لجريدة عمان:
2025-03-23@10:19:58 GMT

عندما كُنَّا عربا

تاريخ النشر: 22nd, March 2025 GMT

«إنَّ مفتاح القراءة التي قام بها أمريكو كاسترو لتاريخنا، يتكون من جدلية خيط شرقي في الثقافة الإسبانية، والتي جاء بها للإجابة عن الكثير من الأسئلة، ولإثارة أسئلة أخرى». يبدأ كتاب «عندما كُنَّا عربا» بهذه المقولة المثيرة للجدل للمؤرخ الإسباني فرانثيسكو ماركيز، وهي لا تزيد جدلًا ودهشة وطرافة عن عنوان الكتاب نفسه! كما هو الحال في غرناطة التي تنقسم إلى مؤيد ومعارض لمظاهر الاحتفالات بذكرى سقوطها في يناير «كانون الثاني» من كلِّ عام، ولعلَّ هذا ما دفع الباحث والأكاديمي الإسباني إميليو غونثالث فيرين إلى دخول هذا المعترك المثير للجدل بتأليفه لكتاب: «عندما كُنَّا عربا»، الذي يعود فضل ترجمته إلى العربية إلى الباحث والأكاديمي والمترجم حسني مليطات.

يأتي الكتاب بمثابة إعلان عن المبادئ كما يقول مؤلفه، بعد تلك الهجمة المغرضة والمسيئة التي طالت تلك الحقبة من الزمن من تاريخ الأندلس، فهو «لا يسعى إلى إثارة اللغط، بل لحث العقل على التأمل والتفكير»، ويضيف: «لن أتابع تلك اللعبة المملة لمعرفة من أكثر النقاد تكشيرا عن أنيابه، ومن أولئك الكتاب الذين يتركون هوامش أطول من المتن للإشارة إلى كثرة مصادرهم»، فإذا ما علمنا أنَّ فيرين الذي يمتلك خبرة واسعة وعميقة بالمجتمع العربي المعاصر، من خلال عمله كأستاذ زائر في جامعات القاهرة وعَمَّان ودمشق، ومن خلال تخصصه الدقيق في التاريخ العربي والإسلامي، ندرك رغبته الجادة في معارضة التيار الرسمي في بلاده، بما أثاره في كتابه هذا، بالإضافة إلى مؤلفاته الأخرى، والتي من بينها: الكلمة المُنزلة: مدخل إلى القرآن (2002)، وتاريخ الأندلس عام (2006).

تقول عنه الأكاديمية اليزابيث غرايسون، أستاذة لغات العصور الوسطى والمعاصرة: «فيرين أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة إشبيلية، ألَّف ما لا يقل عن خمسة عشر كتابا، تحول خلال السنوات الأخيرة إلى ما يشبه المتمرد، فهو شخص يفكر خارج الصندوق بطرق جديدة ومثيرة، ولقد أدخل نَفَسَا تقليديا إلى السلوك الذي ينتهجه العلماء الإسبان»، فقد سعى في كتابه إلى معرفة كيف تكون الافتراضات العلمية الإنسانية، وكيف يكون النقاش عند تناول تلك الافتراضات فكريا.

يقول في مقدمته: «أقترح تفسيرًا لكلّ ما أدركه، وينبغي عليّ قبوله ومعرفته عندما نتعامل مع ما هو أندلسي: طبيعته التطورية، ومساهمته في المصادر الثقافية المتوسطية للغرب، والوجه الحضاري الإسلامي الذي لا يمكن إنكاره في الزمن الأوروبي الطويل، والخصوصية الاجتماعية المتعلقة بجزء كبير من مشاهيره التاريخيين».

حمل فيرين على عاتقه التصدي لتلك للدعوات المغرضة التي تهدف إلى «التشويش الذهني» لتلك الحضارة التي أسسها العرب في تلك البلاد، ساعده في ذلك التزامه بمنهج الباحث والأكاديمي الصارم في طرحه، واضعا نصب عينيه فضح أساطير إسبانيا القومية الكاثولوكية، كما يقول عنه أستاذ القانون المدني في جامعة قرطبة أنطونيو مانويل. فأهمية الكتاب تنطلق من خلال دراسته للنص القرآني في وقت نزوله، ثم نظرته إلى طريقة تفسيره في العصور الوسطى؛ لمعرفة كيف يكون صالحا في تلك الحقبة. ولم يكتفِ بذلك، بل تعداه فنظر إلى الإسلام نظرة معاصرة، في إطار الصورة التي ينظر إليها الغرب إلى الإسلام في يومنا الحالي، كما يقول الكاتب والمترجم جعفر العلوني. من هنا ينطلق فيرين في كتابه وهو يعرض الرواية السائدة عن تاريخ الحضارة الأندلسية، في محاولة منه لتصحيح ما أنكره بعض ما يعتبره المؤرخون من المسلمات والحقائق، فاتحًا بذلك بابًا واسعًا للجدل والإثارة، بما عرضه من أفكار تصحيحية تقوِّم المعوج وتجعل المسار مستقيمًا لا عوج فيه.

يقول فيرين في أحد لقاءته بالكاتب سميح مسعود، بعد أن أبدى استغرابه العميق بعنوان الكتاب: «أكَّدتُ في كتابي على أنَّ الإسبان كانوا عربا بشكل حقيقي لفترة تزيد عن خمسمائة سنة، كانوا عربا بطريقة تفكيرهم وطريقة كتابتهم ومعارفهم، وحتَّى نظرتهم الأخلاقية للحياة والمجتمع، وأنَّهم بالإنجازات العلمية والجغرافية والفلكية والفلسفية التي حقّقها العرب، والتي امتلكها الإسبان عندما كانوا عربا، استطاعوا أن يبنوا إمبراطوريتهم العظمى»، فهو يرى أنَّ كلَّ ما تحقق على تلك الأرض من إنجازات علمية وحضارية يعود فضله إلى أصحاب الأرض من الفاتحين، الذين عاشوا هناك مدَّة طويلة من الزمن، فأسسوا القلاع والحصون والقصور والجوامع، التي تدلُّ على عمق تلك الحضارة ومجدها، وأنَّ ما بقي إلى يومنا هذا يعدُّ شاهدا حقيقيا على ذلك المجد التليد الذي استطاع العرب المسلمون تأسيسه، فدورهم لم يقتصر على أصحاب الأرض، بل تعداه فشمل أنحاء كثيرة من أوروبا عندما كانت ترسل هي الأخرى أبناءها للدراسة في حواضر قرطبة وغرناطة وإشبيلية وغيرها.

ولم يكن فيرين وحده يخوض هذا المعترك أمام الإسبان، بل كان معه المستعرب خوليو سامسو، مؤرخ العلوم العربية الأندلسية في جامعة برشلونة، يقول: «لولا ما فعله العرب أو الإسبان عندما كانوا عربا في مختلف العلوم، لما كان هناك احتمال بحدوث النهضة الفكرية والعلمية التي نراها اليوم»، اعترافا بأصحاب الفضل من علماء تاريخ الأندلس، كابن رشد وابن حزم وابن طفيل وابن سينا وابن خلدون وغيرهم، ممن أسهموا في إثراء عصر التنوير الأوروبي، من خلال تلك المؤلفات العلمية الضخمة التي استفادت منها تلك الحضارات.

ويضيف فيرين: «إشبيلية تذكر بفخر واعتزاز أبناءَها النابغين في العلم والشعر والأدب والفلسفة، من أمثال: شيخ المتصوفين محيي الدين بن عربي، والشاعر ابن فرح الإشبيلي، والشاعر ابن هانئ الأندلسي، والطبيب ابن زهر الإشبيلي، وغيرهم».

وعليه فكتاب فيرين «عندما كُنَّا عربا» يقع ضمن كتب الحقول الدلالية، التي تدفع القارئ إلى قراءة موضوعات جذابة ومثيرة، تتناول موضوعات مغايرة للواقع المعاش حاليا، أو على أقل تقدير تسير عكس التيار الموجه لأذهان وأفهام مَن يعيش على تلك الأرض، فهو يتناول الحديث عن أهم الحقب التاريخية التي أسست حضارة واسعة شملت كلَّ مناحي الحياة، ناسبًا الفضل لأصحابه من العرب، وأثر وجودهم على مدى تلك القرون علميًا وثقافيًا وحضاريًا واجتماعيًا؛ سعيًا منه لتوثيق هذا الوجود وتاريخه وأدبه وتراثه، وبيان أثر ذلك على الواقع والتشكيل المعرفي لكلِّ من يعيش الآن على تلك البقاع العربية الأصل، وهو بذلك يسعى إلى تغيير نظرة الإسبان إلى العرب والمسلمين، بما قدَّم لنا من دراسات عميقة في التاريخ الإسلامي، أسوة «بأقرانه من المستعربين، من أمثال: أميريكو كاسترو، وإيميليو غارسيا وغيرهم، من الذين يدافعون عمَّا حدث حقا على مجموع الأراضي التي تسمَّى اليوم: إسبانيا، عبر التاريخ، وليس عن تاريخ ما صارت عليه إسبانيا إبَّان تكوينها في العصر الحديث».

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: عندما ک ن من خلال ا عربا

إقرأ أيضاً:

عندما تسمع الأذان في سوق دمشق.. قصة لم تُروَ من قبل

واستعرضت حلقة 2025/3/20 من برنامج "في رحاب الشام"، التاريخ العريق لمدينة دمشق التاريخية، وسلطت الضوء على العلاقة الفريدة بين المساجد والأسواق والخانات التجارية في المدينة العريقة.

وبدأت الحلقة بوصف دمشق بأنها "مدينة الألف مئذنة والألف مسجد والألف محراب"، حيث تمتزج الروحانية بالحياة اليومية في نسيج المدينة.

وبينت الحلقة أن انتشار المساجد في دمشق بدأ منذ اللحظة الأولى لدخول الإسلام إليها، لتصبح المساجد حاضرة في كل حي وحارة وسوق، وأبرزت الارتباط القوي بين الأسواق والمساجد في دمشق.

وتطرقت بالتفصيل إلى خان الحرير، أحد أقدم الخانات التاريخية في دمشق، والذي بناه درويش باشا قبل حوالي 500 عام كوقف للإنفاق على جامع الدرويشية.

وكان الخان بمثابة فندق للتجار، إذ كان الطابق الأرضي مخصصا للإسطبلات والطابق العلوي للغرف.

وتطرقت الحلقة أيضا إلى طريق الحرير التاريخي الذي كان يمر بدمشق، وكيف تحول استخدام الخان عبر العصور ليصبح مركزا تجاريا يضم محلات لبيع مستلزمات الخياطة بالجملة.

التكامل بين التجارة والعبادة

وشملت الجولة جامع الدرويشية الذي بناه درويش باشا، والذي لم يكن مجرد مسجد بل مجمعا علميا ودينيا يضم مكتبة وسبيل ماء ومدرسة لطلاب العلم، إضافة إلى جامع عبد الله باشا العظم المعروف بزخارفه البديعة والمقرنصات والحجر الأبلق.

إعلان

وسلطت الحلقة الضوء على التكية السليمانية، التي شيدها السلطان سليمان القانوني على ضفة بردى لتكون دارا للعلم والعبادة والضيافة وملاذا للمحتاجين، إذ تتميز بمآذنها النحيلة التي تشبه أقلام الرصاص.

وخُتمت الحلقة بزيارة خان أسعد باشا العظم، الذي وُصف بأنه "أجمل خانات الشام" وأحد أفخم "الفنادق" في عصره.

وكان هذا الخان يجمع بين الوظيفة التجارية والسكنية، ويعد بمثابة "بورصة" تجارية تشبه بورصة نيويورك في عصرنا الحالي.

وأكدت الحلقة في ختامها على أن دمشق تمثل نموذجا فريدا للتكامل المعماري والاجتماعي، حيث "المسجد ليس مجرد مكان للصلاة، والسوق ليس مجرد دكاكين بيع وشراء"، بل هي منظومة مترابطة تعكس البنية الاجتماعية المتماسكة التي ميزت الحياة الدمشقية عبر القرون.

الصادق البديري21/3/2025

مقالات مشابهة

  • كتاب: المنعطف الأمريكي الرابع
  • كيف ساهمت منصات التواصل في زيادة الهوس بالذات؟
  • تأجيل محاكمة المتهمين في "قضية إسكوبار" إلى أبريل.. وشقيق بعيوي يقول للمحكمة: "مليار ليست بشيء عندي"
  • موعد عيد الفطر المبارك.. الفلك يقول كلمته
  • عندما تسمع الأذان في سوق دمشق.. قصة لم تُروَ من قبل
  • النجمة زينة في حوارخاص لـ البوابة نيوز: حب الناس للعتاولة خلاني مطمنة ومخافش من تقديم جزء جديد لا يشغلني الترند ومركزة في شغلي فقط الناجح الناس بتعرفه من غير ما يقول كواليس العمل مع العتاولة ممتعة
  • إسرائيل تسعى لهدم نصف مخيم جنين.. ماذا يقول الأهالي؟
  • البنك الدولي يتوّقع نمّواً «غير مسبوق» للاقتصاد الليبي.. ماذا يقول الخبراء؟
  • هدية أم كلثوم لداخل حسن