عمل الحاج عبدالله الشبامي على صيانة وترميم أكثر من 32 ألف مصحف خلال أزيد من ثمانية عشر عاماً مضت من عمره، جاب فيها مختلف القرى والمناطق اليمنية، منذ تسعينيات القرن الماضي.

 

 في تلك الفترة كان عبدالله الشبامي من أكبر تجار المواشي في صنعاء، ويستورد آلاف الأغنام والعجول من القرن الافريقي الى اليمن، وفي ذروة صعوده في هذه التجارة، دخل معه عدد من رجال الأعمال، كشركاء في تجارته التي سرعان ما انحسرت بسبب خلافات مالية، حينها طلب الشركاء فض الشراكة، وهو الأمر الذي حدث بالفعل.

 

لم يكتمل المشهد الأول في حياة الحاج الشبامي عند هذا الفصل، فشركاءه كما يقول سلبوه أمواله وعقاراته وسياراته، بعد أن أقسموا الأيمان المغلظة أنها لهم، ولم تمر أشهر قليلة حتى فارق شركاء الشبامي الدنيا إثر حادث سير مروع، كما أن المنزل الذي تركه لشركائه في صنعاء أصبح اليوم مسكوناً بالجن، حينها تغيرت حياة الشبامي ليجد نفسه متكفلاً بحفظ كتاب الله  الكريم، وصيانة أوراقه، وغلاف دفتيه من التلف والضياع .

 

 

البدايات الأولى

 

بعد واقعة الظلم التي تعرض لها الحاج عبدالله الشبامي، قرر الذهاب الى السعودية لفترة، ومن ثم عاد الى صنعاء، وذات يوم كان والده المُسن غاضباً بسبب عدم مقدرته دفع مبلغ من المال من أجل  تغليف وإصلاح مصحف ممزق قديم كان محتفظ به منذ زمن.

 

شكا الرجل المسن لولده عبدالله ما حصل، فأخبره الأخير أنه سيتولى إصلاح المصحف بنفسه، وبالفعل نجح، بعدها بأيام عكف الحاج عبدالله على اصلاح المصاحف التي كانت موجودة في مكتبته الصغيرة بمنزلهم الواقع في منطقة التحرير وسط صنعاء، وتوالت الأيام حتى وقع مطرُ غزير وتأثرت المصاحف التي كانت موجودة على رُفُوف المسجد بالمطر حتى تبللت، حينها قام الحاج عبدالله بتجميع المصاحف وتضحيتها وتجفيفها تحت أشعة  الشمس، ومن ثم البدء بإصلاحها.

 

يقول الحاج عبدالله لـ"الموقع بوست": لم تكن لدي أي معرفة بإصلاح المصاحف، ومع مرور الأيام وتوجيه أسئلة، واستشارات  لأشخاص يعملون في تجليد الكتب القديمة اكتسبت معرفة لابأس بها، ومنذ ذلك الحين، أي قبل ثمانية عشر عاماً وأنا أمارس مهنة صيانة وإصلاح مصاحف القران الكريم".

 

من خلال ممارسته اليومية في اصلاح المصاحف التالفة استطاع الحاج عبدالله التعرف على أكثر من 32 طبعة للقران الكريم، منها طبعات من العراق ومصر والسعودية ولبنان وحيدر أباد وباكستان.

 

دعوة للعمل الرسمي

 

يشير الحاج عبدالله أن عبدالرحمن القلام وكيل وزارة الاوقاف عرض عليه  العمل في الوزارة ، لكنه رفض، وبعد إلحاح عليه وافق،  ويضيف: "كانوا يطلبون مني تجليد وصيانة المصاحف، ومن ثم القيام بعمل فاتورة بمشتريات المواد المستخدمة للتجليد والصيانة، وكنت بدوري أرسل لهم الفواتير، لكنهم لم يقوموا بحسابها كما تم الاتفاق، حتى المرتب كان يحسبولي 75 ألف ريال، واكتشفت أشخاصا فاسدين يتلاعبون بالمستحقات، وحين اكتشفت الواقعة أخبرت عبدالرحمن القلام الأمر فاستاء، واخبرته أنني لم أعد أرغب في العمل معهم بنظام المرتب وهكذا، ومنذ ذلك الحين أوقفت تعاملي معهم وأهل الخير لم يقصروا معي".

 

يحكي الحاج عبدالله أنه ذات يوم ذهب الى العلامة الراحل الشيخ محمد اسماعيل العمراني مفتي الجمهورية، لكي يستفتيه في موضوع معين، وذلك في مسجد قبة المهدي بصنعاء، وحينما وجد الحاج عبدالله مجموعة من المصاحف التالفة مكتوب عليها "أمانة على  أن من يجد هذه الختمة ويقرأها أن لا يقوم بإخراجها من الجامع مهما كان الأمر" ذهب الحاج عبدالله  للعمراني ليستفتيه في هذا الأمر، فرد عليا العلامة  العمراني قائلاً:" الذي أوصى بالختمة وأوقفها فأجره مكتوب عند الله الى يوم القيامة، وأنت لك الأجر من جديد حينما تعمل على اصلاحها ووقفها، لأنه كتاب الله".

 

إحراق المصاحف

 

في فترة من الفترات  كانت وزارة الأوقاف في صنعاء تعمل على أخذ المصاحف التالفة من المساجد، ومن ثم القيام بإحراقها، وهذا الأمر أزعج  الحاج عبدالله، فذهب إلى وزارة الأوقاف، وأبلعهم اعتراضه على هذا الأمر، لكنهم أنكروا أنهم يقومون بذلك، حينها قرر الحاج عبدالله الشبامي بأن يصول ويجول المحافظات اليمنية لزيارة المساجد بحثاً عن مصاحف لصيانتها، وكان يقوم بصيانتها دون مقابل مادي، رغم أن  بعض أئمة المساجد كانوا يرفضون اخراج المصاحف من تلك المساجد، وبسبب هذه المعضلة استطاع الشبامي استخراج ترخيص من وزارة الأوقاف والإرشاد يخول له سحب المصاحف من كافة مساجد الجمهورية لإصلاحها.

 

يقول الحاج عبدالله " كنت أخذ بعض المصاحف التالفة من بعض المساجد، وأعيد بعضها، وقمنا بتجميع مصاحف تالفة في قرى في محافظات إب و تعز وريمة وصعدة ومناطق آنس، وعتمة، وبرط العنان، وعملت على إصلاحها وارجاعها، وبفضل هذا العمل أصبحت معروفاً في كثير من المناطق والمحافظات اليمنية".

 

يضيف بالقول: "بسبب تزايد أعداد المصاحف التالفة شكلتُ فريق ومندوبين متطوعين من مختلف المحافظات لجلب المصاحف التالفة، وإرسالها إلينا، وبدورنا نقوم بترميمها وصيانتها واعادتها للمندوبين ليعيدوها للمساجد حتى تكون صالحة للقراءة".

 

زهد عن الدنيا

 

 يبدأ يوم عمل  الحاج عبدالله الشبامي من بعد صلاة الفجر، وينتهي عند صلاة المغرب، ينجز فيه ترميم عشرات المصاحف، ويلفت في حديثه مع "الموقع بوست "إلى مراحل ترميم المصاحف التي يعمل عليها، فالمرحلة الأولى تبدأ بالتركيز على الصفحات الناقصة في المصحف، وطباعة صفحات بديلة، ومن ثم إضافتها، وهذه المهمة يساعد الحاج عبدالله فيها نجله محمد، حيث يقوم بطباعة الصفحات الناقصة بحاسوبه وطابعته الشخصية، وبعد إكمال الصفحات الناقصة، يتم الصاق جوانب المصحف بالغراء، ومن ثم خياطة جوانب المصحف من الداخل، والمرحلة الرابعة من عملية ترميم وإصلاح المصحف تكون من خلال تجليده، ويعتبر أشهر رجب وشعبان ورمضان مواسم سنوية يزداد فيها ضغط عمل الحاج عبدالله كما يقول.

 

يضيف الحاج عبدالله القول ، بأنه يحتاج في عمله  للتجليد والتغليف والصيانة لعدد من المواد  كالغراء والجلود، والقماشات، والورق، لكن ظروفه المادية لا تجعله قادر على توفيرها بشكل مستمر، لذلك يقوم عدد من فاعلي الخير من المواطنين ورجال المال بدعمه وتوفير المواد حتى يؤدي عمله.

 

لدي الحاج عبدالله أربعة أولاد وسبعة بنات، ولأولاده وبناته أبناء كُثر حيث  تبلغ أعداهم  جميعاً 40شخصاً، ويعتقد الحاج عبدالله أن عمله في صيانة وإصلاح وترميم المصاحف سببا في صلاح ذريته، ويعتبرها نعمة عظيمة.

 

في ختام حديث لـ"الموقع بوست"، يقول الحاج عبدالله: "لم يعد في نفسي في هذه الدنيا شيء، اليوم أصبحت في الثمانين من العمر، وأقسمت ان لا يميتني ربي إلا وأنا في غرفتي هذه أقوم بتأدية مهنتي في اصلاح المصاحف".


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: القرآن الكريم صنعاء القرن الأفريقي باب المندب ومن ثم

إقرأ أيضاً:

حسام موافي: العبادة لله وحده .. وهذا سر تكرارها في القرآن| فيديو

أكد الدكتور حسام موافي، أستاذ الحالات الحرجة بكلية طب قصر العيني، أن الشعور بالعبودية يجب أن يكون لله وحده، مشيرًا إلى أن الله يخاطب الإنسان بطرق متعددة، مثل: "يا بني آدم"، "يا عبدي"، "يا أيها الناس"، و"يا أيها الذين آمنوا".

هل توفر المكسرات احتياجات الجسم من فيتامين ب12؟.. حسام موافي يوضح

وخلال تقديمه برنامج "رب زدني علمًا" على قناة صدى البلد، استشهد حسام موافي بقول الله تعالى: "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ"، موضحًا أن الله لم يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم باسمه أو صفته، بل وصفه بـ"عبده"، في إشارة إلى الحنان والرحمة التي تحملها هذه الكلمة.

وأضاف موافي أن العبودية لله ذُكرت في القرآن الكريم عشر مرات، وجميعها تعبر عن اللطف والرحمة الإلهية. 

وشدد على أهمية غرس هذا المفهوم في نفوس الأطفال منذ الصغر، قائلًا: "العبودية لله شيء عظيم وإحساس راقٍ، وعلينا تربية أبنائنا على هذا المعنى السامي".

وأشار حسام موافي إلى أن هناك أمورًا في العبادات لا يدرك العقل تفاصيلها، مثل السجود والطواف حول الكعبة، مشيرًا إلى أن الإنسان يجب أن يسلم لله في كل أوامره، مضيفًا: "العقل له مدى معين لا يمكنه تجاوزه، فالصيام والصلاة والزكاة والحج كلها تعكس عبودية الإنسان لربه". 

مقالات مشابهة

  • رحلات عمرة وجوائز مالية.. تكريم 300 من حفظة القرآن ببنى سويف
  • مستشار علاج نفسي يحذر الآباء من هذا الأمر.. فيديو
  • ريم عبدالله: أزعل من النفاق ولو كنت شعور راح يكون الإحساس.. فيديو
  • عيد اليحيى: مصر المذكورة في القرآن ليس المقصود بها مصر الدولة المعروفة اليوم.. فيديو
  • مؤسسة المصري للتنمية والتعليم تكرم 2124 حافظًا للقرآن الكريم بـ9 محافظات
  • حرائق الغابات في نورث كارولينا تجبر السكان على الإخلاء الإجباري.. فيديو
  • سأدافع عنه حتى الموت.. «رونالدو» غاضب عشية لقاء الدنمارك (فيديو)
  • علي جمعة: مردة الجن محبوسين في رمضان ما عدا صغارهم فهم يتواجدون معانا.. فيديو
  • حسام موافي: العبادة لله وحده .. وهذا سر تكرارها في القرآن| فيديو