تونس – شهدت الساحة السياسية والحقوقية في تونس استياء واسعا عقب تسريب أنباء تفيد بأن نظام الرئيس قيس سعيد قرر في الثالث من مارس/آذار الحالي سحب الاعتراف باختصاص المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان، مما يشكل انتكاسة لحقوق الإنسان بتونس، وفق مراقبين.

وجاء قرار الانسحاب من المحكمة دون إعلان رسمي، مما اعتبره متابعون تهربا من الانتقادات وتفاديا للجدل السياسي والحقوقي الذي قد يثيره هذا القرار، لكن تسرب الخبر عبر منصات التواصل الاجتماعي أشعل موجة غضب واسعة لدى الحقوقيين.

ولم تنشر الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية أو وزارة الخارجية إعلان الانسحاب، لكن العديد من المنظمات الحقوقية ولا سيما الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان أكدت صحة القرار، الذي اتسم بطابع سري ومباغت، مما خلف ردودا منددة بسياسة التعتيم الرسمي.

واعتبرت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، وهي منظمة معترف بها لدى المحكمة الأفريقية، قرار الانسحاب "انتكاسة خطيرة ومحاولة للتنصل من هيئة قضائية مستقلة، والتنصل من المسؤولية، والإفلات من العقاب، مما يمهد الطريق لمزيد من الانتهاكات دون أي محاسبة".

وفي ظل هذا الجدل، دعت العديد من المنظمات الحقوقية النظام التونسي إلى مراجعة موقفها والعدول فورا عن هذا القرار، احتراما لتعهدات تونس الدولية والإقليمية في مجال الحريات وضمانا لحماية مكتسبات حقوق الإنسان، وعدم المساس بمصداقية تونس أمام المنظمات الدولية.

إعلان

 

تراجع خطير

عن هذا الانسحاب، يقول المحامي والناشط الحقوقي العياشي الهمامي للجزيرة نت إن القرار يعد "تراجعا خطيرا عن التزامات تونس الدولية والإقليمية لحماية حقوق الإنسان، واستمرارا من قبل النظام الحالي في نهج الحكم الفردي، وضرب الحريات ورفض أي آلية للمحاسبة".

كما أشار الهمامي إلى أن القرار يتماشى مع ممارسات سابقة للنظام مثل رفض تنفيذ أحكام المحكمة الإدارية خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وسحب اختصاص البت في الطعون الانتخابية من المحكمة الإدارية إلى القضاء العدلي، قبيل أيام من موعد الاقتراع.

وسبق أن تعرض الرئيس سعيد إلى انتقادات واسعة بعد مصادقة البرلمان على تعديل قانون الانتخابات قبل أيام قليلة من الانتخابات الرئاسية في السادس من أكتوبر/تشرين الأول 2024، مما ألغى نظر المحكمة الإدارية في الطعون الانتخابية خوفا من إعادة منافسين للرئيس سعيد إلى سباق الانتخابات.

ويرى الهمامي أن رفض السلطة تنفيذ أحكام المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان ثم انتقالها إلى خطوة سحب الاعتراف باختصاص المحكمة الأفريقية، "دليل إضافي وملموس على أن الرئيس قيس سعيد يواصل سياسة العزلة القانونية لحماية نظامه من المساءلة القانونية".

ويوضح أن نظام الرئيس سعيد اتخذ هذا القرار ردا على سلسلة أحكام أصدرتها المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان ضد سياسته الاستبدادية، خاصة تلك المتعلقة ببطلان المرسوم 117 الذي أصدره بهدف الانفراد بالحكم، واعتبرته المحكمة الأفريقية غير دستوري.

وتعد المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان إحدى آليات النظام الإقليمي لحماية الحقوق والحريات، إذ توفر إمكانية لجوء الأفراد والمنظمات لعدالتها بعد استنفاد سبل الإنصاف الوطني، وانضمت تونس إلى المحكمة سنة 2007، وقد سبق أن صادقت على الميثاق الأفريقي منذ عام 1983.

وعقب إعلان الرئيس سعيد التدابير الاستثنائية يوم 25 يوليو/تموز 2021 التي حل بموجبها البرلمان والمجلس الأعلى للقضاء وألغى الدستور وسنّ المرسوم 117 لتجميع السلطة بين يديه، تلقت المحكمة الأفريقية شكاوى من معارضين للتصدي لما يعتبرونه استبدادا.

إعلان

بيد أن نظام الرئيس سعيد لم يستجب لأحكام المحكمة الأفريقية التي أصدرتها ضد مراسيمه وسياساته، لتصل ذروة التوتر بين النظام والمحكمة إلى الإعلان عن الانسحاب من المحكمة، ويقول الهمامي "الرئيس سعيد يرفع شعار تطبيق القانون لكنه في الواقع مارق عن القانون".

خطوة استباقية

بدوره، يقول القيادي في حركة النهضة رياض الشعيبي للجزيرة نت تعليقا على قرار الانسحاب إنه "دلالة أخرى على التراجع الكبير في مجال حقوق الإنسان في تونس"، معتبرا أن الالتزامات الدولية تعزز الثقة في سياسات الدولة، في حين يعكس الانسحاب منها الأوضاع الخطيرة.

ويرى الشعيبي أن النظام الحالي قام بهذه الخطوة ردا على الأحكام الصادرة ضده من المحكمة الأفريقية، خاصة فيما يتعلق بعدم دستورية المرسوم 117 الذي أصدره الرئيس سعيد لإحكام قبضته على السلطة وغيرها من المراسيم غير الدستورية التي أصدرها.

كما يؤكد أن السلطة حاولت استباق أي قرارات جديدة قد تصدر عن المحكمة الأفريقية بشأن الطعون في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، خاصة فيما يتعلق بتعديل القانون الانتخابي في اللحظات الأخيرة وسحب اختصاص البت في الطعون من المحكمة الإدارية في تونس.

ويشير الشعيبي إلى أن قرار الانسحاب من المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان يأتي في سياق بدء محاكمة عشرات المعارضين السياسيين المعتقلين منذ فبراير/شباط 2023 بتهم واهية كالتآمر على أمن الدولة، فضلا عن تصاعد حملة التنكيل بالمعتقلين، حسب قوله.

واعتبر أن "قرار الانسحاب من المحكمة الأفريقية يأتي في وقت تعاني فيه تونس من عزلة دولية بسبب السياسة التي ينتهجها الرئيس الحالي، إضافة إلى أزمة الحصول على التمويل الخارجي، مما يعكس ضعف الثقة في الدولة التونسية أمام الهيئات الأممية والإقليمية".

من جهة أخرى، أكد الشعيبي أن الانسحاب من عضوية المحكمة الأفريقية لا يعني تنصل تونس الكامل من التزاماتها القانونية تجاهها، مشيرا إلى أن القانون الأساسي للمحكمة ينصّ "بوضوح على أن أي دولة تقرر الانسحاب تظل خاضعة لسلطة المحكمة لمدة سنة بعد انسحابها الرسمي".

إعلان

وأفاد بأن "هذا المعطى يضع السلطة التونسية أمام مسؤولياتها القانونية أمام المحكمة حتى بعد اتخاذ قرار الانسحاب، مما قد يحدّ من قدرة الدولة على التملص من تبعات الالتزامات الدولية القائمة".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات رمضان المحکمة الأفریقیة لحقوق الإنسان من المحکمة الأفریقیة الانسحاب من المحکمة المحکمة الإداریة قرار الانسحاب حقوق الإنسان الرئیس سعید

إقرأ أيضاً:

بوعياش تكشف كواليس انتخابها رئيسة للتحالف العالمي لحقوق الإنسان

كشفت أمينة بوعياش رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان عن الكواليس والمشاورات التي أجريت قبل انتخابها رئيسة للتحالف العالمي لحقوق الإنسان GANHRI، في ولاية تمتد على مدى الثلاث سنوات القادمة

وأوضحت بوعياش خلال حفل استقبال نظمه أطر المجلس بالرباط على شرفها أمس، أن مسار انتخابها باسم افريقيا انطلق منذ شهور، بما في ذلك مسلس استشارات مع كافة المؤسسات الوطنية الأعضاء في الشبكة الإفريقية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، توج بتزكية من الغالبية الساحقة لهذه المؤسسات لترشيح المغرب.

وقالت إن مراسلة للشبكة الإفريقية وجّهت للتحالف العالمي وسكرتاريته بالأمم المتحدة، في يناير الماضي، قدمت من خلاله المجموعة الإفريقية ترشيح المغرب آمنة بوعياش، باسم القارة الأفريقية، لترأس التحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان.

وقالت خلال الحفل إنه، ان المغرب بمبادراته وبتقاسم ممارساته الفضلى، بريادته إقليميا وقاريا ودوليا، وبمسلسلات الإصلاح التي انخرط فيها، أقنع بالتالي أسرة المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، الأفريقية منها أولا، ثم الأوربية والأمريكية— الشمالية والجنوبية— والآسيوية، للالتفاف حول ترشيح مغربي، يتولى رئاسة التحالف العالمي بهذه المؤسسات، في ولايته الجديدة.

رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، باشرت ولايتها الأسبوع الماضي من جنيف، يتوجيه نداء عاجل إلى الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة، تحث فيه على وضع قوانين وتشريعات طموحة، تتجاوز الحد الأدنى الذي تحدده مبادئ باريس الناظمة لعمل المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، مشددة على أن الدول مطالبة « بتخصيص ميزانيات كافية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان لتمكينها من الاضطلاع الكامل بمهامها في الحماية وتقديم التوصيات ومساءلة السلطات بشأن انتهاكات حقوق الإنسان، بفعلية وفعالية »، لا سيما في سياق يهدد العمل متعدد الأطراف وتواجه فيه عدد من المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان ضغوطا متزايدة، مثل نقص التمويل أو تضييق المساحات المدنية، بل وحتى تهديدات مباشرة، في سياقات إقليمية متعددة.

واعتبرت بوعياش أن هذا الانخراط، « سيمكننا من مواصلة الاضطلاع بمهامنا على المستوى الوطني، بأفق أوسع تتعزز معه أدوارنا على المستوى الإقليمي والقاري والدولي. »

 

كلمات دلالية أمينة بوعياش رئيسة المجلس الوطني لحقوق

مقالات مشابهة

  • لماذا سحبت تونس اعترافها باختصاص المحكمة الأفريقية وما مخاطر ذلك؟
  • لماذا سحبت تونس اعترافها باختصاص المحكمة الإفريقية وما مخاطر ذلك؟
  • غداً.. عقد احتفالية اليوم العربي لحقوق الإنسان
  • القومي لحقوق الإنسان وحماية المنافسة يناقشان التنافسية العادلة
  • لجنة الدراما بالقومي لحقوق الإنسان تقيم أعمال رمضان الفنية
  • القومي لحقوق الإنسان يصدر "تقرير حالة الدراما من منظور حقوقي"
  • العربي الأوروبي لحقوق الإنسان يُدين العدوان الإسرائيلي في غزة
  • بوعياش تكشف كواليس انتخابها رئيسة للتحالف العالمي لحقوق الإنسان
  • قيس سعيد يصدر أول تعليمات لرئيسة وزراء تونس الجديدة