أكد الدكتور نظير عياد -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم- أن قضية الوفاء بالوعد من القيم الأساسية في الإسلام، موضحًا أنها تشمل الوفاء مع الله تعالى، ومع النبي صلى الله عليه وسلم، ومع الناس جميعًا، لا سيما في هذا الشهر الفضيل الذي يعد فرصةً لتعزيز الأخلاق والالتزام بالمبادئ الدينية.

مفتي الجمهورية: التلاعب بالمحتوى في الفضاء الرقمي من صور الكذب المحرممفتي الجمهورية: الهجوم الإرهابي على مسجد بالنيجر جريمة بشعة تخالف كل الشرائع

وأوضح خلال لقائه الرمضاني اليومي مع الإعلامي حمدي رزق في برنامج "اسأل المفتي" على فضائية صدى البلد، أن الدين الإسلامي جاء بمنظومة متكاملة تشمل العقيدة والشريعة والسلوك، مشددًا على أن السلوك الحسن هو الثمرة الحقيقية لصحة العقيدة وسلامة العبادة، حيث قال: "متى كان الإنسان موقنًا بالله وبالكتب والرسل والملائكة واليوم الآخر، وأدى ذلك إلى عبادة تقوم على الإقرار والتصديق بهذه الأركان، انعكس ذلك على سلوكياته التي تصبح إيجابية وحسنة". 

وأشار إلى أن القرآن الكريم يُظهر أن الدين كله بمنزلة عهد بين العبد وربه، مستشهدًا بقوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا۟ بَلَىٰ شَهِدْنَا﴾ [الأعراف: 172]، مبينًا أن هذا العهد يفرض على الإنسان التزامًا بالعقيدة الصحيحة، والشريعة التامة، والأخلاق الإيجابية.

وأكد أن الله سبحانه وتعالى أمر المؤمنين بالوفاء بالعقود والعهود، كما جاء في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: 1]، مشيرًا إلى أن الوفاء مع الله يتحقق بأداء الطاعات والامتثال للأوامر، كما بيَّن القرآن الكريم أنَّ الله وعد عباده المؤمنين بالجنة والنعيم الأبدي، فقال سبحانه: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّٰلِحَٰتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّٰتُ ٱلْفِرْدَوْسِ نُزُلًا﴾ [الكهف: 107]. وأضاف فضيلته أن وعد الله للمؤمنين خير مطلق، حيث أكد سبحانه في أكثر من موضع أن الذين يؤمنون ويعملون الصالحات ينالون الجزاء الأوفى، مستشهدًا بقوله تعالى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّٰلِحَٰتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُم بِإِيمَٰنِهِمْ تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ ٱلْأَنْهَٰرُ فِى جَنَّٰتِ ٱلنَّعِيمِ﴾ [يونس: 9].

وأشار المفتي إلى أن الله عز وجل، بجانب وعده بالثواب، توعد الكافرين والمنافقين والعصاة بالعقاب، مستشهدًا بقوله تعالى: ﴿وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُۥ يُدْخِلْهُ نَارًۭا خَٰلِدًۭا فِيهَا﴾ [النساء: 14].

وأوضح أن الله سبحانه وتعالى حينما يَعِدُ فهو يحقق وعده لا محالة، أما عندما يتوعد فإنه بالخيار بين إمضاء وعيده أو العفو، فإن عفا فذلك من باب الجود والكرم، وإن أمضى وعيده فذلك من باب العدل، مستدلًّا بقوله تعالى: ﴿وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَىْءٍ﴾ [الأعراف: 156]، حيث أوضح أن هذه الرحمة كتبها الله لأصناف محددة، كما ورد في الآية: ﴿فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلَّذِينَ هُم بِـَٔايَٰتِنَا يُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِىَّ ٱلْأُمِّىَّ﴾ [الأعراف: 156-157].

وفي حديثه عن الوفاء مع النبي صلى الله عليه وسلم، أشار إلى أن الشهادة بأن "محمدًا رسول الله" تقتضي التصديق به، والالتزام بكل ما جاء به من عقيدة وعبادات وسلوكيات، مستشهدًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى»، قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: «من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى».

وأوضح أن الالتزام بسُنة النبي صلى الله عليه وسلم جزء لا يتجزأ من العقيدة الإسلامية، محذرًا من محاولات البعض للطعن في السنة أو التقليل من قيمتها، مستدلًّا بقوله تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُوا۟﴾ [الحشر: 7].

وأكد مفتي الجمهورية أن السنة النبوية مكملة للقرآن الكريم، وهي بمنزلة المذكرة التفسيرية له، مشيرًا إلى أن القرآن وضع القواعد الكلية العامة، بينما جاءت السنة النبوية بالتفصيل والشرح لهذه القواعد، مشددًا على أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي بيَّن للناس كيفية أداء العبادات، حيث قال صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصلي»، وقال: «خذوا عني مناسككم».

ولفت النظر إلى أن محاولات التشكيك في السنة تعد خطرًا على المنهج الإسلامي، مؤكدًا أن هذه الدعوات قد تكون بدافع التكسب المالي أو البحث عن الشهرة والانتشار الإعلامي.

ودعا المفتي المسلمين إلى التمسك بقيم الوفاء والصدق والالتزام بالعهود، مشيرًا إلى أن هذه القيم تُعد ركيزة أساسية في بناء المجتمعات واستقرارها، لا سيما في ظل التحديات التي يواجهها العالم اليوم. كما شدد على ضرورة تعزيز الوعي الديني الصحيح، والابتعاد عن محاولات التشكيك في الثوابت الإسلامية، سائلًا الله تعالى أن يحفظ الأمة الإسلامية من كل سوء، وأن يوفق الجميع للخير والرشاد.

وشدد المفتي على أن السنة النبوية تمثل ركيزة أساسية من ركائز الشريعة الإسلامية، وهي المصدر الثاني للتشريع بعد القرآن الكريم، مشيرًا إلى أن التشكيك في السنة هو في حقيقته استهداف مباشر للدين الإسلامي وتعاليمه.

وأوضح المفتي أن عناية الأمة بالسنة النبوية بدأت منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم، حيث وُجد من الصحابة من كان يكتب الحديث رغم النهي الأولي عن التدوين؛ وذلك خشية اختلاط الحديث بالقرآن الكريم. لكن بعد ذلك أذن النبي صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه بالتدوين، كما في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، عندما استأذن النبي في كتابة الحديث، فقال له: «اكتب، فوالذي نفسي بيده ما يخرج مني إلا حق». وبيَّن فضيلته أن هذا الحديث يوضح أن النبي معصوم من الخطأ فيما يبلغ عن الله، كما قال تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3، 4].

وأشار الدكتور نظير عيَّاد إلى أن مرحلة التدوين الرسمي للسُّنة بدأت في عهد الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز، حيث أمر بجمع الأحاديث النبوية؛ خوفًا من ضياعها بسبب انتشار الإسلام واتساع رقعة المسلمين واختلاطهم بغير العرب، مما أثر على مَلَكة الحفظ لديهم.

وقد استجاب كبار العلماء لهذا الأمر، فقام الإمام مالك رحمه الله بتأليف "الموطأ"، ثم جاء من بعده المحدثون الكبار، أمثال الإمام البخاري ومسلم وغيرهما، الذين وضعوا ضوابط صارمة لقَبول الحديث، كعلم الجرح والتعديل الذي يُعد بمنزلة "غربال" دقيق لتنقية الأحاديث، حيث كان العلماء يميزون بين الثقة والضعيف، وبين قليل الحفظ وسيئ الحفظ، وهو ما جعل السُّنة تصل إلينا نقية مصفاة.

وأضاف مفتي الجمهورية أن الطعن في السنة النبوية ليس بالأمر الجديد، بل هو امتداد لمحاولات قديمة ترمي إلى هدم الإسلام من الداخل، لافتًا الانتباه إلى أن البعض يدَّعي التمسك بالقرآن الكريم ويرفض السنة، متناسين أن القرآن نفسه يأمر باتباع النبي صلى الله عليه وسلم، في قوله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [المائدة: 92]، وقوله سبحانه: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]. كما أنَّ الرسول الكريم نفسه أوصى الأمة بالتمسك بسُنَّته، فقال: «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدًا؛ كتاب الله وسُنتي».

وأكد أن السنة ليست مجرد أقوال النبي صلى الله عليه وسلم، بل تشمل أفعاله وتقريراته وصفاته، مما يجعلها منهجًا متكاملًا للحياة الإسلامية، مشيرًا إلى أن المحدثين بذلوا جهودًا جبارة في جمع الحديث وتمييز الصحيح من الضعيف، حتى أصبح لدينا تراث حديثي موثوق.

وأوضح أن الإمام البخاري، على سبيل المثال، كان ينتقل من بلد إلى آخر ليتحقق من صدق الرواة قبل أن يدون الحديث، وضرب مثالًا بقصة الإمام البخاري عندما رفض الأخذ بحديث رجل لمجرد أنه خدع فرسه بإيهامه أن هناك طعامًا في ثوبه، قائلًا: "إذا كان قد كذب على فرسه، فمن باب أولى أن يكذب على النبي صلى الله عليه وسلم".

وختم الدكتور نظير عياد مفتي الجمهورية حديثه بالتأكيد على خطورة الدعوات التي تحاول القفز على السنة بحجة الاكتفاء بالقرآن، موضحًا أن هذه المحاولات في حقيقتها مقدمة للقفز على الإسلام كله، حيث لا يمكن فهم كثير من الأحكام الشرعية إلا من خلال السنة النبوية، مثل تفاصيل الصلاة والزكاة وغيرها. ودعا فضيلته المسلمين إلى التمسك بسُنة النبي صلى الله عليه وسلم والرد على الشبهات بالعلم والمنهجية الصحيحة، مشيرًا إلى أن العلماء تركوا لنا تراثًا عظيمًا من القواعد الحديثية التي تكفل التمييز بين الصحيح والموضوع، مما يحفظ لهذه الأمة هُويتها الدينية والفكرية.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: مفتي الجمهورية الإفتاء القرآن الدين الوفاء التصديق الشهادة السنة النبوية المزيد النبی صلى الله علیه وسلم مفتی الجمهوریة القرآن الکریم السنة النبویة ا بقوله تعالى مشیر ا إلى أن التشکیک فی مستشهد ا ن القرآن فی السنة أن هذه

إقرأ أيضاً:

مفتي الجمهورية يزور مصابي غزة بمستشفى العريش العام .. صور

زار الدكتور نظير محمد عياد، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، مستشفى العريش العام، للاطمئنان على الحالة الصحية للأشقاء الفلسطينيين من مصابي العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة.

مفتي الجمهورية: المنصات الإلكترونية جزء من فوضى الفتاوى والتسيب الأخلاقيمفتي الجمهورية: المنصات الإلكترونية جزء من فوضى الفتاوى والتسيب الأخلاقي

وحرص مفتي الجمهورية، على المرور على كافة المصابين ومتابعة أوضاع الجرحى، وتبادل كلمات الدعم والمساندة لهم، مشيدًا بصمودهم وصلابتهم في مواجهة آلة القتل والدمار، ومؤكدًا أن تضحياتهم ستظل وسام شرف على جبين الأمة.

وبين مفتي الجمهورية، أن دار الإفتاء المصرية بكل علمائها ورموزها ومنسوبيها لم تغب لحظة عن هذا الجرح النازف، ولم تقف يومًا موقف المتفرّج على أشلاء الأبرياء أو أنين الأمهات، بل كانت حاضرة في قلب الحدث منذ اليوم الأول تصدر البيانات وتخاطب المؤسسات وتناشد الدول والحكومات، فلم يصمت قلمها يوما ولم يجف مدادها ساعة، وما تركت منبرًا ولا محفلًا إلا ورفعت فيه صوت القضية الفلسطينية تصدع بالحق، وتستنكر البغي، وتذود عن الأرض والعرض والمقدّسات.

وأعلنت بوضوح رفضها القاطع لكل صور التهجير القسري والتجويع الممنهج، فهي ترى في ذلك عدوانًا على الكرامة الإنسانية، وجريمة لا يسكت عنها دين ولا يقبلها ضمير، وسيبقى صوتها إن شاء الله مدافعًا عن الحق، رافضًا للظلم، صادعًا بالعدل، مضيفًا أن ما يجري في غزة ليس مجرد مأساة إنسانية، بل جرح مفتوح في ضمير العالم، وأن السكوت عنه خذلانٌ للقيم والمبادئ التي ترفعها الإنسانية في كل مكان.

وثمَّن مفتي الجمهورية المجهودات التي تقوم بها الدولة المصرية من دعمٍ ثابتٍ لا يتزعزع، تجاه الأشقاء في غزة و فلسطين، مبينًا أن مصر تحركت  بكل مؤسساتها من قلب الدولة إلى أطرافها، لتكون سدًّا منيعًا أمام محاولات التصفية والتهجير، وحصنًا قويًا يُدافع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ومد كل أنواع المساعدات الإنسانية والعلاجية والإغاثية، وفي طليعة هذه الجهود، يقف الرئيس عبد الفتاح السيسي، بموقفٍ تاريخيٍّ يليق بمصر العروبة، إذ يقود بصلابةٍ وحكمةٍ المشهد الدولي والمحلي نحو نصرة القضية الفلسطينية، مُوَجّهًا دفة السياسة المصرية ودبلوماسيتها الرفيعة في كل خطوة نحو الحفاظ على حقوق الشعب الفلسطيني، ورفع الظلم عنه، والرفض القاطع لتصفية القضية الفلسطينية على حساب أطراف أخرى وتهجير الفلسطينيين  من أرضهم ووطنهم

وأعرب المفتي، عن بالغ تقديره لإدارة مستشفى العريش العام، وكوادرها الطبية والتمريضية، لما يبذلونه من جهود إنسانية نبيلة في تقديم الرعاية المتكاملة للمصابين، مشيدًا بما لمسه من جاهزية وانضباط، وروح عالية في التعامل مع الجرحى.

واستقبل مفتي الجمهورية لدى وصوله إلى المستشفى، اللواء عاصم سعدون، نائب محافظ شمال سيناء، ناقلًا له تحيات وتقدير اللواء خالد مجاور، محافظ شمال سيناء، ومرحِّبًا بزيارته الكريمة للمحافظة، ومثمنًا هذه اللفتة الإنسانية النبيلة تجاه الأشقاء المصابين من قطاع غزة، ومعربًا عن اعتذاره عن عدم التواجد نظرًا لارتباطه بمهمة رسمية خارج المحافظة، كما حضر الاستقبال اللواء، أسامة الغندور، سكرتير عام المحافظة، والدكتور أحمد منصور، مدير عام مستشفى العريش العام ، ولفيف من الأطباء والقيادات التنفيذية بمحافظة شمال سيناء.

مقالات مشابهة

  • انتبه لـ7 أفعال عند النوم حذر منها النبي.. تفتح عليك أبواب الجحيم
  • دعاء الشفاء والوقاية من الحسد.. ردده كما قال النبي
  • دعاء بعد الركوع تحبه الملائكة وتتسابق عليه أيهم يصعد به إلى السماء
  • المواظبة على الاستغفار والصلاة على النبي..تعرف على فضل كل منهما
  • من ضاقت به الدنيا ماذا يفعل؟.. الإفتاء: هذا الذكر يفرِج كل ضيق
  • شائعات خطيرة متداولة على المنصات الإلكترونية.. مفتي الجمهورية يحذر منها
  • مفتي الجمهورية يزور مصابي غزة بمستشفى العريش العام .. صور
  • مفتي الجمهورية: المنصات الإلكترونية جزء من فوضى الفتاوى والتسيب الأخلاقي
  • تحدث عن فضل العلم..مفتي الهند يحضر مجلس حديث الرحمة
  • فضل صيام الأيام البيض في شوال وباقي شهور السنة