نضج المساهمة الاجتماعية للمؤسسات
تاريخ النشر: 22nd, March 2025 GMT
في عام 1953 نشر هوارد بوين كتابه الموسوم «المسؤوليات الاجتماعية لرجل الأعمال»، والذي يعتبر من أبرز الأطروحات التي حولت مناقشات مفهوم (المسؤولية الاجتماعية للأعمال) إلى الأطر النظرية، حيث حاول بوين في كتابه تتبع منشأ (السلوك الأخلاقي) للشركات تجاه المجتمع، والكيفية التي يمكن أن أن يتحول فيها ذلك السلوك إلى (مسؤولية اجتماعية) تدخل في الأطر الاستراتيجية، وتوجه بعض عمليات اتخاذ القرار على مستوى المؤسسة.
ففي بعد المسؤولية تجاه الأفراد تبرز اليوم في بيئات العمل جملة من المعضلات النفسية والصحية والاجتماعية (عالميًا)، فعلى سبيل المثال هناك تزايد لحالة (الإرهاق والاحتراق الوظيفي) بشكل غير مسبوق عالميًا، ففي استطلاع Gallup لعام 2023 حول «State of the Global Workplace Report» أفاد 44% من الموظفين المستطلعة آراؤهم عالميًا أنهم واجهوا قدرًا كبيرًا من التوتر في اليوم السابق. كما تشير دراسات McKinsey Health Institute في 2023 إلى أن معدلات الاحتراق الوظيفي لدى العاملين في بعض القطاعات الحيوية (مثل الصحة والتعليم) تصل إلى أكثر من 50%. وهو ما دفع إلى نقاش موسع في منظمة الصحة العالمية إلى فكرة تصنيف (الإجهاد والاحتراق الوظيفي) كـ«ظاهرة مهنية» ضمن التصنيف الدولي للأمراض ICD-11. اليوم المؤسسات في جزء من مسؤولياتها تعنى بالضرورة بتوفير البيئة النفسية والصحية والاجتماعية الآمنة لموظفيها - وفي تقديرنا فإن ذلك لا ينفصل عن مفهوم المسؤولية الاجتماعية في ذاته - بل يستوجب أن تحدد له المعايير التي تقيسه، وتساؤل المؤسسات عليه. ولتحقيق إطار منهجي لهذا البعد من أبعاد المسؤولية الاجتماعية يمكن النظر في عدة اعتبارات أساسية يمكن أن نصوغها في شكل أسئلة: إلى أي مدى توفر المؤسسة الدعم النفسي والاجتماعي للموظفين؟ وإلى أي مدى تراعي سياساتها الداخلية السلامة النفسية للعاملين فيها؟ وكيف تدعم سياسات العمل في المؤسسات تحقيق التوازن الثلاثي (عمل - أسرة - حياة شخصية)؟ وهل تتحقق ضمن معايير العمل في المؤسسات محددات تدعم ترابط فريق العمل وانسجامه وهل توجد محددات لدرء الخلافات الناشئة في بيئة العمل؟ هل الأنظمة المعمول بها في الشركة تساعد الأفراد على الاندماج مع أقرانهم بشكل إيجابي؟ هل تساهم الشركة عبر أنشطتها في اندماج أفرادها في المجتمع أم أنها تحيّدهم عن أنشطته وفعالياته وحركته؟ ما مدى وجود مرونة اجتماعية للعاملين في بيئة العمل؟ وإلى أي مدى يعزز برنامج الانتماء المؤسسي انتماء أفراد المؤسسة إلى مجموعة اجتماعية داعمة ومحفزة؟ كيف يتفاعل العاملون في المؤسسة مع القيادة؟ وهل توفر لهم الدعم اللازم للانسجام في المجموعة؟ ما مدى وجود محددات لتقدير الجهود والمكافآت العدالة والحوافز داخل المؤسسة؟ وما مدى كفاءة تلك المحددات في تحقيق الرضا الوظيفي؟ ويمكن إضافة قائمة تفصيلية بالمعايير والمحكات التي يمكن أن تكشف عن هذا الجانب المهم في تقديرنا لدعم المسؤولية الاجتماعية.
إن المجتمع إنما هو بأفراده، وإن ديمومته وتنميته والمسؤولية تجاهه إنما تنطلق من المسؤولية تجاه إيجاد أفراد أصحاء نفسيًا، قادرين على الاندماج العادل في مجتمعاتهم، والمساهمة في توازنه، وعليه لا يمكن عزل مسؤولية المؤسسات تجاه المجتمع دونما النظر لمسؤوليتها تجاه موظفيها الذين هم في الأساس كائنات اجتماعية تؤثر وتتأثر بالحركة الاجتماعية. وسنستكمل في الجزء الثاني من هذه المقالة أبعاد المسؤولية المقترحة تجاه السياسات وتجاه المستقبل.
مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية فـي سلطنة عُمان
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: المسؤولیة الاجتماعیة المسؤولیة تجاه یمکن أن
إقرأ أيضاً:
عناية المملكة بقضية السلامة والصحة المهنية تأتي انطلاقاً من مسؤوليتها تجاه الإنسان
المناطق_واس
اعتنت المملكة العربية السعودية في ظل “رؤية 2030″ بقضية السلامة والصحة المهنية، بما يتوافق مع المعايير والأنظمة المحلية، والمعاهدات والاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها انطلاقًا من مسؤوليتها الإنسانية تجاه العاملين في سوق العمل بمختلف جنسياتهم.
إذ تحرص المملكة على تطبيق أفضل الممارسات العالمية في مجال السلامة والصحة المهنية، وهو ما يعد ضرورة لمواكبة ما تشهده من نهضة تنموية وتطور اقتصادي واجتماعي.
أخبار قد تهمك المملكة تشارك في جلسة محكمة العدل الدولية بشأن الوضع الإنساني في فلسطين 29 أبريل 2025 - 7:20 مساءً مغادرة أولى رحلات المستفيدين من مبادرة “طريق مكة” من جمهورية تركيا متجهة إلى المملكة عبر صالة المبادرة في مطار إسطنبول الدولي 29 أبريل 2025 - 5:33 مساءًوفي ظل تزايد التحديات في مجال السلامة والصحة المهنية على المستوى العالمي، حرصت المملكة على اتخاذ سياسات فعّالة واتباع معايير تضمن حماية صحة الإنسان والحفاظ عليها والحد من مخاطر إصابات العمل، وهو ما عزز الصورة الذهنية الإيجابية عن المملكة إقليميًا ودوليًا، وفي هذا الإطار أشادت منظمة العمل الدولية في وقتٍ سابق بإنجازات المملكة في مجال السلامة والصحة المهنية.
إذ أشارت المدير الإقليمي للدول العربية في منظمة العمل الدولية الدكتورة رُبا جرادات، بما حققته المملكة خلال السنوات القليلة الماضية من إنجازات في مجال السلامة والصحة المهنية وتطويرها على المستوى الوطني، وبتعاونها الوثيق مع منظمة العمل الدولية في هذا المجال.
وقالت” نتابع باهتمام التطورات المستمرة في المملكة التي قطعت خطوات واسعة وحققت إنجازات ملحوظة لتحسين وتطوير السلامة والصحة المهنية والحد من حوادث وإصابات العمل على المستوى الوطني”.
وأكدت أن منظمة العمل الدولية تقدّر عاليًا جهود المملكة في مجال السلامة والصحة المهنية، وتأمل أن تقتدي بقية دول المنطقة بها في هذا المجال، خاصة في ظل موافقة مؤتمر العمل الدولي هذا العام على اعتماد.
ونظرًا لأنّ السلامة والصحة المهنية تمثل أولوية ومسؤولية وطنية، حرصت المملكة على إصدار العديد من الأنظمة والتشريعات التي تتطلع منها إلى تحقيق الأهداف المرجوة في هذا المجال بما يسهم في نمو الاقتصاد الوطني عبر زيادة نسبة امتثال المنشآت بتأمين بيئات العمل للعاملين من ناحيتي السلامة والصحة المهنية، وحرصت “رؤية المملكة 2030” التي جعلت برامجها ومشاريعها من الإنسان محورها الرئيس، على مراجعة وتطوير الأنظمة والقوانين والتشريعات المتعلقة بالسلامة والصحة المهنية في مكان العمل، ومن ذلك تنظيم المجلس الوطني للسلامة والصحة المهنية، والسياسة الوطنية للسلامة والصحة المهنية، وغيرها من التدابير التنظيمية والمؤسسة والإصلاح التي تمت على نظام العمل فيما يتعلق بمجال السلامة والصحة المهنية.
وشهد واقع السلامة والصحة المهنية في ظل هذه الرؤية الطموحة وبرامجها المتخصصة نقلة نوعية تبعًا للتطور الواسع الذي شهدته المملكة في مختلف المجالات الاقتصادية والصناعية منذ صدور الرؤية.
ويهدف المجلس الوطني للسلامة والصحة المهنية الذي وافق عليه مجلس الوزراء في العام 1443هـ إلى تطبيق حوكمة السلامة والصحة المهنية على المستوى الوطني، وتحديد وتنسيق الأدوار بين الجهات الحكومية ذات العلاقة، ومتابعة تنفيذ السياسة الوطنية للسلامة والصحة المهنية، وله -في سبيل تحقيق ذلك- مراجعة التشريعات والأنظمة واللوائح والبرامج وأي أدوات تنظيمية أخرى متعلقة بالسلامة والصحة المهنية، واقتراح التعديلات اللازمة في شأنها وفق الإجراءات النظامية، والعمل على إنشاء نظام مراقبة وتقييم فعّال وشامل للسلامة والصحة المهنية، بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة، وتطوير برنامج وطني شامل للتبليغ عن حوادث وإصابات العمل والأمراض المرتبطة بالمهن وتوثيق البلاغات ونتائج التحقيقات المتعلقة بها، بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة.
وكذلك تقديم الاستشارات والدعم الفني فيما يتعلق بمجال السلامة والصحة المهنية، والعمل على تطوير واعتماد هيكل حوكمة محدد وواضح للسلامة والصحة المهنية على المستوى الوطني؛ لضمان وجود نظام فعَّال ومرن في تطبيق أحكام السلامة والصحة المهنية في مكان العمل، بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة، وتنسيق الأدوار والمسؤوليات بين الجهات الحكومية ذات العلاقة بالسلامة والصحة المهنية؛ لتفادي ازدواجية الجهود، واعتماد البرامج والمبادرات الوطنية المتعلقة بالسلامة والصحة المهنية، بالتنسيق مع الجهات الحكومية ذات العلاقة.
وتضمنت اختصاصاته تعزيز التعاون بين أصحاب العمل والعاملين وممثليهم؛ لتعزيز السلامة والصحة المهنية، وتقويم ومتابعة أثر واستدامة أنشطة السلامة والصحة المهنية على بيئة العمل، ونشر التوعية بأهمية السلامة والصحة المهنية، بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة، وتنمية الموارد والقدرات في مجال السلامة والصحة المهنية، بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة، وكذلك مراجعة التقارير الدولية ذات الصلة بالسلامة والصحة المهنية.
وتهدف السياسة الوطنية للسلامة والصحة المهنية التي أصدرتها المملكة في العام 1442هـ إلى تعزيز سلامة وصحة العاملين في مكان العمل وذلك بتنسيق الجهود التكاملية من خلال إطلاق سياسة قابلة للقياس والتنفيذ والتحسين المستمر بمشاركة الأطراف الثلاثة، وهم: (الجهات الحكومية ذات العلاقة بالسلامة والصحة المهنية، وممثلون لأصحاب العمل، وممثلون للعاملين)، وذلك لتقييم الأخطار ومنعها من مصادرها للحد من الإصابات والأمراض المهنية، وبناء ثقافة وطنية للسلامة والصحة المهنية تقوم على المعلومات والمشورة والتدريب.
وكذلك تطوير التشريعات والأنظمة واللوائح والبرامج وأي أدوات تنظيمية أخرى متعلقة بالسلامة والصحة المهنية، وإنشاء هيكل حوكمة محدد وواضح للسلامة والصحة المهنية، وتطوير آليات لمراقبة الالتزام بالتشريعات والأنظمة بشكل فعال.
وتضمنت أهداف السياسة الوطنية للسلامة والصحة المهنية تحديد أدوار ومسؤوليات الجهات الحكومية ذات العلاقة ببرامج السلامة والصحة المهنية بشكل واضح وشفاف، وتفادي الازدواجية وتضارب الجهود، وإيجاد آليات للتعاون بين أصحاب العمل والعاملين من خلال ممثليهم لتعزيز السلامة والصحة المهنية، وتوفير نظام معلومات شامل لإحصائيات السلامة والصحة المهنية، وكذلك متابعة أثر أنشطة السلامة والصحة المهنية على بيئة عمل المنشآت على المستوى الوطني ومدى استدامتها، من خلال التفتيش والتقويم وقياس نسبة الامتثال، وتنفيذ البرامج والمبادرات الوطنية بالتنسيق بين الجهات الحكومية ذات العلاقة للإسهام في الحد من مخاطر العمل، وتنمية العنصر البشري من خلال التدريب والتأهيل، مما يعزز من حماية العاملين واستقرار الأيدي العاملة، ودعم البحوث والدراسات الاستقصائية ذات الصلة بمجال السلامة والصحة المهنية.