عصر جديد يبدأ.. كيرال أول نموذج للذكاء الاصطناعي يقرأ العقل
تاريخ النشر: 22nd, March 2025 GMT
أعلنت شركة "سينكرون" المتخصصة في تقنيات واجهات الدماغ والحاسوب (BCI)، عن تطوير "كيرال"، أول نموذج تأسيسي معرفي للذكاء الاصطناعي يعتمد على بيانات مباشرة من النشاط العصبي للدماغ البشري، في خطوة وصفت بأنها تمثل نقلة نوعية نحو عصر "الذكاء الاصطناعي المعرفي".
وجاء الإعلان خلال مؤتمر NVIDIA GTC 2025، حيث استعرضت الشركة قدرات تقنيتها الجديدة بالتعاون مع NVIDIA Holoscan ونظارة Apple Vision Pro، ما أتاح للمستخدمين التحكم في البيئات الرقمية والمادية عبر التفكير المباشر باستخدام تقنية Stentrode.
وعرضت "سينكرون"مقطع فيديو وثّق تجربة حية لأحد المرضى المصابين بمرض التصلب الجانبي الضموري (ALS)، حيث تمكن من التحكم الكامل في منزله الذكي من دون استخدام اليدين أو الصوت أو حتى اللمس، وذلك عبر الأوامر العقلية فقط.
اقرأ أيضاً.. استطلاع جديد يكشف: الذكاء الاصطناعي العام بعيد المنال
وتمكن المستخدم من التحكم بالإضاءة وتشغيل الموسيقى وضبط الحرارة وتشغيل الأجهزة المنزلية عبر تتبع العين والتفكير المباشر.
وأوضح الرئيس التنفيذي ومؤسس "سينكرون" الدكتور توم أوكسلي أن النموذج الجديد يعتمد على تقنيات التعلم التوليدي المبني على البيانات العصبية، بهدف تطوير وظائف قادرة على تحسين حياة المستخدمين. وأضاف: "نحن قادرون على جمع بيانات واسعة النطاق بفضل تقنية زراعة الجهاز عبر القسطرة، ما يجعل اعتماد هذه التقنية مستقبلاً شائعًا مثل تركيب الدعامات".
وأشارت الشركة إلى أن خارطة الطريق نحو الذكاء الاصطناعي المعرفي تشمل ثلاث مراحل أساسية بالتعاون مع NVIDIA: الأولى تتمثل في تحقيق فك فوري للإشارات العصبية بدقة عالية بفضل Holoscan، والثانية دمج الوعي البيئي عبر منصة Omniverse ونماذج Cosmos، أما المرحلة الثالثة فتتمثل في تدريب نموذج "كيرال" باستخدام بيانات مجهّلة المصدر تم جمعها من التجارب السريرية.
أخبار ذات صلة
وأكدت "سينكرون" أن هذه التقنية ستحدث نقلة كبيرة في فهم وتفسير نوايا البشر، مشيرة إلى أن قدرتها على نشر هذه الأجهزة بطريقة طبية روتينية سيساهم في جمع بيانات على مستوى سكاني، ما يسرّع من تطوير نماذج معرفية ذكية تتعلم وتتحسن باستمرار.
من جانبه، قال ديفيد نيوولني، المدير الأول لتطوير الأعمال في NVIDIA: "نحن أمام جيل جديد من الحوسبة حيث لا تكتفي التقنية بالاستجابة للبشر، بل تمنحهم قدرات جديدة غير مسبوقة، خاصة لذوي الإعاقة، ما يعزز استقلاليتهم وقدرتهم على التواصل مع العالم".
وتوقعت "سينكرون" أن يمثل هذا التطور قاعدة لبناء أول نموذج معرفي ضخم للدماغ، على غرار النماذج الحالية التي تدربت على النصوص والصور، معتبرة أن الخطوة القادمة هي تدريب الذكاء الاصطناعي على إشارات الدماغ البشرية.
اقرأ أيضاً.. دراسة جديدة تكشف عن غزو الذكاء الاصطناعي للمحتوى على الإنترنت
يُذكر أن "سينكرون" نفذت منذ 2019 تجربتين سريريتين على البشر، وتستعد لإطلاق تجربة سريرية موسعة تهدف إلى تعزيز استقلالية المرضى ذوي الإعاقات الحركية، في سوق تُقدّر قيمته بنحو 400 مليار دولار.
وأكدت الشركة التزامها بتطوير هذه التقنية وفق مبادئ أخلاقية تضمن الحرية المعرفية وحماية حقوق المستخدمين.
إسلام العبادي(أبوظبي)
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: الذكاء الاصطناعي الذكاء
إقرأ أيضاً:
محاكمة أشباح الذكاء الاصطناعي
لا يمكن إنكار إيجابيات التقدم التكنولوجي الكثيرة، كما لا يمكن تجاهل سلبياتها المتمثلة في تعطيل الكثير من المهارات والكفاءات البشرية، فحين ظهرت الآلات الحاسبة ازداد اعتماد الإنسان عليها متجاوزا تنمية مهارات الحساب وحل المعادلات الرياضية، وحين تطورت أجهزة الهاتف المحمولة استغنى كثير من الناس عن الساعات والمذكرات اليومية والتقويم، بل حتى الاستدلال الجغرافي المكاني وتحديد المواقع توقفا اعتمادا على التطبيقات الذكية لتحديد ومسح المواقع جغرافيا، كما استعاض الإنسان بذاكرة الأجهزة المحمولة عن ذاكرته الواقعية الحيّة.
ويأتي الذكاء الاصطناعي ليحمل عنا عبء الكثير من المسؤوليات توفيرا للجهد والمال، وليسرق منا -في ذات الوقت-كثيرا من المهارات الحياتية والكفاءات المعرفية، تنسيق الكتابة والتدقيق والتصحيح الإملائي، مراجعة وتلخيص الكتب الموسوعية والمصادر المعرفية، الترجمة والعروض المصوّرة للأفكار والتصورات البحثية والمشاريع، كتابة الرسائل وصياغة الخطب، جدولة الأعمال وتنسيقها والتذكير بأوقاتها وفقا لأولوية كل منها، كل هذه الأشكال من الراحة الرقمية أسلمت الإنسان إلى الدعة مستعيضا بالآلة عن ذاته، وعن ذاته تحديدا بذات رقمية ظن بها القدرة على تمثيله خير تمثيل في أي معرض بأي زمان ومكان.
وهذه الصورة ليست محض صورة ذهنية نمطية متخيلة لما يمكن أن يفعل الذكاء الاصطناعي ببعض عشاقه ومريديه، بل هي واقع صرنا نعايشه في كثير من المواقف ومنها ما حدث حاليا حينما استشاطت قاضية في محكمة استئناف بولاية نيويورك غضبًا بعد محاولة أحد المُدّعين استخدام مقطع رمزي مُصمم بواسطة الذكاء الاصطناعي للدفاع عن قضيته، متسببا بحالة من البلبلة داخل قاعة المحكمة ظنا من القضاة بأنه يقدم حجته شخصيا أو عن طريق محاميه، لكن الرجل ويدعى جيروم دي وال لديه محامٍ، كان يأمل أن تُقدم الصورة الرمزية حُجة مُحكمة، معتذرا لاحقًا كتابيًا للمحكمة، قائلاً إنه لم يقصد أي ضرر، وفقًا لوكالة أسوشيتد برس، إنما حاول جاهدا إنشاء نسخة رقمية طبق الأصل تشبهه، لكنه لم يتمكن من القيام بذلك قبل جلسة الاستماع، وقال إنه يأمل أن يقدم نموذج الذكاء الاصطناعي حججًا أكثر دقة دون التلعثم في الكلمات أو التذمر مما قد يصدر عن الإنسان الطبيعي!
إن غضب القاضية وصدمة الحضور بذلك انعكاس لصدمة الجميع من تسارع التطور في عالم الذكاء الاصطناعي، ذلك التطور الذي قد تتعطل معه الكثير من القدرات والمهارات البشرية التي لا يمكن للآلة تعويضها بأي حال من الأحوال مهما تطورت برمجياتها وحُدِّثت مُدخلاتها المعرفية، كما أنها صدمة القلق القادم من قدرة الذكاء الاصطناعي على التضليل بصنع النسخ المطابقة للواقع في مجالات مختلفة، لكن مبلغ الصدمة أن تتمثل إنسانا كاملا بمشاعره ومخاوفه، وتبريراته ومنطقه، في قدرتها (إن حصلت) على الربط والتحليل والاستنتاج والجدل وحتى التقاضي، ثم إن كانت قاعدة البيانات لكل هذه البرمجيات موجهة بشريا فكيف يمكن توافر ضمانات لاعتماد برمجيات عادلة غير منحازة ولا مؤدلجة؟ ثم خطورة ورعب الوجه الآخر لهذه التقنيات حين تكون مدفوعة بسلطة مادية أو نفوذ سياسي يحركها وفقا للمستهدف من مساع ومصالح.
هل سيكون هذه المشهد من المحكمة واستخدام الناطق البديل بالذكاء الاصطناعي -بعد تغذيته بالمعلومات والحجج- مشهدا طبيعيا بعد أمد؟ وهل يمكن للتقاضي ذاته بكل أطرافه أن يشهد هذه الرقمنة الصادمة في حديّتِها وعدم استيعابها للحضور البشري الواقعي؟ هل نتحول مع عالم البرمجيات والشفرات البرمجية إلى مجرد أرقام تعبث بها الآلات وتحركها المصالح الاقتصادية؟
ختاما: يقينا ليست هذه التساؤلات أول المطروح في عالم التقنية الحديثة والذكاء الاصطناعي والثورة الرقمية، ولن تكون الأخيرة بالضرورة، لكنها نافذة نحاول من خلالها تلمس الثابت والمتحول في هذه اللعبة المعاصرة الآخذة بأعطاف المستقبل إلى عالم مجهول نترقبه، ولا ندرك كنه تفاصيله بعد، لكننا نتمنى استبقاء الثابت القيمي والأخلاقي في هذه المعادلة الرقمية معقدة الأطراف.
حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية