نستفتح في هذه المقالة الحديث عن بعض الوثائق التي حفظها التراث المخطوط مما يرجع إلى عهد اليعاربة في عمان (1034-1162هـ)، وتتصدر تلك الوثائق جملة من عهود الأئمة اليعاربة إلى ولاتهم أو رسائلهم إلى الفقهاء الذين كان بعضهم من رجال الدولة أو من قادة العساكر، ثم تأتي الوثائق الأخرى من مثل المكاتبات، والحجج الشرعية، وغيرها.

ولعل الوثائق الأصول التي أبقتها الأيام من عهد اليعاربة قليلة قياسًا بما بقيت نصوصه منقولة من أصولها في عدد من كتب الفقه، أو ضمن ما يُعرَف بـ«خوارج النص»، وهي كل ما سوى متن الكتاب المخطوط من زيادات وتقييدات وتعليقات ومنقولات.

وأول وثيقة نتعرض لها: عهد الإمام ناصر بن مرشد اليعربي (1034-1059هـ) إلى واليه على سمد الشأن من الشرقية، الوالي بلعرب بن مانع بن علي الإسماعيلي الأبروي، وهو كذلك كان واليًا له بمدينة صور، وأحد القادة الذين اشتركوا في قتال البرتغاليين وطردهم، وفيه يقول المؤرخ البطاشي: «وهو الذي افتتح صور من احتلال البرتغال، وطردهم منها». ويُحتَمل أن ولايته على سمد الشأن صارت بعد استتباب الأمور للإمام في المدن الساحلية التي كانت خاضعة للبرتغاليين. وهذا العهد نقله الفقيه راشد بن سعيد بن رجب الحارثي الأبروي (ق11هـ) في كتاب له عُرِف بجامع ابن رجب، ونص العهد:

«هذا ما يقول الإمام -أعزّه الله- ناصر بن مرشد بن مالك للوالي بلعرب بن مانع بن عليّ: إنّي قد ولّيتك على قرية سمد الشان، وما حولها وما بينها من المسافي والمزارع، بدويها وحضريها، على أن تعمل فيهم بكتاب الله تعالى، وتحيي فيهم سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وآثار أئمّة الهدى وقادة التقوى، الذي جعلهم الله ورثة الكتاب والسنّة، وجعلهم للنّاس أئمّة، وأن تأمر فيهم بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتوالي في الله وتعادي عليه، ولا تخف في الله لومة لائم، وأن تخلط الشدّة باللين، وأن تحفظ جناحك لمن اتّبعك من المؤمنين، وأن تعرف لكلّ أمر حقّه وتنزله منزلته وتوفّيه حقّه، وتنكر المنكرات بغير تجاوز إلى غير واجب أوجبه الله بالجدّ والتشمير، وترك التهوين والتقصير، وأن تنوء في ذلك من مصالح أهل ولايتك، وإصلاح أفلاجهم، وعمارة مساجدهم، والصفح عن مسيئهم ما وسعك ذلك فيهم، وأن تقبض زكواتهم بحقّها، وتجعلها في أهلها بعدلها، طيبة نفس معطيكها، إلا من وجب جبره عليها، ولا يخفى ذلك عليك إن شاء الله.

وقد جعلت لك أن تعامل على صوافيها بمزارعة، أو قعادة، وقبض غوالها، وقد جعلت لك حماية البلاد والذب عن الحريم، وألزمت جميع أهل هذه القرى طاعتك، وحجرت عليهم معصيتك ما أطعت الله ورسوله، وقمت بما شرطته عليك في عهدي هذا إليك، وإن خالفت إلى غير ذلك، فأنا ومال المسلمين بريئان منك، وأنت مأخوذ به في نفسك ومالك. واعلم أنّه لا أثرة عندي لظالم ولا [حيف] لمسلم، بل إرادتي إعزاز دين الله تعالى، والأخذ على أيدي الظالمين، وكسر شوكة المعتدين، وإخماد كلمتهم، وإطفاء بدعتهم، وتفرّق جماعاتهم التي يجتمعون فيها على الحرام، والخوض في الآثام، وانتهاك عظيمات الأمور ما استطعته. وقد جعلت لك حبس من يجب حبسه من أهل الأحداث و[الحقوم] على قدر ما تراه عدلًا، فيما حفظته من آثار المسلمين، من غير حيف ولا ميل، ولا تأتمن على ما ائتمنتك عليه من أمانتي التي أنا أمين لله تعالى وللمسلمين عليها إلا من هو حقيق بذلك في دين المسلمين، والله فاتَّقِ، وبه فاكْتَفِ، وإليه فالتَجِ، ولا حول ولا قوّة إلا بالله العليّ العظيم، وصلّى الله على رسوله محمّد النبيّ وآله وسلّم».

وقد اشتمل العهد على وظائف عديدة للوالي في الشق القضائي، وفي الشق التعليمي الإرشادي، وفيه كذلك توجيه نحو الإعمار والزراعة والأخذ بأسباب المعيشة ونمو الاقتصاد في ذلك العصر، فهو يوجهه إلى إصلاح الأفلاج وقبض الزكاة. وفيه أيضًا توجيهات في مهارات التواصل مع الرعية من بين لين وشدّة، ونصرة المظلوم والأخذ بيد الظالم.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

فضلا .. أتركونا نخشع في صلاتنا

من المُفْرح لكل مسلم أن تجد المساجد مُكتظة عن بكرة أبيها بالمصلين في أيام وليالي شهر رمضان للتقرب إلى الله عزَّ وجلَّ خاصة مع الأجواء الروحانية والصلوات الإضافية التي تكون في هذا الشهر المبارك مثل القِيَام والتهجُّد لتنقية الأرواح من شوائب حب الدنيا والتعلق بها وتهذيب الأنفس وترويضها لخالقها والتسابق إلى الطاعات وأعمال الخير، وبدرورنا نسأل الله لهم الثبات على أداء الصلوات في المساجد والارتباط بها طوال العام

ولكن المشكلة تكمن في “بعض” مرتادي المساجد الذين لا يُعظِّمون المساجد ولا يراعون حرمتها وتنزيهها عن كل ما لا يليق بها من تصرفات مذمومة والتي قال الله عنها {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} (النور-36)، بل ويقومون بإيذاء المصلين والمعتكفين في المساجد بتصرفات غير حضارية لا يرضاها الله ورسوله، حيث قال الله تعالى عنهم في كتابه {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} (الأحزاب-58)، ومن هذه التصرفات، الحضور للمساجد بملابس غير لائقة أو قصيره أو ضيقة أو تحمل صورا وشعارات مستفزة، وهم يقرأون قول الله في سورة الأعراف {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (الآية-31)، أو بقراءة البعض للقرآن بصوت عالٍ أو الحديث مع الآخرين في المسجد والتشويش على المسلمين أو بعدم إغلاق أصوات الهواتف وكثرة رنينها أو الروائح الكريهة والعياذ بالله سواء كانت في الفم أو الملابس أو روائح الدخان وغيرها، أو الدخول بين المصلين في فجوات لا تحتمل شخص آخر، أو تخطي الرقاب، أو الدعس على أرجل المصلين في الصفوف، مما يُسبِّبُ مضايقة وعدم راحة لأداء الصلاة وفقدان للخشوع والتركيز، أو ترك المخلفات والقاذورات في بيت من بيوت الله دون خوف من الله، أو إحظار أطفال أقل من 7 سنوات ( أو أطفال رُضَّع مع بعض النساء) وعدم مراقبتهم وتركهم في آخر المسجد للهو واللعب والصياح والعبث بعبوات المياه ومحتويات المسجد وكأن المسجد أصبح مدينة ملاهي للأطفال ليس الهدف من القدوم له للصلاة والعبادة بل هو لإخراج الأطفال للنزهة المجانية وتغيير أجواء المنزل لهم على حساب المصلين، كل ذلك له تأثير كبير على تركيز الإمام في القراءة وعلى المصلين في التدبر وسماع الآيات القرآنية والخشوع ومتابعة الإمام، ناهيك عن بعض المصلين الذين يحجزون أماكن لهم في الصف الأول بوضع بعض مقتنياتهم لعدم جلوس السَبَّاقين، بل ويأتون للصلاة في وقت متأخر وقد سُئِل الإمام ابن باز -رحمه الله- عن ذلك فأجاب بأنه أمر لا يجوز شرعاً وهو غصب للمكان ولا حق لمن غصبه فالسابق للصف أحق وأولى منه، والواجب التنبيه عليه وإزالة هذه المقتنيات من الصف من قبل إدارة المسجد.
في رأيي الشخصي أن القضاء على هذه الظاهرة التي أصبحت متكررة طوال العام وخاصة في شهر رمضان المبارك تحتاج إلى وقفة حازمة من وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد بعمل زيارات ميدانية على المساجد في رمضان وتخصيص هاتف للشكاوي من هذه التصرفات وتكثيف الزيارات على المساجد التي تكثر فيها الشكاوي ومعاقبة المتسببين في مضايقة المسلمين بالمساجد بقائمة غرامات واضحة تكون مكتوبة ومنشورة في مدخل كل مسجد مع تخصيص خطبة للجمعة لأئمة المساجد سواء كل شهر أو شهرين لتثقيف المصلين بأخطاء المساجد من واقع تواصل الإمام مع المصلين ومعرفة الأخطاء المتكررة من البعض وتوضيح حرمة المساجد وأهميتها وعظمتها لكل مسلم.

أما رسالتي لكل مسلم يقصد المساجد ويأتي للصلاة والعبادة ويكون من هذه الفئة التي نسأل الله لها الهداية والصلاح هي “فضلا .. أتركونا نخشع في صلاتنا” وخاصة في هذه الأيام والليالي العظيمة التي أكرمنا الله بها في شهر رمضان المبارك والتي لا تأتي إلا مرة واحدة في السنة وقال عنها المصطفى عليه الصلاة والسلام عندما أتاه جبريل عليه السلام” آمين، آمين، آمين” قيل له: يا رسُول الله، ما كنتَ تَصْنع هَذا؟ قال عَنْ أحَدِها ” رَغِمَ أنْفُ عَبْدٍ دَخَلَ عَليهِ رَمَضَانُ لَمْ يُغْفَرْ لَه، فَقلتُ: آمين”.

 

مقالات مشابهة

  • الإسماعيلي يصارع بيراميدز في كأس عاصمة مصر
  • فضلا .. أتركونا نخشع في صلاتنا
  • ما هي السور التي تقرأ في ليلة القدر 2025
  • أمسيتان في جحانة بذكرى استشهاد الإمام علي
  • ناصر الدين تابع أوضاع مستشفى الحريري
  • سنة صلاة الجمعة البعدية.. تعرف عليها
  • دعاء الجمعة الثالثة من رمضان .. 8 كلمات فيهم العجب
  • الشهادة في فكر الإمام علي “عليه السلام”
  • سطيف: الوالي يلغي قرعة ترحيل تجار السوق المغطاة بالعلمة