أوروبا في مواجهة تحديات جديدة: هل تعود إلى السباق النووي لبناء الردع العسكري؟
تاريخ النشر: 23rd, March 2025 GMT
إن بناء رادع نووي من الصفر ليس بالأمر اليسير، ولكن مع اتساع الهوّة بين الولايات المتحدة وأوروبا، بدأ هذا الموضوع يطفو على السطح من جديد.
في وقت سابق من هذا الشهر، دعا رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك أمام البرلمان البولندي إلى ضرورة سعي بلاده للحصول على أحدث القدرات العسكرية، بما في ذلك الأسلحة النووية والأسلحة الحديثة غير التقليدية.
جاءت تصريحات توسك في وقت حساس، حيث تشير إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى تراجع دور الولايات المتحدة في حماية أوروبا، ما أثار مخاوف من احتمالية انتشار الأسلحة النووية في القارة، وهو ما يتناقض مع عقود من السياسة الأوروبية التي كانت ترتكز على إلغاء التسلح النووي في المنطقة.
ومع استمرار التساؤلات حول التزام الولايات المتحدة بدورها كضامن للأمن النووي في أوروبا، تقوم الصين بتوسيع ترسانتها النووية، بينما تواصل روسيا، التي تمتلك أكبر مخزون من الرؤوس النووية الحربية في العالم، تهديداتها باستخدام أسلحتها النووية لتحذير حلف الناتو والاتحاد الأوروبي من التورط العسكري المباشر في أوكرانيا.
وتثير هذه التحولات أسئلة مهمة حول مستقبل الرادع النووي في أوروبا: كيف يمكن للقارة الحفاظ على قدرة ردع فعالة؟ وهل يمكن أن تنضم دول أوروبية أخرى إلى النادي النووي؟
التحديات التقنية لبناء القدرات النوويةرغم أن بعض الدول الأوروبية تمتلك العناصر الأساسية لتطوير قدرات نووية مستقلة، يعتقد الخبراء أن الفرص ضئيلة لانضمام دول أخرى إلى النادي النووي في الوقت الحالي. وتشير التقديرات إلى أن التحديات التقنية ستشكل عقبة كبيرة أمام أي محاولة لامتلاك أسلحة نووية في القارة.
يقول فابيان رينيه هوفمان، الباحث في مشروع أوسلو النووي، إن الدول الأوروبية التي تسعى لتطوير أسلحة نووية ستواجه تحديات تقنية هائلة. ويوضح هوفمان لـ"يورونيوز" بالقول: "حتى لو كانت إحدى الدول الأوروبية في حلف شمال الأطلسي حريصة على تطوير أسلحتها النووية الخاصة بها، فإنها ستجد نفسها في بداية الطريق".
ويضيف هوفمان أن المشكلة الرئيسية تكمن في نقص البنية التحتية النووية المدنية اللازمة لدعم برنامج التسلح النووي. على سبيل المثال، لا تمتلك دول مثل فنلندا والسويد مفاعلات قادرة على إنتاج البلوتونيوم، المكون الأساسي لصنع الأسلحة النووية. وحتى لو رغبت هذه الدول في إطلاق برنامج نووي، فإن بنيتها التحتية الحالية لا تكفي لتحقيق ذلك في المستقبل القريب. وأشار هوفمان إلى أنه "لن يتمكنوا من القيام بذلك ببنيتهم التحتية الحالية، على الأقل على المدى القصير".
رغم ذلك، اعترف هوفمان بوجود استثناء قد يكون مثار جدل، وهوألمانيا. على الرغم من أن برلين لا تمتلك بنية تحتية نووية مدنية كبيرة، إلا أنها لا تزال تمتلك مخزونًا كبيرًا من اليورانيوم عالي التخصيب لأغراض البحث. ومن الناحية النظرية، يمكن إعادة استخدام هذا المخزون في بعض الجهود لإنتاج مواد انشطارية صالحة للاستخدام في الأسلحة. لكن هذا المخزون سيكفي فقط لإنتاج ما بين 5 إلى 15 رأسًا نوويًا، وهو ما لا يكفي لتطوير رادع نووي قوي.
ما هي التوجهات المستقبلية للقوى النووية الأوروبية؟بينما تواجه المملكة المتحدة وفرنسا قرارات مصيرية بشأنمستقبلهما النووي، يظل الرادع النووي البريطاني في وضع غير مستقر. فأسطول الغواصات النووية البريطاني أصبح متقادمًا ومن المقرر استبداله قريبًا، في حين أن الأسلحة النووية البريطانية تُخزن في قاعدة أمريكية، مما يعني أن الرادع البريطاني يعتمد بشكل غير عادي على مشاركة دولة أخرى.
أما الرادع النووي الفرنسي، فيتمتع بمزيد من الاستقلالية مقارنة بنظيره البريطاني، حيث يمتد إلى خيارات أخرى قد تسمح بنقل الأسلحة النووية إلى مواقع أخرى في أوروبا. ولكن هذه الخطوة، كما يوضح هوفمان، ليست بسيطة كما قد تبدو، حيثُ أنه: "يجب بناء بنية تحتية في الدول المضيفة، وخاصة المخابئ"، مشيرًا إلى أن نشر الأسلحة النووية الفرنسية في ألمانيا لن يكون ذا فائدة كبيرة، بل يجب نشرها في دول المواجهة المباشرة مع روسيا، مثل بولندا.
وفي ضوء هذه التطورات، بدأت وارسو في التعبير عن رغبتها في نشر رؤوس نووية أمريكية على أراضيها، مما يطرح تساؤلات حول المستقبل المحتمل للرادع النووي في أوروبا.
Relatedماذا تحمل عودة ترامب إلى البيت الأبيض لإيران وبرنامجها النووي؟غياب المظلة الأمريكية... هل يكفي الردع النووي الفرنسي لحماية أوروبا؟ماكرون يعزز الردع النووي بـ40 رافال وتحديث قاعدة جوية بـ1.5 مليار يورو بسبب تهديدات واشنطن وحلفائها.. كيم جونغ أون يتوعد بتوسيع البرنامج النووي لكوريا الشماليةبولندا والعودة إلى الخيار النوويبعد نهاية الحرب الباردة وزوال حلف وارسو، تخلت معظم دول أوروبا، بما في ذلك بولندا، عن الأسلحة النووية السوفيتية التي كانت متمركزة على أراضيها. منذ ذلك الحين، التزمت بولندا بعدد منالاتفاقيات الدولية التي تهدف إلى الحد من انتشار الأسلحة النووية، مثل معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية ومعاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية. ومع ذلك، في حال قررت وارسو أو أي دولة أوروبية أخرى تطوير أسلحة نووية خاصة بها، فإن ذلك سيمثل تحولاً جذرياً في سياسة استمرت لثلاثة عقود.
ويظل نظام منع الانتشار النووي العالمي يركز على تقليص برامج الأسلحة النووية في دول مثل كوريا الشمالية، ومراقبة عمليات التخصيب المستخدم في تصنيع الأسلحة النووية في إيران، بالإضافة إلى التحكم في تدفقات المواد النووية الحساسة مثل اليورانيوم والبلوتونيوم.
ورغم أن احتمال تطوير دولة أوروبية لأسلحة نووية كان محلّ شك، فإن أي محاولة لذلك لن تتم دون مراقبة دقيقة. كما يشير فابيان رينيه هوفمان: "لن تتمكن أي دولة أوروبية غير حائزة للأسلحة النووية من الانتشار سراً". ويرى أن "البنية التحتية النووية في أوروبا تخضع لضمانات صارمة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ما يعني أن أي تحولات في هذا المجال ستتم ملاحظتها بسهولة".
في ظل هذه الضوابط، يواجه المراقبون تحديات جديدة بسبب التقنيات الحديثة التي قد تسهل انتشار الأسلحة النووية بطرق غير قانونية.
ما يثير القلق بشكل خاص في الوقت الحالي هو التصنيع المضاف، أو الطباعة ثلاثية الأبعاد. فقد حذر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأمريكي من أن هذه التقنيات قد تساهم في "خلق مسارات متقلبة للقدرات والأسلحة النووية"، حيث قد ينجح الطامحون في الانتشار النوويمن التهرب من التدقيق المعتاد من خلال طباعة مكونات يصعب استيرادها بشكل مباشر.
حتى الآن، ركزت الجهود الدولية ف هذا المجال على جعل الأمر صعبًا قدر الإمكان على أي دولة "مارقة" لتطوير سلاح نووي. لكن مع ظهور تقنيات مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد والذكاء الاصطناعي، قد يتعين على العالم إعادة النظر في وسائل منع الانتشار التي تعتمد عليها الدول لمنعها من تطوير أسلحة نووية بشكل غير مشروع.
ويبرز في هذا السياق مثال تاريخي مهم. في منتصف القرن العشرين، بدأ نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا في اختبار أجهزة نووية، وأنتج في النهاية ستة رؤوس حربية يمكن تركيبها على صواريخ باليستية عابرة للقارات. الأهم من ذلك، أن البلاد استخدمت عملية فصل دائمة لتخصيب اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة النووية، وهي عملية كثيفة الطاقة لكنها رخيصة نسبيًا. ويخشى بعض الخبراء من أن هذه الطريقة قد تُستخدم اليوم لتخصيب كمية صغيرة من اليورانيوم الانشطاري.
اليوم، تعتبر جنوب أفريقيا الدولة الوحيدة في التاريخ التي طورت أسلحة نووية ثم تخلت عنها، مع انتهاء نظام الفصل العنصري والحرب الباردة. لكن جهودها في تطوير أسلحة نووية بتكلفة منخفضة تشهد على حقيقة أن الدولة المصممة على بناء رادع نووي يمكنها نظريًا العثور على طرق لتنفيذ ذلك داخل حدودها، حتى في ظل التدقيق الدولي المكثف.
أما بالنسبة لسؤال ما إذا كانت أي من الدول الأوروبية ستتخذ خطوة مماثلة، وتدخل في نادي الدول النووية مثل كوريا الشمالية، فهو أمر مفتوح للنقاش. لكن في النهاية، قد يكون سلوك الولايات المتحدة وروسيا في المستقبل القريب العامل الحاسم في تحديد مسار الانتشار النووي في أوروبا.
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية ترامب يكشف عن طائرة "اف47" المقاتلة من الجيل السادس خامنئي يرد على ترامب: التهديدات الأمريكية ضد إيران لن تجدي ولن تحقق أي نتائج مكالمة بوتين وترامب تشعل الجدل: هل تلوح فرصة للسلام أم استمرار للأزمة؟ جنوب أفريقياروسيابولنداأسلحة نوويةحلف شمال الأطلسي- الناتوالمصدر: euronews
كلمات دلالية: إسرائيل قصف قطاع غزة ضحايا الحرب في أوكرانيا الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إسرائيل قصف قطاع غزة ضحايا الحرب في أوكرانيا الصراع الإسرائيلي الفلسطيني جنوب أفريقيا روسيا بولندا أسلحة نووية حلف شمال الأطلسي الناتو إسرائيل قصف قطاع غزة ضحايا الحرب في أوكرانيا الصراع الإسرائيلي الفلسطيني رجب طيب إردوغان فولوديمير زيلينسكي فلاديمير بوتين ألمانيا روسيا تركيا انتشار الأسلحة النوویة تطویر أسلحة نوویة الولایات المتحدة النووی فی أوروبا الدول الأوروبیة یعرض الآنNext النوویة فی نوویة فی نووی ا
إقرأ أيضاً:
"الردع التلقائي".. مقترح إسرائيلي بضرب إيران لإيقاف الحوثيين
ذكرت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، أن الحل الاستراتيجي لأزمة إطلاق الحوثيين للصواريخ على إسرائيل، هو تغيير العقيدة الإسرائيلية، وتطبيق نظام ردع تلقائي ينطوي على ضرب إيران بشكل مباشر ويجبرها على تحمل مسؤولية أفعالها.
وقالت "معاريف" إن هذا الأسبوع، وللمرة الأولى منذ شهرين، دوت صفارات الإنذار في تل أبيب ووسط إسرائيل بعد إطلاق النار من اليمن، كما اعترضت قوات التحالف العربي، ليل الأربعاء الخميس، صاروخاً أطلقه الحوثيون من اليمن خارج حدود إسرائيل، وفي اليوم التالي تم إطلاق صاروخ على إسرائيل، ما أدى إلى نزوح الكثير من الإسرائيليين في العديد من المناطق.
جدل داخلي حاد في إيران حول نوايا الولايات المتحدةhttps://t.co/oLvLXbZFHO pic.twitter.com/AQBEZBuuxL
— 24.ae (@20fourMedia) March 13, 2025 تغيير قواعد اللعبةوأشارت الصحيفة الإسرائيلية، إلى أن هناك فهماً متزايداً في إسرائيل بأن المعادلة الإقليمية القائمة، التي تمارس فيها إيران ضغوطاً على إسرائيل من خلال وكلائها حماس وحزب الله والحوثيين، تسمح لها بتجنب دفع ثمن مباشر للهجمات المستمرة، متسائلة: "هل من الممكن تغيير قواعد اللعبة وإجبار طهران على إعادة حساباتها؟"
ونقلت الصحيفة عن الدكتور كفير تشوفا، المحاضر في الكلية الأكاديمية بـ"رامات جان" والخبير في صنع القرار، مقترحه لحلاً جذرياً بسيطاً لمشكلة الحوثيين، والذي يتمثل في تغيير العقيدة الإسرائيلية وتنفيذ نظام ردع تلقائي يضرب إيران بشكل مباشر بعد أي إطلاق نار على إسرائيل.
مبدأ الردع التلقائيويشير تشوفا إلى أن إسرائيل تواجه اليوم حرب استنزاف تشنها عليها إيران عبر وكلائها، وخصوصاً الحوثيين في اليمن، موضحاً أن إيران التي تحافظ على الغموض ولا تتحمل المسؤولية المباشرة، تستغل هذه الأسلحة الرخيصة دون أن تدفع مناً استراتيجياً حقيقياً، ولكسر هذه المعادلة، لا بد من تطبيق مبدأ جديد، وهو "الردع التلقائي" الذي يُجبر إيران على تحمل مسؤولية الهجمات التي تُشن باسمها.
ووفقاً لتلك النظرية، ينشأ الردع الفعال عندما يُنظر إلى التهديد على أنه مؤكد، وباهظ التكلفة على العدو. وقال تشوفا، إن إيران لا تدفع اليوم ثمناً مباشراً لإطلاق الحوثيين الصواريخ، ولذلك ستواصل إطلاقها، ويكمن الحل في إيجاد رابط لا ينقطع بين أي إطلاق نار على إسرائيل والهجوم المباشر على إيران نفسها.
واقترح تشوفا نظام ردع تلقائي على أي هجوم حوثي، حيث يقوم نظام آلي بربط كل إطلاق صاروخ من اليمن باتجاه إسرائيل بهجوم مضاد فوري بالصواريخ الباليستية على طهران، وكذلك، إذا أطلقت إيران صواريخ على إسرائيل، سيشن ذلك النظام تلقائياً هجوماً مضاداً بالصواريخ الباليستية على منشآت النفط الاستراتيجية الإيرانية، مما قد يشل اقتصادها، وأوضح قائلاً: "سيكون النظام غير قابل للتعطيل، فأي محاولة لتعطيله ستؤدي إلى تفعيله فوراً، ما يضمن استمرار فعالية الردع في أي سيناريو".
هل تغيّر موقف إسرائيل من إيران بعد عودة ترامب؟https://t.co/WgcQMH4SHL
— 24.ae (@20fourMedia) March 9, 2025 حرب باهظة الثمنوبحسب ما نقلته الصحيفة، فإن الرسالة ستكون موجهة إلى إيران، وستكون واضحة وحاسمة، بأن كل طلقة صغيرة من الحوثيين ستؤدي إلى إلحاق الضرر بعاصمتها، وستفقد القدرة على التحكم في مقدار الضغط الذي تمارسه عبر وكلائها، وستصبح الحرب باهظة الثمن بالنسبة لطهران، لأن كل هجوم سيُلحق بها أضراراً ملموسة.
استغلال موقف ترامبوعلى الصعيد الدولي، يرى تشوفا أن هناك ميزة أخرى لتطبيق ذلك النظام، وهي ربطه بسياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي صرح علناً بأن إيران تقف وراء تصرفات الحوثيين، ودعا إلى محاسبتها، مستطرداً أن "الدعم الأمريكي يشكل عنصراً أساسيا في الردع ضد إيران، وبالتالي فإن تقديم هذه الخطوة باعتبارها استمرارا مباشراً لسياسة ترامب يمكن أن يساعد في ضمان الشرعية الدولية".