لجريدة عمان:
2025-04-15@08:25:22 GMT

المثقف ومواقع التواصل الإلكترونية

تاريخ النشر: 22nd, March 2025 GMT

«هل ترامب هو المستقبل أم هو مجرد هزة انتقالية؟ لقد ثار قلق واسع حول صناعة التواصل الاجتماعي وأثرها على المسار الانتخابي: أساليب الخوارزميات الخفية التي تدفع الشعبويين أو السلطويين إلى السلطة. أول رئيس تويتري في العالم هو بالتأكيد نجم بطبيعته في صناعة التواصل الاجتماعي، وبصفته من مشاهير تويتر كان يبني ملفه السياسي منذ أول تغريدة له عام ٢٠١١م»

في كتابه آلة التغريد ٢٠١٩م Twittering Machine The، والعنوان مستلهم من لوحة للفنان بول كلي ١٩٢٢م بنفس العنوان، يتتبع ويحلل الكاتب ريتشارد سيمور بشكل دقيق تاريخ وحاضر (صناعة) التواصل الاجتماعي وآثارها الاجتماعية والسياسية بالتالي، وبين ما يحلله مثال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في دورته الأولى، وطرق تعاطيه مع مواقع التواصل، خاصة تويتر (إكس حاليا)، وذلك في كتابه المثير والكاشف عن صناعة التواصل الاجتماعي، والتي تحولت من مواقع لقاء افتراضية إلى مواقع تحت سيطرة وتحكم الرأسمالية المباشر.

أصبحت صناعة التواصل الاجتماعي حسب ريتشارد سيمور مهمومة أكثر بالسيطرة والجذب عبر شد انتباه مرتاديها إليها، وإدمان الموقع، أكبر قدر ممكن من الوقت، وهو الجزء الأثمن من حياة أي كائن، وبالتالي أصبحت، هي وزميلاتها من صناعات الترفيه والأخبار، تحدد ما يعرض ويؤثر عليهم، وبذلك تتحكم بهم وبتفضيلاتهم لا شعوريًا، وتلتهم أعمارهم واهتمامهم، وهي في مجال التواصل المتاح لعموم الناس لا تنهض بالاتصال المكتمل، الذي ينساب بتلقائية، بل تسطّح وتخنق وتؤزم التواصل البشري، إلى درجة إشاعة عدوى من السادية لدى المتلقي عبر خلق جو مسموم، يبحث عن الإثارة وصدام الخطابات، والفضائحية والسقطات والعثرات اللسانية ليضخمها ويغذي الاعتداء اللفظي والنفسي عليها وعلى قائليها وبالتالي يدمرهم نفسيًا، ويخرجهم حرفيًا من اللعبة، فالتدمير من جهة وصناعة نجوم سطحيين، دعائيين، وربما فاشيين أكثر.

ما أعادني لمطالعة كتاب آلة التغريد عدة أمور، كان أولها مقال رأي جريدة عمان المنشور في ٨ مارس حول دور المثقف:

«المثقف لم يختفِ، لكنه فقد البوصلة. فبدل أن يكون قائدا للرأي، أصبح متفرجا على تحولات المجتمع، أو في أفضل الأحوال، باحثا عن دور يناسب المرحلة الجديدة؛ وهنا تكمن خطورة المأزق، إذ لم يعد التحدي مقتصرا على قدرة المثقف على فهم الواقع، بل في قدرته على التأثير فيه وسط حالة الفوضى المعلوماتية التي تصنع (المؤثرين) بدلا من (المفكرين)».

والأمر الآخر هو أنني وجدت نفسي نهاية الأسبوع الماضي أمام زميل وصديق أحاول تبرير غيابي عن مواقع التواصل الإلكترونية، وهو غياب يمتد تقريبًا لمدة عام وأكثر، بدأ بالتراجع وقلة الارتياد والاستخدام، حتى وصل الحال إلى الانقطاع الطويل، غير المحسوم كلية؛ ذلك أنه في أعراف مرتادي مواقع التواصل أن من لا يظهر في مواقع التواصل مثل الفيسبوك أو تويتر (إكس) هو مفقود غير حاضر، ما لا تراه العين لا وجود له، وهو عرف سطحي مبني على توهم أن جميع الكتاب الفاعلين موجودون في تويتر (إكس) وفيسبوك، وهذا مناف للواقع.

ظاهريًا قد يُعد الحدث الثاني دليلًا على صحة نظرية الأول، لكن موقفي الشخصي من مواقع التواصل، موقف الفتور وربما البرود تجاهها وتجاه ارتيادها، وهو موقف وجدت نفسي أميل إليه منذ كتابتي لمقال: تويتر ضد تويتر، الذي نشر في إبريل ٢٠٢٣م بمجلة الفلق الإلكترونية، ولم أكن اطلعت حينها على كتاب آلة التغريد الذي ذكرته، لكنني في ذلك المقال استعدت بعض أراء النقاد المعروفين حول وسيلة الاتصال الجديدة تلك، من نعوم تشومسكي إلى جون سيرل إلى رولان بارت ومحمد العباس وآدم هودكجين صاحب كتاب متابعة سيرل على تويتر، وكانت انطلاقة المقال من استحواذ إيلون ماسك على منصة تويتر التي تحولت إلى «إكس X»، ومما عرف بداية ذلك العام بملفات تويتر، وهي الملفات التي تحاول فضح التلاعب المخابراتي بالمنصة حينها، ذلك التلاعب الذي أصبح جليًا للعيان مع العدوان الإسرائيلي على غزة، والذي شمل غالبية مواقع التواصل الأمريكية من الفيسبوك إلى الإنستجرام، حيث تم في أفضل الأحوال تخصيص المحتوى، وعرضه على المهتمين به فحسب في الإنستجرام مثلًا، في حين كان يحجب في مواقع مثل الفيسبوك ولا يصل للشريحة العريضة، أو يعرض المواد العنيفة والخطرة والمدمرة للأعصاب والحساسية بداية والمبلدة للحس في نهايتها. وبالمحصلة فإن تلك المواقع الإلكترونية هي في الواقع كما يشير ريتشارد سيمور في كتابه ليست بريئة، وهي ليست أكثر من تحويل التواصل الاجتماعي إلى صناعة جديدة لها خصائصها، تهدف إضافة للأرباح إلى السيطرة والتحكم، والأخطر إلى التدخل وتشكيل الفضاء الاجتماعي للعلاقة بين الناس، وصياغته بما يخدم أهداف مالكيها.

كلنا يريد فضاء حرًا مفتوح الأفق لتبادل الأفكار والرؤى وإقامة الحوار وفتح النقاش، والمثقف بالتأكيد يرغب بذلك، لكن المحصلة التي أفرزها التحكم الرأسمالي اليوم هي إما مجرد مجموعات صغيرة داخل فقاعات إلكترونية تتوهم الحضور العام والتأثير، أو خطابات أحادية الاتجاه، والتفكير كما يلمح سيمور، تخترق ذلك الفضاء وتتسيّده، وهي ليست قابلة للحوار أو حتى للنقاش، بقدر ما هي قابلة لسحق الخصوم وترسيخ التطرف كمنهج، فهي مجرد عنف يبحث عن تجسيد وهو يجده في مواقع التواصل هذه، ويقتات عليها، وعلى الخطاب المبني على أقل قدر من التفكير، أو على انعدامه، وعلى البحث عن الصدام وتغذيته.

كل ما سبق من جهة، ومن جهة أخرى مقدار الوقت البشري والزمن الضائع للدخول والتوغل في خضم مواقع التواصل، للتعاطي مع فضاء مفتوح لقواعد البيانات وتلاعباتها، ولكل من هب ودب ما دام يمتلك هاتفًا ووسيلة اتصال وقدرة على الكتابة، ما مدى الجهد والتركيز والعمر والفراغ المخصص للدخول في تلك المتلاحقات من الرسائل الرقمية التي لا تنتهي، ولا تتوقف، ليلًا ونهارًا؟ كم من الجهد الذي يلزم المفكر والمثقف لاستيعاب ورصد خطاب رقمي لا يمكن استيعابه من كثرة تجزئته وتفتته، وتلونه، والتلاعب به؟ وذلك خيار مستغلق والإفلاح فيه جزئي ويحتاج التفرغ، والتطوع بطبيعة الحال، أو أن يقوم المثقف بتجاهله وبناء خطابه الخاص، وهو بذلك سيقع في دائرة الاتهام بالتعالي، فمواقع التواصل تريد من يلعب لعبتها ويغذي اشتعالها وإثارتها المستمرة.

شيئًا فشيئًا صار من النادر أن تكون تلك المواقع فضاء بناء وعي وثقافة وعلم ومعرفة، فكل ذلك مفتت إلى رماد تقريبًا، ورواده متفرقون، والساحة تتسيدها «الشكلانيات» والإعلانات الشخصية أو العامة، وكل تلك اللغة الإعلانية موضوعة تحت السيطرة، فحتى التعارف البسيط بحسابات جيدة وجديدة أصبح يستدعي توصية من دائرة المعارف والأصدقاء، وهي نفس الوسيلة التقليدية القديمة الفعالة.

إن مرتاد مواقع التواصل يجد نفسه مجبرًا إما أن ينضوي في المجموعات المغلقة المتقوقعة على ذاتها والتي لا يصل تأثير خطابها خارج إطارها والمكونة على الأغلب من ذوي ميولات مشتركة وأهواء متوافقة، أو أمام فضاءات وحشية غير متحضرة، وغابة وحوش. كما يصفها الكاتب محمد العبّاس في كتابه تويتر مسرح القسوة، مستعيرًا عنوانه من المسرحي الفرنسي أنطونين ارتو؛ وتلك الفضاءات لا تعلي ولا يسطع من نجومها غير التفاهة والسطحية، وهو أمر يعيدنا إلى نقد بيير بورديو للتلفزيون والتلاعب بالعقول؛ فهل هذا هو قدر الشاشة الموحش رغم جمالها الواعد، في أن تبقى رهينة القوة والنفوذ ولا تعرف طريقها للحرية، أم كل ذلك توجس وتخوف مبالغ فيه خاصة أن الكثيرين يقاتلون على الجبهة الرقمية بأفكارهم البناءة ولعلهم يبصرون أفقًا أكثر اتساعًا من نظرة اللحظة الضيقة؟

إبراهيم سعيد شاعر وكاتب عُماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: صناعة التواصل الاجتماعی مواقع التواصل فی کتابه

إقرأ أيضاً:

سيارات للبيع بربع قيمتها.. احتيال جديد بتزييف الإعلانات الإلكترونية

العين: راشد النعيمي
بوادر عمليات نصب واحتيال جديدة بدأت تأخذ طريقها في المجتمع وتوقع الكثير من الضحايا، رغم تحذيرات أجهزة الشرطة التي ﻻ تتوقف، لكن الطمع في الحصول على صفقة لن تتكرر كما تشخصها الضحية يعمي البصر والبصيرة ويعطل أدوات التثبت والتمحيص، فينجح المحتال في التقاط باحث آخر عن الوهم الذي يباع اليوم على حسابات مواقع التواصل ويستعين بتقنيات التزييف الحديثة والذكاء الاصطناعي ويدرس نفسية المستهدفين ويجهز إجابة لكل سؤال ومخرجاً لكل مأزق ورداً على كل تساؤل فلا يترك لهم مجاﻻً للتراجع.
بدأت القصة في السيارات، حيث الإعلانات الجذابة عن مركبات متاحة للبيع بثلث وربما ربع سعرها الحقيقي، وموجودة في معارض سيارات حقيقية مرخصة، كما يبدو في الإعلان الذي صورها في مقطع مرئي ويعدد مواصفاتها ويذكر رقم هاتف للاتصال والفوز بها في صفقة رابحة، يضع النصاب أمامه ضحية ذات مواصفات معينة يركز عليها يتفاعل معها ويهمل أي مكالمة أخرى يطلب صاحبها ضمانات أو مقابلة شخصية أو فحصاً للمركبة حتى يعثر على ضالته، الذي ينجح في إقناعه بتحويل عربون ليتم حجز المركبة له والفوز بها من تنافس المتنافسين.
تلك الإعلانات في أصلها حقيقية يروجها أصحاب تلك المعارض أو السماسرة أو ناشري إعلانات بيع السيارات، لكن جرى تزييفها بوضع سعر غير منطقي ورقم هاتف يعود للنصاب من أجل الحصول على العربون من أكثر عدد ممكن وهو مبلغ يظنه المجني عليه ضئيلاً ﻻ يقارن بثمن المركبة لكنه يمثل هدفاً للمحتال خاصة إن تحصل على أكثر من شخص ربما كثير منهم خارج الدولة، يجري التواصل معهم عبر المحادثات وإقناعهم بالصفقة.
يقول محمد الشامسي، صاحب أحد معارض السيارات: هذه الطريقة مسيئة لأصحاب الأنشطة المصرح بها، لأن الضحية يعتقد أنه اشترى مركبته من معرض قائم وتعرض للنصب منهم وهو الأمر الذي تكرر كثيراً، خاصة أن الإعلان الذي غرر به عبره حقيقي في شكله العام، لكنه مزيف من ناحية قيمة السيارة وانتحال صفة البائع وتسلّم أموال من دون وجه حق ومن دون مستند رسمي وسرعان ما يدرك الشخص أنه ضحية عملية نصب مركبة. ويضيف: إن المعارض المستهدفة تلجأ إلى تسويق المركبات عبر مواقع التواصل، حيث تزيّف مقاطع الفيديو الخاصة بها وانتحال صفتها من النصاب المتمرس القادر على إقناع ضحاياه بأنه مندوب مبيعات وأن المركبات المعروضة بتلك الأسعار فرصة ذهبية لا يمكن أن تفوت، حيث يسعى للعب على وتر نفسية الزبون واستثمار تسرعه في الحصول على الصفقة قبل غيره والتضحية بمبلغ العربون الصغير الذي يتكرر من أكثر من شخص.
تزييف واستغلال
وحذر أحمد سلامة، مندوب المبيعات في أحد معارض السيارات، من عمليات النصب المتزايدة التي تقع عبر تزييف الإعلانات واستغلال إعلانات معارض السيارات والإعلانات الشخصية في استدراج الضحايا، بوضع أرقام تواصل تخص النصابين وأسعار تقل كثيراً عن القيمة الحقيقية حيث تنجح كثيراً في الاستيلاء على الأموال خاصة أولئك الذين يرغبون في الشراء بسرعة يظنون أن الصفقة ستطير منهم، لذلك يبادرون بإرسال العربون معتقدين أنهم بذلك في مأمن، لكن الهدف الأساسي هو جمع العربون من أكثر من شخص.
ويبدو أن السيارات ليست الطعم الوحيد ففي الأيام الأخيرة من شهر رمضان كان النصب منصباً على الذبائح التي تشكل طلباً كبيراً من الناس، حيث برزت إعلانات وهمية لبيع خراف العيد بأسعار مغرية، مع إتاحة خدمة الذبح والتقطيع والتوصيل إلى المنزل، على أن يحول المبلغ مسبقاً، ناهيك ببضائع وسلع وخدمات تمثل محور الاهتمام لدى الناس تتبدل حسب المواسم ودائماً ما تقدم أسعاراً غير معتادة تشكل مغناطيساً لإنجذاب الضحايا إليها.

مقالات مشابهة

  • “دبي للصحافة” يفتح باب المشاركة بـ”جائزة رواد التواصل الاجتماعي العرب”
  • «دبي للصحافة» يفتح باب المشاركة في جائزة رواد التواصل الاجتماعي العرب
  • بأكثر من 50.7 مليون مستخدم.. مصر الأولى عربيا في وسائل التواصل الاجتماعي
  • 50.7 مليون مستخدم.. مصر الأولى عربيا في وسائل التواصل الاجتماعي
  • سعرها 30 مليون جنيه.. سيارة محمد صلاح تشعل مواقع التواصل الاجتماعي «فيديو وصور»
  • تحدي البارسيتامول.. ترند يثير الرعب على مواقع التواصل
  • تحديات الصحة المنتشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.. هل تجعلنا أكثر صحة أم تعاسة؟
  • سيارات للبيع بربع قيمتها.. احتيال جديد بتزييف الإعلانات الإلكترونية
  • GoDaddy  تطلق "Show in Bio" لدعم الشركات الصغيرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي
  • “مدري”.. الكلمة التي أربكت مواقع التواصل وتحولت إلى ترند.. ما قصتها!