الكازينو دائمًا يربح.. أسلوب ترامب في السياسة
تاريخ النشر: 22nd, March 2025 GMT
لطالما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، طوال حملته الانتخابية وبعدها، أنّه جاء لا ليُشعل الحروب بل ليُنهيها. وحين حاول البعض تفسير سياساته تجاه سوريا وغزّة في هذا السياق، جاء الإعلان مؤخرًا عن إصداره أمرًا بشنّ هجوم على اليمن.
وهذا، بطبيعة الحال، لا يُتوقَّع من رجل يزعم أنّ مهمته إنهاء الحروب، غير أنّ كون صاحب هذا القول هو ترامب، جعل الأمر غير مفاجئ، بل مؤكدًا مرة أخرى الاعتقاد السائد بأنّ كل شيء متوقَّع منه.
الرجل الذي يُتوقَّع منه كل شيء هو بطبيعته شخصٌ لا يمكن التنبؤ بأفعاله، وهذا القدر من عدم التوقّع لا يُنسب عادة إلا إلى من نستخفّ بهم. وسلوك ترامب وتصرّفاته الخارجة عن كل القوالب والتقاليد الدبلوماسية المتعارف عليها، تدفع البعض إلى وضعه في هذه الخانة.
غير أنّ ذلك يظلّ تصورًا سطحيًا بحقّ رجل ظلّ حتى اليوم يحقق الانتصارات ويجمع الأرباح، واستطاع أن يبقى في القمة كل هذه المدة. فترامب، قبل أن يكون رئيسًا، كان ملكًا في عالم المال والأعمال، ذلك العالم القاسي الذي لا يرحم، حيث التنافس لا يهدأ والصراع لا يلين.
كان "ملك العقارات"، لا شك، لكنه أيضًا رجل أعمال يملك كازينوهات في لاس فيغاس. بل وله زبائن كُثر من المشاهير، بمن فيهم بعض الكبار في الشرق الأوسط.
إعلان الكازينو دائمًا يربحالقاعدة الأهم في عالم القمار أنّ "الكازينو دائمًا يربح". فحتى أمهر اللاعبين، ينتهي بهم الأمر بأن يخدموا مصالح الكازينو ويصبحوا أدوات لربحه. ولا يمكن القول إنّ هذه الخلفية المهنية لترامب لم تنعكس على أسلوبه السياسي. فخلف تصريحاته وسلوكياته التي تبدو، للوهلة الأولى أو الثانية، انفعالية أو فظّة، تكمن لعبة مدروسة.
وربّما كان الحجر الذي يرميه في البئر ويشغل به عقول العالم بأسره، جزءًا من تلك اللعبة. وفي الأثناء، من المرجّح أنه يكون قد انخرط في لعبة أخرى تحقق له ربحًا جديدًا.
أنا شخصيًا لست ممن يعكفون على تحليل سلوك السياسيين وكأنهم أنبياء ذوو حكم خفيّة أو عباقرة خارقون، كما يعلم من يعرفني. لكنّ من الواضح أن سلوكيات ترامب المتطرّفة ليست وليدة عشوائية بلا هدف، ولو أنّ ما يدور في ذهنه قد يكون مختلفًا كثيرًا عمّا يبدو في ظاهره.
لذا، فإنّنا مدعوون لتفسير أفعال هذا الرئيس باعتباره لاعب ورق. وفي ألعاب الورق التي يُتقنها جيدًا، يحاول اللاعبون إخفاء أوراقهم على أمل أن يفوزوا، أمّا هو فيبدو كأنه يلعب بأوراق مكشوفة. غير أنّ هذا قد يعني ببساطة أنّ لديه أوراقًا أخرى ما زالت خفيّة.
ولا شك أنّ هذا النمط من التحليل السياسي يتطلب خيالًا لم يسبق أن احتاجه المحللون من قبل. وهذا هو المآل الذي بلغته السياسة على طريقة ترامب.
خلفية خطة ترامب للتهجير وما بعدهايشير بعض المحللين، كما ذكر الدكتور سامي العريان في مقالٍ له على موقع الجزيرة نت، إلى أنّ تصريح ترامب خلال زيارة بنيامين نتنياهو إلى واشنطن ربما كان يهدف إلى إحباط مساعي رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي – المطلوب من المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب – للحصول على "ضوء أخضر" لاستئناف حرب الإبادة التي يشنها على غزة.
اقتراحه المتعلق بتهجير سكان غزة كان فكرة متطرفة بلا شك. ولا يبدو أن هناك إجابة منطقية عن كيف يمكن لهذا المقترح أن يتحقّق، حتى مع الدعم الأميركي الكامل، بعد خمسة عشر شهرًا من الحرب الإسرائيلية الإبادية التي لم تنجح في تحقيق هذا الهدف.
إعلانوقد ثبت حتى الآن، من خلال المواقف الرافضة مختلف مكونات هذا المخطط، أنه محكوم عليه بالفشل. لكن هذا لا يعني أن ترامب أطلق هذا المقترح عبثًا. فهل كان يسعى من خلاله إلى إقناع أطراف معيّنة باستحالة تحقيقه؟
يرى العريان أن هذا السلوك يمكن اعتباره جزءًا من إستراتيجية ترامب التفاوضية التي فصّلها في كتابه الشهير فنّ الصفقة (The Art of the Deal)، حيث يقول إنّ على المفاوض الناجح أن يبدأ من أقصى حدود التشدد والتطرّف، ليجبر الطرف الآخر على تقديم تنازلات كبيرة، وربما يدفعه إلى الاقتراب من موقفه حتى قبل بدء التفاوض الفعلي.
أما في سوريا، فيبدو أن الإدارة الأميركية قد دفعت بـ"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) للجلوس إلى طاولة التفاوض مع الحكومة السورية، بل وربما أجبرتها على ذلك، وهو ما أثار غضب الكيان الإسرائيلي على ما يبدو. وهذا يؤكّد على الأقل أن ترامب ظلّ، في هذا الجانب، ملتزمًا بسياسته المعلنة منذ البداية: "أميركا أولًا".
ماذا سيفعل ترامب في اليمن؟والسؤال الآن: ما هو هدف ترامب من الحرب التي بدأها في اليمن؟ من المستبعد جدًا أن يكون يجهل أنّ مثل هذا الهجوم – الذي قد يقتصر على غارات جوية – لن يُفضي إلى نتيجة حاسمة.
ولا يمكن تصوّر أن إدارة خرجت لتوّها بهزيمة من أفغانستان، ستدخل مغامرة مشابهة مع علمها المسبق بعاقبتها. لذا، من المرجّح أن يكون القصد من هذه الضربات ليس القضاء على الحوثيين أو دحرهم، بل مجرّد إرسال رسالة: "نحن نحارب الحوثيين"، على سبيل الاستعراض فحسب.
لقد أدى موقف الحوثيين المتحدّي، والداعم لغزة، والمهدد لحركة الملاحة والتجارة البحرية، إلى خلق توقّع عام باتخاذ موقف صارم ضدهم. وترامب، الذي اتّهم خصمه بايدن بالتراخي، وجد نفسه مطالبًا بالاستجابة لتوقعات الناخبين الجمهوريين، خاصة الموالين لإسرائيل.
لكن الاستجابة لا تعني بالضرورة الدخول في حرب شاملة وطويلة. فالقيام بأي عملية احتلال – حتى لو محدودة – لموانئ اليمن أو سواحله، ينطوي على مخاطر جسيمة. ومع ذلك، قد تُستخدم هذه الضربات المحدودة ضد الحوثيين كورقة ضغط على إيران، لدفعها إلى العودة إلى طاولة المفاوضات.
إعلانفالطبيعة الجغرافية الوعرة لليمن، وجباله الشاهقة، تُعقّد أي عملية عسكرية أميركية، وتُنبئ بتكرار التجربة الأفغانية. وهذا يوضّح أنّ التحدي في اليمن كبير، حتى أمام القوة العسكرية الأميركية الهائلة. وإلى جانب ذلك، فإنّ تمسّك "التحالف العربي" بخيار الحلّ السياسي، ولو ببطء، يقيّد خيارات ترامب في نهاية المطاف.
فالسعودية ودول عربية أخرى أطلقت بالفعل مسارًا لحلّ سياسي في الأزمة اليمنية. وقد يتماشى أسلوب ترامب مع تجاوز خطط الحلفاء، لكن لا يمكنه تجاهل الكلفة التي تترتّب على اتخاذ قرارات كبرى دون التنسيق معهم.
صحيح أنّ "الكازينو دائمًا يربح"، لكن لا يمكن إبقاء اللاعبين حول الطاولة إن لم يشعروا بأنهم يربحون شيئًا هم أيضًا.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رمضان لا یمکن
إقرأ أيضاً:
مبعوث ترامب: حماس فكرة لا يمكن القضاء عليها ونتنياهو مهتم بالحرب أكثر من الأسرى
#سواليف
تحدث المبعوث الأميركي للشرق الأوسط #ستيفن_ويتكوف -في مقابلة مع الإعلامي تاكر كارلسون مساء الجمعة- عن ملفات عدة منها #مفاوضات اتفاق وقف إطلاق النار في #غزة التي اخترقها #الاحتلال الإسرائيلي، ومستقبل التطبيع في المنطقة.
وقال ويتكوف إن السمعة التي يحصل عليها رئيس وزراء #الاحتلال بنيامين #نتنياهو هي أنه مهتم بالقتال أكثر من الأسرى في قطاع #غزة.
كما قال إن نتنياهو “يعتقد أنه يفعل الشيء الصحيح وهو يعارض في ذلك الرأي العام لأن الرأي العام هناك (في إسرائيل) يريد #استعادة #الأسرى”.
مقالات ذات صلةوأضاف “إننا في مفاوضات الآن ربما لوقف بعض هذه الغارات الإسرائيلية وربما حل هذا الصراع عبر الحوار”.
حماس فكرة
وصرح ويتكوف، بأن حركة #حماس فكرة لا يمكن القضاء عليها، وأشار ويتكوف إلى أنه لا يعتقد بإمكانية التخلص منها (حماس)، كونها فكرة إيديولوجية، وليس مجرد تنظيم سياسي.
وعن رؤيته لحركة حماس قال ويتكوف: “لا أعتقد أنهم منغلقون أيديولوجيًا، وعندما تفهم أنهم يريدون الحياة حينها تستطيع التحدث معهم بطريقة أكثر فاعلية”.
وأضاف: “ما سمعناه في بداية هذا النزاع أن حماس منغلقون ومستعدون للموت، وكنت أعتقد أنهم يربطون الأحزمة الناسفة على الأطفال، لكن كان لدي اعتقاد شخصي أنهم ليسوا كذلك، وعندما تعتقد أنهم يريدون الحياة والبدائل تستطيع أن تتحدث معهم”.
وأردف “وإذا سمح لحماس بحكم غزة سيكون هناك 7 أكتوبر كل خمس إلى عشر أو 15 سنة”.
وأكد ويتكوف، وجود أمل في التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة قريبا، مشيرا إلى أن الدوحة تسعى لتحقيق وساطة فعالة تؤدي إلى إحلال السلام.
وشدد ويتكوف على ضرورة إيجاد حل يرضي جميع الأطراف لتجنب تكرار أحداث 7 أكتوبر، مؤكدا أن المفاوضات مع حماس لم تكن لتتم دون الثقة في الوساطة القطرية.
وعن قطر، قال أيضا؛ إن “الرؤى الإسلامية المتشددة لقطر في السابق تعدلت، وما من شك أن قطر دولة حليفة للولايات المتحدة”.
كما أشار إلى الحاجة لقوة أمنية حقيقية في غزة، لضمان عدم مواجهة “إسرائيل” مشكلات على المدى البعيد.
وفيما يتعلق بالوضع السياسي، دعا ويتكوف إلى إجراء انتخابات حقيقية في غزة، وكشف عن تحذيرات سابقة أطلقها خلال القمة العربية من أن استمرار الوضع دون حل قد يؤدي إلى تحرك عسكري، مشيرا إلى أن واشنطن قدمت مقترحا يتضمن نزع سلاح حماس والتوصل إلى اتفاق سلام دائم.
وقال؛ إن عودة الإسرائيليين للقتال في بعض النواحي أمر مؤسف، وفي نواح أخرى كان ضروريا.
التطبيع العربي
وأعرب ويتكوف عن اعتقاده بأن الرئيس السوري، أحمد الشرع قد تغير عما كان عليه في السابق. وأضاف: “الناس يتغيرون. أنت شخص مختلف تماما في الخامسة والخمسين عما كنت عليه في الخامسة والثلاثين. أنا شخصيا أدرك أنني اليوم، في الثامنة والستين من عمري، لست الشخص نفسه الذي كنت عليه قبل ثلاثين عاما. ربما أصبح الجولاني (أحمد الشرع) شخصا مختلفا، لقد طردوا إيران من هناك”.
وأشار ويتكوف إلى أن تطبيع العلاقات بين لبنان و”إسرائيل”، ثم بين سوريا و”إسرائيل”، يمكن أن يكون جزءا من عملية أوسع نطاقا لإحلال السلام في المنطقة.
وعلى الصعيد الإقليمي، حذر ويتكوف من أن الإنجازات التي تحققت في لبنان وغيرها قد تكون مهددة في حال عدم حل الأزمة في غزة، مضيفا أن غضب الشارع العربي من مقتل الأطفال قد يكون عاملا حاسما قد يؤدي إلى اضطرابات.
وقال؛ إن العاهل الأردني، الملك عبدالله الثاني، قد أدى دورا كبيرا في الحفاظ على الاستقرار في بلده، لكن الأمور في مصر أصعب، محذرا من أن الاضطرابات في مصر قد تدفع الأمور إلى الخلف.
وقال ويتكوف في مقابلة مع الإعلامي تاكر كارلسون، إن اضطرابات يمكن أن تحدث لمحمد بن سلمان في السعودية وللرئيس عبد الفتاح السيسي في مصر، حيث يرى الناس هناك تقاعسهم عن غزة كنقطة اشتعال وغضب.
وأضاف: “السيسي لديه 45 ٪ بطالة وهي دولة مديونة ولديها أزمة خانقة وتحتاج لمساعدة وما يحدث في غزة قد يؤثر عليها ونعود للوراء ولهذا لابد أن نحل مشكلة غزة”.
وعن السعودية قال: “لديهم شباب صغار بنسبة هائلة والجميع يراقب تصرفهم بشأن غزة وهو قائد عظيم لكن الوضع ليس سهلا لهذا لابد من حل في غزة كي نصل للتطبيع وإذا حصل التطبيع فكل شيء سيكون على ما يرام”.
كما لفت إلى أن السعودية ستقدم مقترحا بشأن غزة، كما أكد أن حل الدولتين يتمثل بالنسبة له في تحسين الظروف المعيشية للفلسطينيين، مشيرا إلى وجود خطط تنموية قيد الدراسة، قد تشمل هذا المفهوم أو لا.