شهر رمضان، شهر البركات والروحانيات، الذي لا يعرف حدودا جغرافية أو ثقافية. بل يجسّد قيم التعاضد والتآخي بين المسلمين حول العالم. وفي روسيا، حيث يتنوع المشهد الديني والثقافي، يأخذ هذا الشهر طابعا خاصا في المناطق ذات الأغلبية المسلمة، مثل جمهورية إنغوشيتيا شمال القوقاز، التي تُعدّ إحدى الجمهوريات ذات الغالبية المسلمة.

هنا، في قلب هذه الجمهورية، عاشت الجالية الفلسطينية القادمة من قطاع غزة رمضانَ هذا العام بملامح تضامنية إنسانية فريدة، جمعت بين حنينهم إلى وطنهم وأملهم في غدٍ أفضل، وكرم المجتمع المضيف الذي فتح قلوبه وموائده لاستقبالهم.

مزيج من التقاليد المحلية والقيم الإسلامية

تحتفل إنغوشيتيا بشهر رمضان عبر ممارسات تعكس التزاما دينيا عميقا وتراثا ثقافيا غنيا. تزدان المساجد بالأنوار، وتُقام صلوات التراويح بحضور مكثّف، بينما تنتشر موائد الإفطار الجماعية التي تدعمها المؤسسات الخيرية والأفراد. تُعد الأطباق التقليدية جزءا من طقوس الإفطار اليومية، إلى جانب التمور والعصائر، التي ترمز هنا إلى الوحدة الإسلامية.

من ألم الحصار إلى دفء الكرم
واجهت الجالية الغزاوية تحديات مثل صعوبة التواصل مع الأهل في غزة، بسبب الظروف الأمنية وانقطاع التيار الكهربائي، بالإضافة إلى حواجز اللغة، إلا أنّ الدعم المعنوي من الجيران والمتطوعين ساعدهم على تجاوز المحن
وصلت أعداد من الفلسطينيين من قطاع غزة إلى إنغوشيتيا في السنوات الأخيرة، بعضهم طلاب في الجامعات المحلية، وبعضهم الآخر تم إجلاؤهم عبر معبر رفح في مبادرة من الحكومة الروسية للمّ الشمل مع أفراد عائلاهم الحاصلين على الجنسية الروسية، فأقبلوا بحثا عن ملاذ آمن بعد ظروف معيشية صعبة. وبرغم بُعدهم عن الوطن، حاول أفراد الجالية المحافظة على تقاليد رمضان الغزاوية، مثل إعداد أطباق "الفتوش" و"المقلوبة" و"القطايف"، لكنّهم وجدوا أنفسهم هذه السنة جزءا من مشهد تضامني أكبر، تمثّل في سلسلة من حفلات الإفطار والعزومات التي نظمتها الأسر والمؤسسات الإنغوشية على شرفهم. كما قام الغزاويون بتظيم إفطارات دعوا إليها المجتمع المحلي لتمتين العلاقات الأخوية وتعريف الانغوش على العادات والطقوس الرمضانية الغزاوية التي تتشابه الى حدّ كبير مع العادات الإنغوشية.

بدوره، حرص المجتمع المضيف على تنظيم موائد إفطار مشتركة، جمعت الفلسطينيين مع جيرانهم الإنغوش، حيث تبادلوا الأطباق التقليدية، وتشاركوا حكايات عن عادات رمضان في غزة وإنغوشيتيا. ويقول أحمد، وهو أحد الشباب الفلسطينيين: "برغم أننا نفتقد عائلاتنا، إلاّ أنّ الحفاوة التي نلقاها هنا تذكّرنا بأنّ الأمة الإسلامية أسرة واحدة". وقد لعب أبناء الجالية الفلسطينية الذين يجيدون اللغة الروسية دورا في تعزيز الحوار الثقافي، من خلال شرح معاناة شعبهم تحت الحصار، مما عمّق تعاطف المجتمع المضيف مع قضيتهم، وساعدوهم أيضا في نسج علاقات قوية ومتينة مع وجهاء وأبناء إنغوشيتيا.

الإفطارات: جسر بين الثقافات
في بلدٍ مثل روسيا، حيث تتعايش عشرات الأعراق والأديان، يُثبت شهر رمضان مرة أخرى، أنّه مناسبة لبناء الجسور، وتجسيد مبدأ يفيد بأنّ الإيمان والإنسانيات أقوى من الحدود
برزت في هذه المناسبات مظاهر التضامن الإنساني، مثل تخصيص خطب في المساجد تدعو لدعم الشعب الفلسطيني، وتوزيع طرود غذائية على العائلات الغزاوية. كما شهدت بعض الحفلات فقرات فنية قدمها شباب فلسطينيون، مثل الأناشيد الدينية والعروض التراثية، مما أضفى أجواء من الفرح على اللقاءات.

إحدى السيدات الإنغوشيات المشاركات في تنظيم العزومات عبّرت عن سعادتها بقولها: "استفدنا من وصفاتهم اللذيذة، وهم استفادوا من دفء مجتمعنا، إنّه تبادل جميل يعلمنا معنى الأخوة". بينما قال إمام مسجد ناصركورت في مدينة نزران خلال مادبة إفطار أقامتها الجالية على شرفه، إنّ فلسطين "قضية مقدسة سامية خاب من تخلى عنها وأدار ظهره لأهلها. نحن إن شاء الله نقوم بواجنا الديني والأخويّ تجاه أهل غزة. ندعو لهم بالنصر القريب والعودة الآمنة إلى دورهم على أمل أن تكون وجبة الافطار القمقبلة في غزة لنصلي صلاة العيد في مساجدها إن شاء الله".

التحديات والأمل

واجهت الجالية الغزاوية تحديات مثل صعوبة التواصل مع الأهل في غزة، بسبب الظروف الأمنية وانقطاع التيار الكهربائي، بالإضافة إلى حواجز اللغة، إلا أنّ الدعم المعنوي من الجيران والمتطوعين ساعدهم على تجاوز المحن. كما عبّروا عن أملهم بأن يكون رمضان "بوابة" لتعريف العالم بقضيتهم، وأن تتحول الموائد الرمضانية إلى منصات للتعريف بالعدالة الإنسانية ومنصة لتعرية الاحتلال أمام العالم، وتسليط الضوء على الجرائم الفظيعة التي ترتكبها إسرائيل في شهر رمضان، خصوصا بعد عودة العدوان ضد القطاع.

رسالة سلام تتخطى الحدود

قصة الجالية الفلسطينية في إنغوشيتيا خلال رمضان، ليست مجرد مثال على كرم الضيافة، بل هي رسالة تُذكرنا بأن روح الشهر الفضيل قادرة على تحويل اللجوء إلى لقاء، والمعاناة إلى أمل.

ففي بلدٍ مثل روسيا، حيث تتعايش عشرات الأعراق والأديان، يُثبت شهر رمضان مرة أخرى، أنّه مناسبة لبناء الجسور، وتجسيد مبدأ يفيد بأنّ الإيمان والإنسانيات أقوى من الحدود.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه رمضان روسيا الجالية غزة الإفطار غزة روسيا رمضان جالية إفطار مدونات مدونات قضايا وآراء مدونات قضايا وآراء مدونات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة شهر رمضان فی غزة

إقرأ أيضاً:

عاطف عبد اللطيف: تزايد أعداد الجالية اليونانية في مصر يعكس عمق العلاقات التاريخية بين البلدين

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

نظّمت سفارة اليونان بالقاهرة حفل الإفطار الرمضاني السنوي، بحضور عدد من الشخصيات العامة، من سياسيين وإعلاميين ورجال مال وأعمال، وذلك بدعوة من السفير اليوناني نيكولاوس باباجيورجيو، وبمشاركة بولي إيونوا سفيرة قبرص في مصر.

وخلال الحفل، أشاد  الدكتور عاطف عبد اللطيف، نائب رئيس جمعية مستثمري مرسى علم،  بالدور البارز الذي يقوم به المستشار الإعلامي للسفارة الدكتور إلياس جالانيس، والملحق الثقافي ياني ميلاخرينوديس، وتوني كازاميس نائب رئيس النادي اليوناني، في تعزيز العلاقات الثقافية والاقتصادية بين البلدين.

كما أشار الدكتور عاطف عبد اللطيف إلى لقائه مع سفيرة قبرص بالقاهرة، حيث ناقشا سبل تعزيز التعاون السياحي بين مصر وقبرص، مؤكدًا على عمق العلاقات التاريخية التي تربط البلدين.

وأكد «عبد اللطيف» أن العلاقات المصرية اليونانية تُعد نموذجًا متميزًا للتعاون الإقليمي والدولي، حيث تمتد جذورها لآلاف السنين، وتعززت عبر العقود في مختلف المجالات، وعلى رأسها السياحة، التي تُعد جسرًا مهمًا للتبادل الثقافي والاقتصادي بين البلدين.

وأشار إلى أن مصر تستقطب آلاف السياح اليونانيين سنويًا بفضل معالمها الأثرية الفريدة مثل الأهرامات والمعابد الفرعونية، إلى جانب الشواطئ السياحية في شرم الشيخ والغردقة. وفي المقابل، تُعد اليونان وجهة مفضلة للمصريين، بفضل جزرها الخلابة مثل سانتوريني وكريت، ومعالمها التاريخية العريقة في أثينا.

وأضاف أن الجالية المصرية في اليونان تلعب دورًا فعالًا في مختلف المجالات، ويشعر أفرادها وكأنهم في وطنهم الثاني، مشيرًا إلى أن المنتجات الزراعية المصرية، مثل الفواكه والخضروات، تحظى برواج واسع في الأسواق اليونانية.

واختتم عبد اللطيف حديثه بالتأكيد على أن العلاقات المصرية اليونانية تُجسد نموذجًا ناجحًا للتعاون الإقليمي، حيث تلعب السياحة دورًا محوريًا في تعميق الروابط الثقافية والاقتصادية، وتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.

مقالات مشابهة

  • العجمة ينتقد لجنة الاستئناف: “هل ستُمنح نقاط العروبة للوحدة
  • ماذا تعرف عن عادة المقابلة في مساجد تركيا برمضان؟ (شاهد)
  • «الموارد البشرية» تنظم مبادرات وفعاليات للعمال برمضان
  • 15 صورة| بدء إخلاء وإزالة 15 عقارًا بمنشأة ناصر.. وتعويض 500 ألف جنيه للوحدة
  • قيمة زكاة الفطر 2025 في مصر وموعد إخراجها والفئات التي تجوز لها
  • ترسيخًا للوحدة.. الكشافة السعودية تحيي يوم الأخوة الكشفية العربية
  • عاطف عبد اللطيف: تزايد أعداد الجالية اليونانية في مصر يعكس عمق العلاقات التاريخية بين البلدين
  • الشرقي يواصل استقبال المهنئين برمضان
  • وزير الكهرباء يكشف لمصراوي أبرز المشكلات التي تواجه الوزارة