استمعنا لتسجيل عبر الوسائط للناشط السياسي د. عزام، مستاءً من موقف السيد مني أركو مناوي الداعم "للجيش السوداني"، المساند لتكتل دولة النهر والبحر، محاولاً تقريعه، أو استفزازه لتغيير موقفه، القفز من مركب البرهان بأسرع فرصة. من وجهة نظرنا أن د. عزام لم يوّفق في تسجيله المشار إليه، لعدة اعتبارات.
مناوي لا يعرفنا، ولسنا معنيون بالذود عنه، ونتفق مع د.

عزام أنه ارتكب خطأً مميتاً، وانتحر سياسياً بمفارقته مربع الحياد في حرب 15 أبريل، وانحيازه لجانب "الجيش السوداني"، آملاً أن يحل محل قوات الدعم السريع، باعتقاده أنه لديه الرجال ويسيطر على وزارة المعادن، التي تمهد له الطريق، لإيجاد "جبل عامر" خاص به، لكنه أخطاً الحساب، بظنه أن الأشياء هي الأشياء. وهو بذلك يكرر خطأ تقديراته في أتفاق أبوجا المشئوم، ولم يتعلم شيئا.
يقول د. عزام "مناوي دا لو ذكي وعنده مستشارين فاهمين، يعرف أنه محتاج ينط من سفينة البرهان في أسرع وقت، لأن البرهان كفرد ما مضمون، وانت الآن اصبحت مكروه في مناطق الشمال والوسط والشرق، الأنت بتدافع عنها بدمك، لأن الدولة دي تكرهك عشان خلقتك الخلقك ربنا بيها"
هنا يخلط د. عزام بين مفهوم "الدولة"، وبين المكونات التي تكره مناوي حسب فهمه، فالدولة بالمفهوم العام لها مقومات تتمثل في المساحة الجغرافية، والشعب، والحكومة، فالمكونات الأثنية والجهوية التي ينتمي إليها مناوي، تمثل ثلاثة أرباع الدولة السودانية، وهي خارجة عن سيطرة الجيش الآن ولا توجد حكومة بالمعنى الدقيق، والصحيح، أن المكونات التي ذكرها د. عزام تكره مناوي في انتمائه الجهوي وليس في شخصه، أو خِلقته، والتي تعني حرفياً شكله ولون بشرته، هنا تتجلى سطحية د. عزام وفجاجته، الذي يعتقد أن لسانه الذرب، وطراوة حديثه، يجعل منه محللاً سياسياً "تفتيحة" لدرجة أن يصف الآخرين بالغباء وعدم المفهومية!
"وضرب لنا مثلاً ونسى خلقه"
وصف د. عزام مناوي ان نظرته ضيقه، وهو محق في ذلك، ونعتقد أن فهمه هو أيضاً لتعقيدات المجتمع السوداني، أضيق.
فالمعلوم بالضرورة، أن كراهية بعض المكونات التي أشار إليها د. عزام لمناوي في مكونه، كراهية تاريخية، مرجعتيها واقعة عرفت "بقتلة المتمة" والتي لها ما بعدها إلى يوم الناس هذا، وهذه الكراهية التاريخية، ليست قائمة تماماً على "الخِلقة"، بقدر ما هي كراهية جهوية عامة وشاملة، كادت أن تختفي، لو لا خبث الكيزان الملاعين، الذين فتّقوا جراحات الأمة السودانية، من أجل الاستمرار في سدة الحكم.
يقول د. عزام في التسجيل المشار إليه موجهاً كلامه لمناوي: ""وعمرك في ظل عقلية زي البرهان عقلية الجيش دا، أنت ما ممكن تكون زي أنا دا، حسع أنا مش معارض؟، لو مشيت واعتذر، أكون أحسن زول، لازم تفهم الحاجة دي"!
ولم يكن د. عزام موفقا، في مقارنة "خِلقته"، التي يراها أحسن من "خِلقة" مناوي، هذه الشخصنة والمقارنة الفجّة، لا يمكن أن تصدر من سياسي حصيف، ناهيك أن يكون طبيب نووي، ذلك أن "خِلقته" التي يراها فاتحاً لن يخرجه من ربق الأفركانية التي تجمعه مع منى، مهما أدعى وخدع نفسه. رغم علمنا انه يتحدث متقمصاً لسان قومه الذين لا يتفق معهم في هذا التنميط والظلم غير المبرر. فالواقع ماثل، لكن المعالجة غير موفقة، وغير مسئولة، تأزم من جراحات المجتمع السوداني، ولن يثني مناوي عن موقفه الداعم للجيش الغاشم، فقد خانه التعبير، لهذا السبب تحديداً، ونشك أن تصل رسالته لمبتغاها، ففي أحسن الأحوال، أن مني مناوي سينظر إلى د. عزام، كعنصري مستعلى، رغم حسن نواياه.
في سبيل الحصول على الرجال "العبيد" أنتهج الأتراك، سياسة "فرّق تسد"، فقسموا الشعب السوداني، إلى "أولاد ناس وأولاد الذين"، وحتى بعد دحرهم من قبل المهدية، إلى حدٍ كبير، ظلت العلاقات طيبة بين مكونات البلاد، رغم بقاء الطبقية الاجتماعية، التي صنعها الأتراك، إلى أن جاء عهد خليفة المهدي، ووقعت المواجهات السياسية والعسكرية بين الخليفة ود توشين والأشراف، والتي انتهت "بواقعة المتمة" المشهورة، منها تجذرت الكراهية الجهوية الشاملة، إلى يوم الناس هذا، وهي التي لا تعتد كثيراً باللون أو العرق "الخِلقة"، بقدر ما هي كراهية لكافة المكونات التي كانت مساندة لدولة الخليفة عبدالله ود تورشين. في موقف مشابه للانقسام المجتمعي من حرب 15 أبريل.
تقسيم الأتراك للشعب السوداني إلى "أولاد الناس وأولاد الذين"، ضُرب بعرض الحائط، بعد حادثة مقتل إسماعيل باشا في شندي، ولم تسلم المجموعات المشاركة في الحادث من بطش محمد خسرو (الدفتردار) حيث أمعن في قتل وسبي أهالي تلك الجهات بوحشية. إذ رصد مضابط التاريخ، أن الحملة الانتقامية للدفتردار أمعنت في إرسال الأسرى -أطفالاً ونساءً ورجالاً - مكبلين بالسلاسل والأغلال لمصر، بعد قطع آذانهم، تلبية لمطالب الباشا الكبير اللحوحة في استرقاق الأحرار ومن ثم جلب المال والثروات.
وقيل أن أكثر من ألفي رأس من الرقيق، غالبيتهم من النساء والأطفال، من المكونات التي شاركت في حرق إسماعيل باشا، عرضوا للبيع في أسواق العبيد في عابدين وسط القاهرة. فالذين كتبوا تاريخ السودان، اغفلوا هذه الحقائق، لكنها متوفرة لمن يبحث.
وما تحاشاه كتّاب التاريخ أيضا، أن مناطق غرب البحر قبل الغزو التركي الغاشم، كانت خاضعة لسلطنة الفور، كجزء من مقدومية كردفان بعد نزعها من المسبعات حكمها نيابة عنهم البطل المقدوم مسلّم، بفومان سلطاني من السلطان محمد الفضل، وقد استبسل المقدوم مسلم استبسالاً لا هوادة فيه ضد حملات الدفتردار الانتقامية، إلى أن لقى ربه شهيداً في معركة بارا. والمقدوم مسلم من المسبعات، ولو لا هذا، لأطلق شارع باسمه في قلب الخرطوم كبطل قومي لا يشق له غبار.
نعيد لدكتور عزام، نفس تساؤله، ما الذي استجد، ليرفض المكونات التي أشار إليها، مجرد قبول مني وسطهم، ويجعلهم يكرونه، وهو يدافع عنهم ببلاهة سياسية يحسد عليها؟ الإجابة، "واقعة المتمة"، من منطلق أن الشر يعم، وحكم الإنقاذ الإستعلائي العنصري، لا أكثر ولا أقل.
هذه هي الحقائق الغائبة عن د. عزام، لذا يعتقد، أن ناس الشمال النيلي والوسط والشرق يكرهون مني في "خِلقته" التي خلقه الله بها، وليس في انتمائه الجهوي، وهذا الزعم، رغم عدم دقته، يعتبر نوع من الحرب النفسية، و"حُرقة الروح"، ولا يصلح مع من يريد تقديم النصح.
يجدر التنويه، أنه لا تتوجد كراهية بين أهل الغرب والشرق عبر التاريخ، وقد عيّن الأتراك أميراً من دارفور حاكما على شرق السودان، حسب إفادة الأستاذ/ عبدالله آدم خاطر، منسوباً للناظر تِرِك الكبير. وما ظل يصدر من شيبة ضرار، لا يعدو، أن تكون غيرة سياسية عابرة، ضد الحركات المسلحة، وكان يجدر بدكتور عزام، أن يكون حذراً، بدلاً عن أذكاء نار كراهية غير موجودة، بين أهالي شرق وغرب السودان، من أجل النيل من غريم سياسي، إن جاز التعبير.
لابد للمحلل أو الناشط السياسي، و"اللايفاتي" كذلك أن يكون مسئولا، مدركاً بتعقيدات المجتمع السوداني، ملماً بتاريخه السياسي والاجتماعي، حذراً من أن يصب الزيت على النار في تناوله. وعليه أن يكون يقظا في سياقاته، واختيار مفرداته، وألا يعتقد أن الشعب السوداني، يمكن خداعه، بمعسول الكلام، وطراوة اللسان. سيما في هذا الظرف الدقيق، فالفتنة قد أيقظت من سباتها، وهي متربصة بالأمة السودانية في كافة المناحي.

ebraheemsu@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: المجتمع السودانی المکونات التی أن یکون

إقرأ أيضاً:

الحداحيد والغجر…أنامل نقش علي أوتار الجمال

بقلم : محمد بدوي

أعيد نشر المقال بذات العنوان الذي نشر به في مجلة الحداثة قبل اعوام، ولعل ما دفعني إلي ذلك هو متابعتي لصعود مصطلح الحداحيد بمحموله المرتبط بأشكال الرق الحديثة إلي مسار نقاشات بعض منصات الوسائط الاجتماعية، حيث تم تناولها من بعض النشطاء في وصم تحقيري وتحجيم طرف في النقاش يبدو أنه ينتمي إلي مجموعة الحداحيد،مجمل التداول جاء في سياق الحرب الاسفيرية بين داعمي/ مناصري طرفي الحرب الرئيسين في حرب ابريل السودانية وحلفاءهم، وهذا يشير إلي تفرع خطاب الكراهية واستخدامه داخل المجموعات السكانية من أطراف ينتمون لها لكن تختلف منصة وقوفهم من أطراف الحرب، ياتي الاستخدام هذه المره لسلب الحق في التعبير، والمثير للقلق أن يتم ذلك في بث مباشر أطراف المنصة الرئيسية من الشباب، الراجح أن اغلبهم يحملون وثائق سفر ويتمتعون بالعيش في دول غربية تجرم دساتيرها خطاب العنصرية والكراهية بل بعض هذه الدول على حساسية عالية تجاه ذلك نتيجة لتواريخ ارتبطت بانتهاكات ممنهجة .
خطورة استدعاء هذا الخطاب ينبه إلي السياق التاريخي الوطني وإهمال العدالة الاجتماعية،واستمرار الحروب السياسية، والهدر الإنساني للشباب تاريخيا ما بين الموت / القتل في الحروب ذات الدوافع السياسية، الانتهاكات التي شهدتها بعض معسكرات التدريب للخدمة الوطنية، ظاهرة تجنيد الاطفال، المشاركة للقتال في اليمن وليبيا،ومع التنظيمات الارهابية خارج البلاد ك" داعش" وغيرها، الاستهداف من النظام العام،والاستهداف الذي لم يسلط عليه الضوء كثيرا بالمخدرات التي كانت تصل البلاد في شحنات كبيرة " الحاويات"،القتل بالرصاص الحي في المظاهرات السلمية ووالمواكب، الظروف الأمنية والاقتصادية التي دفعت اعداد كبيرة منهم لركوب المخاطر " السنابك " في سبيل هجرة إلي الدول الاروبية.
المراقب للميديا يقف على ان بعضهم يعرفون أنفسهم ب" الجنقو" إعلاميا عبر الوسائط ، في إعادة لمشهد غياب العدالة الاجتماعية الذي دفع بهم لتحمل مخاطر الهجرة عبر المحيطات " لبلوغ الضفة الاخري بحثا عن حياة كريمة،لتاتي المفارقة بأنه رغم ذلك يتبني بعضهم الخطاب التمييزي تجاه الآخر في حوارات الوسائط المسلجة والمباشرة، التي بدلا من أن تكون هادفة صارت ساحة حرب أخري على الاسافير، فبين الجنقو والحداحيد ما يمكن التعبير عنه " الجنقو والحداحيد قل لا عاش من يفصلنا"، لكن ها هو غياب جهود وقف الحرب بعد ما يقارب العامين يكشف عن تراجع مستمر وإعادة إنتاج تاريخية للخطاب العنصري و الكراهية علنا وبلا غبينة!

المقال كما نشر في مجلة الحداثة في وقت سابق

 

من نافلة القول أن إتفاقية السلام الشامل 2005م التي أصبحت دستوراً لجمهورية السودان قد حملت مكاسب جوهرية ولا سيما في العلاقة بين المواطن والدولة، علي سبيل المثال لا الحصر وثيقة الحقوق المادة (27) وكذلك المادة السابعة (7) التي نصت علي تنظيم المواطنة والجنسية.
بالنظر إلي ديباجة الدستور يُمكن القول أنها نصت صراحةً علي أن أحد الأهداف هو(إعلاء قيم العدل والمساواة وحفظ كرامة الإنسان ومساواة الرجال والنساء في الحقوق والواجبات ) الأمر الذي وضّح بشكلٍ قاطعٍ إلتزام الدولة تجاه مواطنيها، ذات النص من ناحية اَخري يُشكل إلتزاماً تجاه المواطنيين ولا سيما تجاه بعض الممارسات المستمرة في الواقع السوداني التي لا تُمثل الدولة طرفاً أصيلاً فيها مثل الإستعباد أو الأنماط المعاصرة للرق بقدر ما أنها ظلت تُمارس داخل المجموعة الواحدة من قبل بعض الشعوب السودانية تجاه مجموعات تشاركها ذات الأصول الإثنية.
يسعي هذا المقال إلي إلقاء الضوء وتتبع أشكال الممارسات التي يُمكن تصنيفها بالإستعباد أو الرق المعاصر، وقبل الخوض أود أن أُشير بوضوح إلي أن هدف المقال هو تسليط الضوء علي ممارسات في الواقع السوداني ظل تناولها محفوفاً بالكثير من الرهبة والخوف من النقد والهجوم، لكن يظل الأمر يتعارض مع الحق في الكرامة الإنسانية التي نصت عليها الأديان والمواثيق الدولية وكذلك الدستور السوداني 2005م، أضف إلي ذلك ولكي تحقق دولة المواطنة والمساواة فيجب ألا تقتصر الجهود الرامية إلى حل وتسوية أزمات إدارة الدولة السودانية المرتبطة بالإستقرار السياسي دون الإلتفات إلي مثل هذه القضايا المرتبطة بخلل في بنية الواقع الإجتماعي لأنها توربينات تنتج شحن سالبة تعمل علي تآكل لحمة المواطنة مما قد يجعل تحقق أية جهود إصلاحية لتفكيك ما راكمته ممارسات الحكومات المركزية من أزمات تصطدم مره ثانية بنيران ظلت تتدثر (برماد ) فنعود إلي لنرزح مرةً أخري في دائرة مظاهر ذوبان فكرة الدولة في أذهان بعض المجموعات السودانية محمولة علي مزالق تعمل علي إحداث مزيداً من الشروخ في التواريخ الإجتماعية.
المقال يسعي لتناول مجموعتي الحداحيد التي تنحدر من إثنية الزغاوة والثانية مجموعة الغجر، قبل الخوض في واقع هاتين المجموعتين وما تتعرضان له من إنتهاكات تتعلق بأنماط الرق أو المعاملة الحاطة من الكرامة، لفظاً أو فعلاً، أود أن أذهب في إستعراض يتعلق بالأنشطة الإقتصادية لكليهما لوجود بعض التشابه من جانب بالإضافة إلي كون ذلك يرفد الواقع الإقتصادي بالكثير من أدوات الإنتاج فضلاً علي أن نمط دائرة هذا النشاط يكشف عن إمتلاك لناصية إبداع إحترافي يمكن وصفه ( بنقش حصيف علي أوتار الجمال والفن).
مجموعة الحداحيد إشتهرت بالعمل في صناعة أدوات الإنتاج من الطواري والكواريك وأدوات النظافة والحرث بالإضافة إلى أدوات الحروب مثل السيوف والحراب من الحديد بالإضافة إلي أواني الطبخ وشحذ السكاكين والحراب، إلي جانب صناعة الفخار ( الأزيار و أصص الأزهار والأواني) الأمر الذي أصبح اليوم أحد العلوم التي تدرس بكليات الفنون الجميلة.
للحداحيد ضمن إثنية الزغاوة الريادة في الفن فهم مجيدون إلي حد الإحتراف في صنع الاَلات وضرب الطبل وتأليف الإيقاعات، فغيرهم من الإثنية يحرمون علي أنفسهم ضرب الطبل لإعتباره مهنة وضيعة، وتبعاً لذلك ظلوا يُحافظون علي الهوية الثقافية المرتبطة بالموسيقي.
سروج الدواب ( رحل الدواب) وخاصة الجمال ومتعلقاتها مثل (ركاب السرج) و(البطانة ) التي تفصل بين جسد الجمل والسرج وهي تصنع من( الوبر ) تكشف عن أنامل محترفة للحداحيد في التشكيل وتطويع الحديد وصناعة الوبر بمهارة.
إلي جانب ذلك ونتيجة للقهر الذي يتعرضون له والذي سنتناوله في جزء آخر من هذا المقال، ظلوا يحملون راية الريادة في تطوير لغة الزغاوة من حيث إكسابها دسامة البلاغة عبر إستخدام التوريات والتشبيهات البليغة في سياقات تجنبهم الوقوع في حرج الإضهاد أو القهر مثال إطلاق أوصاف للتنبيه إلي مرور أمراة جميلة، فكثيراً ما يحدث ذلك حينما تحضر إحداهن وتطلب شحذ سكين طبخ فيطلب منها الجلوس والإنتظار ريثما يتم ذلك.
حرص الغالبية منهم من سكان المدن علي إقتفاء أثر العمل المرتبط بالذوق والحس الجمالي فمنهم من يُعتبر من المؤسسين لأستريوهات التسجيل الصوتي في إقليم دارفور مما ساهم في نشر الفن السوداني والمساهمة في ربط اللحمة الوطنية بل أن تلك الكاسيتات التي تم نسخها أو تلك التي تم تسجيلها في تلك الإستريوهات أسهمت في نشر الغناء السوداني إلي دول الجوار مثل ( تشاد، إفريقيا الوسطي) بل بعضها وصل وإنتشر إلي تخوم دول مثل بنين.
الغجر أو ما ظل يُطلق عليهم علي سبيل التحقير ب(الحلب) وهي تقف لتنفي عنهم صفة المواطنة المرتبطة بالجنسية السودانية (ليسوا سودانيين) أو الشخص الذي لا تنتمي جذوره إلي الدولة السودانية .
يتشرك الغجر مع الحداحيد في صناعة أدوات الإنتاج من الكواريك وأدوات الحرث و الزراعة، المناجل بالإضافة إلي أواني الطبخ وخاصة تلك التي تصنع من الألمونيوم وشحذ السكاكين وأدوات الإنتاج الزراعية، صناعة السراير وسباليق تصريف المياه وحدوات الحصين والحمير.
الحلب يعملون علي علاج المواشي وتشذيبها وهو عكس ما يحدث للحداحيد فلا يُسمح لهم علي سبيل التحقير في ممارسطة تطبيب المواشي رغم إجاتهم لذلك.
الحلب أهل فن مثل الحداحيد فتجدهم يجيدون الرقص والإنشاد ويتجملون بالأوشام علي الأجزاء الظاهرة من الجسد بالإضافة إلي تلوين الشفاه ، في المواسم يُساهمون في صنع لعب الأطفال (المراجيح) في الساحات العامة للأطفال.
بالإضافة إلي ذلك فلا يُوجد تمييز بين المرأة والرجل فالجميع له دور في حياة المجموعة بل للمرأة موقع مساوٍ تماماً للرجل في كثير من الحقوق.
الإضطهاد أو أنماط الإستعباد
في سياق التقصي عن الحداحيد تجدهم ينتسبون إلي جميع بطون الزغاوة لكن لم أجد تفسيراً إلي أنهم أينما وجدوا يستقرون في الجزء الغربي من (القرية) أو (المنطقة) كمجموعة، فغير مسموح لهم بالسكن في إي جزء اَخر سوي ذاك الإتجاه، تتم الإستعانة بهم في ضرب الطبول في المناسابات لكن غير مسموح لهم بالرقص فيها يقول ( مصطفي) في سن العاشرة وبحكم ترتبيتي في المدينة عمي أصر علي أخذي في الإجازة الصيفية للتعرف علي حياة البادية رغم معارضة والدي إلا أنه نجح في أخذي إلي منطقة (بئر مزة) بشمال دارفور، تصادف وجود ختان وحينها حضر أحد ضاربي الطبل من (الحداحيد ) وقام بتجهيز طبله قبل أن يمنح بعض الطعام لتناوله في تلك الأثناء حضر أحد أبناء الاسرة وقام بالضرب علي الطبل، أسرع عمي الحديث لمصطفي وقام بضرب الطفل ضرباً مبرحاً بإعتباره أنه اقترب ووضع يده علي آلة تخص مجموعة تُعتبر وضيعةً في التراتيب الإثني).
لايُسمح للحداحيد بتناول الطعام في صحن واحد مع الآخرين من إثنية الزغاوة حيث قمت بسؤال ( عبدالله) ما السبب ضحك قبل أن يجيب كيف يعني تأكل مع حدادي، قلت لكنك تمتهن المحاماة وتلقيت تعليماً فوق جامعي ما السبب؟ أكتفي قائلاً لو تصادف بأنك تأكل وقدم أحدهم ومد يده وعرف بأنه حدادي يجب أن تخرج يدك فوراً من الصحن) ، لأكتشف بأنه غير مسموح لهم بذلك حتي في المناسابت العامة فأما أن يتناولوا طعامهم كمجموعة مصنفة كحداحيد أو بشكل فردي كالمنبوذين.
ذهبت في سياق التقصي إلي إجراء مقابلة مع ( محمود) بصفته الشخصية رغم كونه عضو بحركة تحرير السودان- جناح مني مناوي وفقاً لإفادته علي سؤالي لقد شاركوا في الحرب إلي جانب الحركة منذ العام 2003م لكن عددهم لا يتجاوز ال(50) شحص في البدء وقبل العام 2006م كانوا يتعرضون لذات أنماط الإضطهاد تحسنت المعاملة لاحقاً لكن لا يُمكن القول بأنهم صار تعاملهم بذات نسق الآخرين المنحدرة من إثنية الزغاوة من عضوية الحركة لكنهم أفضل حالاً.
بالعودة إلي الغجر فقد ظل يُطلق عليهم إسم الحلب علي سبيل التحقير بإعتبارهم غير سودانيين ( أو الاشخاص غير أصحاب الجذور بالدولة) ولعّل الغجر وهم موجودين في كل أنحاء العالم، يُمكن لفلم (Chocolate) أن يكشف عن معاناتهم حول العالم، كما يكشف عن أنهم أصحاب فن رفيع في الغناء والعزف بل ظلوا يُواجهون بهجوم من المجتمعات التي يحلون في أطراف مدنها، في السودان فقد ظل تركيزهم في شمال السودان جنوب مدينة مروي وبعض مدن السودان، يسكنون في مجتمعات مغلقة يقف علي رأسها شخص كممثل للمجموعة، ظلت لفظة حلبي تُشكل حاجزاً في السابق في إندماجهم مع المجتمعات الأخري لأنه يُمثل مصدر إضطهاد.
تظل كلا المجموعتين الحداحيد والغجر مواطنيين يتعرضون لقهر المجتمعات وليس الدولة بل هم من المجتمعات المحبة للفن والإبداع ومساهمة شكلٍ كبير في ترقية أدوات الإنتاج.

ملحوظة:
# جميع الأسماء الواردة في المقابلات غير حقيقية فضّل من أجريت معهم المقابلات عدم ذكر أسمائهم.

badawi0050@gmail.com  

مقالات مشابهة

  • تمديد الحراسة النظرية للممثل “بهلول”
  • أردوغان… اللاعب الأخير في الشرق المعقد
  • كامل الوزير يشهد أول إنتاج لمصنع كولواي الأسبانية من المكونات الداخلية لعربات النوم.. صور
  • أبرز المواقع التي سيطر عليها الجيش السوداني في الخرطوم
  • اتحاد الكرة: لائحة كأس مصر لا تحدد مواعيد لطلب حكام أجانب
  • المدير التنفيذي للجبلاية: لائحة كأس مصر لا تحدد مواعيد لطلب حكام أجانب
  • الحداحيد والغجر…أنامل نقش علي أوتار الجمال
  • حين تصبح كراهية الكيزان وقوداً لدعايتهم
  • مناوي يهنئ القوات المسلحة بالانتصارات وتحرير القصر الجمهوري