حين تظلُّ العصافير على الأغصان
تاريخ النشر: 23rd, March 2025 GMT
د. بدر بن أحمد البلوشي
في حياتنا، كثيرًا ما نسمع عبارات رنانة عن الطموح، النجاح والتغيير، نجد من يملأ المجالس بالكلام الجميل عن أحلامه، ومن يضع الخطط العظيمة لمُستقبل مُشرق.
لكن، كم من هؤلاء يخطو خطوة حقيقية نحو تحقيق ما يقول؟ الفرق بين من "يريد" ومن "يفعل" هو الفاصل بين النجاح والتأجيل، بين الأحلام والواقع، وهذا ما تجسده قصة بسيطة وقعت في إحدى الجامعات، لكنها تحمل في طياتها درسا عميقا عن الحياة: في قاعة جامعية مزدحمة، ألقى الدكتور على طلابه سؤالًا بسيطا في ظاهره، عميقاً في دلالته: "إذا كان هناك أربعة عصافير على الشجرة، وقرر ثلاثة منها الطيران، فكم بقي على الشجرة؟" جاءت الإجابة فورا من أغلب الطلاب: "واحد".
هذه القصة تكشفُ الفارقَ العميقَ بين الإرادة المجردة والإرادة الفاعلة، بين أولئك الذين يصيغون الأحلام بالكلمات، وأولئك الذين يبنون الواقع بالأفعال، بين من يزخرفون المجالس بالكلمات، ومن ينحتون الواقع بأفعالهم، فكم من شخص ملأ الدنيا حديثًا عن طموحاته، لكنه ظل واقفًا في مكانه، أسيرًا لدوائر التردد والتأجيل؟ وكم من آخر لم يتكلم كثيرًا، لكنه شقَّ طريقه بصمتٍ، وجعل من خطواته توقيعًا لا يمحى في سجل الإنجاز؟
الفرق الجوهري ليس فيمن يُقرر؛ بل فيمن يُنفّذ؛ فالكلمات الرنانة قد تُبهِر الأسماع، لكنها لا تغير شيئًا إن لم تترجم إلى خطوات ملموسة. الحياة لا تتذكر من رسموا خططًا على الورق، بل تُخلد من جعلوا من قراراتهم جسورًا لعبور المستحيل، فبين أن تقول "سأفعل"، وأن تفعل حقًا، هناك بحرٌ شاسعٌ لا يقطعه إلا من امتلك الشجاعة للبدء، والعزم للاستمرار.
أشباه الطيور.. أسرى القرارات.. فكم من البشر يمضون أعمارهم وهم عالقون بين النية والتنفيذ؟ يتحدثون بحماسة عن مشاريعهم العظيمة، عن الأحلام التي ستُغير مجرى التاريخ، عن الخطط المؤجلة والمستقبل الموعود، لكنهم لا يخطون الخطوة الأولى.. يملكون الحماسةَ العابرة، لا الإصرار القاطع.
كم من كاتب قرر أن يخط كتابًا عظيمًا لكنه لم يكتب سطرا واحدا؟ كم من شاب قرر أن يبدأ مشروعه الخاص لكنه ما زال في دوامة "سأبدأ قريبًا"؟ كم من موظفٍ قرر تطوير مهاراته لكنه لم يفتح كتابًا واحدًا؟ كم من شخص قرر أن يُغير حياته لكنه ظل حيث كان؟
القرار بلا فعل.. هواءٌ في هواء.. فالحياة لا تعترف بالقرارات المعلَّقة، ولا تمنح المجد لأولئك الذين يتحدثون أكثر مما يفعلون.. العالم لا يتذكر من "قرروا"؛ بل من "فعلوا".. فما قيمة الكلمات إن لم تترجمها أفعال؟ وما جدوى الأمنيات إن لم تتحول إلى خطوات؟
يقول أحد الحكماء: "العزمُ هو الفرقُ بين الحلم والواقع، وبين الخيال والحقيقة." فالفرق بين الناجح والعادي ليس في عدد القرارات التي اتخذها، بل في عدد الأفعال التي نفذها.
لا تكن عصفورًا مترددًا.. ففي كل منَّا عصفور يقف على غصن، يتردَّد بين الطيران والبقاء، لكنَّ الفارق الحقيقي أن بعضنا يُحلق، بينما يظل البعض الآخر أسيرًا للخوف والتردد.
إن كنت قد قرَّرت أن تفعل شيئًا، فافعله الآن.. لا تؤجل، لا تضع قائمةً طويلةً من الأعذار، إن كنت قد اتخذت قرارًا، فاجعل خطوتك الأولى شاهدةً على صدقه، لا تكن أسير التردد، ولا رهينة الأعذار التي تتكاثر كلما هممت بالتحرك. فالأحلام لا تتحقق بمجرد التفكير فيها، والطموحات لا تبصر النور ما دامت محبوسة في أقبية الترقب والانتظار. كم من شخصٍ قال: "سأبدأ غدًا"، لكنه اكتشف أن الغد لا يأتي لمن لا يصنعه، وأن الفرص لا تطرق أبواب المترددين، بل تذهب لمن يسعى إليها بكل ما أوتي من عزم.
الوقت المثالي الذي تنتظره وهمٌ جميل، لأنَّ الحياة لا تمنح ضمانات، ولا تقدم لك الظروف المثالية على طبقٍ من ذهب. الناجحون لم ينتظروا اللحظة المناسبة، بل جعلوا كل لحظةٍ مناسبةً للمضي قُدمًا. العالم مليءٌ بالعصافير التي "قررت الطيران" لكنها بقيت جامدة على الأغصان، تراقب الريح وتنتظر الإشارة التي لن تأتي، فهل ستظل واحدًا منها، أم أنك ستفتح جناحيك أخيرًا وتبدأ رحلتك نحو ما تستحق؟
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
«أسير إسرائيلي» يوجه رسالة نارية لـ نتنياهو: حماس وفرت لنا كل ما نحتاجه.. و نحن مجرد أرقام في حكومتنا
وصف رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الشريط المصور الذي نشرته حركة المقاومة الإسلامية «حماس» بشأن الأسرى بأنه «حرب نفسية»، معترفًا بأن مشاهدته كانت «صعبة».
فيديو جديد لأسرى إسرائيليينونشرت كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية «حماس» مقطع فيديو جديد لأسرى إسرائيليين محتجزين لديها، بعنوان «أخبرهم يا أوهاد! الوقت ينفد».
وظهر في مقطع الفيديو المصور، أسيران إسرائيليان وهم يوجهان رسالة لحكومة الاحتلال، قائلين إن «الهجمات من شأنها أن تؤدي لمقتلنا. بعد إغلاق المعابر لم يكن هناك طعام والوضع كان صعبًا ولا يوجد مكان آمن».
حرب نفسيةوقال أحد الأسرى الإسرائيليين، «حتى الأمس كان لي اسم وهوية ولدى أمل. اليوم أنا مجرد رقم».
وأضاف: «نحن نريد منكم أن تعلموا أن حماس لم تطلب منا قول ذلك، وأن مقطع الفيديو ليس الهدف منه الحرب النفسية، لكن نحن توسلنا أن يسمع صوتنا. الرجاء منكم أن تسمعوا صوتنا».
وتابع الأسير الإسرائيلي، أن "مقاتلي حماس كان عندهم اهتمام لتوفير لكل ما نحتاجه وما نطلبه".
وحذر من أن قرار الحكومة الإسرائيلية مهاجمة غزة «من شأنه أن يؤدي إلى نهايتنا. كفى أن تقوم الحكومة الإسرائيلية بتكميم الأفواه».
واستأنف جيش الاحتلال الإسرائيلي حربه على قطاع غزة فجر الثلاثاء 18 مارس الجاري، في خرق لاتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز النفاذ في يناير الماضي.
اقرأ أيضاًالاحتلال الإسرائيلي يواصل عدوانه على طولكرم ومخيمها لليوم الـ57
بعد مهاجمته جنود الاحتلال الإسرائيلي.. أبرز المعلومات عن «الوشق المصري»
حماس تجدد دعوتها للأمم المتحدة لوقف انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي