التدابير الإلهية قضت خيرًا؛ أنْ يكون إسترداد الأحرار للقصر الجمهوري على نحوٍ ملحمي
تاريخ النشر: 23rd, March 2025 GMT
كُنا صغارًا وكلما مررنا ببوابة القصر الجمهوري الشمالية قبالة شارع النيل صرخنا من خلال نافذة السيارة “حرس”. فيضرب ديدبانا القصر بأرجلهم على الأرض، ونشعرُ بالمرحِ الطفولي البهيج حين نسمعُ صوتَ ارتطام بنادقهم بالأرضية. ثم في ثوانٍ معدودةٍ يُعيد الديدبانان وضعيتهما الساكنة المُهيبة؛ النظر المستقيم المُعتدل، الرأس على وضعٍ متحجّر، الجسد المُتصلّب الممْشُوق، الهامة العنفوانية التي يرتسم على قسماتِ وجهها الصرامة، البندقية الطويلة المُبتعدةُ بعض الشئ عن ساقيهما بينما ملتصقة قاعدتها الخشبية على الأرض وفوهتها إلى الأعلى.
كانت -كذلك- أزياء الديدبانان مما يثير الغرابة المُستلذّة في نفوسنا؛ القلنسوة البيضاء التي يعلوها الريش البني أو الرمادي، البدلة البيضاء المطرّزة بالأوسمة والنياشين مع وشاح باللون الأصفر المُذهّب..
كان القصر الجمهوري يحتلُّ مساحةً كبرى من المهابة في نفوسنا، ونمتلئُ بجلالِ الدولة حين نخرجُ لشوارع الخرطوم صبيحة الأول من يناير من كل عام لنرى الأعلام النظيفة ترفرفُ في صباح الخرطوم الشتوي ذي النسمات الباردة الجافة. لاحقًا بالطبع انحطت الدولة، ولزم من ذلك أنْ تنحطّ مظاهرها الحاملة لقيمها المعنوية والرمزية، فمررنا كبارًا بالقصر لنجد الديدبانان تفصلنا عنهما مساحةً شاسعة؛ وبتنا بالكاد نرى الديدبانان. وكلما مررت ونظرت من خلال الأسوار وجدت جنود الد.عم السريع قد نصبوا على فناء القصر وحديقته خيامهم وحبل غسيلٍ علقوا عليه سراويلهم. بل امتدت النكاية وسخرية القدر ليلتقط أحد الجنجويد -خلال الحرب- صورة له وهو يطأُ بلاطه بحوافرِ حصانه إمعانًا في الإساءة والاحتقار.. وكانت الاساءة الكبرى بالطبع باحتلال الأوباش له لما يُقارب العامين! بيد أنّه -ومهما يكن من أمر- لا إساءةً سُددت للضمير الوطني أكثر إيلامًا من أنْ دخله -على حين غرة من بؤس الزمان- الفكي والتعايشي وحجر وإدريس.. بصفةٍ سياديةٍ رفيعة! في تمظهرٍ غير مسبوق لدولةٍ مُتحلّلة في العراء، باتت تُطلق العفونة.. بينما تتغذى عليها الديدان، وبنت على جسدها البكتريا والكائنات المجهرية مستعمراتها!
لكن التدابير الإلهية قضت خيرًا؛ قضت أنْ يكون إسترداد الأحرار للقصر الجمهوري على نحوٍ ملحمي؛ لتكون جدرانه البيضاء العالية قد تركّبت بتضحياتٍ غالية، وبطريقٍ فُرش بالجماجم، ومُهِر بالدماء. ويكون عشيّة استرداده تُشير عندها ساعة الزمن لتاريخٍ مُفارق تنحني عنده الهامات إجلالًا وتوقيرًا.. وما بين رصاصةٍ وروحٍ مُحلّقة وأرضٍ حرة.. تُولد الأمجاد.
البيت لنا و #القصر_لنا
محمد أحمد عبد السلام
محمد أحمد عبد السلام
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
الخارجية الأمريكية: استعادة الجيش للقصر الجمهوري حدث مهم
قالت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية السيدة تامي باروسي ان بلادها تتابع التطورات الجارية في السودان، وقالت ان استعادة القوات المسلحة لمباني القصر الجمهوري بالخرطوم يعد حدثاً مهماً.وأشارت الناطقة باسم الخارجية الأمريكية في تعليقات صحفية في الايجاز الصحفي الذي نشره موقع الوزارة اليوم السبت 22 مارس، أشارت الى ان الخارجية الامريكية تتابع تطورات الأحداث في السودان، وقالت “أعتقد أن العالم جله ينبغي ان يتابع هذا الوضع”، واضافت “ويبدو أنه حدث مهم، ونحن نراقب الوضع ونعي ذلك” .واكدت للصحفيين استعادة القوات المسلحة السودانية للقصر الجمهوري يوم الجمعة .سونا إنضم لقناة النيلين على واتساب