الوشق المصري أعجوبة الخلق الذي يخشى البشر فلِم عقر جنود إسرائيل؟
تاريخ النشر: 23rd, March 2025 GMT
إذا سألت علماء الحيوان عن سمات الوشق الصحراوي (الكاراكال) سيكون من أبرز ما يرددونه أنه حيوان انعزالي خجول يخشى البشر، وهو ما يدفعه لتفضيل العيش في المناطق النائية والغابات أو المناطق الجبلية، لذلك فإن الإعلان مؤخرا عن مهاجمة أحد أفراده التي تسللت من مصر لجنود الاحتلال الإسرائيلي بدا أمرا غريبا، إذ أن حالات مهاجمته للبشر نادرة للغاية.
وذكر الموقع الإلكتروني لصحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية أن الوشق الصحراوي المتسلل من مصر، والذي بات يعرف إعلاميا باسم "الوشق المصري" عقر عددا من جنود الاحتلال في منطقة جبل حريف بالقرب من الحدود المصرية، وهو ما استدعى طلب المساعدة من مفتش هيئة الطبيعة والمتنزهات مارك كاتز الذي حضر إلى الموقع، ليتم العثور على الحيوان مختبئا بأحد الأماكن وهو يمضغ العشب الاصطناعي، فتمت السيطرة عليه برفقة طبيب بيطري من المنطقة.
ويقول الدكتور عمرو عبد السميع أستاذ العلوم الحيوية الجزيئية بكلية العلوم جامعة القاهرة وزميل أبحاث بمتحف التاريخ الطبيعي الأميركي في نيويورك إن "الوشق، وهو حيوان ينتمي إلى فصيلة "السنوريات" التي تشمل الأسود والنمور والفهود والقطط الصغيرة، يميل إلى الخوف من البشر، وعادة ما يفر إذا صادف أحدهم، لكن الحديث عن أنه قد تم العثور عليه يمضغ العشب الاصطناعي، يشير إلى أنه يعاني من قلة الفرائس، وهذا أحد أبرز المبررات التي تدفعه للدخول إلى مناطق وجود البشر ومهاجمتهم".
إعلانويعتمد الوشق في غذائه على صيد الطرائد الصغيرة، مثل الأرانب والقوارض والطيور، لكن تدمير موائله الطبيعية والصيد الجائر قد أثرا على أعداده، مما قد يدفعه أحيانا إلى الاقتراب من المناطق المأهولة بحثا عن الغذاء أو الملجأ، وهذا ربما يفسر هجومه على جنود الاحتلال الإسرائيلي، كما يوضح عبد السميع.
وبالرغم من أن قلة الفرائس هي السبب الأكثر ترجيحا، إلا أن هناك سببا آخر لا يستبعده الدكتور عبد السميع، يتعلق بإصابة محتملة للوشق بداء السعار (داء الكلب) وهو من أخطر الأمراض الفيروسية التي تصيب الجهاز العصبي المركزي للثدييات، بما في ذلك البشر. وينتقل عبر لعاب الحيوانات المصابة، إما من خلال العض أو الخدش، وبعد فترة حضانة قد تمتد لأسابيع أو حتى أشهر، تبدأ أعراض المرض في الظهور، وتشمل الحمى والصداع والتعب، ثم تتطور إلى اضطرابات عصبية حادة مثل الهياج والهلوسة وصعوبة البلع.
ويقول الدكتور عبد السميع "من المعروف أن الحيوانات المصابة بهذا المرض تُظهر تغيرات سلوكية حادة، مثل فقدان الخوف من البشر وزيادة العدوانية، وهو ما قد يفسر هجوم الوشق على جنود الاحتلال الإسرائيلي".
وتشير دراسات سابقة إلى أن الوشق قد يكون ناقلا محتملا للسعار، حيث تم توثيق حالات في ألاسكا وكندا لحيوانات وشق مصابة بالفيروس ظهرت عليها سلوكيات عدوانية غير معتادة.
وتدرس سلطة الطبيعة والحدائق بدولة الاحتلال هذه الواقعة، والتي قد تفتح نتائجها الباب أمام تساؤلات أوسع حول تأثير التغيرات البيئية على سلوك الحيوانات البرية.
ويوضح أنه "مع تزايد تآكل الموائل الطبيعية، قد تضطر بعض الأنواع إلى التكيف مع بيئات جديدة، بما في ذلك المناطق العسكرية، مما يزيد من احتمال التفاعل المباشر مع البشر وإصابتهم بالسعار، لاسيما أنه قد تم تسجيل حالات إصابة بالسعار لدى الأوشاق في أوروبا، مما يدل على أن المرض ليس حكرا على الكلاب أو الثعالب فقط".
وإذا كانت الدراسة المستفيضة لتلك الحالة قد تجيب عن سؤال ما إذا كانت هذه الحادثة مجرد واقعة استثنائية، أم أن العالم على وشك مواجهة نمط جديد من التفاعل بين الإنسان والحياة البرية، فإنه في حال إثبات أنها "نمط جديد من التفاعل" فلن يكون الأمر غريبا، في سياق ما هو معروف عن حيوان "الوشق" والذي يتميز بقدرة عجيبة على التكيف مع الظروف المناخية والبيئية المختلفة.
إعلانووفق ما ذكرته دراسة إيرانية نشرتها دورية "غلوبال إيكولوجي آند كونسرفيشن" فإن قدرة الوشق على التكيف مع الظروف المختلفة تجعله قادرا على العيش في مجموعة متنوعة من الموائل، بما في ذلك المناطق الصحراوية والسافانا والغابات المفتوحة وحتى المناطق الجبلية.
وأورد الباحثون في دراستهم بعض العوامل التي تمنح الوشق هذه القدرة العالية من التكيف، ومنها أنه يستطيع البقاء لفترات طويلة دون الحاجة إلى شرب الماء بفضل اعتماده على السوائل الموجودة في فرائسه، مما يساعده على التكيف مع المناطق الجافة والصحراوية.
كما يمثل تكاثر الوشق السريع إحدى أبرز أدوات التكيف، ففي بلاد مثل جنوب أفريقيا وناميبيا يتم استهدافه ضمن برامج مكافحة المفترسات بسبب افتراسه للماشية، لكن هذه البرامج ظلت عاجزة حتى الآن عن السيطرة عليه بسبب تكاثره السريع.
ووفق دراسة نشرتها دورية "ساوث أفريكا جورنال أوف زولوجي" لا يرتبط تكاثر الوشق بمواسم محددة، فهو يتكاثر في أوقات مختلفة من السنة اعتمادا على توفر الغذاء والظروف البيئية المناسبة، وهذا يزيد من فرص بقاء صغاره في فترات مختلفة من العام.
وتعتني أنثى الوشق بصغارها جيدا، مما يزيد من فرص بقائها على قيد الحياة في ظل الظروف الطبيعية، وتستمر فترة رعاية الأم لفترة تصل إلى عدة أشهر، حيث تعلم الصغار مهارات الصيد والبقاء، وصغار الوشق تتعلم بسرعة كيفية الاعتماد على أنفسها بعد الفطام، مما يزيد من فرص بقائها وانتقالها إلى مناطق جديدة بعد فترة قصيرة من الفطام.
ويتم فطام الصغار في عمر 10 أسابيع تقريبا، وتصل الأنثى إلى البلوغ الجنسي في عمر 12 إلى 16 شهرا، بينما الذكور قد تصل إلى البلوغ في عمر 15 إلى 24 شهرا.
ومن إستراتيجيات التكيف الأخرى في الوشق لون فرائه، حيث يمتلك فراء بنيا أحمر أو أصفر رمليا، مما يساعده على الاندماج مع البيئة المحيطة به، خاصة في المناطق الجافة والمفتوحة مثل السهول والصحاري، مما يجعله أقل عرضة للافتراس ويساعده في الاقتراب من فرائسه دون أن يُكتشف.
إعلانووثقت عدة دراسات إستراتيجية التمويه التي يستخدمها الوشق اعتمادا على لون فرائه، فعندما يشعر بالخطر أو اقتراب حيوان مفترس، يمكنه الاستلقاء والانبساط على الأرض، مما يجعل من الصعب جدا على المفترسين رؤيته، حيث يبدو وكأنه جزء من الأرض المحيطة بفضل لونه وهدوئه التام.
كما أنه يتميز بحركاته الهادئة والخفيفة، مما يجعله قادرا على الاقتراب من فريسته دون أن يكشف عن وجوده، كما أن قدرته على القفز العالي حتى مسافة 3 أمتار تساعده في اقتناص الطيور والحيوانات الصغيرة دون أن يتم اكتشافه.
ومن المفارقات في سلوك هذا الحيوان، بعيدا عن قدراته العالية على التكيف، أن الذكور الذين يخوضون معارك ضارية للفوز بالأنثى عند إبداء رغبتها في التزاوج، لا يشاركون في تربية الصغار أو العناية بهم بل يتركون هذه المهمة للأنثى وحدها.
ووفق أبحاث عدة وثقت هذا السلوك، فإن أنثى الوشق الراغبة في التزاوج تبدأ بإصدار أصوات مميزة لجذب الذكور، وهذه الأصوات تشبه المواء أو الهدر، وهي إشارات تُرسل للذكور لإعلامها بأنها في فترة التزاوج، كما تصدر روائح خاصة من خلال إفرازات من الغدد الموجودة في مناطق مثل الأنف والذيل والقدمين، وهذه الروائح تعمل كإشارة كيميائية للذكور القريبة منها.
وخلال فترة من 3 إلى 6 أيام، يتزاوج الذكر والأنثى عدة مرات لزيادة فرصة التخصيب، وينتهي التواصل بينهما حيث لا يبقى الذكر عادة مع الأنثى بعد التزاوج، ويترك لها مهمة تربية الصغار بمفردها.
ومثل بعض عائلة السنوريات، تم توثيق سلوك "اللعب مع الفريسة" عند الوشق، ويظهر في بعض الأحيان عندما يتمكن من الإمساك بفريسته لكنه لا يقتلها فورا، وبدلا من ذلك يقوم بتوجيه ضربات سريعة لها، مما يجعلها تحاول الهروب، ثم يعود للإمساك بها مجددا، وهو سلوك له عده تفسيرات أوردتها العديد من الدراسات.
إعلانوأحد التفسيرات أنه وسيلة لإظهار التفوق والتأكيد على براعته كصياد لا مثيل له في بيئته الطبيعية، أو أن هذا السلوك يعكس طريقة الحيوان في التدريب على تحسين وتطوير مهاراته كصياد، خاصة إذا كانت الفريسة صغيرة الحجم أو ليست تهديدا كبيرا، فهذا "اللعب" يُمكن أن يكون تمرينا يساعده في الحفاظ على ردود أفعاله الحادة وسرعته، أو يمكن أن يكون وسيلة لاستنزاف طاقة الفريسة قبل قتلها، مما يجعلها أقل قدرة على المقاومة، أو أنه قد يكون إشارة إلى أن الوشق لا يشعر بالجوع الفوري ويستخدم هذا التفاعل كتعبير عن غريزة الصيد الطبيعية. وأخيرا، قد يستخدم هذا النوع من "اللعب" لتعليم الصغار كيفية الصيد.
وعلى عكس هذا السلوك الذي يعكس قدرا من الوفرة، تم توثيق سلوك آخر عندما يكون الطعام شحيحا حيث يمكن للوشق أن يحتفظ بجزء من وجبته لوقت لاحق، وهذا السلوك بعرف باسم التخزين أو إخفاء الفريسة.
ووفقا لما وثقته الأبحاث، فإن الوشق يقوم بسحب الفريسة إلى منطقة آمنة، مثل تحت الأشجار أو بين الشجيرات الكثيفة، أو يمكن أن يدفن جزءا منها تحت أوراق الشجر أو التراب، وهذا السلوك يعتبر إستراتيجية ذكية تمكنه من الاستفادة من الفريسة على مدى فترة أطول، خاصة عندما يكون الطعام شحيحا أو عندما لا يحتاج إلى استهلاك كل الفريسة في وقت واحد.
وفي ختام رحلتنا مع الوشق، ذلك المخلوق المذهل الذي يجسد البراعة في التكيف والبقاء، نجد أنفسنا أمام عجيبة من عجائب الخلق -التي أتاحت لنا واقعة عقره جنود الاحتلال الإسرائيلي- فرصة الغوص في تفاصلها المذهلة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رمضان جنود الاحتلال الإسرائیلی عبد السمیع على التکیف هذا السلوک التکیف مع یزید من
إقرأ أيضاً:
هل سنبقى نحن البشر سادة التقنية أم سنصبح أسرى لها؟
مؤيد الزعبي
عندما أطرح عليك- عزيزي القارئ- هذا التساؤل: "هل سنبقى نحن البشر سادة التقنية أم سنصبح أسرى لها؟"، قد يخطر ببالك أننا نتحدث عن الهواتف الذكية أو شبكات التواصل، أو ربما تستحضر أفلام الخيال العلمي التي تنبأت بتمرد الآلات، لكنِّي هنا أتناول جانبًا أعمق: هل أفقدتنا التقنية– أو ستفقدنا– جوهرنا البشري ومهاراتنا التي أبقتنا أحياء منذ بدء الخليقة؟ إلا تجد بأن كثرة اعتمادنا على التكنولوجيا والتقنية جعلتنا نفقد وسنفقد الكثير من مهاراتنا كبشر، مهارات فكرية وتخطيطية وأخرى حرفية وصولاً لمهارات استكشافية أو تنبؤية أو حتى مهارات التعايش.
ما حدث في إسبانيا مؤخرًا من انقطاع في التيار الكهربائي وما تبعه من فوضى وخوف، يوضح مدى اعتمادنا المطلق على التقنية، وكأننا لم نعد نتوقع يومًا أن تخذلنا أو تتوقف عن العمل. لقد باتت عقولنا رهينة لهذه الأدوات، وفقدنا القدرة على التكيف مع الطوارئ، وكأننا نعيش في وهم الاستقرار الرقمي الأبدي، والمُفزع في الأمر بالنسبة لي ليس التطور؛ بل فقداننا القدرة على العيش دونه، فنحن اليوم حتى أبسط التقنيات لا نتخيل أن نعيش بدونها يوم واحد، وندخل في حالة من الهلع والخوف وحتى الخروج عن المعايير الأخلاقية والإنسانية لتعرضنا لفقدان عنصر تقني واحد في حياتنا.
الإنسان عبر التاريخ اخترع أدوات كثيرة من العجلة إلى الإنترنت لتخدمه وتسهل حياته، ولكن مع تقنيات الذكاء الاصطناعي بتنا لا نخترع أدوات تساندنا بالمعنى العملي أو الحركي، إنما نقوم باستبدال عقولنا بعقول اصطناعية نعتقد بأننا سادتها ومن يشغلها، وقد أتفق معك أنه حتى الذكاء الاصطناعي الأكثر تقدماً مثل ChatGPT أو DeepMind، يعمل ضمن إطار برمجة وضعها بشر، ولكن ما الذي سيحدث غداً ونحن نتخلى عن عقولنا، وماذا لو أدركت البرمجيات أنها تسيطر علينا وأننا من غيرها لا يمكننا البقاء.
تأمل معي- عزيزي القارئ- السيناريو التالي: عندما نعتمد بالكامل على السيارات ذاتية القيادة، ثم تتعرض هذه الأنظمة لعطل أو اختراق، فحينها لن نكون قادرين على قيادة سياراتنا وستختفي وسائل تنقلنا، ولن نجد بدائل تقليدية؛ لا خيول ولا عربات، ولا حتى المعرفة بكيفية استخدامها، الأمر ذاته ينطبق على الروبوتات الطبية: إذا توقفت هذه الأنظمة، فقد لا نجد طبيبًا واحدًا يمتلك المهارة أو الحدس السريري لعلاج المرضى، وستتكرر المأساة في التعليم والهندسة والعدالة والفنون، فنحن من قررنا استبدال العقول البشرية بالبرمجيات، دون أن نحسب حساب يوم تتعطل فيه تلك الآلات ومرة أخرى لم نتوقع أن تخذلنا أو تتمرد علينا.
في الحقيقة أنا لا أتحدث عن جيلنا الحالي، فما زال فينا من يمتلك المهارات؛ مهارات حرفية وأخرى عقلية، ومازال البشر على كوكبنا هم من لديهم السلطة الفعلية للقيام بكل شيء، ولكن ماذا عن أجيال المستقبل؛ الأجيال الذين نسلبهم مهاراتهم يوماً بعد يوم، نحن نربي أجيالًا قد لا تعرف كيف ترسم، كيف تصنع، كيف تكتب، كيف تفكر، أو حتى تتعامل مع أدوات بدائية، ونذهب في رسم مستقبلًا مليئًا بالروبوتات والأنظمة دون أن نسأل: ما الذي سيحدث لو أصبحت هذه الأنظمة سجنًا لنا؟
قد يتساءل البعض: هل علينا أن نوقف التقدم؟ وأنا أقول حتى وإن أردنا ذلك فلن نستطيع، وأنا هنا لست ضد التقنية أو كيف نطورها في قادم الأيام إنما ما أنادي به هو ضرورة أن تكون عصمة التكنولوجيا في أيدينا نحن البشر وهذا أولاً أما ثانياً أن يكون دائما لدينا بديل قوي وجاهز وحاضر في كافة المجالات وعلى كافة المستويات، فمصدر قوتنا كبشرية كان ومازال وسيظل في قدراتنا على تحويل كل شيء من حولنا ليخدم مصالحنا، وها نحن اليوم نفقد ما ساعدنا في ذلك أمام التقنيات والذكاء الاصطناعي.
في النهاية.. يجب أن نعلم أن التاريخ يُكتب الآن، والخيار بين "السيادة" و"العبودية التقنية" بين أيدينا، والفرق بين أن نكون سادة أو أسرى التقنية يعتمد على وعينا وإصرارنا كبشر على الاحتفاظ بالسيطرة، وهنا يبرز تساؤل مهم جدًا: إذا كانت الآلات في طريقها للسيطرة، فهل سنسمح نحن لأنفسنا كبشر بأن نكون ضعفاء بما يكفي للاستسلام؟
هذا هو السؤال الجوهري، والذي سأتابع مناقشته معك في مقالي المقبل.
رابط مختصر