سالم بن نجيم البادي

 

الكتابة عن الأحوال المعيشية للناس في المجتمع ربما تكون محفوفة بالتحديات، وحين نكتب عن معاناة الناس من حولنا، تكون التهم جاهزة لنا بنشر السلبية والمبالغة والتهويل وتكرر على مسامعنا المقولة المعروفة: "الفقر موجود في كل المجتمعات البشرية"، وقد تكون هذه المقولة غير دقيقة، والمقارنة بمجتمعات أخرى هي مُقارنة غير عادلة مع اختلاف الظروف والموارد وعدد السكان.

عدد السكان عندنا قليل والموارد جيدة لو تمَّ استغلالها الاستغلال الأمثل، والله وحده أعلم بالنوايا المخلصة التي تهدف إلى طرح الواقع المعيشي للناس في المجتمع للنقاش بدون رتوش أو تجميل أو مواربة، والهدف لفت نظر الجهات ذات الشأن لهذه المعاناة، حيث إن التستر على مشاكلنا ومحاولة ترسيخ صورة وردية عن أوضاعنا ليس هو الحل، ولا يغير من الواقع شيئًا؛ بل إن الإنكار يُعقِّد الوضع، ولا معنى للإصرار على إنكار وجود فقراء في المجتمع، حتى أن هذه الكلمة تكاد تكون من المحرمات، ولا ينفي ذلك وجود حالات كثيرة ومتزايدة من المُعسِرين نتيجة التسريح والغلاء وندرة الوظائف، وربما زيادة عدد أفراد الأسرة. وليت الجهات الرسمية المختصة تنشر الأعداد الصحيحة للمواطنين الذين يمكن اعتبارهم من المُعسِرين وما هو المعيار الذي تم الاعتماد عليه لتعريف الإعسار حسمًا للجدل الدائر حول عدد المعسرين في المجتمع، على أن يتم تحديث هذه الأعداد بين فترة وأخرى؛ لملاحظة انحسار عدد المعسرين أو زيادة أعدادهم، وصولا إلى معرفة الأسباب ووضع الحلول المناسبة لخفض أعداد المعسرين، قبل أن يتحول الإعسار إلى ظاهرة يصعب القضاء عليها، إذا اتسع نطاقها في المجتمع.

في وسائل التواصل الاجتماعي، تظهر مقاطع لأفراد من المجتمع وهم يشكون سوء أوضاعهم المالية والمعيشية وفئة قليلة منهم يتبين لاحقا أنهم غير صادقين، ولكن أكثر من يظهرون على وسائل التواصل الاجتماعي من هؤلاء يعانون فعلًا ظروفًا صعبة، وما خرجوا على وسائل التواصل الاجتماعي إلّا بعد أن ضاقت بهم كل السبل. ولقد اطلعتُ على عدد الأسر المستحقة للزكاة في 3 ولايات تتفاوت في عدد سكانها وأول هذه الولايات عدد الأسر المستحقة للزكاة فيها بلغ 437 أسرة والولاية الثانية 1535 أسرة والولاية الثالثة 630 أسرة، ولنا أن نتخيل عدد الأسر المستحقة للزكاة في كل ولايات السلطنة وهي 63 ولاية وكم هو عدد أفراد هذه الأسر؟

وبلغ عدد المستفيدين من منفعة دعم دخل الأسرة ضمن منظومة الحماية الاجتماعية 53072 مواطنًا بنهاية فبراير الماضي، وبمناسبة الحديث عن نظام الحماية الاجتماعية وهو النظام الذي حل محل ما كان يسمى بالضمان الاجتماعي، فإن عددًا من الأسر تضررت من النظام الجديد، فقد انخفض المبلغ الذي كان يُصرف لهم قبل تطبيق نظام الحماية الاجتماعية وكانوا يأملون أن يزيد لا أن ينقص، وقد تم استثناء أبناء وبنات هذه الأسر، بعد أن يُنهوا دراسة الصف الثاني عشر، من الاستفادة من نظام الحماية الاجتماعية، حتى وإن لم يحصلوا على وظيفة أو على فرصة للالتحاق بمؤسسات التعليم العالي. ونذكر هنا مثالًا من الواقع لأسرة مكونة من 7 أفراد كانوا يحصلون على مبلغ 240 ريالا أيام الضمان الاجتماعي، وبعد أن تخرج الأبناء من الدبلوم العام صار المبلغ 200 ريال، ثم 180 ريالا، ثم انخفض المبلغ إلى 80 ريالا، والآن يستلمون 161 ريالا، وهم 7 أفراد وكلهم لا يعملون ولا نعرف كيف تم حساب ذلك، هل تدخلت الخوارزميات والمُعامل الاكتواري والضرب والجمع والطرح والقسمة؟!

وقد صرحت إحدى المتطوعات في "بنك الطعام" أن عدد المستفيدين من هذا البنك يبلغ 6 آلاف أسرة. ومع بداية العام الدراسي الحالي، قام فريق العوابي بالتعاون مع لجنة الزكاة بتوزيع قسائم شرائية على 600 طالب وطالبة ضمن مشروع الحقيبة المدرسية، وفاعل خير تبرع بقسائم شرائية بقيمة 30 ريالًا لـ147 أسرة معسرة في إحدى الولايات، وهذه أمثلة فقط على ما يتداول عن التبرعات وعن حالات الإعسار عند الأفراد والأسر.

ولا نغفل- ونحن نتكلم عن الإعسار- عن ذكر المسرحين من العمل والباحثين عن عمل وأصحاب معاشات التقاعد ومن يتقاضون 325 ريالًا وهو الحد الأدنى للأجور، ومن يتقاضون رواتب أقل من الحد الأدنى، ومن هم في السجن بسبب قضايا مالية، ومبادرة "فك كربة" شاهدة على ذلك، وفئات أخرى من الناس في المجتمع لا أحد يعلم بأحوالهم منعهم الحياء والتعفف من البوح بواقعهم المعيشي وظروفهم المالية، ولا يُمكن التعويل على الفرق الخيرية ولجان الزكاة والصدقات؛ لأنَّ كل ذلك غير دائم ويعتمد على المواسم والمناسبات الدينية واستعداد الناس للتبرع وتوفر الموارد المالية عندهم.

الحل يكمن في توفير مصدر دخل كاف ومستمر عن طريق التوظيف وزيادة المخصصات المالية للمستفيدين من نظام الحماية الاجتماعية ورفع معاشات التقاعد وخفض مبالغ الرسوم والضرائب والغرامات بكل أنواعها.

وفي حال الاعتراف بوجود مشكلة الإعسار في المجتمع والخوف من تحولها إلى ظاهرة نطرح السؤال التالي، هل توجد خطط فاعلة للحد من تزايد حالات الإعسار في المجتمع تسير جنبا إلى جنب مع خطة ترشيد الإنفاق وخفض الدين العام ورؤية "عُمان 2040"؟

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

مدارس الإمارات ترسّخ ثقافة العطاء والتطوع

دبي: محمد نعمان
في إطار مبادرة «عام المجتمع 2025»، أطلقت عدد من مدارس الدولة، سلسلة من الفعاليات الخيرية بالتعاون مع هيئة الهلال الأحمر، بهدف تعزيز التكافل الاجتماعي وترسيخ ثقافة العطاء والتطوع بين الطلاب وأسرهم.
وتضمنت الفعاليات توزيع المير الرمضاني على الأسر المتعففة، وتنظيم وجبات إفطار صائم لفئة العمال، إلى جانب إطلاق مبادرة «جمع الملابس القديمة» والتبرع بها للأسر المحتاجة، وحفل إفطار للأطفال اليتامى، وذلك لترسيخ قيم المسؤولية والتضامن المجتمعي خلال شهر رمضان المبارك.
مشاركة فعالة
شملت الأنشطة، توزيع المير الرمضاني ووجبات إفطار صائم لفئة العُمّال، حيث حرص الطلاب على المشاركة الفعالة في توزيع المساعدات بأنفسهم، ولقيت هذه الأنشطة استحساناً واسعاً من أولياء الأمور وأفراد المجتمع التعليمي، الذين أشادوا بدور المدارس في غرس روح التعاون والمسؤولية لدى الأجيال القادمة، وتعزيز الوعي حول أهمية العمل الخيري وأثره في تحسين حياة الآخرين. وكانت مبادرة «المتطوع الصغير» من أبرز الفعاليات التي أطلقتها إحدى المدارس، حيث تهدف لغرس ثقافة التطوع منذ الصغر، عبر إشراك الطلاب في أنشطة تخدم الفئات المحتاجة، حيث يتم تشجيع الطلاب على المشاركة في الأنشطة التطوعية المختلفة، وهو ما يعزز لديهم حس الانتماء والمساهمة في خدمة المجتمع، وذلك عبر المشاركة في توزيع المساعدات وتنظيم الفعاليات التي تخدم الأسر المحتاجة.
الاستدامة والعطاء
في سياق الجهود المستمرة لدعم الأسر المحتاجة، أطلقت بعض المدارس مبادرة «جمع الملابس القديمة»، ودعت طلابها وأولياء أمورهم إلى التبرع بملابسهم غير المستخدمة، على أن تكون نظيفة وصالحة للاستعمال، وذلك لتعزيز مفهوم إعادة التدوير والاستدامة، وتقديم العون للعائلات الأقل حظاً.
وحدّدت إدارات المدارس مجموعة من المعايير لقبول الملابس المتبرع بها، من بينها أن تكون بحالة جيدة، مغسولة، معقمة، وخالية من العيوب أو التمزقات، مع تخصيص أماكن داخل المدارس لجمع التبرعات، على أن يتم تسليمها لاحقاً إلى الجهات المختصة لتوزيعها على الأسر المستحقة.
ولقيت المبادرات تفاعلاً كبيراً من قبل الطلاب وأولياء الأمور، الذين أكدوا دعمهم الكامل لمثل هذه الأنشطة التي تعزز روح التكافل الاجتماعي وتُعمّق قيم العطاء لدى النشء، وأشاروا إلى أن شهر رمضان هو الوقت الأمثل لترسيخ هذه المبادئ، مؤكدين أن المبادرة تسهم في ربط المدرسة بالمجتمع وتعزيز التلاحم الاجتماعي.
مواد غذائية
أعلنت مدرسة أخرى، فتح باب التبرعات لاستقبال المواد الغذائية والمستلزمات الأساسية، بهدف توزيعها على المحتاجين، وشملت التبرعات المطلوبة الأطعمة المعلبة، الأرز، زيت الطهي، الملح، السكر، وحبوب القمح، لضمان توفير احتياجات الأسر من المواد الغذائية الضرورية.
كما تضمنت قائمة التبرعات، منتجات العناية الشخصية، في خطوة تهدف لتأمين الاحتياجات اليومية للأسر المتعففة، وتعزيز معايير النظافة والصحة العامة بين أفرادها.
ودعت المدارس المتبرعين إلى تقديم المستلزمات المنزلية الأساسية، مثل المناشف، الجوارب، أغراض الغسيل صغيرة الحجم، والبطانيات، لمساعدة الأسر على تحسين ظروفها المعيشية.
جيل واع
وفي سياق آخر متصل حرصت بعض المدارس على تنظيم «مائدة إفطار للأطفال الأيتام»، بالتعاون مع الجهات الخيرية، سعياً لإدخال الفرحة إلى قلوب الأطفال الذين فقدوا أحد أفراد أسرهم وإشعارهم بأنهم جزء لا يتجزأ من النسيج المجتمعي.
واستمتع الأطفال بهذه الفعالية، حيث لم تقتصر المبادرة على تقديم وجبات الإفطار فحسب، بل تخللتها أنشطة ترفيهية ومسابقات تعليمية وتوزيع هدايا رمضانية، مما أضفى على الحدث أجواء من البهجة والفرح، كما حرص الطلاب المتطوعون على تقديم وجبات الطعام بأنفسهم، والتفاعل مع الأطفال الأيتام.
رسالة إنسانية مستمرة
في ظل النجاح الكبير الذي حققته هذه الفعاليات، أكد مديرو مدارس، أن إشراك الطلبة في الأنشطة التطوعية يعزز لديهم الإحساس بالمسؤولية تجاه المجتمع، حيث يدركون أن دورهم لا يقتصر فقط على التحصيل الدراسي، بل يمتد إلى تقديم المساعدة لمن هم في حاجة إليها.
وقالوا عبر رسائل تم توجيهها إلى أولياء الأمور عبر المنصات الرقمية، إن هذه المبادرات توفر للطلاب فرصة لتطبيق القيم الأخلاقية التي يتعلمونها نظرياً، مما ينعكس إيجاباً على شخصياتهم، ويجعلهم أكثر وعياً بأهمية العمل الجماعي.
أضاف مديرو المدارس، أن التطوع يعزز لدى الطلبة مهارات اجتماعية وحياتية مهمة، مثل التواصل، العمل الجماعي، وحل المشكلات، وهي مهارات ضرورية لمستقبلهم. وعلاوة على ذلك، تساهم هذه المبادرات في بناء علاقات إيجابية بين الطلبة وأفراد المجتمع، حيث يشعرون بأنهم جزء من نسيج متكامل يعمل على دعم الفئات الأقل حظاً.

مقالات مشابهة

  • العراق يسجل أكثر من 31 ألف عقد زواج و6392 حالة طلاق في شهر واحد
  • ضمن حملة “رمضان الخير والنصر”… ألف أسرة تستفيد من مبادرة جمعية غراس التنموية بدمشق
  • جامعة كفر الشيخ تعقد ندوة حول ضوابط استخدام وسائل التواصل الاجتماعي
  • جامعة قناة السويس تنظم قافلة طبية إلى قصر ضيافة كبار السن
  • حملة «خُطاها» تحصل على الرعاية الشرفية من وزارة التضامن الاجتماعي
  • مدارس الإمارات ترسّخ ثقافة العطاء والتطوع
  • أكثر من 400 أسرة تستفيد يومياً من مشروع إفطار صائم في معضمية الشام ‏بريف دمشق
  • أسرة مسيحية تقيم مائدة إفطار للصائمين بالزاوية الحمراء |صور
  • توزيع كراتين رمضان على 350 أسرة ضمن الأسر الأولى بالرعاية بقرى الدقهلية