لجريدة عمان:
2025-03-25@13:47:27 GMT

حدود القوة بين الغاشمين والمستسلمين.. هم ونحن

تاريخ النشر: 23rd, March 2025 GMT

مسار الشرق الأوسط منذ اندلاع طوفان الأقصى يمكن تلخيصه في معنى استراتيجي كبير، هذا المعنى هو أن أعداء الأمة العربية الغرب الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة ووكيلهم الإقليمي إسرائيل يستخدمون كل مصادر قوتهم العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية إلى أقصى حدودها.. بينما تقف وحدات النظام الرسمي العربي تتلقى الضربات وذراعها مشلول إلى جانبها، فلا تستخدم مصدرا واحدا من مصادر قوتها المماثلة.

بتطبيق هذا المعنى على مسار نصر تاريخي مؤزر حصل عليه العرب بطوفان الأقصى نجد أن النتيجة الطبيعية كانت تحويل الطوفان إلى طوفان مضاد.

لكن المهمة الملحة هنا هي تطبيق المعنى نفسه على الحاضر، أي على العملية الجارية لإشعال الحرائق في المنطقة التي تقوم بها إسرائيل وأمريكا على عدة جبهات. فتنوب أمريكا عن إسرائيل في شن حرب في اليمن «غارات واشنطن على الحوثيين وتتفرغ إسرائيل لاستئناف الحرب على غزة وشن غارات يومية على جنوب سوريا وجنوب لبنان. في هذه الحروب نجد أنه من منظور مصادر القوة العسكرية فإن الأمريكيين والإسرائيليين «يستخدمون مواردهم ضد دول وشعوب عربية إلى حدودها القصوى أي مرحلة الإبادة الجماعية لشعب على شفا أكبر مجاعة «اليمن» والإبادة الجماعية والتطهير العرقي «غزة - فلسطين». ومن منظور المصادر الاقتصادية والدبلوماسية يستخدم الأمريكيون خصوصا ما يسمونه بسياسة الضغط الأقصى لجعل الأطراف الحليفة تبلع كرامتها المرة تلو الأخرى وتجعل الأطراف غير الصديقة مثل حماس وإيران - أو هكذا تتخيل - تعود للمفاوضات مكسورة رافعة علم الاستسلام. كمن يخلق الكذبة بنفسه ثم يصدقها، قاد هذا العزوف العربي عن تجربة أوراق الضغط التي بحوزته إلى كارثة استراتيجية أخرى وهي أنهم باتوا يعتقدون أن قوة أعدائهم قاهرة وليس لها حدود وأن ما يريده هؤلاء الأعداء حاليا من تفكيك المنطقة وتغيير حدودها وإعادة بناء شرق أوسط جديد على مقاس مصالحهم سيتحقق عاجلا أم آجلا.. بالتالي يعتقدون أن ما لديهم كعرب من موارد قوة هي موارد محدودة للغاية والأخطر أن استعمالها ينطوي على تحد ولو جزئي للمارد الأمريكي وسلطته المطلقة على قرارهم منذ نحو نصف قرن من السنوات العجاف.

مع العقيدتين الاستراتيجيتين الفاسدتين هاتين اللتين تملكان النظام العربي الرسمي وبعد استئناف إسرائيل عدوانها على غزة كان بديهيا أن يكون أول رد فعل لنخبة التطبيع والتنسيق الأمني متجاوزا في انحنائه حتى المطالب الإسرائيلية التي طالبت بنزع سلاح حماس وتخليها عن حكم غزة وتسليم المخطوفين.. فيتدحرج هؤلاء إلى درك أن يطلبوا من المقاومة ما لم يجرؤ العدو على طلبه. يطالبون المقاومة بتسليم مقاتليهم للعدو «ليقتلهم أو يسجنهم مدى الحياة» والخروج من غزة والاختفاء من المشهد الفلسطيني.

للتأكيد: هذه بعض القيود وحدود القوة التي لا تستطيع إسرائيل تخطيها وتمنعها من تحقيق ما تصبو إليه هي و«طابورها الخامس» والتي تكشف تزييف وليس فقط هوان معسكر الاستسلام.

في التاريخ لم ينتصر طرف محارب ليست لديه استراتيجية واضحة. ترى أغلبية النخبة العسكرية والسياسية الإسرائيلية وليس قطعان المستوطنين أن نتنياهو ليست لديه أي استراتيجية من استئناف الحرب على القطاع.

التشكيك فقط ليس في عدم وجود استراتيجية ولكن في انطباقها على التعريف الدقيق للغباء بتعبيرات أينشتاين وهي أن يقوم طرف بتكرار نفس الفعل متوقعًا نتائج مختلفة يقولون إن ما فشل فيه الجيش في ١٧ شهرًا من الحرب لن يحققه في أيام أو أسابيع.

قرار نتنياهو استئناف الحرب على غزة باعتراف ستيف ويتكوف هو ضد رغبة الشعب الإسرائيلي التي تريد عودة المخطوفين ولو كان الثمن هو إنهاء الحرب والانسحاب. مرة أخرى لم ينجح جيش في الفوز بحرب تعارضه أغلبية مطلقة من شعبه.

الانقسام الرافض لقرار استئناف الحرب والذي يعني عمليًا التضحية بما يقدر بـ٢٢ مختطفًا حيًا من ٥٩ لدى المقاومة لا يقف عند حدود المعارضة بل يمتد لداخل الحكومة نفسها وداخل الجيش. ومنهم من سرب للصحافة أن هذه حرب غير ضرورية وغير مجمع عليها ويتم فيها التضحية بالجيش لأغراض سياسية تخص استمرار نتنياهو في الحكم وإفلاته من المحاكمة.

دمر نتنياهو الوحدة النسبية التي تمتع بها المجتمع بعد ٧ أكتوبر وأعاد كل مناخات الحرب الأهلية التي سادت شهور ٢٠٢٣ بسبب الانقلاب القضائي الذي يقوده والذي في رأي الجميع أنه يقضي على النظام السياسي الإسرائيلي ويحوله لنظام يحكمه ديكتاتور. لأول مرة ينضم لنقاد نتنياهو رجال اليمين المتطرف «بيني بيغن، ليبرمان، بينيت». أما من يسمون أنفسهم باليسار الصهيوني المتنازعين فلأول مرة تدعو شخصيات مثل يائير جولان وايزنكوت وغانتس ولابيد إلى الاتحاد ضد نتنياهو في معسكر ديمقراطي من أجل إنقاذ دولة إسرائيل من الديكتاتورية.

تقديرات المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أن الحرب الحالية لن تجعل حماس تستسلم وأنها أعادت ترميم قواتها وترميم أنفاقها المهدمة وعادت لزرع مئات العبوات التي تنتظر الانفجار في كل تقدم بري كما حصل في نحو ٥٠٠ يوم تقريبا من الحرب. وبالتالي لن تتخلى حماس عن شرطها في إنهاء الحرب والانسحاب وهم متأكدون أن المقاومة مستعدة للاستمرار في القتال حتى آخر مقاتل فيها. «ليس هناك إمكانية ولو واحد في المائة لتحقيق أهداف نتنياهو من الحرب إلا باحتلال إسرائيلي بري لكامل القطاع والبقاء فيه لسنوات طويلة وهو أمر مستحيل تحقيقه فالجيش الإسرائيلي البري منهك وقليل العدد ونصف الاحتياطي فيه رفض الاستدعاء للخدمة مرة أخرى وعاجز عن البقاء طويلا في أي منطقة يحتلها. كما أنه سيغرق في وحل غزة وهو الذي خرج منه هاربا بقرار أحادي من شارون ٢٠٠٥.

هناك تقريبا عشرات القيود الأخرى على حدود القوة الإسرائيلية لا يتسع المجال لذكرها ولكن كلها تجعل من خيار استسلام المقاومة خيارا غير حتمي.

بسرعة أشير بالمقابل إلى حالنا إلى اثنين من أوراق القوة العربية غير المستخدمة ضمن عشرات لا يوجد كذلك مساحة في المقال لذكرها. هاتان الورقتان خرجتا من فم البيت الأبيض نفسه هذا الأسبوع.

الورقة الأولى تتعلق بالقيمة الجيواستراتيجية لدول عربية حتى وإن عانت من مشكلات اقتصادية وغير اقتصادية يقول ويتكوف إنه إذا خسرت الولايات المتحدة وإسرائيل مصر بسبب مآلات حرب غزة فإنهما ستخسران كل شيء في المنطقة. هل جربت مصر والأردن ودول أخرى في المنطقة التلويح فقط بمميزاتها الجيوسياسية وإمكانية أن يقود ذلك المنطقة إلى الخروج من بيت الطاعة الأمريكي وخلق أكبر تهديد لمصالحها هنا منذ ٥٠ سنة؟! الجواب معروف.

الورقة الثانية تكشفها تصريحات من واشنطن «أن بلدين عربيين تعهدا باستثمار ما يقرب من ٢ تريليون دولار «ألفي مليار دولار» في الولايات المتحدة. هل من المعقول أن تقدم هذه التعهدات مقدما ومجانا - وهي الضمانة الوحيدة التي يراهن عليها ترامب في إعادة أمريكا عظيمة مرة أخرى؟ ودون أن تحصل مقابلها على إنهاء فوري للحرب في غزة ولبنان واليمن ومنع تفجير المنطقة برمتها وأن تحصل على دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو عاصمتها القدس بدون مستوطنات إسرائيل غير الشرعية؟!

حسين عبدالغني صحفي وكاتب مصري

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: استئناف الحرب

إقرأ أيضاً:

عين على الصحافة.. «لوسوار» البلجيكية: نتنياهو لا يهتم إلا ببقائه السياسى حتى لو قتل الرهائن والمئات من الفلسطينيين

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

انتقدت صحيفة "لوسوار" البلجيكية موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي، وكتبت: "لقد أصيب الفلسطينيون بالذهول، وأصبح العديد من الإسرائيليين الذين يريدون إطلاق سراح آخر الرهائن غاضبين. لكن نتنياهو لا يهتم. إن بقاءه السياسي لا يقدر بثمن، حتى لو كان هذا من الممكن أن يكون قاتلاً بالنسبة للرهائن الإسرائيليين الثلاثين الذين ما زالوا محتجزين في قطاع غزة.. حتى لو كان ذلك يعني مقتل المئات من الفلسطينيين اليوم، إن لم يكن عدد أكبر غداً. حتى لو كان هذا يعني التراجع عن التزام تم التوقيع عليه، وهو الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق مع حماس بعد الانتهاء الإيجابي من المرحلة الأولى .


حرب غير متكافئة 


تحت عنوان "مجزرة في خدمة نتنياهو"، كتبت صحيفة "إل باييس" الإسبانية: "إن القصف الإسرائيلي الوحشي لقطاع غزة يثبت أن أي قواعد أو اتفاقيات تم التوصل إليها مع رئيس الوزراء الإسرائيلي ليست موثوقة، ويعزز الشكوك في أن زعيم اليمين المتطرف يستخدم هذه الحرب غير المتكافئة، التي يعتبر السكان المدنيون الفلسطينيون ضحيتها الرئيسية، كاستراتيجية سياسية لتعزيز قبضته على السلطة". وتلخص صحيفة الباييس الأمر قائلة: "في الواقع، نتنياهو، الذي يتعرض للمضايقات من جانب نظام العدالة، يراهن على بقائه السياسي على حرب دائمة، مهما كانت التكلفة الإنسانية". كما كتبت "إل باييس" تقريراً مطولاً تحت عنوان "محكوم عليهم مواصلة الفرار من غزة.. فلسطينيون: "إسرائيل تريد منا أن نفقد الإرادة ونستسلم"، وأوضحت أن آلاف العائلات في قطاع غزة، حزمت حقائبها مرة أخرى للنجاة من الهجوم الإسرائيلي الجديد وانتهاء وقف إطلاق النار مع حماس. وبدأ النازحون بالتحرك مجدداً حاملين أمتعتهم بعد استئناف القصف الإسرائيلي على القطاع. وقال كثيرون منهم وهم يفرون من منازلهم مرة أخرى: "هذه هي المرة العاشرة التي نهجر فيها".


معاناة مرة أخرى


أما صحيفة "الجارديان" البريطانية فقد ذكرت أن ما يقرب من  نصف مليون فلسطيني عادوا إلى غزة لمحاولة إعادة بناء منازلهم المدمرة. لكن الكثير منهم ينزح الآن إلى منطقة المواصي الساحلية، حيث نصبوا خيامهم مرة أخرى على الكثبان الرملية فى ظل برد الشتاء القاسى ليلاً وصيام رمضان نهاراً. وقال أسامة، في مقابلة ميدانية مع مراسل الجارديان: "الأسوأ ليس الحرمان أو عدم اليقين، بل إن الآمال التي علقناها على وقف إطلاق النار قد تلاشت. ظننا أن معاناتنا قد انتهت، لكنها بدأت للتو من جديد". 


رد على رأى


أما داخل إسرائيل، فقد زعمت صحيفة "جيروزالم بوست" المقربة من الحكومة، أن هذا الهجوم الجديد مبرر تماماً. وتقول صحيفة جيروزالم بوست التي تلقي باللوم على حماس: "تزعم حماس أن إسرائيل خرقت وقف إطلاق النار، ولكن في واقع الأمر فإنها تماطل منذ الأول من مارس، عندما انتهت المرحلة الأولى من المفاوضات. وتعتقد حماس أنها قادرة على تأمين "وقف إطلاق النار في رمضان" طيلة شهر مارس وإعادة بناء قواتها وجندوها (!). وتضيف الصحيفة الإسرائيلية أن حماس تسعى إلى تأخير محادثات الدوحة. ورفض إطلاق سراح أي رهائن جدد على مدى الأسابيع الثلاثة الماضية".
ترد عليها صحيفة هآرتس الإسرائيلية المعارضة فتقول: "كلا، ليس هناك ما يبرر استئناف إسرائيل للحرب في غزة.. هذه ليست حرباً من أجل بقاء البلاد. إنها حرب سياسية أصبحت ممكنة بفضل الدعم الأعمى الذي يقدمه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإسرائيل ونتنياهو. مرة أخرى، فإن التبرير الديماجوجي والكاذب الذي ساقه نتنياهو لشن الحرب هو أن حماس رفضت إطلاق سراح الرهائن وبالتالي توجيه الضربة النهائية. لكن في واقع الأمر فإن هدفه هو الحفاظ على السلطة، ولا سيما من خلال تسهيل عودة إيتمار بن جفير وفصيله المتطرف إلى الائتلاف الحاكم  .
 

مقالات مشابهة

  • برلماني لبناني: إسرائيل تسعى لتوسيع دائرة الحرب بالمنطقة
  • عند حدود لبنان.. هذا ما ستفعله إسرائيل غداً
  • “العمل الإسلامي”: المبعوث الأمريكي غير مرحبٍ به والكيان الصهيوني لا يعرف سوى “لغة القوة”  / فيديو
  • وزير أردني سابق: إسرائيل تختلق ذرائع لتحقيق أهدافها وتغيير المنطقة
  • أنصار الله وحصار البحر الأحمر: معادلة القوة في مواجهة الغطرسة الأمريكية والصهيونية
  • مؤرخ يبرز تعنّت نتنياهو واستخدامه الحرب كأداة.. هل اقتربت إسرائيل من حرب أهلية؟
  • (إسرائيل) تختنق في أضخم مظاهرات .. واتهام نتنياهو بإشعال الحرب الأهلية
  • إعلام عبري: نتنياهو يقودنا للهاوية.. وكاتب: النار التي تشعلها إسرائيل ستعود لتحرقها
  • عين على الصحافة.. «لوسوار» البلجيكية: نتنياهو لا يهتم إلا ببقائه السياسى حتى لو قتل الرهائن والمئات من الفلسطينيين