انكشاف أساطير الصراع العربي الإسرائيلي
تاريخ النشر: 22nd, March 2025 GMT
د. عبدالله الأشعل
"الصراع العربي الإسرائيلي" مصطلح شاع في ستينيات القرن الماضي، وقد أجهد المثقفون العرب أنفسهم واشتدَّ الجدل بينهم حول طبيعية الصراع، علمًا بأنهم لو كانوا قرأوا كتاب هرتزل "الدولة اليهودية" ومذكرات هرتزل، لوفَّروا جهدهم؛ ذلك أن المشروع الصهيوني واضح منذ البداية.
ويعني أنَّ اليهود عباقرة يعيشون مع شعوب مُتخلِّفة حاقدة، ولذلك فشلت كل طرق علاج اضطهادهم، ولذلك خرج هرتزل بالحل السعيد وهو جمع كل اليهود في مكان واحد.
ومن عادة المشروع الصهيوني أنه يظهر جوهره ولكن يخفي مراحله ووسائله ومن هنا لجأ إلى الأساطير المؤسسة لإسرائيل كما كان يُردد الفيلسوف المسلم جارودي الذي كان يهوديًا.
الأساطير في هذا المقام ليس المعنى المستقيم وهو المعجزات وإنما تنصرف إلى الدجل والأكاذيب. وبالفعل صفات اليهود في القرآن الكريم لم تتغير؛ بل ازدادت عند اليهود الصهاينة سُوءًا.
الأسطورة الأولى: أن الصهاينة يهود، وهذا غير صحيح، الخلفية الدينية صحيحة، ولكن الارتباك بين اليهودية والصهيونية واضح ومنطقي؛ فالصهيونية مشروع سياسي، أما الشريعة اليهودية فهي مقدسة، والمشروع السياسي الإجرامي لا ينسجم مع الشريعة اليهودية ولذلك سيطر العلمانيون على الدولة الإسرائيلية ورفض اليهود الحقيقيون فكرة المشروع أصلًا.
إسرائيل أصدرت قانونين متضادين؛ الأول عام 2017 يعلن أن إسرائيل دولة يهودية خالصة، والهدف منه التمسح بالشريعة اليهودية وإظهار أن سلوك إسرائيل الصهيونية هو من عند الله، ولذلك أشار القرآن الكريم إلى أنَّ أحبار اليهود زوروا التوراة والكتب المقدسة وقالوا على الله بغير الحق. والقانون الثاني صدر عام 2023 ويحظر إقامة دولة فلسطينية في فلسطين، وبالطبع أن القانونين وسائل هابطة ودليل على تخبط إسرائيل؛ فالقانون الأول هدفه أن يحول الدين إلى قومية عنصرية وأن يطرد الفلسطينيين الذين يعيشون داخل إسرائيل الذين نسميهم بـ"عرب 48". والقانون الثاني ينتهك حق تقرير المصير كما ينتهك قرار التقسيم ويضاف إلى ذلك أنه يقر بأن إسرائيل تتوسع في كل فلسطين مما يحول حل الدولتين إلى عبث واسطورة.
الأسطورة الثانية: أن إسرائيل دولة، علمًا بأنه لا تتوفر فيها عناصر الدولة وهي الأرض الخالصة للدولة والحدود الدولية التي تمثل الوعاء القانوني والسيادي التي تفصل بين الدول. والعنصر الثاني هو الشعب. وكان المرحوم د. عبدالوهاب المسيري يبغض مصطلح الشعب اليهودي أو الشعب الإسرائيلي، لكننا نستخدم المصطلح بالمعنى السوسيولوجي. والشعب في هذه الحالة مجموعة العصابات التي كانت ضحية أكاذيب المشروع الصهيوني؛ فهم ليسوا مدنيين عاديين وإن كانت معظم الدول العربية أصدرت بيانات تسوى بين المدني الصهيوني الغاصب وبين المدني الفلسطيني صاحب البيت؛ بل وأدان عدد من الدول العربية هجوم حماس على إسرائيل يوم 7 أكتوبر 2023 ووصف البعض ذلك بأنه عدوان إرهابي، وهذا يتناقض مع شرعية المقاومة وأنشطتها وفق القانون الدولي.
الأسطورة الثالثة: أن الجيش الإسرائيلي هو الأكثر أخلاقية في العالم وأنه جيش الدفاع. وقد رأينا سجل هذا الجيش وجرائمه خلال سبعة عقود كما كشف سلوك الجيش أنه منجذب لارتكاب الجرائم ويفاخر بها وذلك تطبيقا لنظرية نتانياهو في ضرورة العنف لإرهاب الفلسطينيين وأن هذا الجيش مكون من عصابات ويعمل بمنطق العصابة وهو دأب على العدوان.
الأسطورة الرابعة: أن إسرائيل ليست محتلة لأراضٍ فلسطينية كما جاء في رد الحكومة الإسرائيلية على الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية في يوليو 2024 وطالب إسرائيل بالجلاء عن هذه الأراضي، ولكن إسرائيل أكدت أنها تملك كل فلسطين ولا يجوز وصفها بأنها سلطة محتلة.
الأسطورة الخامسة: أن إسرائيل تكافح الإرهاب الفلسطيني المتمثل في المقاومة. والصحيح أن إسرائيل ليس لها مشروعية قانونية واعتراف قادتها أن مصدر مشروعية إسرائيل هو قوتها وبطشها ومتانة تحالفاتها مع واشنطن والغرب. وأن إسرائيل قامت على الإرهاب والمذابح وأن المقاومة لديها مركز قانوني متين في القانون الدولي. والمقاومة حضارية تحترم القانون الدولي بينما إسرائيل كيان همجي سلوكها بربري.
الأسطورة السادسة: أن إسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة في المنطقة. هذا صحيح، ولكن ديمقراطية إسرائيل هي ديمقراطية العصابة العنصرية. وقد اتضح أن هذه الديمقراطية العنصرية هي من ركائز وجود إسرائيل.
الأسطورة السابعة: أن إسرائيل عضو كامل العضوية في الأمم المتحدة. إسرائيل صارت عضوا في الأمم المتحدة رغم عدم استيفائها لشروط العضوية فلا هي دولة ولا هي محبة للسلام الإقليمي والعالمي، ولا هي قادرة على صيانته وراغبة في ذلك. ومع ذلك صدر قرار الجمعية العامة في 9/5/1949 مشروطا بثلاثة شروط. وعند مراجعة سجلها مقارنة بالشروط يمكن لهذه المراجعة أن تُبطل عضوية إسرائيل، لأن أول هذه الشروط هو احترامها لقرار التقسيم، والثاني أن تعترف بحق العودة للفلسطينيين في القرار 194/1948، والشرط الثالث أن تصدر دستورًا يحفظ حقوق الأقليات غير اليهودية بينما إسرائيل تعترف بحق العودة لليهود زورًا وبهتانًا.
الأسطورة الثامنة: أن إسرائيل دولة يهودية تقوم على القومية اليهودية. ولا يوجد في التاريخ أو الفكر أو الواقع قومية دينية؛ فالقومية ضد الدين، ولذلك كانت القومية العربية علمانية. وكان التيار الإسلامي في مصر قد ابتهج واحتفل بهزيمة التيار القومي في يونيو 1967 وصوبت بوصلة الثنائيات التي أصابت الأمة في مقال نشر منذ أشهر عن الثنائيات ومخاطرها على الأمة العربية والإسلامية.
الأسطورة التاسعة: أسطورة الصراع العربي الإسرائيلي والسلام العربي الإسرائيلي؛ فالحقيقة أن الدول العربية كانت مجمعة على الصراع مع إسرائيل، ولكن ليست مجمعة على السلام مع إسرائيل لسبب بسيط وهو أن معنى السلام عند إسرائيل هو السلام الإسرائيلي، أما بالنسبة للعرب فهو سلام وهدوء المقابر.
الأسطورة العاشرة: وساطة دول عربية بين المقاومة وإسرائيل ويضاف إليها أمريكا. فأمريكا شريك إسرائيل في إبادة غزة، أما الدول العربية الوسيطة فهي لا تنحاز للطرفين وإنما تريد سلامًا حقيقيًا في فلسطين وضد إبادة السكان وتهجيرهم.
الأسطورة الحادية عشرة: أن المشروع الصهيوني يسمح بتقسيم فلسطين وبحل الدولتين وأن إسرائيل هي تجسيد لهذا المشروع، وترتب على ذلك أن قرار التقسيم وحل الدولتين كانت شعارات لتخدير العرب.
الأسطورة الثانية عشرة: أن إسرائيل لا يمكنها الحرب على أكثر من جبهة وأنها لا تستطيع أن تحارب مدة طويلة. هذه أسطورة عام 1967 عندما سمى محمد حسنين هيكل مأساة 1967 بأنها نكسة، كما سمى الفلسطينيون عام 1948 بأنه "النكبة"، لكن "طوفان الأقصى" كشف العكس تمامُا؛ فإسرائيل تَقتِل ولا تُقاتِل على 7 جبهات ولأكثر من عام ونصف العام.
الأسطورة الثالثة عشرة: أن جيش إسرائيل لا يُقهر، في حين أكدت القيادات العسكرية والسياسية الإسرائيلية عام 2024 وتحقيقات الجيش، هزيمة الجيش والموساد أمام المقاومة.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الإمارات تدشن تطبيع الاستيطان الإسرائيلي مع العالم العربي
الثورة / متابعات
باستضافة دولة الإمارات قبل أيام مسؤولين كبار من قادة المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، دشنت أبوظبي المتحالفة علنا مع تل أبيب، تطبيع الاستيطان مع العالم العربي.
وتم النظر في وسائل الإعلام العبرية، إلى زيارة قادة المستوطنين الإسرائيليين الإمارات خلال شهر رمضان في أول وفد لهم إلى دولة إسلامية على أنها أوضح إشارة دعم إماراتي لتعزيز “السيادة” الإسرائيلية على الضفة الغربية المحتلة.
وأبرزت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، أن قادة المستوطنين في الضفة الغربية، خلال لقائهم مع مسؤولين كبار في أبو ظبي واستغلالهم للعلاقات مع حلفاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يسعون للتأثير في محادثات التطبيع بين السعودية وإسرائيل، مع محاولة منع قيام دولة فلسطينية واستبدال السلطة الفلسطينية بحكم محلي.
وفي ما وصفوه بأنه “لحظة ذات إمكانات تاريخية”، قام كبار قادة المستوطنين في الضفة الغربية بزيارتهم الأولى على الإطلاق إلى دولة إسلامية، حيث حضروا مأدبة إفطار رسمية الأسبوع الماضي في أبو ظبي.
وضم الوفد رؤساء المجالس الإقليمية التابعة لمجلس “يشع” الاستيطاني، وكان في استضافتهم الدكتور علي راشد النعيمي، عضو المجلس الوطني الاتحادي الإماراتي.
وصرح رئيس مجلس “يشع”، يسرائيل غانتس، أن الزيارة تمثل جزءًا من حقبة جديدة في الدبلوماسية الإقليمية، قائلاً: “النظام العالمي الجديد يتطلب تحالفات جديدة وتفكيرًا خارج الصندوق”، وذلك بعد اجتماعات عقدها مع مسؤولين إماراتيين، وقادة أعمال، ومؤثرين، وسفير إسرائيل لدى الإمارات، يوسي شيلي.
والزيارة، التي بادر إليها المضيفون الإماراتيون بشكل هادئ، تمثل تحولًا استراتيجيًا ملحوظًا. فبينما تواصل الدول العربية دعم فكرة الدولة الفلسطينية بشكل علني، يقر مسؤولو القدس وأبو ظبي بشكل متزايد بتراجع شرعية السلطة الفلسطينية، التي يُنظر إليها على نطاق واسع بأنها فاسدة وغير فعالة.
ويأمل قادة المستوطنات أن يؤدي هذا الإحباط المتزايد إلى تمهيد الطريق لتطبيع وضع المستوطنات الإسرائيلية، والتوصل إلى اتفاقات سلام مستقبلية لا تتطلب الإخلاء الجماعي للمستوطنين.
وبحسب مصادر مطلعة على المحادثات، فإن اهتمام الإمارات بالتواصل مع قادة المستوطنين الإسرائيليين ينبع من إدراكهم لنفوذهم السياسي الكبير داخل الائتلاف الحكومي الحالي في إسرائيل.
كما لاحظت الإمارات تنامي علاقات حركة الاستيطان مع إدارة ترامب خلال ولايته الأولى، لا سيما فيما يتعلق بمسألة السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، أو “يهودا والسامرة” وفق التسمية التوراتية اليهودية.
ورغم أن مثل هذه النقاشات كانت تُعتبر في السابق غير واردة، فإن الحوار العلني الآن بين قادة التطبيع والمسئول الإماراتي عراب التطبيع علي راشد النعيمي يعكس استراتيجية أوسع يتبعها المستوطنون لكسب الشرعية في العالم العربي وتجاوز القنوات الدبلوماسية التقليدية التي تتمحور حول السلطة الفلسطينية.
وفي حين أن الدبلوماسية الدولية تجري في الخليج، فإن قيادة المستوطنين تعيد تشكيل السياسات الداخلية في إسرائيل ومعًا، يسرعون وتيرة توسع الاستيطان من خلال الاجتماعات الأسبوعية لمجلس التخطيط في الإدارة المدنية.
وتُظهر بيانات حصلت عليها صحيفة “يديعوت أحرونوت” أن الفترة من يناير وحتى منتصف مارس 2025 شهدت تقدمًا في خطط بناء أكثر من 10,500 وحدة سكنية بمراحل تخطيط مختلفة—وهو ارتفاع كبير مقارنة بـ 3,400 وحدة فقط خلال نفس الفترة في 2024م.
وتفيد مصادر بأن مسؤولين أمنيين وحكوميين يناقشون الآن تفكيك السلطة الفلسطينية واستبدالها بمناطق فلسطينية محلية تتم إدارتها بشكل مستقل، بالتنسيق مع الجيش الإسرائيلي. ويُقال إن تجربة تجريبية لهذا النموذج قيد التحضير حاليًا في الخليل.
ويعمل قادة المستوطنين، بمن فيهم رئيس مجلس السامرة الإقليمي يوسي دغان، على بناء علاقات اقتصادية مع الإمارات منذ سنوات. وهدفهم هو إعادة تشكيل السردية الإقليمية: التطبيع مع دول الخليج، بما في ذلك السعودية، لا يجب أن يكون مشروطًا بقيام دولة فلسطينية أو إزالة المستوطنات.