الجديد برس| بقلم: أحمد الدثني|

حينما تُطلق الصواريخ من صنعاء وتتناثر في البحر الأحمر، لا يكون الهدف مجرد سفن تجارية أو مصالح اقتصادية، بل تتحرك قوى أكبر بكثير خلف هذه المواجهة، قوى تعيد رسم خريطة التوازنات الإقليمية والدولية بمداد النار والبارود. ليس الأمر مجرد “تمرد” كما تصفه واشنطن ولندن، ولا مجرد “نصرة لغزة” كما تؤكد صنعاء، بل هو مشهد أوسع لصراع تتداخل فيه الأهداف، وتتقاطع المصالح، ويختلط فيه العسكري بالسياسي والاقتصادي.

لكن في قلب هذا المشهد، هناك شخصية محورية يصعب قراءتها من منظور السياسة التقليدية، عبد الملك الحوثي، زعيم الجماعة التي تحكم صنعاء. الرجل، الذي يخطب كما لو كان على منبر تاريخي لا في ساحة معركة سياسية، يغلب عليه الواجب الديني أكثر من حسابات السياسة، بخلاف حكومته المخضرمة التي تتقن لغة الصفقات والمقايضات. ولذلك، حين يقول إنه يخوض هذه المعركة “نصرة للمستضعفين”، فإن من الصعب افتراض أن الأبواب مفتوحة أمام التسويات والمساومات، خصوصًا في قضية تمس العقيدة قبل المصالح.

أما الولايات المتحدة وحلفاؤها، فلم يكونوا يتوقعون أن الحوثيين، الذين بدأوا كقوة محلية في شمال اليمن، سيصلون إلى مستوى من القدرات العسكرية يجعلهم قادرين على تهديد خطوط الملاحة الدولية، مما دفع نائب الأدميرال جورج ويكوف، قائد الأسطول الأمريكي الخامس، للاعتراف بأن الحوثيين امتلكوا “قدرات لم يكن ينبغي لهم امتلاكها”. ومع ذلك، فإن الضربات الأمريكية والبريطانية، رغم شدتها، لم تقضِ على تلك القوة، ولم تُنهِ الهجمات، بل زادت المشهد تعقيدًا، حيث تحولت المياه الدافئة للبحر الأحمر إلى ساحة مواجهة مفتوحة، لا أحد يعرف متى تنتهي.

في ظل هذا التصعيد، برزت إيران كلاعب رئيسي، تُتهم بتزويد الحوثيين بالخبرات والسلاح، وتعتبر واشنطن أن كل صاروخ يُطلق من اليمن يحمل بصمة طهران، فيما ترى الأخيرة أن الغرب يحاول تحميلها مسؤولية أزمة إقليمية أعمق. وعلى الضفة الأخرى، تراقب موسكو وبكين المشهد من بعيد، لا تشاركان بشكل مباشر، لكن أي استنزاف لواشنطن في معركة جديدة هو مكسب استراتيجي لهما في لعبة النفوذ العالمي.

وفي المشهد اليمني الرسمي، لا شيء يوحي بأن هناك دولة تواجه هذا التحول الكبير. مجلس القيادة الرئاسي والحكومة المعترف بها دوليًا يعيشان في سبات شتوي عميق، كأن ما يحدث يجري على كوكب آخر. وبدلًا من العمل على كسب الرأي العام اليمني، انشغل بعض المسؤولين بإصدار تصريحات غريبة تعلن “مناصرتهم” للهجمات الأمريكية، بالرغم من أن البنتاغون نفسه يؤكد أن عملياته لا علاقة لها بالملف اليمني، بل تستهدف فقط تأمين خطوط الملاحة الدولية. إنها مفارقة عجيبة؛ أن تتطوع جهةٌ لتأييد حملة عسكرية لا تعترف بها حتى الجهة المنفذة.

وفيما تبدو السلطة الرسمية معزولة عن الواقع، فإن الشارع اليمني في الشمال والجنوب على السواء يواصل التفاعل مع الأحداث بطريقته الخاصة. فئةٌ واسعة من اليمنيين تؤيد حكومة صنعاء فيما تقوم به، بعضهم عن قناعة، وآخرون عن جهل، والبعض بدافع الذكاء السياسي في قراءة التوازنات الدولية. في الجنوب، حيث يرفع البعض راية الانفصال، تتسع فجوة الانقسام بين من يرون الحوثيين عدوًا تاريخيًا، ومن يرون في مواجهتهم لأمريكا وإسرائيل سببًا كافيًا لتأييدهم. أما في الشمال، فإن عقودًا من الخطاب المعادي للغرب، إضافة إلى الشعور بالمظلومية، جعلت جزءًا من الشعب يرى في هذه المعركة امتدادًا لحروب تاريخية لم تُحسم بعد.

السؤال الذي يطرح نفسه اليوم ليس ما إذا كانت المواجهة ستتوقف، بل كيف ستنتهي؟ هل ستؤدي هذه الحرب إلى إعادة تشكيل النفوذ في المنطقة؟ أم أنها مجرد فصل آخر من فصول صراع لا يبدو أن نهايته قريبة؟ البحر الأحمر، الذي كان دائمًا ممرًا تجاريًا حيويًا، بات اليوم بحرًا من الاحتمالات المفتوحة، حيث لا أحد يستطيع أن يتنبأ بما يحمله الغد.

المصدر: الجديد برس

إقرأ أيضاً:

كيرستي كوفنتري تصبح أول إفريقية تترأس اللجنة الأولمبية الدولية

اليونان – تم انتخاب الزيمبابوية كريستي كوفنتري امس الخميس في منصب رئاسة اللجنة الأولمبية الدولية لتصبح أول إفريقية تتقلد هذا المنصب.

وفي منتجع كوستا نافارينو الفاخر على البحر الأيوني في اليونان، حسمت وزيرة الرياضة في زيمبابوي، والفائزة بميداليتين ذهبيتين في منافسات السباحة بالأولمبياد، الفوز في الجولة الأولى من الانتخابات.

وتفوقت كوفنتري على ستة مرشحين آخرين، كان أبرزهم لإسباني خوان أنتونيو سامارانش جونيور، نجل الرئيس التاريخي للجنة الأولمبية الذي يحمل نفس اسمه، والبريطاني سيباستيان كو رئيس الاتحاد الدولي لألعاب القوى.

وباتت كوفنتري أول امرأة وأول إفريقية وأصغر شخص يتبوأ رئاسة اللجنة الأولمبية الدولية، وستخلف بعمر الحادية والأربعين الألماني توماس باخ الذي قاد المنظمة الدولية على مدى 12 عاما.

وقالت الرئيسة العاشرة للجنة بعد فوزها: “هذه لحظة استثنائية، عندما كنت فتاة بعمر التاسعة، لم أكن أتخيل نهائيا أن أقف هنا أمامكم على رأس هذه الحركة”، واعدة أن تجعل زملاءها “فخورين”.

وكانت انتخابات رئاسة اللجنة الأولمبية الدولية، الأكثر انفتاحا وصعوبة في التكهن بنتائجها منذ عقود، حيث لم يكن هناك مرشح واضح قبل التصويت.

المصدر: وكالات

Previous المركزي الروسي: لن نقوم بخفض سعر الفائدة إلا مع تراجع التضخم بشكل مستدام Related Posts رسميا.. اليابان أول منتخب يتأهل لكأس العالم 2026 رياضة 20 مارس، 2025 تصفيات كأس العالم.. عُمان يفرض التعادل على كوريا الجنوبية ويشعل المنافسة في المجموعة الثانية رياضة 20 مارس، 2025 أحدث المقالات كيرستي كوفنتري تصبح أول إفريقية تترأس اللجنة الأولمبية الدولية المركزي الروسي: لن نقوم بخفض سعر الفائدة إلا مع تراجع التضخم بشكل مستدام توقعات بارتفاع معدلات البطالة في ألمانيا عام 2025 “روس نفط” تحول مبلغا قياسيا إلى الميزانية الروسية توقعات باستقبال أكثر من 7 ملايين سائح روسي بتركيا في 2025

ليبية يومية شاملة

جميع الحقوق محفوظة 2022© الرئيسية محلي فيديو المرصد عربي الشرق الأوسط المغرب العربي الخليج العربي دولي رياضة محليات عربي دولي إقتصاد عربي دولي صحة متابعات محلية صحتك بالدنيا العالم منوعات منوعات ليبية الفن وأهله علوم وتكنولوجيا Type to search or hit ESC to close See all results

مقالات مشابهة

  • الحوثيون وإيران وأمريكا.. هل يتجه صدام البحر الأحمر نحو المجهول؟!
  • بريطانيا تنخرط بالعدوان الأمريكي على اليمن رسميا
  • أوقاف البحر الأحمر تخصص 199 مسجدا و11 ساحة لأداء صلاة عيد الفطر
  • واشنطن ترسل حاملة طائرات ثانية إلى البحر الأحمر مع تصاعد العمليات ضد الحوثيين
  • تقرير ايطالي: “الحوثيين” أثبتوا قدرتهم على فرض معادلات جديدة في البحر الأحمر
  • كيرستي كوفنتري تصبح أول إفريقية تترأس اللجنة الأولمبية الدولية
  • اللجنة الدولية للصليب الأحمر تكشف عن دعمها للمرافق الصحية والمستشفيات في مناطق سيطرة الحوثيين عقب الهجمات الأميركية
  • قوات صنعاء تنفيذ عمليتين نوعيتين في البحر الأحمر ومطار بن غوريون في قلب الكيان
  • الريال اليمني ينهار لأدنى مستوى في تاريخه.. أسعار صادمة للدولار والريال السعودي!