بين أوروبا وواشنطن.. كيف تتشكل ملامح العلاقة مع سوريا الجديدة؟
تاريخ النشر: 22nd, March 2025 GMT
تنشط الدبلوماسية السورية بشدة منذ سقوط النظام السابق من أجل ترميم علاقاتها الدولية ورفع العقوبات الغربية المفروضة على البلاد خلال عهد الرئيس المخلوع بشار الأسد، فيما تبدو الوجهة الأوروبية لصناع القرار في دمشق أكثر مرونة واتساقا في الرؤى مقارنة بما هو الحال عليه في واشنطن.
ففي حين تجري دمشق زيارات متبادلة مع الاتحاد الأوروبي الذي يبدي حرصا على دفع عجلة الاستقرار في سوريا عبر عملية تحول سياسي شاملة، فإن الولايات المتحدة في عهد الرئيس دونالد ترامب تبدو أكثر تحفظا إزاء الحكومة السورية الجديدة.
والخميس، أجرت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك زيارتها الثانية خلال أشهر قليلة إلى سوريا بعد أيام قليلة من انعقاد مؤتمر المانحين في بروكسل بشأن سوريا، بمشاركة هي الأولى من نوعها من الحكومة السورية ممثلة بوزير خارجيتها أسعد الشيباني.
وقامت بيربوك بافتتاح السفارة الألمانية في دمشق بعد إغلاق دام 13 عاما، كما أجرت زيارة ميدانية إلى حي جوبر المدمر شرقي العاصمة السورية، وتعهدت بمواصلة المساعدات الإنسانية وتخفيف العقوبات بشكل أكبر، مؤكدة أن "بداية سياسية جديدة بين أوروبا وسوريا، وبين ألمانيا وسوريا، أمر ممكن".
ويرى مراقبون تحدثوا إلى "عربي21"، أن هناك تباينا واضحا بين الموقفين الأوروبي والأمريكي تجاه التحول السوري، فأوروبا تسير نحو انفتاح متزايد، مدفوعا بعوامل مثل ملف الهجرة والأمن القومي.
بينما تتخذ الولايات المتحدة موقفا أكثر حذرا وتتجنب الانخراط المباشر المعلن في الشأن السوري من خلال تفويض عدد من الدول الإقليمية وفي مقدمتها تركيا لإدارة الملف السوري.
ورغم عدم انخراط واشنطن بالملف السوري مقارنة بأوروبا، إلا أن الدور الأمريكي يبدو فاعلا بشكل أكبر في الحراك الدبلوماسي خلف الكواليس، حيث أشارت تقارير إلى أن الولايات المتحدة لعبت دور الوسيط لإتمام اتفاق دمج قوات سوريا الديمقراطية "قسد" في الدولة السورية الجديدة.
وكانت صحيفة "وول ستريت جورنال" أوضحت نقلا عن ضباط أمريكيين، أن هذه التحركات تهدف إلى منح الولايات المتحدة دورا في تشكيل مستقبل سوريا وكذلك احتواء تنظيم الدولة الإسلامية، مشيرة إلى أن الجيش الأمريكي على اتصال بمكتب الرئيس السوري أحمد الشرع ووزارة الدفاع في دمشق.
إقبال أوروبي
يرى الباحث السياسي مصطفى النعيمي أن الانفتاح الأوروبي على الحكومة السورية في الوقت الحالي يعتبر في "مستوى ممتاز"، مشيرا إلى أن هذا الانفتاح يعالج ملفات ملحة تشترك فيها الدول الأوروبية.
وقال النعيمي في حديثه مع "عربي21"، إن "هناك حالة تقارب كبير بين الرؤية الأوروبية والسورية، وهو ما سينعكس إيجابا على الواقع السوري سواء على المستوى الاقتصادي أو السياسي"، مشددا على أهمية "استثمار مواقف دول الاتحاد الأوروبي تجاه دعم الحكومة السورية".
واعتبر الباحث أن هذا الموقف الأوروبي "يأتي استكمالا للمواقف الدولية التي تصب في مصلحة سوريا وأوروبا من أجل استدامة الاستقرار في سوريا"، لافتا إلى أن "الموقف الألماني يعتبر من أهم المواقف التي تعبر عن الترابط الوثيق بين الجانبين".
ووفقا للباحث، فإن ألمانيا تحاول من خلال تقديم الغطاء السياسي اللازم لشرعية حكومة دمشق أن تساهم في استقرار سوريا ودول الاتحاد الأوروبي. مشيرا إلى أن "الأهداف المشتركة تتحقق لكلا الجانبين من خلال دعم عملية الاستقرار السورية".
من جانبه، شدد الباحث في مركز أبعاد للدراسات فراس فحام على أن الهجرة غير الشرعية تعد أحد العوامل الرئيسية التي تحرك الموقف الأوروبي تجاه سوريا، مؤكدا أن هذا الملف يمثل أولوية لمختلف الدول الأوروبية، وخاصة تلك التي تشكل خط المواجهة الأول مع موجات الهجرة، مثل إيطاليا.
وقال في حديثه مع "عربي21"، إنه "مع صعود اليمين والمحافظين في ألمانيا، أعتقد أن مسألة الهجرة ستتحول إلى أولوية، ووقف الهجرة وإعادة جزء من اللاجئين السوريين في ألمانيا إلى سوريا سيصبح من الأولويات أيضا".
وأشار فحام إلى أن فكرة احتواء اللاجئين داخل الأراضي السورية كانت موجودة لدى الأوروبيين حتى قبل سقوط النظام، لكن النظام السوري لم يتجاوب مع هذه الفكرة، حيث تعامل مع المسألة من منظور روسي. وأضاف أن "روسيا كانت تريد أن تبتز أوروبا باستمرار موجات الهجرة".
وأكد فحام أن التحرك الأوروبي تجاه سوريا أصبح أكثر وضوحا بعد وصول إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى السلطة، حيث بدأت أوروبا تتحرك لحماية أمنها القومي.
وشدد على أن "هناك مشكلة حقيقية أمام الأوروبيين إذا استمرت القواعد العسكرية الروسية في سوريا، لأنها ستكون أشبه بخنجر في خاصرتها، حيث تستطيع روسيا من خلالها نشر أسطولها أو قاذفاتها الجوية الاستراتيجية، وتهديد الأمن الأوروبي".
ولدى روسيا قاعدتين عسكريتين استراتيجيتين على الساحل السوري، وبعد سقوط نظام الأسد انخرطت موسكو بمفاوضات مع السلطة الجديدة في دمشق بشان مصير هاتين القاعدتين، إلا أن الغموض لا يزال يلف هذا الملف.
"تفويض" أمريكي
قالت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية تامي بروس إن "واشنطن تراقب تصرفات السلطات السورية في عدد من القضايا بينما تفكر في سياستها المستقبلية تجاه سوريا"، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة لا تزال تدعو إلى "حكومة مدنية شاملة قادرة على بناء مؤسسات وطنية".
وأضافت خلال مؤتمر صحفي الجمعة، أن "الاستقرار والازدهار طويل الأمد للشعب السوري يتطلبان حكومة تحمي جميع السوريين على قدم المساواة"، لافتة إلى أن واشنطن تريد "في نهاية المطاف رؤية سوريا تعيش بسلام مع جيرانها، وتحترم حقوق الإنسان، وتمنع الإرهابيين من استخدام أراضيها كملاذ آمن".
لا يخرج حديث الخارجية الأمريكية عن الخطوط العريضة التي وضعتها واشنطن إزاء التحول السوري عقب سقوط نظام الأسد أواخر العام الماضي، لكن المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف خرج بتصريحات تعرب عن التفاؤل إزاء الرئيس أحمد الشرع.
وقال ويتكون في مقابلة مع الإعلامي تاكر كارلسون، إن هناك "مؤشرات على أن الجولاني (أحمد الشرع) اليوم هو شخص مختلف عما كان عليه من قبل"، لافتا إلى أن "الناس يتغيرون بالفعل".
وتابع "أنت شخص مختلف تماما في الخامسة والخمسين عما كنت عليه في الخامسة والثلاثين. أنا شخصيا أدرك أنني اليوم، في الثامنة والستين من عمري، لست الشخص نفسه الذي كنت عليه قبل ثلاثين عاما. ربما أصبح الجولاني شخصا مختلفا، لقد طردوا إيران من سوريا".
يرى النعيمي في حديثه مع "عربي21"، أن الموقف الأمريكي تجاه الحكومة السورية "متغير"، مرجعا ذلك إلى "القرارات الارتجالية التي تتخذها الإدارة الأمريكية الحالية تحت قيادة دونالد ترامب".
لكنه أضاف أن "هناك تنسيقا مستداما بين الحكومة السورية والولايات المتحدة لحل الملفات العالقة، بما في ذلك مسألة قوات سوريا الديمقراطية"، لافتا إلى أن هناك رغبة أمريكية بإيجاد حلول لملف "قسد" التي تسيطر على مساحات واسعة من شمال شرقي سوريا، وذلك "للحفاظ على وحدة الأراضي السورية ومنع حدوث اجتياح شامل".
وفيما يتعلق برؤية واشنطن تجاه الحكومة السورية، أشار النعيمي إلى أن "الرؤية الأمريكية تتمثل في إعادة الاستقرار كهدف استراتيجي رئيسي للولايات المتحدة"، مؤكدا أن دفع "قسد" نحو الحكومة السورية يأتي "في ذات السياق لتحقيق الاستقرار".
وأشار إلى أن "عودة الاستقرار إلى سوريا تحقق أهدافا مشتركة للمنظومة الدولية، مثل إيصال الغاز الخليجي إلى دول الاتحاد الأوروبي لتعويض الغاز الروسي، وبالتالي خنق الاقتصاد الروسي".
بدوره، أوضح فحام في حديثه مع "عربي21"، أن إدارة ترامب تتجه نحو تفويض قوى إقليمية ودولية في التعامل مع الملف السوري، بدلا من الانخراط المباشر.
وقال "نتحدث هنا عن تفويض تركيا والمملكة العربية السعودية وقطر، بالإضافة إلى روسيا، على أساس أن تعمل هذه الدول على تقليص نفوذ إيران أو ضمان عدم عودتها إلى سوريا، وملء الفراغ، والعمل على منع ظهور تنظيم داعش".
وأشار فحام إلى أنه لا يرى توجها لدى الإدارة الأمريكية للانخراط المباشر في الملف السوري، مرجحا أنه "خلال الفترة المقبلة، بعد إنجاز الاتفاق بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية، قد يكون هناك إعادة انتشار للقوات الأمريكية في سوريا".
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هاتف قبل أيام نظيره الأمريكي من أجل مناقشة العديد من الملفات من بينها استعادة الاستقرار في سوريا، حسب بيان صادر عن الرئاسة التركية.
وشدد أردوغان على "أهمية مساهمة أنقرة وواشنطن في رفع العقوبات عن سوريا لاستعادة الاستقرار وتمكين الإدارة الجديدة من العمل ودعم عودة الأوضاع إلى طبيعتها".
ووصف ويتكوف الاتصال الهاتفي بين الزعيمين بأنه "عظيم"، لافتا إلى أن ترامب يحظى بعلاقة طيبة أردوغان "وستكون هذه العلاقة رأس مال مهم"، موضحا أن "هناك الكثير من الأخبار الإيجابية والخير الآت من تركيا الآن بسبب تلك المحادثة".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية الاتحاد الأوروبي سوريا الولايات المتحدة ترامب الشرع سوريا الولايات المتحدة الاتحاد الأوروبي الشرع ترامب المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاتحاد الأوروبی الولایات المتحدة الحکومة السوریة الملف السوری لافتا إلى أن فی حدیثه مع إلى سوریا فی سوریا فی دمشق من خلال
إقرأ أيضاً:
رأي.. إردام أوزان يكتب: المعركة الخفية.. ملء فراغ السلطة في سوريا
هذا المقال بقلم الدبلوماسي التركي إردام أوزان *، سفير أنقرة السابق لدى الأردن، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
تتجاوز المشكلة في سوريا الصراعات الدائرة في السويداء أو المناورات الجيوسياسية الإسرائيلية. تكمن المشكلة الأساسية في الفراغ الواسع الناجم عن غياب السلطة والرؤية داخل الدولة السورية. هذا الفراغ هو أحد أعراض الصراع الدائر، ومحفز لمزيد من عدم الاستقرار.
لقد امتدت الاضطرابات والسخط، التي اندلعت سابقًا في المنطقة الساحلية، إلى الشمال الشرقي، ومؤخرًا إلى الجنوب الغربي. ويُعدّ كل تفجر للاضطرابات تذكيرًا صارخًا بأن البلاد ستستمر في الانزلاق إلى الفوضى دون رؤية موحدة للمستقبل. ومع تنافس الفصائل المختلفة على السلطة والنفوذ، تُصبح الساحة مهيأة للاستغلال من قبل جهات خارجية وجماعات متطرفة، راغبة كل الحرص في ملء الفراغ الذي خلّفته الدولة المتعثرة.
إن أعمال العنف الأخيرة، التي أججتها تسجيلات صوتية زادت من حدة التوترات بين السنة والدروز، تُبرز عدم استقرار المنطقة. وقد جددت الاشتباكات المخاوف والشكوك، مؤكدةً على التدخل الأجنبي، ولا سيما دور إسرائيل، إذ طلب أحد الوجهاء الدروز الدعم الإسرائيلي، وشنت إسرائيل غارات جوية، إحداها قرب القصر الرئاسي في دمشق. وكانت هذه الضربة بمثابة تحذير وحماية للدروز، مُظهرةً هشاشة توازن القوى في هذه المنطقة المضطربة.
في قلب هذا الوضع تفاعلٌ معقد: وجود الانقسامات الطائفية والتدخل الأجنبي عاملان مترابطان يُسهمان في استمرار عدم الاستقرار. أعادت الحكومة السورية، بدعم من ميليشيات درزية مثل رجال الكرامة، فرض سيطرتها على بعض المناطق، إلا أن العنف يُقوّض الاستقرار النسبي. لا يزال انعدام الثقة قائمًا بين أبناء المجتمع رغم دعوات شخصيات نافذة مثل المفتي العام أسامة الرفاعي إلى الوحدة. إن تركيز الحكومة الانتقالية على السيطرة على الأراضي من خلال صفقات مؤقتة، بدلًا من احتضان المجتمع بأكمله، يُنذر بخلق حلول مؤقتة لا تُعالج الأسباب الجذرية للصراع.