في المرحلة الأولى من الحرب الأهلية السورية، نفت إيران وجود قواتها على الأراضي السورية رغم الأدلة التي أثبتت عكس ذلك، قبل أن تضطر إلى الإقرار بتدخلها، مبررةً ذلك بحماية مرقد السيدة زينب في دمشق.
طهران استثمرت كثيراً من الدماء والموارد في سوريا
غير أن التغلغل الإيراني العميق في سوريا تجاوز الرمزية الدينية بمراحل؛ إذ كان بمنزلة موطئ قدم استراتيجي دافعت عنه طهران بثمن باهظ، مضحيةً بآلاف من قواتها، حسب ما أفاد د.
كان سقوط بشار الأسد في ديسمبر (كانون الأول) 2024 حدثاً مزلزلاً، وجّه ضربة قاسية لنفوذ إيران وروسيا في سوريا. وبينما تتمسك موسكو بقواعدها العسكرية في سوريا رغم حربها في أوكرانيا وتزايد العقوبات الغربية ضدها، فإن موقف إيران أكثر تعقيداً، فخلافاً لروسيا، التي تنظر إلى سوريا من زاوية المصالح الجيوسياسية والعسكرية، ترى إيران سوريا كساحة أيديولوجية واستراتيجية مركزية لطموحاتها الإقليمية.
ضعف السلطة في دمشق
وقال الكاتب في تحليله بموقع "جيوبوليتيكال مونيتور" الكندي إن النظام الفعلي في دمشق يواجه صراعاً شاقاً لبسط سيطرته على دولة ممزقة آخذة في الانهيار؛ فالأحداث الأخيرة، التي أسفرت عن مقتل أكثر من ألف شخص، بينهم مدنيون، في اللاذقية والمدن الساحلية الأخرى التي تعد معاقل تاريخية للطائفة العلوية، تعكس ضعف قبضة الحكومة على السلطة.
وأضاف أن هذه الاضطرابات، التي يؤججها فلول نظام الأسد، لا يمكن احتواؤها عبر عمليات أمنية منفصلة أو فرض حظر تجول فقط، بل تكشف عن حالة استياء أعمق لا تستطيع دمشق ولا داعمتها الخارجية، تركيا، القضاء عليها بسهولة.
Syria’s Next Chapter: Iran Reshapes its Influence https://t.co/yV7hXKwIqC
— Charbel Antoun (@Charbelantoun) March 19, 2025ورغم معارضة إيران لنظام إسلامي سُنّي في دمشق، فلا تزال تحتفظ بنفوذها داخل المجتمع العلوي، الذي كان العمود الفقري لنظام الأسد. فقد حرصت طهران على بناء تحالفات دينية وسياسية مع العلويين، بما يضمن استمرار بصمتها الأيديولوجية في سوريا، حتى في ظل التحولات السياسية.
وتابع الكاتب "يزيد الوضع تعقيداً الدستور الانتقالي الجديد، الذي يرسّخ هوية سوريا "العربية"، رافضاً الاعتراف بالهويات غير العربية، مع اعتبار الشريعة الإسلامية "مصدراً رئيساً" للتشريع. هذا الإطار الإقصائي قوبل برفض قاطع من الأكراد والدروز، الذين يرونه استمراراً لنهج الأسد بواجهة إسلامية سنية جديدة".
جنوب وغرب سوريا
في جنوب سوريا، يسعى الدروز، الذين طالما تحفّظوا على الفصائل السنية المتطرفة والهيمنة الإيرانية، إلى تعزيز حكمهم الذاتي. وتحت المظلة الإسرائيلية، من غير المرجح أن ينحاز الدروز إلى أي طرف بعينه، بل سيحاولون استغلال وضعهم لتحقيق مزيد من الاستقلالية.
في هذه الأثناء، تتابع إسرائيل المشهد بحذر، محافظةً على وجودها العسكري في الجنوب السوري. فمن منظور تل أبيب، يشكل نظام إسلامي متطرف في دمشق تهديداً أمنياً أكبر بكثير من حكومة تهيمن عليها إيران، مما يجعل الحسابات الإسرائيلية في سوريا أكثر تعقيداً من أي وقت مضى.
Insight from @AhmadA_Sharawi: "The idea that Iran and its proxies have vanished from Syria is pure fantasy. Tehran is actively fueling instability to claw back its influence, and Syria’s new government faces a tough battle to keep Hezbollah...at bay."https://t.co/OEruyIC5CT
— FDD (@FDD) March 18, 2025أما تركيا، فتواجه مزيجاً من الفرص والتحديات. فرغم أن أنقرة قد تجد قواسم مشتركة مع الفصائل الساعية للسيطرة على سوريا، فإنها ستظل مقيدة بالمصالح الإيرانية. فقد رسّخت إيران وجودها في المؤسسات العسكرية والاقتصادية والسياسية السورية، ولعب الحرس الثوري الإيراني دوراً محورياً في تشكيل سياسات النظام السابق.
وقدمت طهران تضحيات هائلة، شملت آلاف المقاتلين من قوات القدس وقوات الحرس الثوري، بالإضافة إلى مليارات الدولارات، للحفاظ على الأسد في السلطة، ومن غير الوارد أن تتخلى ببساطة عن استثماراتها في سوريا.
عودة النفوذ الإيراني
ولفت الكاتب النظر إلى أن إيران اتبعت هذه الاستراتيجية من قبل؛ فبعد ثماني سنوات من الحرب مع العراق وخسائر هائلة، تمكنت من توسيع نفوذها داخل القطاع الشيعي العراقي. وحتى بعد سقوط صدام حسين وصعود تنظيم داعش، نجحت إيران في تأسيس ميليشيات موالية لها، مما ضمن بقاء العراق في حالة عدم استقرار دائم.
وعبر سيطرتها على الأحزاب الشيعية، سعت إيران إلى قمع حكومة إقليم كردستان وإبقاء السُنّة في وضع ضعيف. وينبغي لمن يملكون مصلحة في مستقبل سوريا، يقول الكاتب، أن يتوقعوا تكرار إيران لهذه الاستراتيجية، هذه المرة عبر الطائفة العلوية. ولن تسمح طهران لتركيا، التي استثمرت في سوريا أقل بكثير منها، بجني الفوائد السياسية والاقتصادية على حسابها.
ساحة للصراع
وأوضح الكاتب أنه في المستقبل ستظل سوريا ساحةً تتصارع فيها القوى الإقليمية والدولية، كلٌّ وفق مصالحه وأجنداته الخاصة. فالجزء الغربي من البلاد، حيث يكافح النظام الجديد لترسيخ سلطته، سيبقى بؤرةً للاضطرابات.
في المقابل، من المرجح أن تحافظ المناطق الخاضعة للسيطرة الكردية والدرزية على استقرار نسبي، حيث استطاعت القوات الكردية، بفضل هياكلها العسكرية والسياسية المنظمة، تعزيز سلطتها وتأسيس آليات حكم مستقلة عن دمشق.
أما إسرائيل، فلا تجد دافعاً قوياً لدعم أي تغيير جذري قد يفضي إلى تمكين فصائل معادية. ولا يمكن إنكار أن النظام الجديد في دمشق يفتقر إلى القدرة اللازمة لاحتواء النفوذ الإيراني الراسخ.
وقال الكاتب إن طهران استثمرت كثيراً من الدماء والموارد في سوريا بحيث تظل قوةً لا يمكن لأنقرة ولا للحكام الجدد في دمشق تجاهلها، إذ ما يزال محور المقاومة قادراً على إعادة تشكيل نفسه، كما يتضح من الصراع الدائر بين هيئة تحرير الشام في دمشق وحزب الله، في لبنان.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: وقف الأب رمضان 2025 عام المجتمع اتفاق غزة إيران وإسرائيل يوم زايد للعمل الإنساني غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية سوريا فی سوریا فی دمشق
إقرأ أيضاً:
لماذا تتردد واشنطن في رفع العقوبات عن سوريا بعد سقوط الأسد؟
وقال كبير مسؤولي مكتب شؤون الشرق الأدنى بوزارة الخارجية الأميركية تيم ليندركينغ إن "هناك عقوبات فرضناها على سوريا وقيادتها، وهذه العقوبات لن ترفع بين عشية وضحاها، لن نتعجل كما فعلت بعض البلدان".
وفي حديثه لحلقة (2025/5/1) من برنامج "من واشنطن"، أضاف ليندركينغ "نرى لدى بعض شركائنا تعطشا لإعادة فتح السفارات ورفع الأعلام، لكننا ببساطة لم نصل بعد إلى تلك المرحلة، ونتبع نهجا حذرا في التعامل".
وعلى النقيض من الموقف الأميركي، أعلنت بريطانيا مؤخرا إزالة 12 كيانا سوريا إضافيا من قائمة العقوبات، شملت مؤسسات سيادية مهمة، مثل وزارتي الداخلية والدفاع، وعدة أجهزة أمنية واستخباراتية كانت تعتبر سيئة السمعة خلال حكم عائلة الأسد.
ولم يكن هذا الإجراء البريطاني الأول من نوعه، إذ سبقه إعلان في مارس/آذار الماضي برفع العقوبات عن 24 كيانا سوريا آخر، تمثل قطاعات حيوية كالنقل والطاقة والتعامل المالي، وعلى رأسها المصرف المركزي السوري.
تباين مواقف
وبشأن هذا التباين في المواقف، أوضح مراسل الجزيرة في لندن محمد المدهون، أن وزراء الحكومة البريطانية عبروا بوضوح عن قناعتهم بأن استقرار سوريا يمثل مصلحة بريطانية مباشرة، وأن رفع الكيانات السورية من قائمة العقوبات يستهدف تحقيق هذا الاستقرار الإقليمي وتعزيز الأمن القومي البريطاني.
إعلانوفي تحليلها للموقف الأميركي، كشفت مساعدة وزير الخارجية الأميركية السابقة لشؤون الشرق الأدنى، باربرا ليف، وجود انقسام حاد في الرؤى داخل الإدارة الحالية بشأن التعامل مع سوريا.
وأكدت ليف -في حديثها لـ"من واشنطن"- أن "لأميركا مصلحة في استقرار سوريا"، موضحة أن الخلاف داخل الإدارة الأميركية يدور بين تيارين:
التيار الأول يرى الرئيس أحمد الشرع "إرهابيا" جاء مع "مجموعة إرهابيين"، وأنه لم ولن يتغير. التيار الثاني يدعو إلى اختبار هذه الفرضية والانفتاح على التعامل مع الوضع الجديد.
رؤية الجالية السورية
بدوره، قدم رئيس الشؤون السياسية في المجلس السوري الأميركي، محمد غانم، رؤية من داخل الجالية السورية الأميركية، مشيرا إلى أن الحكومة السورية حققت تقدما ملموسا في تلبية الشروط الأميركية.
وأقر غانم بأن الجانب الأميركي لا يزال ينظر بريبة وشك كبيرين تجاه بعض الشخصيات في النظام الجديد، "لا بسبب سلوكه، لكن بسبب الماضي".
وكشف عن تطور إيجابي في المفاوضات، إذ أشار إلى أن المسؤولين الأميركيين الذي يتولون الملف السوري يدركون أهمية دمشق الإقليمية، وأن المقترح الحالي على طاولة المفاوضات يتمحور حول "تعليق للعقوبات لفترة طويلة" بدلا من النهج السابق القائم على "مقاربة الخطوة بخطوة".
وتصدر مطلب الكشف عن مصير مواطنين أميركيين اختفوا في سوريا قائمة الأولويات في الشروط الأميركية لرفع العقوبات، خصوصا الصحفي أوستن تايس الذي اختفى عام 2012 في أثناء تغطيته للأحداث هناك.
وفي هذا السياق، استضافت الحلقة ديبرا (والدة تايس) التي عبرت عن ثقتها "الكاملة والقوية" بإدارة الرئيس دونالد ترامب، مشيرة إلى أنها تعتقد أن الرئيس ترامب يشعر بأن إعادة أوستن إلى الوطن أمر مهم.
الصادق البديري1/5/2025