أوروبا ليست بحاجة إلى ترامب لتشكيل تحالف غربي
تاريخ النشر: 22nd, March 2025 GMT
هل يمكن أن يوجد تحالف أطلسي بدون الولايات المتحدة؟ يبدو ذلك وكأنه تناقض في المصطلحات، أو كأننا نتحدث عن مسرحية هاملت بدون بطلها أمير الدنمارك. ولكن هذا هو العالم المتناقض الذي نعيش فيه الآن. وهو العالم الذي سيعيش فيه أبناؤنا وأحفادنا حياتهم. فشئنا أم أبينا، باتت الصدمة النظامية التي أطلقها دونالد ترامب هي واقعنا الجديد.
لقد كان الدافع وراء اندفاع أوروبا إلى الرد على عودة ترامب للسلطة في البداية هو الحاجة الملحة إلى الحفاظ على دعم أوكرانيا. وكان أغلب التركيز ذا طابع دبلوماسي يرمي إلى الحفاظ على تدفق المساعدات العسكرية والاستخبارات الأمريكية، ودعم القنوات المتضررة بين واشنطن وكييف، والتواصل بهدوء مع كل من ترامب وفلوديمير زيلينسكي تشجيعا وردعا في آن واحد، مع التحرك علنا لتحمل المزيد من العبء الأمني.
وتبقى مساعدة أوكرانيا وتسليحها هي البند الأول بلا نزاع على أجندة أوروبا، بل وهدفها الأعجل. ولا يزال التقارب مع الولايات المتحدة، بغض النظر عن رغبات أكثر منتقدي ترامب تشددا، أمرا أساسيا. ولا جدال في أن ترامب فاجأ الأوروبيين من أعضاء الناتو مفاجآت ما كان ينبغي لها أن تكون، فانعكس ذلك سلبا على المسؤولين. فباتت القوة الأمريكية، في الوقت الحالي، قوة لا غنى عنها ولا سبيل إلى الثقة بها.
ومع ذلك، فقد بدأت في التبلور عملية إعادة هيكلة تحالف غربي، أكثر استدامة وأكثر تركيزا على أوروبا. وفي الوقت الحالي، أغلب ما يجري التخطيط له هو بين مرتجل من موارد متاحة أو محض طموح. ولكن بوسعنا أن نتبين ملامح تحالف أطلسي جديد وسط مؤتمرات الفيديو الدبلوماسية والتعهدات النبيلة: فهو نوع من ناتو منقوص، تدعمه معظم دول أوروبا، ومنها بريطانيا، وقد تضاف إليها كندا، مع غموض يكتنف دور الولايات المتحدة.
يبقى الناتو هو الإطار الأساسي، حتى إذا ما قرر ترامب الانسحاب. ويجري تشكيل هذا السعي التكيفي على يد ثلاثي غير متوقع: مستشار ألماني محافظ يرفض المعتقدات التقليدية السابقة، ورئيس فرنسي وسطي دمر للتو قاعدة سلطته، ورئيس وزراء بريطاني مجهز بأصغر جيش بريطاني منذ الحروب النابليونية. ولكن أوروبا، مع ذلك، بين أيديهم. فهم الفريق الذي يمكننا النزول به إلى أرض الملعب.
ولقد تأكدت حتمية التغيير تأكيدا حاسما بمحادثة ترامب الهاتفية التي استمرت تسعين دقيقة مع بوتين الثلاثاء الماضي. فلقد كان وهما أكيدا أن ترامب قد يقنع بوتين، بطريقة أو بأخرى، بالتراجع عن سياسته تجاه أوكرانيا - أو حتى أن ترامب يرغب في ذلك. فكل ما قاله بوتين عن أوكرانيا يقطع باعتقاده أنها أرض روسية. والشروط التي وضعها لترامب ترقى إلى مطالبة بترك أوكرانيا بلا دفاع في وجه الهجوم الروسي الرامي إلى ضمها. وقد استؤنف هذا الهجوم مرة أخرى وبلا هوادة هذا الأسبوع.
ويضع هذا ادعاءات ترامب بكونه صانعا للسلام في موضع تساؤل، ومن المرجح أن الحرج ـ وإن انتفع به من يحاولون كبح جماح ترامب ـ لن يكون إلا مؤقتا. إن ما يرغب فيه ترامب استراتيجيًّا هو أن يسحب الدعم العسكري والمالي الأمريكي لأوكرانيا، ويُفضَّل أن يكون ذلك في سياق ما يمكن وصفه بتسوية سلمية لا يمكن إلا للعبقرية الترامبية تدبيرها. أما نهجه على المدى البعيد تجاه أوروبا فليس سوى امتداد لنفاد صبره تجاه أوكرانيا. فهدفه بشكل عام هو سحب الدعم الأمريكي للدفاع الأوروبي.
ولذلك، لم يكن الحدث الأبرز في أوروبا هذا الأسبوع هو مكالمة ترامب وبوتين الهاتفية، وإنما هو تصويت البوندشتاج على تخفيف قواعد الاقتراض المالي الصارمة التي يحميها الدستور الألماني، وفي الوقت نفسه، على تفويض صندوق بقيمة خمسمائة مليار يورو لتعزيز النمو الاقتصادي ومشاريع البنية الأساسية والإنفاق العسكري. فلو أن أوروبا تريد أن تتحمل عبئها الدفاعي الخاص، كما تزعم الآن، فإن عليها تعزيز صناعاتها الدفاعية على نطاق واسع. والأهم من ذلك أن هذا يعني تعزيز صناعة الدفاع الألمانية. وليست هذه بالعملية التي تتم بين عشية وضحاها، ولكنها عملية يمكن أن تبدأ الآن. لقد كان التصويت انتصارا للمستشار الألماني الجديد المحتمل، فريدريش ميرتس، الذي دفعه عبر البوندشتاج المنتهية ولايته في يومه الأخير. ولكنه كان أيضا منعطفا حقيقيا في طريق ألمانيا ما بعد الحرب. فألمانيا، المثقلة بتاريخها، دأبت على تجنب الإفراط في الاقتراض والعسكرة. وقد كسرت الآن هذين التابوهين، بضغط الركود الاقتصادي والتهديد الروسي على حد سواء.
وسوف تكون العواقب الداخلية ضخمة على ألمانيا في القرن الحادي والعشرين، إذا ما أقرت غرفة البرلمان العليا التغييرات هذا الأسبوع. وسوف يكون من الخطأ الآن الاعتقاد بأن المسألة قد حسمت. فقد صوت أقصى اليمين وأقصى اليسار، اللذان ازدادت شعبيتهما بشكل ملحوظ في الانتخابات العامة الألمانية الأخيرة، ضد خطط ميرتس. وسيظل كلاهما يعتبر هذه الخطط خيانة. وفي حال ارتفاع التضخم، ستواجه قبضة ميرتس تحديات شرسة.
ولكن الأرجح أن العواقب على أوروبا ككل سوف تكون على القدر نفسه من القوة. فمنذ انهيار الإمبراطورية النمساوية المجرية عام 1918، تعد ألمانيا أهم دولة في أوروبا الغربية تتجه سياستها الخارجية نحو روسيا بشكل انعكاسي. وفي وقت سابق من هذا القرن، في عهد جيرهارد شرويدر وأنجيلا ميركل، كانت هذه الروابط تلقى دائما حماية خاصة. وفي وقت أحدث، ضمن بوتين أن تصبح السياسة الألمانية، في عهد أولاف شولتز والآن في عهد ميرتس، أكثر عدائية.
لا تزال ألمانيا هي الدولة الضرورية لأي مبادرة سياسية جديدة على مستوى أوروبا. ولكن الآن، بضربة واحدة تقريبا، أزال تصويت البوندشتاج العذر القديم الذي اكتفت بعض الدول الأوروبية بالتواري وراءه بشأن قضية قصور أوروبا الواضح في الاستثمار الدفاعي. فلقد انتهت حقبة عصر الإنكار الأوروبي الانكفائي فيما يتعلق بروسيا والإنفاق الدفاعي، وبدأ هواء الحقيقة الطازج يتسلل عبر نوافذ ظلت طويلة محكمة الإغلاق.
تعد هذه لحظة صحية ومتأخرة، ليس فقط لأن الخطر حقيقي، ولكن أيضا لأنه يمنح هذه القارة هدفا للتوحد أكثر مما كانت عليه منذ الحرب الباردة. ولا مجال للشك في أن هناك مخاطر. فالتاريخ الأوروبي مليء بأمثلة مرعبة لتحالفات دولية لم تصمد أمام احتكاك بعدو ذي عزم. ومن دروس عشرينيات القرن الحالي أن أمورا افترض الكثيرون أنها أصبحت في ذمة الماضي ـ من قبيل الأوبئة والقومية والاستيلاء على الأراضي والطغاة أصحاب الكاريزما ـ قد عاودت الرجوع بقوة.
واليوم، في مواجهة طغيان عدواني ومواجهة ولايات متحدة انعزالية، تحاول الدول القومية في أوروبا، ومعها كندا، دعم صياغة العالم الأخلاقية والسياسية التي تشكلت بعد 1945. وثمة أصداء هنا للصراعات التي بدأت في عام 1914، ثم بدأت مرة أخرى في عام 1939. ثم وجدت أوروبا نفسها في حروب (شملت مشاركة كندية كبيرة) تنأى عنها الولايات المتحدة وقد فضلت الانعزالية. وفي كلتا الحالتين، أثبتت الولايات المتحدة أنها الدولة الأساسية لتحقيق النصر ونظام ما بعد الحرب. أما اليوم، فإن الولايات المتحدة تسير على نهج لا يمكن في ظله الاعتماد عليها.
مارتن كيتل من كتاب الأعمدة في ذي جارديان
عن ذي جارديان
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة
إقرأ أيضاً:
أين تقع القواعد الأمريكية في الشرق الأوسط؟ وما هي التعزيزات التي أرسلها ترامب؟
عُمان – تُجري الولايات المتحدة وإيران مفاوضات اليوم السبت بسلطنة عُمان، بينما كرر الرئيس دونالد ترامب مؤخرا تهديده بعمل عسكري ضد طهران إذا لم توافق على اتفاق بشأن برنامجها النووي.
وتشتبه الدول الغربية في سعي إيران لامتلاك أسلحة نووية، وهو ما تنفيه طهران، في حين قال ترامب إنه إذا لم تتوصل الجمهورية الإسلامية إلى اتفاق، “سيكون هناك قصف، وسيكون قصفا لم يروا مثله من قبل”.
هذا في حين أكدت إيران أن تداعيات ردها في حال تعرض البلاد لأي هجوم ستفتح فصلا جديدا في معادلات الإقليم والعالم.
وفي ما يلي، معلومات عن الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسطـ حسب وكالة “رويترز”:
أين تقع القواعد الأمريكية في الشرق الأوسط؟
لطالما أدارت الولايات المتحدة قواعد في أنحاء الشرق الأوسط، وأكبرها قاعدة العديد الجوية في قطر، التي بُنيت عام 1996، بناء على عدد الأفراد.
وتضم الدول الأخرى التي تنشر فيها الولايات المتحدة قواتها البحرين والكويت والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
يوجد عادة حوالي 30 ألف جندي أمريكي في جميع أنحاء المنطقة، وهو انخفاض حاد مقارنة بالفترة التي شاركت فيها القوات الأمريكية في عمليات كبرى حيث كان هناك أكثر من 100 ألف جندي أمريكي في أفغانستان عام 2011، وأكثر من 160 ألف جندي في العراق عام 2007.
وللولايات المتحدة ما يقرب من 2000 جندي في سوريا في قواعد صغيرة، معظمها في الشمال الشرقي. ويتمركز حوالي 2500 جندي أمريكي في العراق، بما في ذلك في موقع “يو إس يونيون 3” في بغداد.
ما هي التعزيزات التي أرسلها ترامب؟
صرح البنتاغون بأنه عزز قواته إلى الشرق الأوسط في الأسابيع الأخيرة. كما نقل ما يصل إلى ست قاذفات “بي-2” في مارس إلى قاعدة عسكرية أمريكية بريطانية في جزيرة دييغو غارسيا بالمحيط الهندي، وهو ما قال الخبراء إنه سيضعها في موقع مثالي للتدخل السريع في الشرق الأوسط.
وأفاد وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث بأن الأمر متروك لإيران لتقرر ما إذا كانت ستفسر هذا على أنه رسالة إلى طهران.
كما أرسل البنتاغون طائرات أخرى ومزيدا من معدات الدفاع الجوي، بما في ذلك كتيبة دفاع صاروخي من طراز باتريوت.
وتتواجد حاملتا طائرات أمريكيتان في الشرق الأوسط، تحمل كل منهما آلاف الجنود وعشرات الطائرات.
لماذا تتمركز القوات الأمريكية في المنطقة؟
تتمركز القوات الأمريكية في الشرق الأوسط لأسباب متعددة.
ففي بعض الدول، مثل العراق، تقاتل القوات الأمريكية مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
ويوجد في الأردن، مئات المدربين الأمريكيين، ويُجرون تدريبات مكثفة على مدار العام.
كما تتواجد القوات الأمريكية في دول أخرى، مثل قطر والإمارات العربية المتحدة، كضمان أمني، وللتدريب، وللمساعدة في العمل العسكري الإقليمي عند الحاجة.
وتشن الولايات المتحدة حملة قصف جوي ضد قوات الحوثيين في اليمن.
هل تتعرض القواعد الأمريكية في المنطقة لهجمات متكررة؟
القواعد الأمريكية منشآت شديدة الحراسة، تشمل أنظمة دفاع جوي للحماية من الصواريخ أو الطائرات المسيرة. لا تتعرض المنشآت في دول مثل قطر والبحرين والمملكة العربية السعودية والكويت عادة لهجمات.
لكن القوات الأمريكية في العراق وسوريا تعرضت لهجمات متكررة في السنوات الأخيرة.
فمنذ عام 2023، شنّت حركة الحوثيين اليمنية أكثر من 100 هجوم على سفن قبالة سواحل اليمن، قائلين إنها كانت تضامنا مع الفلسطينيين في حرب إسرائيل على غزة مع حركة الفصائل الفلسطينية.
وشملت هذه الهجمات ضربات بطائرات مسيّرة وصواريخ على سفن تابعة للبحرية الأمريكية في المنطقة.
المصدر: “رويترز”