمكانيات الأفراد وإحداث تحول في مسار إنجازات المؤسسات من خلال تعزيز مهارة الابتكار. ويقوم بتنفيذ ذلك من خلال تطوير المعايير والأدوات والمنشورات والموارد ودورات التطوير المهني والشهادات والبحوث التطبيقية، كما تعكس جميع الشهادات والاعتمادات المتاحة من خلال المعهد أحدث الأساليب والاتجاهات والاستراتيجيات في قيادة الابتكار، لافتًا إلى أنه تم إطلاق مركز معهد الابتكار العالمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بهدف توفير جميع الشهادات المهنية المعتمدة وخدمات الابتكار ذات الصلة باللغة العربية  للمؤسسات والأفراد على حد سواء.

وقدمت الدكتورة وئام محمود، منسق ملف الابتكار وريادة الأعمال بين المؤسسات التابعة لوزارة التعليم العالي، عرضًا تقديميًا حول  علاقة الإستراتيجية الوطنية ٢٠٣٠ و مبادئها السبعة بمؤسسات الوزارة المختلفة وكيف تعالج الوزارة مستهدفاتها من خلال حلول ابتكارية تتم من خلال الخطط التنفيذية والمبادرات والمشروعات ذات الصلة ومدى تكاملها مع محاور الإستراتيجية الوطنية للتعليم العالي، وأبرز المشروعات التي تم إطلاقها في هذا السياق، كما تطرقت إلى تعاون العديد من الجهات والهيئات والمؤسسات التابعة لوزارة التعليم العالي لتصميم برامج لرعاية البحث العلمي والمبتكرين وانعكاس هذه الجهود على الارتقاء بالتصنيف الدولي لمؤسسات التعليم العالي وخدمة القطاع الصناعي ومجالات ريادة الأعمال و النشر الدولي.

وقدم المهندس سليمان بردة نعمة الله، الخبير الدولي المعتمد في مجال تقييم نضج الابتكار المؤسسي، عرضًا تقديميًا حول إطار عمل المعهد الدولي للابتكار ومعايير قياس نضج الابتكار المؤسسي ومتطلبات الحصول على الاعتماد المؤسسي.

جدير بالذكر أن فعاليات الورشة التحضيرية حول " تقييم نضج الابتكار المؤسسي" تستمر على مدار ثلاثة أيام وتتضمن عدة محاور من أبرزها خطوات الحصول على الاعتماد المؤسسي و إطار عملية التقييم ونتائجها. 

جاء ذلك بحضور، د. جينا الفقي القائم بعمل رئيس أكاديمية البحث العلمي، د. عصام الكردي المدير التنفيذي لهيئة تطوير ودعم الجامعات، اللواء دكتور عمرو علّام مساعد الوزير للتطوير المؤسسي والوكيل الدائم، د. أيمن فريد مساعد الوزير للتخطيط الإستراتيجي والتدريب والتأهيل لسوق العمل، والمشرف على اللجنة الوطنية المصرية للتربية والعلوم والثقافة، د. محمد الشرقاوي مساعد الوزير للسياسات والشؤون الاقتصادية، د. جودة غانم رئيس قطاع التعليم، ونواب رؤساء جامعات بنها وطنطا وحلوان، د. منى هجرس الأمين المساعد للمجلس الأعلى للجامعات، د. أحمد عبد الغني رئيس الإدارة المركزية للوافدين، د. رامي مجدي مساعد الأمين العام لشؤون الإيسيسكو، د. نيفين الصغير مستشار الوزير للتسويق والعلاقات العامة.

IMG-20250325-WA0068 IMG-20250325-WA0064 IMG-20250325-WA0072 IMG-20250325-WA0074 IMG-20250325-WA0076 IMG-20250325-WA0078

مقالات مشابهة

  • التعليم العالي تمدد فترة التسجيل لمفاضلة الدراسات العليا ودبلومات ‏وماجستيرات التأهيل ‏والتخصص في الجامعات الحكومية
  • وزير التعليم العالي يفتتح الورشة التحضيرية حول "تقييم نضج الابتكار المؤسسي"
  • وزير التعليم العالي: خطة للتوسع في إنشاء رافد تكنولوجي ودولي لكل جامعة حكومية
  • وزير التعليم العالي: تسهيل إجراءات التقديم والتسجيل عبر منصة "ادرس في مصر"
  • محافظ بني سويف: التعليم العالي شهد طفرة غير مسبوقة في عهد السيسي
  • وزير التعليم العالي يشهد حفل الإفطار السنوي للطلاب الوافدين
  • تحقيق العدالة في الجامعات.. استيقاظ “التعليم العالي” ضرورة ملحة
  • التعليم العالي: بروتوكول تعاون بين "بحوث الفلزات" و"معهد الوادي العالي للهندسة والتكنولوجيا"
  • رئيس مجلس الوزراء ووزير التعليم العالي يبحثان في جامعة حلب الصعوبات التي تواجهها